جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2977 - 2010 / 4 / 16 - 21:24
المحور:
كتابات ساخرة
من أنت ؟ هذا سؤالٌ يؤرقني ويجبُ أن تسأله لنفسكَ , فأنت لست ثائراً على الأنظمة القديمة أنت إحدى تلك الأنظمة التعسفية تجتمعُ لوحدك وتوافق على كل قراراتك لوحدك وتصفقُ لوحدك وكل هذا تفعله بيدك الطويلة , من أنت ؟ ولماذا تغضب حين أسأل نفسي هذا السؤال وأنا أعرفه ,ليلة الأمس كنتُ أسألُ بنفسي من أنا ؟! وأنت بالذات شبعت كثيراً من الضحك والتريقة والمصخرة على شخصي ,وتعالت أصواتك وأنت تضحك وظننتَ بأنني أهبلٌ لا يعرف شيئاً عن نفسه ونصحتني بمراجعة طبيب نفسي أخصائي ليكشف عن سوء حالتي النفسية والعصبية فإذا كنتُ أنا بحاجة إلى طبيب نفسي فأنت أيضاً بحاجة إلى مستشفى نفسي ليكشف عن سوء حالتك , وصدقني أنني مرتاح نفسياً وعصبياً ولولا أنني مرتاح لما كتبتُ في كل يوم مقال جديد , الكتابة بحاجة إلى ذهن صافي ومتوقد كذهني واليوم أنا الذي سأسخرُ منك وأنا سِيدْ من سخر من الناس ورسمهم بآلاف الصور الكريكاتورية وامتلأت الصحف من رسوماتي حين كنت أرسمك بالكلمات إنسانا ما زال له ذيلاً طويلاً وشعراً كثيفاً يغطي جسده وإنسانٌ لا يعرف من الدنيا شيئاً ولم يدخل حياة عصرية ولا حتى دنيا جميلة , فأنت أيها الإنسان العربي لست عصرياً ولونك ليس برتقالياً ولا أصفر ولا أحمر وليس لك طعم أو لون أو رائحة , فأنت تستهجن كل شيء الحرية والرومانسية والعاطفة والقبلة وعيد الحب وكل ما يحرك مشاعرك حتى أنك تجن وتفقد عقلك إذا رأيت امرأة في الشارع تلبس ثوباً جميلاً فتسبها وتنعتها بالفجور وتتوعدها بجهنم وبنار وقودها الناس والحجارة أعدت للأحرار وللمتطورين ,بل ما زلتَ أنت كما عهدتك دائما يحكمك الأموات وهم في قبورهم ويجلدك الجلادون وتجلدَ نفسك وتقمعها إذا فكرت بأن تعطي زوجتك وابنتك حريتها الشخصية والجنسية , وتنتفخ شرفاً وغيضاً إذا علمت بأن ابنتك ما رست الحب العملي وانتعش جسمها كما تنتعشُ الأرض بعد الحرث وكل أطرافها من لمسات يد المحبوب حين يمدُ العاشق أصابعه ليتحسس ألأنوثة في خارطة الجسد الممتد من البحر إلى النهر , وأنت مثل الإنسان الذي رأيته في كهف (النايندرتال) في ألمانيا قبل مائة ألف عام من مولد السيد المسيح , وصدقني أن هنالك الملايين من الناس الذين يضحكون عليك في أوروبا فأنت ما زلت تخرج للشارع وتهتفُ باسم الحاكم المستبد والطال وتقول له عاشت يداك عاشت يمناك عاشت شمالك عاشت رجلك التي تدوسنا بها عاش حذاؤك الذي على رؤوسنا وعاشت يدك التي تخنقٌ بها أطفالنا وعاش رجالك الذين يطردوننا من أعمالنا وكأن المؤسسات الحكومية ملكه وملك أبيه رغم أنه لو كان في إيطاليا أو فرنسا أو انكلترا لرموه بالأحذية كما فعلت كندرة منتظر العراقي في بوش, أنت أيها العربي لم تنظر يوماً في المرآة لنفسك لتسأل نفسك من أنا ولماذا جئتُ إلى هذه الدنيا , حتى اليوم أنت لم تأخذ جائزة نوبل إلا غلطة مطبعية , أنت في الأدب لست عصرياً وفي لبسك قرمزياً امرأتك تمشي معك في الشارع وهي مشدرة ومدثرة كأنها سيارة إسعاف أوخضرة مغطاة بالشادر أو بغطاء من الكتان ولها كما لك ذيلاً طويلاً, أنت من أنت ؟ أنت لا شيء في عالم القراءة والكتابة والتأليف , أنت اليوم أشبه برجل أضاع بطاقته الشخصية , واليوم (بدي أخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك).
أنت لا يصلح وجهك للسينما ولا للدراما , وآذانك لا تتسع لسماع الرأي الآخر وعيناك لا تطيق رؤية الوجه الآخر.
من أنت ؟, أنت حتى اليوم لم تعشق امرأة مثلي تحرقك وتحرقها لتصبحا رماداً طائراً في الهواء , أنت لم تبتلع امرأة بشحمها ولحمها وتنورتها القصيرة لتصبح في مرارتك عبارة عن قنبلة تنفجرُ في كل يوم , وأنت لم تدخل امرأة في قلبك كبركانٍ يخرجُ في كل ساعة من فوهة فمك لينعشك بالأكسجين فلولا البراكين لما تكون الغلاف الجوي للأرض ولا تشكل الأكسجين.
أنت لست عصرياً؟ ولا رومانسيا ولا رومنتيكياً ولا فانتازيا , حتى أنك تستغرب القصيدة الغامضة والجملة الخيالية والكلمات الرشيقة وتتعجبُ من كلماتي الحية وتفتخر بلغتك الميتة ولا تستطيع التواصل مع خبايا الشاعر الذي يكتبُ لك قصيدة ليست واضحة أنت تريد (العصفور وخيطه) ولا تحملُ في جيبتك بطاقة شخصية تدلُ على أنك من هذا العالم أو منتسبٌ إلى هذا العالم الحديث, أنت عبارة عن كتلة من الجمادات المتحجرة في الجبال والأودية, أنت لست يونانياً فلسفياً فتُعرف,ولا رومانياً ولا فرنسياً تعشق الحرية فتعرف, وأنت لست أمريكياً ليبراليا لا ولا حتى شيوعياً ولا اشتراكياً فابياً , ولا إيطاليا , رغم أنه من الممكن أن تكون أمك يابانية أو رومانية أو روسية أو فلبينية أو ألمانية , ولكنك لست كأخوالك الألمان الجرمان , ولا مثل أصدقائك الطليان , أنت ضائع في هذا العالم ,كل العالم اليوم يحملُ في جيبته هويته العصرية إلا أنت فأين هي بطاقتك العصرية ؟ , والمرأة في أوروبا تتزوج من أي شخص يحبها ويحترمها ليس على أساس خلقها وإنما على أساس تقارب وجهات النظر والأفكار والمعتقدات بينهم هنالك لا تسألك هل صليت الفجر حاضراً ؟ هل تصوم رمضان ؟ هل اعتمرت ؟ هنالك يسألونك هل قرأت الكتاب الفلاني وهل رأيت اللوحة الفلانية وهل شاهدت آخر فلم رومانسي عاطفي , أما أنت فما زلت تقول (إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه) وزوجت بنتك ممن ترضى بدينه وبعد أقل من عام تزوج عليها بثانية وثالثة ورابعة وما ملكت يمينه هذا عدى الجواري والعاهرات , لأن اختيارك ليس على أسس عاطفية ولا تقاربات في وجهات النظر ,أنت أيها المواطن العربي الحديث لست حدا ثويا ولستَ تطورياً ولكنك ما زلت قادماً من القرون الوسطى وليس في يدك هوية عصرية .
أنت لم تحصل على ميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية ولم تأخذ في تاريخ حياتك كأس العالم في كرة القدم ولا حتى كاسة العالم ولا صحن العالم ولا حتى طنجرة العالم , أنت لاشيء في هذا الزمان (لا أنت مع اللحم مطبوخ ولا مع الجلد مسلوخ) وأنت لست شيئاً يذكرُ في عالم السينما ولا تستطيع أن تنافس أضعف الأعمال السينمائية في أصغر دولة أوروبية , وفي مجال السباقات لم تحقق لا لنا ولا لنفسك ما قطعه أصغر مراثون في العالم , ومع ذلك تجلس على باب دارك وعلى أبواب الدكاكين وأنت تقول (نحن أفضل الناس )و نحن خير أمة أخرجت للناس , من أنت أيها الإنسان العربي ؟.
أنصحك وأنت تحلق وجهك أمام المرآة أن تنظر ولو لدقيقتين في المرآة إلى صورة وجهك لتجد له شبهاً أو منافساً لوجوه الطليان أو الألمان أو الأتراك , أنت عملت في حياتك عشرات الثورات الهائجة والمائجة دون أن تحقق أي شيء لنفسك أو لشعبك وكل الشعوب الأوروبية بدأت ثورتها بعدك ومع ذلك حققت لشعوبها ما لا رأته عين أو سمعته أذن , أنت ما زلت في غياهب الجب أنت ما زلت في بئر يوسف أنت ما زلت من أهل الكهف أنت ما زلت وكلبك باسط ذراعيه , أنت لا شيء في كل شيء.
أنت لم تتعلم الطيران ولا القفز في الهواء ولم تلعب ألعاب الفكر والفلسفة البهلوانية.
أنت بلا قائد فكري يجدد لك ما برأسك , أنت بلا حزب سياسي وبلا مؤسسات مدنية , أنت تأكل وتشرب وتنام وتمارس الجنس وهذه هي الحياة البهيمية , أنت لم تتعلم ركوب الهواء أو احتضان الشمس وقت الغروب أو إشعال قلبك كما تشتعل الشمس وقت الشروق , أنت لم تشرق بعد أنت ما زلت غائباً ولست حاضراً, أنت لم تكتب على الماء ولم تتطاير مع الزوابع والرياح , أنت لم تسأل نفسك من أنت؟.
أنت لم تجرب يوماً أن تحتضن العاطفة في يوم شديد البرد , أنت ما زلت تلبس معطفك الشتوي في فصل الصيف , أنت لم تخرج من عيون الشتاء كأنك غيمة ماطرة , أنت لم تدمع عيناك على الوردة إذا قطفتها اليد الخسيسة , أنت لم تشترِ أرضا على جبل المريخ ,أنت لست جبلاً يصعد عليها الناس لرؤية جماله ولم تتسلق بشفتيك على ظهر محبوبتك ولم تمد يدك إلى الزهرة الجميلة وهي تتفتح بين أصابعك , أنت حتى هذه اللحظة لم تدخل الدنيا بكل ما فيها من جمال, أنت كما قال تيسير السبول (أنت منذ اليوم).
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟