جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2982 - 2010 / 4 / 21 - 08:41
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
غالبية الشباب والبنات يختارون الزواج على الشكل والمظهر , وعندنا في قريتنا تختار البنت الزوج على أساس بيته ووظيفته , والأهل كذلك , ولكن لا يختارون الزواج على أساس من تبادل الآراء والأفكار والتوجهات , ومن المحتمل أن غياب العمل السياسي والثقافي وضعف الحياة الثقافية هي السبب الرئيس لبقاء الزواج على أسس رجعية قديمة وأتمنى أن أشاهد مسلمة تتزوج من مسيحي دون أن يكون الموضوع خطيراً أو مسيحية من مسلم , وأن يكون الزواج على أسس تقارب وجهات النظر والأفكار بينهما فطالما أن الحياة اليوم تغص بالأفكار وبالمعتقدات غير الدينية فلماذا الإصرار على أن يكون الزواج على أسس دينية وإن اختلف يكون فاجعة ؟ هنالك مسلمات متزوجات من رجال أفكارهم مختلفة عن أفكار نسائهم ومع ذلك لا أحد يعيب عليهم , والاختلاف في الفكر وطرائق التفكير لا يمكن أن يختلف هذا الموضوع عن اختلاف الدين بينهما,حتى أن اختلاف الدين عواقبه أقل خطورة من اختلاف طبيعة التفكير لأن الدين على الغالب جواز عبور على الورق فقط بينما الدين الحقيقي لا يكون لا في الكنيسة ولا في المسجد ولا تحت أقدام أو رأس بوذا وإنما هو في الرأس وفي طريقة التفكير وعادات وتقاليد الأزواج هي الدين الحقيقي وهنالك 90% من الزيجات بين الناس تتم بأشكال كلها عشوائية وليست مخطط لها أو معد لها سلفاً فكل الناس تزوج بناتها على مبادئ عشوائية بحيث يكون طبيعة ونهج التفكير بين الأزواج غير مدروس أوغير مأخوذ بالحسبان وتتم تدخلات أولياء الأمور في بناتهم على أسس مغلوطة ولأولياء الأمور عادة 80% في الموافقة على زواج أولادهم من الذكور والإناث حتى أن نسبة تدخلهم بالذكور هي قليلة جدا قياسا في تدخلهم بالإناث , فإذا لم يعجب العريس شقيق العروس فله الحق في رفضه قبل حتى أن يسأل العروس عن رأيها بينما إذا لم تعجبه عروس شقيقه فيكون التدخل فقط من بعيد ويكون على مستوى إبداء الرأي فقط لا غير .
في الوقت الذي نشهد فيه آلاف الزيجات بين الناس كلها مبنية على أسس كبيرة من الاختلافات حتى في طريقة النوم أو المشي أو الملبس أو المزاج , فغالبية الأزواج عبارة عن غرباء عن بعضهم البعض فالزوجة تفكر في شيء والزوج يفكر في شيء آخر وكأن الزوج يطبل في عالم وزوجته ترقص في عالم آخر والأولاد كل واحد في اتجاه آخر وبعد فترة ليس بالبعيدة يصبح الزواج مؤسسة اعتقال وسجن ومشاحنات ومشاكل وقهر وحين يصبح بينهما أولاد تصبح المسألة أكثر تعقيدا .
وغالباً ما تنهي حياة الزوجة الفكرية والثقافية بسبب تدخلات الزوج بتا بينما تكون تدخلات الزوجة بحياة الزوج الفكرية ضعيفة جدا وليست ذات تأثير على مجريات حياته الفكرية , ويفسر الأزواج الذكور تدخلاتهم بأنها غيرة وحب بينما تدخلات الزوجة لا يعتبرونها إلا إسفاف .
وقرأتُ وأنا طفل صغير قصة عن ذئب كان في كل يوم يأت إلى قرية فيختطفُ منها الماعز والدواجن ليأكلها مما أغضب أهل القرية غضباً شديداً, فنصب له أهل القرية فخاً كان قد وقع فيه واجتمع أهالي القرية لكي يتشاوروا في تحديد مصير الذئب فاقترح الغالبية على شنقه أو قطع رأسه بعد تعذيبه أياماً وليالي طويلة , وتقدم رجل طاعن في السن له خبرة في الزواج فاقترح تعذيب الذئب من خلال تزويجه من ذئبه مثله وبهذا يتعذب العمر كله ويموت ويذهب في خبر كانا وأخواتها إما بالسكتة القلبية أو الدماغية وقال الشاعر معلقاً على هذا الموضوع :
رب ذئبٍ أخذوه وتماروا في عقابه .
ثم قالوا زوجوه وخلّوه في عذابه .
والقصة هنا رمز كثيف لرجل ضاق مرارة الزواج وعذابه وتخيل أن الحيوانات أيضا تموت لو أنها تزوجت كما يتزوج البشر , على أن الزواج مؤسسة تنظيم للعلاقات الجنسية والأسرية ولكنه يصبح مؤسسة تهميش وتخريب للعلاقات الجنسية والأسرية إذا لم يكن مبنياً على أسس ٍ سليمة .
إذا جاءكم من ترضون دينه فلا تزوجوه , لأن الدين ليس أساساً صحيحاً أو سليما لنجاح العلاقات الزوجية ,فغالبية الزيجات الناجحة تكون على أساس تطابق وجهات النظر في الحياة اليومية وما ينبع عنها من فلسفات واتجاهات تختصُ بطبيعة الحياة اليومية , فلم يعد الدين اليوم أساسا عقائديا لنجاح العلاقات الزوجية وحتى الاجتماعية وإنما هو روتين ممل دأبت عليه الناس , حتى في علاقات العمل بحيث يخضع المستخدَمون والمستخدِمون لطبيعة قوانين طبيعية مستمدة من روح التشريع المدني , وبهذا يجب أن تلجأ الحكومات العربية إلى منع عدم زواج المسلمة من المسيحي فالمسيحية والإسلام هما اتجاهان فكريان مثلهما مثل الليبرالية أو الاشتراكية أو حتى الشيوعية , فلا مانع مثلاً أن يتزوج ليبرالياً من ماركسية أو ماركسية من ماركسي على أساس احترام الرأي والرأي الآخر , ولكن طبيعة الاختلاف في مناهج التفكير تؤدي إلى طبيعة الاختلاف في مناهج الحياة بين أي متزوج من متزوجة تختلفُ عنه في ديانته الشعبية أو المدنية , والمهم والأهم أن الفلسفات الكبيرة اليوم لها أتباع مثلما للدين السماوي أتباع .
وأكثر المطلقين والمطلقات متوافقين مع بعضهم دينيا ولا يختلفون على أي نقطة في الدين حتى أنهم حينما ينفصلون على طبيعة ما يحدده الدين بحيث يفصل الدين بينهم كما جمع بينهم , ولا أحد يلتفتُ إلى هذه المسألة وهي أن الذي يجمع لا يفرق , وهذا النقد ليس على أسس الديانة المسيحية وإنما على أسس فشل النظرية فالرابط الذي يجمعني بشريكة العمر لن يكون أداة تفريق فإذا كان الحب والعشق يجمعنا فلن يفرقنا هذا الحب لأن (المحبُ لمن يحبُ مطيعُ).
ورابطة الزواج الحديث رابطة ليست مقدسة بل قابلة للتفكك في أي لحظة وعلى أتفه وأبسط أنواع الخلافات بين الزوجين , ومعظم الفتايات يقعُ اختيارهن على الزوج المناسب كلٌ على حسب اختلاف بيئته ومعدل النمو الاقتصادي بحيث تكون دوافع توفير البيت والسيارة والإنفاق إحدى أهم الميزات التي تبحث عنها أي فتاة وهنالك شرائح أخرى من المجتمع غير مهتمة بالدين بل أحياناً تنظر للوظيفة وللمركز الاجتماعي وغالباً ما يتجه الذكور إلى الجمال الطبيعي وليس الروحي في شريكة حياتهم وهذا الاختيار طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدين شيء أساسي , وهنالك شريحة أخرى تختار على أساس الدين وحده ولكن غالبية تلك الشريحة تنتهي علاقتهما يبعضهما بمجرد ظهور الثقافة واختلافها بينهما حتى على نوعية الأطعمة المفضلة أو اللبس , أو أحياناً كما يقول المثل (يا ماخذ القرد على ماله بروح المال وبظله القرد على حاله ) .
كان الدين في الماضي هو الثقافة الوحيدة السائدة في المجتمعات على اختلاف ديانة كل مجتمع سواء أكان إسلاميا أم غير ذلك , وأثبتت تجارب المتزوجين وخبراتهم أن اختيار الزواج على أسس دينية لا يعني نجاح عملية الزواج حتى وإن كانت الحياة الزوجية ناجحة وكان الاختيارُ فيها على أسس دينية فلا يعني نجاح العلاقات الزوجية ناتج عن نجاح عملية اختيار الزواج على الأسس الدينية , فهذا الكلام غير صحيح فالفشل في الزواج والنجاح في الزواج لا ينبع من توافق الديانة بين المتزوجين بل تكون للفشل وللنجاح عوامل أخرى أهمها وأولها توافق الثقافة.
والثقافة لا تعني حفظ المعلومات وكتابة الكتب والمقالات وإنما السلوك والطباع التي يكتسبها الإنسان من البيئة ومصادر التعليم وتلقي وحفظ البيانات من الحياة العامة, وبهذا نكون قد وصلنا إلى مربط الفرس وهو إذا جاءكم من ترضون ثقافته فزوجوه.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟