فيكتور شابينوف
الحوار المتمدن-العدد: 909 - 2004 / 7 / 29 - 08:29
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تثبت تنظيميا بين 3 و4 تموز عام 2004 الانقسام في أكبر أحزاب اليسار الروسية، الحزب الشيوعي الروسي، بعد أشهر من الصراع بين جناحي زعيم الحزب غينادي زوغانوف و"الرأسمالي" في الحزب غينادي سيميغين. وبهذا بلغ الحزب الشيوعي النقطة الدنيا في تطوره خلال السنوات العشر ونيف الأخيرة من تاريخه. والانشقاق الحالي لم يقتصر على طرد مجموعة جديدة من "المرتدين" كما حصل مع الشيوعي غينادي سلزنيوف رئيس الدوما في البرلمان الروسي سابقا، بل تعدى القيادات إلى عدد من منظمات القاعدة في بعض المناطق الروسية، حيث فضلت وفود هذه المنظمات الانضمام إلى المؤتمر الذي عقده سيميغين والتغيب عن مؤتمر زوغانوف وجماعته.
فقد عقد الفريقان المتعارضان بدايةً اجتماعين للجنة المركزية حضر كلا منهما أكثر من نصف أعضاء اللجنة، إذ إن نسبة معينة من أعضائها حضرت كلا الاجتماعين بعيدا عن المبدئية التي غابت أصلا عن الصراع.
مؤتمر جماعة سيميغين أقال زوغانوف من قيادة الحزب وعين حاكم محافظة إيفانوفو فلاديمير تيخونوف زعيما للحزب. أما مؤتمر جماعة زوغانوف فأبقى الأخير بالطبع على رأس الحزب.
من الأفضل بين الاثنين يا ترى: زوغانوف أم سيميغين؟ هذا السؤال يطرحه أعضاء الحزب الشيوعي الروسي على أنفسهم حتى اللحظة. بعضهم يقول: زوغانوف انتهازي، وذنوبه كثيرة لا تغتفر لكثرتها، فهو كان ضم إلى قائمته الانتخابية رجالا من الطغمة المالية الروسية (الأوليغارشيا)، وهو متعاون مع رأس المال ومرتد. أما الآخرون فيتهمون سيميغين بأنه مثل "الخلد" عميل للكرملين في الحزب وداعية انشقاق، حاول شراء الحزب. ويجب القول إن كلا الفريقين محق في ما يقول. فسيميغين رأسمالي وعميل للكرملين وليس بالشيوعي أبداً. ولكن من الذي قبله في الحزب وزكّاه لمناصب رفيعة فيه؟ أليس زوغانوف هو الفاعل؟ وما من شك في أنه حين تهدأ الخواطر سيأتي إلى الحزب الشيوعي بمزيد من أمثال سيميغين كما فعل في أوقات سابقة.
فاختيار أي من الشخصين: زوغانوف وسيميغين صعب كاختيار أي من خدركوفسكي وبوتين. فكلاهما سيء. والنزاع بعيد كل البعد عن المبدئية مع أنه، وبالأخص زوغانوف، بات يستعمل أكثر العبارة اليسارية والراديكالية بغية جذب أكبر عدد ممكن من القاعدة إليه. فزوغانوف راح ينكر ما قاله ذات يوم في كتابه "روسيا والعالم المعاصر" الذي صدر عام 1995 من أن "روسيا استنفدت قدرتها على الثورة" (الصفحة 93 من الطبعة الروسية)، حيث صرح من على صفحات عدد 10 شباط 2004 من جريدة "روسيا السوفياتية" المؤيدة له قائلا: "لا أعرف من الذي نسب إلي هذه الكلمات، من أين جاؤوا بها. أترجاكم ألا تروجوا كثيرا لما لم أقله". وقد جاء في تقديم الكتاب المذكور إنه "يضم النقاط الرئيسية في أطروحة الدكتوراه التي ناقشها زوغانوف وكان موضوعها "المناحي الأساسية للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في روسيا المعاصرة وآليتها". هل إن زوغانوف تخلى فعلا، يا ترى، عن خطإ سابق، أعاد النظر في نظرة سابقة وانتقل إلى مواقع أكثر يسارية؟ حبذا لو يمكن تصديق ذلك. ويصعب بالقدر نفسه اعتبار ما يقوله جماعة سيميغين في اتهامهم لقيادة زوغانوف بـ"عقد الصفقات السياسية" "و"بيع المقاعد في القائمة الانتخابية" و"سياسة التعاون" مع السلطة صدقاً. أفليسوا هم من عاون زوغانوف على انتهاج مثل هذه السياسة، وصوت لصالح اعتمادها في مؤتمرات الحزب واجتماعات لجنته المركزية؟
من المؤسف أن كلا الفريقين تحاشى الخوض في الأمور المبدئية من مثل ممارسات الحزب الشيوعي الروسي مدى السنوات العشر المنصرمة التي أدت إلى ما هو عليه الحزب الآن، على رغم فداحة الوضع، وقصر همه على لعن الآخر وعلى فضح "الطموحات الفردية" لكل منهما و"دسائس الكرملين".
أغلبية مندوبي المنظامت الحزبية المنتخبين فضلت زوغانوف (247 من أصل 317، بحسب المعطيات التي أذيعت في المؤتمر). وقد دعي إلى كلا المؤتمرين ممثلو وزارة العدل، ونعتقد أن دعاوى قضائية ستستمر طويلا في الصراع على وراثة الحزب الشيوعي الروسي.
بعد "العركة"
من المرجح أن يبقي زوغانوف سيطرته على القسم الأكبر من الحزب. غير أن النصر سيكون خلّبياً. فهو حين يقتص من "المناجذ" وغيرهم من الخصوم الداخليين سيبقى يواجه جماهير الحزب حزبه الذين ساندوه في حربه مع سيميغين، وسيكون لهم كل الحق في أن يطالبوا زعيمهم بتحمل المسؤولية عن الوضع المتردي في الحزب والمتمثل في تضاؤل صفوفه وتضعضع مواقعه الانتخابية في ظل استمرار التكتيكات القديمة ووجود ممثلي رجال الأعمال (الأعداء الطبقيين) في قوائم الحزب الانتخابية. كل هذا ليس من اختراع الأعداء، بل هو واقع أليم. وإذ يحقق زوغانوف نصرا على خصومه فإنه سيجد نفسه في مواجهة هزيمة شنعاء لخطه السياسي وكل التوجه الفكري الذي يجسد.
من جهة أخرى يرجح أن يتفكك كل ذاك الحلف الذي تسنى لسيميغين تشكيله من الجماعات غير الراضية عن زوغانوف، سواء من "اليمين" أو من "اليسار"، لأنه لا يمكنه إلا أن يكون حلفاً "ضد" أحد ما. فليس ثمة من أهداف أو طموحات مشتركة لدى ساسة مختلفين أمثال سيميغين وتيخونوف وزعيم منظمة الحزب في موسكو كوفايف والجنرال ماكاشوف وغيرهم ما خلا إزاحة زوغانوف. ولذا يصعب توقع ظهور حزب شيوعي روسي ثان في الساحة السياسية مثابة قوة سياسية فعلية.
"هم لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا"
هذه الكلمات سبق لتاليران الوزير عند نابوليون بونابرت أن قالها في آل بوربون الذين عادوا إلى السلطة بعد الثورة الفرنسية. ويمكن أن تقال أيضا في قيادة زوغانوف للحزب الشيوعي الروسي. فتقريره إلى المؤتمر تضمن ما سبق أن سمعناه منه مدى أكثر من 10 سنوات، كأن شيئا لم يتغير، كأن هزيمة كاسحة لم تحصل في الانتخابات البرلمانية وفي الانتخابات الرئاسية التي خيضت بحماقة متناهية، كأن الحزب لا يعيش أزمة وتهافتا في نشاطه. واستمر زوغانوف والكثرة من الخطباء على قول الشيء ذاته: "إننا أيها الرفاق نسير في الطريق الصحيح".
نحن طبعا لا نريد التشفي، ولكننا أيضا لن نبكي على الأطلال. فنحن الذين طالما انتقدنا الحزب الشيوعي الروسي من مواقع يسارية ماركسية حذرنا مرارا وتكرارا من أن الانغماس في البلاهة البرلمانية crétinisme parlementaire والتخلي عن مبدإ تنظيم الطبقة العاملة والعمل الثوري بين الجماعير بغية إعدادها للثورة على النظام الحالي، والتحالف مع أطراف البرجوازية، أمور ستؤدي بهذا الحزب إلى الفشل الذريع.
ما يؤسف فقط هو أن الحزب الشيوعي الروسي لم يتشكل فيه حتى اللحظة مركز لاجتذاب القوى اليسارية حقا. فالحزب لم يلد لا كارل ليبكنخت ولا روزا لكسمبورغ القادرين على معارضة سياسة قادة الحزب القاتلة. فاليساريون، الماركسيون، داخل الحزب الشيوعي الروسي (هم قلة إن وجِدوا) فضلوا الانخراط في كتلتين غير مبدئيتين مع زوغانوف أو مع سيميغين. هذا الغياب لجناح يساري هو الطامة الكبرى في الحزب الشيوعي الروسي، وليس أبدا دسائس الكرملين.
#فيكتور_شابينوف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟