بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2983 - 2010 / 4 / 22 - 17:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
إن ما يجري في هذه الأيام في القاهرة ، من اعتصام ذوي الاحتياجات الخاصة ، لمدة شهرين ، أمام مجلس الشعب ، مطالبين بحقوقهم وبرعايتهم الانسانية ، ومن ثم تظاهر حركة ( 6 أبريل ) ، ثم تظاهر مئات العمال أمام المجلس ، الذين وحدوا مطالبهم وشعاراتهم المطلبية مع الحرية ، وركزوا احتجاجاتهم ضد فاشية عضوين في المجلس ، هما " نشأة القصاص " و" أحمد ابو عرب " اللذان طالبا وزير الداخلية بإطلاق الرصاص الحي على المعارضين المتظاهرين وسحقهم في الشوارع ، وفي تطور آني متلاحق ، تلاحم التجمعين معاً في التنديد بإهمال الدولة لحقوقهم التي بدلاً عن إنصافهم ، تهددهم بالرصاص ، وفي سياق الحدث برزت حركة محاولة لاقتحام المجلس ، الذي لايتجاهل مطالبهم وحقوقهم وحسب ، وإنما يشكل بؤرة لسيطرة أصحاب الرأ سمال وممثليهم على مقادير المجتمع والدولة وفق برامج محلية ودولية تتعارض مع القيم والمصالح الوطنية والشعبية ، إن مايجري ليس مجرد حدث اجتماعي عابر ، وإنما هو على ارتباط وثيق بالمجريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي ينتجها النظام المصري ، منذ أن ربط مصر باتفاقية ( كامب ديفيد ) وأحكامها ، التي اقتضت بانسحاب مصر من الصراع العربي الصهيوني ، والانفتاح على أميركا والغرب الرأسمالي ، ووضع ( 99 % 99 ) من قرارات وسياسات ومصالح مصر بيد أميركا ، الذي تجلى اقتصادياً بخصخصة مؤسسات الدولة الانتاجية والخدمية ، وإطلاق العنان لحيتان اقتصاد السوق الليبرالي ، ما أدى إلى تمايزات طبقية في غاية الجشع والتوحش ، وهو حراك عمالي شعبي يحمل في ثناياه ، الطبقي المطلبي ، والاجتماعي السياسي ، والوطني الديمقراطي ، حراك يتصاعد طرداً ، كلما أوغل النظام في سياساته الإقليمية الموالية لأميركا والمنحازة لإسرائيل على حساب الشعوب العربية التحررية والاقتصادية ، وخاصة الشعب الفلسطيني ، وكلما أمعن في سياساته الداخلية المقيدة لحقوق المواطن الديمقراطية والمتجهة لتوريث جمال مبارك منصب الرئاسة بعد أبيه ، وتكريس التمايز السياسي لصالح الحزب الوطني الحاكم . والأكثر إيلاماً شعبياً ، كلما ازداد النظام جشعاً في دعم التمايز الطبقي المتوحش ، حيث يفتح في المجال لحفنة من حملة المليارات من الدولارات والجنيهات للسيطرة على القرار السياسي والتشريعي والاقتصادي . بينما يكابد عشرات الملايين من الفقراء المصريين ، من ارتفاع الأسعار ، ومن قسوة الغلاء ، ومن بؤس المعيشة المذل . تلك السياسات التي تراكم مجرياتها الغضب الشعبي على كل صعيد .
فعلى المستوى الإقليمي ، يتمسك النظام بأحكام اتفاقية كامب ديفيد ، التي وقعها الرئيس المصري السابق أنور السادات مع إ سرائيل برعاية أميركية ، التي تضع علاقة إ سرائيل بمصر ، على كل الأصعدة ، فوق وقبل العلاقة مع أي من الشعوب العربية وأولها الشعب الفلسطيني . وحسب هذه الأحكام يقوم النظام المصري الآن ، بالاشتراك مع إ سرائيل بمحاصرة غزة . بل ويذهب إلى ما هو أ شد قسوة ببناء جدار فولاذي ، ليحكم هذا الحصار من الجانب المصري ، وليمنع ما يسد الرمق عن شعب غزة عبر الأنفاق ، في وقت يقدم هذا النظام لإسرائيل الغاز المصري ، عبر شركات خاصة مشبوهة بأسعار هي أقل من ربع الأسعار العالمية . بل وينسق مع أميركا وإ سرائيل لوأد المقاومة الفلسطينية ، لضمان أمن إ سرائيل وا ستقرارها ، متجاوزاً بذلك عشرات آلاف الأسرى والشهداء الفلسطينيين والمصريين ، ومتجاوزاً ملايين اللاجئين الفلسطينيين المشردين في القارات الخمس . وتأتي برقية التهنئة " بعيد تأسيس إ سرائيل 62 " التي أرسلها الرئيس مبارك لشمعون بيريز ، تأتي لتعبر عن سياسة النظام المصري الموجهة بالبوصلة الأميركية الإسرائيلية ، متحدياً بذلك المشاعر الانسانية والوطنية والقومية للشعب المصري .
وعلى المستوى الداخلي ، تضم مصر أوسع قاعدة للفقر والفقراء في البلدان العربية ( 10 مليون عاطل عن العمل - 40 مليون تحت خط الفقر - ملايين المشردين وشبه المشردين في المدن المصرية وخاصة مدينة القاهرة ) فخصخصة القطاع العام ، واطلاق اقتصاد السوق الليبرالي ، وتحرير الأسعار ، لامتلاك أصحاب الشركات والمنشآت الانتاجية والخدمية حرية تحديد أسعار سلعهم ومنتجاتهم ، خلق صعوبات معيشية تدفع الملايين باضطراد إلى محيط الفقر والبطالة ، وإلى الانحدار إلى ما دون خط الفقر ، بل إلى الجوع وتداعياته الاجتماعية والصحية والأخلاقية . فعلى سبيل المثال قام مؤخراً " أحمد عز " ملك الحديد والصلب في مصر وفي الوطن العربي كله ، والزعيم البارز في الحزب الوطني الحاكم ، قام برفع أسعار الحديد والصلب 25 % دون أي مبرر له علاقة بقوانين السوق ، ما أدى إلى رفع أ سعار بيوت السكن وتبعاتها من مكونات الأسرة . وارتفعت أ سعار اللحوم بشكل جنوني ، حيث وصل ثمن كيلو اللحم إلى ( 80 ) جنيهاً ، بينما لايتجاوز متوسط الرواتب ( 500 ) جنيه في الشهر . وارتفعت في الوقت عينه أ سعار مختلف المواد المعيشية الأخرى .
كما تتفاعل في الداخل المصري أزمة طائفية مزمنة لها امتداداتها الخارجية ، وأزمة ديموغرافية متصاعدة . فالحراك " القبطي " المعبر ، رغم شوائبه الخارجية ، عن الحقوق الإنسانية المشروعة ، أصبح مشهداً مصرياً دموياً مقلقاً . فالأقباط رغم أنهم لايقلون ، وربما يزيدون ، في مستوى الكفاءة عن المصريين الآخرين المسلمين ، إلاّ أنهم محرومون من حقوق المساواة في المواطنة ، لاسيما في حق تبوئهم مناصب الدولة الأولى .. منصب الرئاسة .. رئيس الوزراء .. قائد الجيش .. ألخ .. وهناك تحركات وصدامات بين فئات متطرفة تهدد وحدة البلاد ، ويدفع هذا الحراك إلى المطالبة بدستور ديمقراطي علماني يؤمن المساواة في الحقوق والواجبات لكل المصريين .. دون تمييز .. أو ا ستثناء .
وتضيف الكثافة السكانية ، حسب السياسة الرسمية ، ثقلاً معوقاً للتنمية ، وسبباً مباشراً لتوسيع قاعدة الفقر والبطالة . فسكان مصر البالغ عددهم الآن نحو ( 80 ) مليون ، يتكاثر سنوياً ما يزيد عن ( 3 ) مليون سنوياً ، وهذا ما يخل بمعادلة العرض والطلب في سوق العمل . بل هناك رعب لدى السلطات من تصاعد الخط البياني في نمو الرقم السكاني . إذ تشير الدراسات الرسمية وغير الرسمية ، إلى أن عدد السكان في مصر سيبلغ عام ( 2020 ) 98 مليون . وسيبلغ عام ( 2030 ) 110 مليون . بمعنى أن النظام الذي انسحب من دوره في توجيه الاقتصاد ، وتسليمه لحيتان اقتصاد السوق ، وخاصة في الصناعات الاستراتيجية ، مثل الحديد والصلب ، والاسمنت ، والنفط والغاز ، أن النظام يعلن عجزه عن إدارة العملية الاجتماعية . وهذا يعني مزيداً من البطالة المستعصية على الحل والتوقف .. ومزيداً من الفقر والبؤس في المجتمع المصري .
وحسب قوانين اقتصاد السوق الليبرالي ، الخالي من الضمانات الاجتماعية التي تدعمها الدولة ، الذي تمتلك ناصيته طبقة سياسية تجمع في قبضتها القرار السياسي والقرار الاقتصادي ، في نظام لاديمقراطي ، ’تحاصر فيه الحركات السياسية الديمقراطية والنقابية المعبرة بنزاهة عن الحقوق العمالية والمجتمعية الشعبية ، فإن آفاق تغيير تلقائي ضمن أسلوب الانتاج الرأ سمالي ، الذي ’يخضع الدولة لآليات مصالحه وإثرائه ، ليس بوارد بالمطلق .
إن مصر تستحق دولة أخرى ، دولة وطنية ديمقراطية تمسك بقوة على مقود العمليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لتؤمن الحلول العلمية التقدمية الانتاجية للبطالة والفقر والكثافة السكانية ، ولتنشر الحرية والمساواة الانسانية والديمقراطية في المجتمع ، دولة متحررة من قيود اتفاقية كامب ديفيد ومن الهيمنة الأميركية ، وراعية للأخوة العربية والفلسطينية .
ولهذا لابد للغضب الشعبي أن يتراكم .. وأن يسقط الخوف من الرصاص .. حتى يتمكن الشعب من ا سقاط النظام .. الذي يستلب حريته ..ويقمعه .. ويسرق لقمته .. وحلمه .. وحقه بالفرح ..
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟