|
حول التعددية الثقافية وحقوق المرأة والعلمانية
آذر ماجدي
الحوار المتمدن-العدد: 907 - 2004 / 7 / 27 - 10:58
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
عندما طلبت ”ناهد رياضي“ منّي أن أعد خطابًا عن موضوعة المؤتمر "المرأة التّقيّة والمطيعة والصالحة"، فكرت مع نفسي وقلت كم يبدو هذا الموضوع عديم الاهمية بالنسبة للنّساء الدّانماركيّات. ربّما كان من المجدي القاء هكذا خطاب هنا في الدنمارك في القرن الثّامن او التاسع عشر، ولكنّ في القرن الــ21 ؟!!. ثمّ أدركت أننا نتكلّم عن النّساء اللاتي ولدن في الشّرق، أو البلاد المبتلاة بالاسلام.
جعلني هذا التّناقض أعتقد أنه قد مضى ذلك اليوم الذي كانت فيه المرأة تبدو على هذه الصورة. كان هذا الموضوع ممكناً في السابق في كلّ مكان، سواء في الدول السكندنافية، او في فرنسا، او إيران، أو مصر. الا ان الثّورات الاجتماعيّة والسّياسيّة والحركات الثّقافيّة قد نجحت بتبديل هذه الصّورة في الغرب. اما في الشّرق فالقصّة مختلفة.
فقد انتقل الغرب الى عهد الرّأسماليّة بشكل أسرع، العهد الذي أحدث الحركات الاجتماعيّة الضّخمة والثّورات السّياسيّة، حركات الحقوقّ المتساوية، الحقوق المدنيّة، حقوق المرأة والحركات الاشتراكيّة. في الغرب ايضا، تطلب الامر الكثير من المجهود والصّراع لكي تتغير الصورة السّائدة عن "ألمرأة المطيعة" .
في الغرب أيضًا فان النّساء قد أُحْرِقْنَ ورُجِمْنَ حتّى الموت. كن بلا حقوق كاي ملكية خاصة. لقد تطلب القيام بالحركات والثّورات الكبيرة، مثل الثّورة الفرنسيّة العظيمة وثورة أكتوبر وحركة تحرير المرأة في الستينات والسبعينات لكي تتغيّر هذا النظرة البطريركيّة – العنصرية للنساء.
في الشّرق، وفيما أسمّيه البلاد المبتلاة بإلاسلام، فقد تم سحق الحركات الاجتماعيّة والثّورات السّياسيّة التي ارادت تغيير هذه الصّورة. فُرِضَت الدكتاتوريات على الناس الواحدة تلو الآخرى وبمساعدة الغرب. وحديثًا شهدنا صعود الاسلام السّياسيّ في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي يدين لوجوده كلية إلى المعونة الغربيّة، وبخاصّة معونة الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
وقد أبرز11 ايلول الوحشيّة المنفلتة والقاسية للاسلام السّياسيّ وشد انتباه العالم لها. قبل هذا الحدث ولمدّة عقدين من الزمن، كنا نحن ضحايا ألاسلام السّياسيّ المباشر. وقد فضحنا طبيعته الظّالمة والرّجعيّة بلا هوادة، وأخبرنا العالم عن هجماته التي لا حصر لها على حقوق الإنسان والمرأة وجرائم القتل والتّعذيب التي ارتكبتها هذه الحركة. تم تجاهل كل قصصنا، وتقاريرنا، وشهودنا وفي احسن الاحوال باللّجوء إلى مفهوم ”النسبيّة الثّقافيّة“ العنصري.
ما هي النسبيّة الثقافيّة؟cultural relativism
النّسبيّة الثّقافيّة هي مفهوم عنصريّ، بغلاف براق. انها تبرّر لمجموعتين من القيم والحقوق والامتيازات للنّاس طبقًا لمفهوم اعتباطيّ شخصيّ، كالثّقافة. ولتوضيح ذلك اكثر اقول انه طبقًا لهذا المفهوم، فاني كشخص وبسبب مسقط رأسي، ينبغي علي أن أرضى بالتمتّع بحقوق أقلّ من حقوق امرأة مولودة في السّويد، او إنكلترا أو فرنسا. يجب أن أكون راضية بوضعي كانسان من الدرجة الثانية، لأننيّ قد وُلِدْتُ في بلد يرزح تحت حكم الاسلام وبسبب ان السلطة فيه رجعيةّ ومعادية للنساء. ان هذه الحالة تأخذ مديات اوسع ويصبح الجيل الثّاني أيضًا ضحيّة هذه السّياسة العنصريّة، اي انهم يعاملون بعنصرية بسبب مسقط رأس والديهم هذه المرة .
لقد دأب المدافعون عن النّسبيّة الثّقافيّة مرارًا وتكرارًا على اخبارنا بان علينا أن نحترم ما يسمّى بثّقافتنا الخاصّة، وما يسمّى بدّيننا الخاصّ وان نقبل بصمت وباحترام، القدر الذي رسموه لنا. يقولون لنا بأن كلّ هذه الوحشيّة، والحرمان، والظّلم هو ثقافتنا - بأننا يجب أن نُخْضَع لأكثر الاشكال وحشيّة في معاداة النساء، في التّفرقة العنصريّة على اساس الجنس، في الجلد والرّجم بالحجارة، لأن ذلك هو ما تنص عليه ثقافتنا. وأتساءل دائمًا: هل ان تلك هي تصوراتهم عنا؟
هل يخال لهؤلاء النّاس بأننا ننتمي إلى أمّة تستعذب الألم؟ وأننا نحبّ ان نمارس ثقافتنا لا بالإرادة الحرّة ولكنّ من خلال الإخضاع إلى السّجن، والتّعذيب، والجلد، والشنق والرّجم ؟ هل تسائلتم في أيّ وقت من الاوقات بانه إذا كانت هذه هي ثقافة النّاس التي تم اختيارها بحرّيّة، وتمت ممارستها اختياريًّا، فما هي ضرورة وجود هذا النظام القمعي المتطوّر؟ لماذا فرضت الدول الإسلاميّة الدّكتاتوريّة الوحشيّة على النّاس؟ لماذا تلجأ الجماعات الإسلاميّة إلى الإرهاب، وهو في الواقع منهجهم الوحيد؟ هل سألتم انفسكم
لم النساء في المجتمعات الإسلاميّة بلا اية حقوق؟ لماذا يحجرن في بيوتهن تحت تهديد السّكّين، والاحماض الحارقة والضّرب وجرائم قتل الشّرف؟ ان اللواتي تجرأن على التشكيك بهذا الحكم وبما يسمّى بالثّقافة يُعَاقَبن من قبل رجال عائلاتهن "النشامى"، بينما تعاني الغالبيّة الصامتة وحيدةً؟ هذه أسئلة بسيطة جدًّا لكنهاّ واردة جداً وعلينا الجواب عليها. نحن ازاء واجب أخلاقيّ بالرّد عليها .
كان الإرهاب دائمًا السلاح الرّئيسيّ للاسلام السّياسي. هذه القوّة قد ارتكبت جرائم كثيرة سواء كانت في السّلطة، مثل جمهوريّة إيران الإسلاميّة، المجاهدون والطالبان في أفغانستان، السّودان، المملكة العربيّة السّعوديّة، أو في المعارضة، كما في الجزائر، الباكستان ومصر. إرهاب الجماهير هو سّياسة واستراتيجيّة الاسلام السّياسيّ للاستيلاء على السلطة.
دفعت احداث 11 ايلول الاسلام السّياسيّ والإرهاب الإسلاميّ الى واجهة الصدارة في السّياسة العالميّة. الاسلام السياسي في شكله وتجسده الحاليّين، وكقوّة في الاتّجاه السّائد للنّزاعات السّياسيّة في الشّرق الأوسط، هو من انتاج الغرب. فالجميع يعرف كيف جاء بن لادن والطالبان إلى الحكم وكيف اكتسبا النّفوذ السّياسي. إنّها من البديهيات المعروفة تماماً بان الارهاب قد عم منطقة الشرق الاوسط تحت سلطة الاسلام السياسي. الا ان هذا الإرهاب لم يبق محصوراً في تلك المنطقة فقد حل ضيفاً على الغرب أيضًا.
النّساء هن الضحايا الأوّل للاسلام السّياسيّ والعصابات الإرهابيّة الإسلاميّة. ان التّفرقة العنصريّة على اساس جنسي والرجم بالحجارة، والحجاب الاسلامي الاجباري وسلب النساء كلّ الحقوق لهي من ثمار هذه الحركة الرّجعيّة. الإسلام السّياسيّ يجب أن يُنْزَل الى مكانه الذي يليق به، إلى هوامش المجتمعات التي كانوا يمزقونها ارباً. يجب أن يُخْضَع الاسلام السياسي في المجتمعات الإسلاميّة في الغرب أيضاً وذلك من خلال تأييد المبادئ الأساسيّة للحرّيّة والمساواة، احترام حقوق المرأة وعالمية هذه الحقوق، وبتأييد حقوق الأطفال والعلمانية .
وعودة إلى قضيّة الثقافة، يجب أن أؤكّد أن هذه ليست ثّقافة النّاس التي تعيش في الشّرق الأوسط أو ما يدعى بالبلاد المسلمة. وفي الواقع ان هذه هي ثقافة وسياسة مفروضة على الجماهير بالقوة من قبل الغرب بزعامة الولايات المتّحدة. ان الثّقافة السائدة في أيّ مجتمع هي ثقافة النّظام المهيمن.
لكنّ لنفترض جدلاً أن هذا التخمين كان صحيحاً، وبأن هذه الفضائع كانت جزءًا من ثقافة شعب ما، فان سؤالي هو، هل ان ذلك يعد سّبباً كافياً لعدم اكتراثنا وان نبقى غير مبالين بما يبدو لــ ”ثّقافتنا“ بانه وحشيّ، تّمييزيٌ ومتّعصّب جنسياًّ ؟
هل تصادّق كلمة ”الثقافة“ على أيّ شكل من اشكال الوحشيّة والظّلم والعنف والتّمييز؟ لماذا يعد مفهوم الثقافة مبجّل الى هذه الدرجة حتى انها تغطّي على أيّ إحساس بالعدل او الّحرية او حقوق الإنسان؟ هذه الأسئلة أيضًا يجب أن تتم الاجابة عليها. كلّ محبي الحرّيّة من النّاس الشرفاء والذين يمتلكون حد ادنى من الاحساس بالعدالة والمساواة والحرّيّة يجب أن يجدوا الإجابات الصّحيحة لها .
لقد أدامت حركتنا القيم التقدمية والتحرّرية والمساواتية. وبالنسبة لنا فان الثقافة الظّالمة والتي تهين النّساء وتدافع عن اللامساواة والعنف والعداء للنّساء والتي تدعو الى التّفرقة العنصريّة على اساس الجنس، ليس لديها أيّة قدسيّة ولا تُعظم ويجب أن تُغَيَّر. هذا هو ردّنا وهذا هو صراعنا. العلمانية جزء أساسيّ من هذه الثّقافة.
#آذر_ماجدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير أممي: امرأة تُقتل كل 10 دقائق على يد شريك أو قريب
-
ما الذي يجعل بعض الدول أكثر استعدادا لفوز امرأة بمنصب الرئيس
...
-
فرنسا: الادعاء يطلب السجن 20 عاما لرجل نظم عمليات اغتصاب مع
...
-
زوجة و50 رجلا في اغتصاب هز فرنسا.. والادعاء يطلب أقصى عقوبة
...
-
كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء على العن
...
-
مقتل 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنح
...
-
أولى جلسات توجيه لائحة الاتهام بحق المتهمين في قضية الاغتصاب
...
-
تقرير أممي: جرائم العنف الأسري تقتل امرأة كل 10 دقائق في الع
...
-
ابتكارات لمكافحة العنف ضد النساء في مناطق النزاع والحروب
-
بيان حملة 16 يوم لإنهاء العنف ضد النساء: ثلاثون عامًا على مت
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|