قرغيزيا: ثورة شعبية أم مؤامرة خارجية؟

زكرياء الفاضل

الحوار المتمدن-العدد: 2983 - 2010 / 4 / 22 - 21:58
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

قرغيزيا: ثورة شعبية أم مؤامرة خارجية؟
(توجيه للرفاق)

طلعت علينا مواقع رفاقية عديدة بمقالات تشيّد ب"الثورة الشعبية" القرغيزية دون تحليل لما حصل ويحصل بهذا البلد الفقير. المهم عند الرفاق أن حشدا بزعامة مرتزقة مسلحين قاموا بأعمال شغب لتستغلها بيادق قوة عظمى وتعلن نفسها السلطة المؤقتة. لقد غاب عن الرفاق أن منطقة الاتحاد السوفياتي السابق هي حلبة صراع، من أجل النفوذ السياسي والإقتصادي بها، بين قويتين معروفتين في العالم. وقد فات هؤلاء الرفاق أن كل ما سمي، ظلما، بالثورات بهذه المنطقة إنما هو سيناريو وضعته أيادي أجنبية من وراء الكواليس لوضع بيادقها بسدة الحكم قصد إحكام قبضتها على تلك الدول وجعلها في صفها أو الأصح في بطنها. ولكن كل هذه الحقائق غير مهمة بالنسبة لرفاقنا، المهم عندهم هو الدعاية للثورة بأي وجه كان. فهل هذه هي تعاليم الفكر الاشتراكي العلمي؟
بخصوص قرغيزيا فإن ما حصل لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره ثورة شعبية لعدة أسباب نذكر منها فقط:
1. الثورة تجعل استراتيجيتها الاستلاء على السلطة بهدف إصلاح المجتمع أو بناء آخر جديد على أسس إيديولوجية الجهة السياسية المنظمة لها، وتكون عادة طبقة ضد أخرى. بينما بقرغيزيا الذي حصل هو انقلاب من أوصلوا باقييف إلى السلطة عليه لأسباب ستظهر، حسب اعتقادنا، عما قريب ولا حاجة لذكرها قبل موعدها.
2. عندما تحدث ثورة في بلد ما فإن الحزب أو التنظيم القائم بها يكون مسيطرا على الوضع بحيث الثوار لا يقومون بالنهب والقتل بل يحافظون على الأمن على الأقل في العاصمة والمدن التي استولوا عليها. بينما نرى أن من سموا نفسهم حكومة مؤقتة غير مسيطرين على الأوضاع في العاصمة بيشكيك نفسها فكيف هو الحال في المناطق الأخرى. فعمليات النهب والقتل، خاصة في حق الأقليات الإثنية، في تصاعد.
3. الثورة عندما تقوم تكون لها شعاراتها وبرامجها المعلنة مسبقا للجماهير. لكن بقرغيزيا لم نسمع عن أي شعار لما يسميه الرفاق ب"الثورة الشعبية القرغيزية"، ولا نعلم ما هي الهوية السياسية لهؤلاء.
وأكتفي بهذا لأني أعلم أن الرفاق واعين كل الوعي بمعالم الثورة الشعبية، ويحقون أنها لا تكون بطلب من خارج حدود البلاد المعنية بها، بل تنطلق من داخل حدود الدولة ومن صميم الجماهير وقوتها الطليعية.
فماذا حدث بقرغيزيا ثورة شعبية أم انقلاب؟
الكل يعلم أن أمريكا تملك قاعدة جوية بقرغيزيا من أيام عسكر أكاييف. والكل يعرف أن هذه القاعدة ضايقت وتضايق روسيا كثيرا. فهذه الأخيرة بسبب رئيسها الراحل بوريس يلتسين تراجع نفوذها بالفضاء السوفياتي السابق بشكل واضح وفقدت سيطرتها على المنطقة وأصبحت شبه محاصرة بديارها. لكنها مع وصول بوتين إلى الحكم بدأت تسترجع قوتها التي اكتملت في فترته الثانية لتصبح روسيا، في عهد مدفيديف، قادرة على تحدي أمريكا. وهي اليوم تعمل على إرجاع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، العضوة في رابطة الدول المستقلة، لسيطرتها وإبقائها منطقة نفوذها التاريخية من دون أي منازع. دليلنا على ذلك حربها مع جورجيا وفصلها لمنطقتي أبخاسيا وأوسيتيا عنها وإعلانهما دولتين مستقلتين، وتدخلها في الانتخابات الأوكرانية لإنجاح مرشحها يانوكوفيتش كي لا تصبح أكرانيا عضوا في الحلف الأطلسي ولا تجعلها تضطر لسحب أسطولها من مياهها الإقليمية.
إنّ روسيا هي تلك اليد الخفية التي مهدت لخلع باقييف من السلطة، حيث وعدته بقروض ثم أخلت بوعدها، وقطعت عنه الغاز دون إشعار سابق يعطيه مهلة لتدبر أمر وقود بلاده. كل هذا حصل قبيل ما يسميه الرفاق ب"الثورة". علاوة على موقفها من الأحداث وتدخلها المباشر لتخلي باقييف عن السلطة في ظروف غامضة، ليرجع ويعلن من منسك أنه لم يستقل وأنه لا زال الرئيس الشرعي لقرغيزيا وشعبها. ونضيف أيضا موقفها من لوكاشينكو الذي استضافه واعتبره رئيسا وانتقد السلطة المؤقتة، حيث صرح الرئيس مدفيديف بأنه لن تقوم بلده بتخفيض في أسعار الغاز لمن استقبل شخصا فقد عمله وأصبح عاطلا. في تلميح للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
إذا لم تكن هذه الحقائق، وإن كانت اليوم غير مباشرة، تشير إلى أن روسيا هي التي من وراء أحداث قرغيزيا فعلى ماذا تدل إذا؟ مع تسليمنا مرة أخرى بأنها غير مباشرة.
إن الأيام القادمة سترينا، ربما، ما لن يعجب الرفاق لكونهم تسرعوا في استنتاجاتهم. وإن لم يحصل فلينتظر الرفاق الثورة القادمة بقرغيزيا لأنها ستكون فعلا ثورة شعبية كما أرادوها.
مع تحياتي الرفاقية ..

#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات