|
خذوني إلى أرض الأمل
علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 905 - 2004 / 7 / 25 - 11:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(24 يوليو 2004 م) كنّا أطفالاً، نلعب حفاة الأقدام، نخرج للشارع وللحقل ونعود وقت الغداء أو عند سماع صوت الأذان، لم نكن نخاف شيئاً، ولا نحمل همّاً، لم نسمع عن حوادث اعتداء وخطف وقتل، فقط، نلعب ونذهب مشياً للمدرسة ونعود. كانت الحياة بسيطة، أبسط وأجمل ما فيها هو الأمل، نحلم أن نكبر ونعمل، لم يكن يُقلق أولياء الأمور شيئاً من ذلك، فالمقاعد الدراسية متوفرة، وكذلك الوظائف، بل على العكس، يستطيع حامل الشهادة الابتدائية وأقل أن يحصل على وظيفة مرموقة يستطيع صاحبها أن يفتح بيتاً، ويتزوج. تبدّلت الأمور ودخلنا القرن الحادي والعشرين، وأصبح الوضع أشبه بغابة. انخفض الدخل إلى أقل مما كان عليه قبل أكثر من ثلاثين عاماً مع زيادة كبيرة في أسعار السلع والغذاء والخدمات، وأصبح أطفال الأمس آباء اليوم، ودخلوا في متاهات لا أوّل لها ولا آخر، يعيشون كابوساً لا يكاد يبارح مخيّلتهم. منذ ولادة الطفل تبدأ المشاكل، بل حتى قبل ذلك، حيث يتم البحث عن مستشفى حكومي يستقبل هذه المرأة لتلد فيه، وأغلب المستشفيات ترفض بحجة عدم توفر غرفة، ماذا يفعل الفقير في هذه الحالة وهو لا يستطيع دفع 5-7 آلاف ريال كلفة الولادة في مستشفى خاص فراتبه أقل من 1500 ريال شهرياً؟ يأتي بعد ذلك متابعة صحة المولود حيث انعدمت الثقة في المؤسسات الصحية الحكومية، إلاّ النادر منها، فترى الأبوين يتنقّلون من مكان إلى آخر باحثين عن واسطة تسمح لمولودهم بالعلاج في مستشفى جيد أو أن يتم فحصه عن طريق متخصص، ولهذا ارتفعت نسبة وفيات الأطفال في البلاد وأصبح وضعنا الصحي أسوء من دول الجوار، بل أسوء من دولة مثل بنغلادش في نسبة وفيات الأطفال. يكبر الطفل قليلاً وتريده أن يخرج للعب مع أقرانه من أطفال الجيران، لكن الخوف يسيطر على الوالدين، فالطفل لا يستطيع الخروج وحده عند الباب، الخطف والاعتداء والقتل هم سمات هذا المجتمع الرديء، والمدرسة أصبحت موبوءة إمّا بأطفال لم يعرفوا اسم التربية، أو بمعلمين ومعلمّات تخرّجوا من معسكرات بن لادن تحت أسماء مختلفة مثل جامعة الإمام محمد بن سعود، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وكلّية إعداد المعلمين وكلّيات البنات المنتشرة في أكثر من مدينة. فترى طفلاً ذو أربع سنوات يتحدث عن حرمة مشاهدة التلفزيون والأغاني ووجوب قتل "الكفار المسيحيين واليهود" وغيرهم، ويتحدث عن أن أعدائنا اليهود والنصارى يريدون تدمير ديننا النقي. ما أن يكبر الطفل قليلاً حتى تبدأ أسئلة أخرى كثيرة بالدوران في رأس الوالدين وتبحث عن إجابة، كيف لابنهم أو ابنتهم الحصول على مقعد في الجامعة دون واسطة؟ وكيف لهذا الابن الحصول على مقعد في كلية طبية حتى يتمكن من الحصول على وظيفة دون واسطة؟ وإذا لم يحصل ذلك، ماذا سيكون الخيار الآخر؟ الحالة المادية لا تسمح بإدخال الولد في كلية خاصة في الخارج؟ والبنت لن يجازف والديها بإرسالها إلى خارج البلاد خوفاً عليها حتى لو توفّر المال، وإذا ما تخرّج الولد أو البنت، أين لهم بالوظيفة دون واسطة؟ وإذا ما حصلوا على وظائف، هل هذه الوظائف تبعد عنهم شبح الفقر والحاجة؟ أم أنها وظائف تحت خط الفقر براتب لا يزيد عن 1500 ريال شهري دون أي نوع من الضمانات، مثل التأمين الصحي وبدل إجازات وبدل سكن، وغيرها؟ وإذا ما أراد أن يعمل في دول الجوار، يحتاج لتصريح من وزارة الداخلية وإلاّ لن يتم له السماح بالعمل هناك، استناداً إلى اتفاقيات مجحفة سلبت المستقبل والطموح والأمل من شبابنا، فأصبحوا لا يأبهون بشيء. هل من المستغرب أن تجد شباباً مثل الخُشُب المسنّدة؟ هل من المستغرب أن ترى الاستهتار في تصرفات شباب "المستقبل"؟ هل من المستغرب أن ترى الأكثرية من الشباب وحتى من هم أكبر سناً غير مُبالين بما يدور حولهم؟ أصبح الأكثرية من المواطنين يعيشون على هامش الحياة، كما الثور يدور حول الساقية، فقط يعملون ليل نهار ليأكلوا ويشربوا، لا أن يعيشوا حياة طبيعية يحلمون بالمستقبل، مستقبلهم ومستقبل أطفالهم. كل صبح جديد يُخيّل للمرء أن هناك شيئاً ما سيئ حدث أو سيحدث، انفجار، قتل، اعتقال، أشياء تصيب الإنسان بالغثيان والإحباط جعلته يفقد الشعور بالأمان والطمأنينة، فكل ما يدور حوله يُشير إلى أن اليوم أفضل من الغد، والغد يحمل المجهول الأكثر سوءاً. أحلامنا وآمالنا هي أن ننتظر الصبح بفارغ الصبر، لأنه يحمل يوماً جديد، يستطيع المواطن أن ينظر للمستقبل بثقة، يأمن لمستقبله ومستقبل أطفاله، بلاد بها من الخيرات الكثير تعمل لنشر هذه الخيرات لتعم الجميع، تعليم متميز، مساواة في الفرص، خدمات متطورة تتناسب مع هذا العصر السريع الإيقاع. أحلامي وآمالي مثل الكثيرين هي أن يكون الغد أفضل من اليوم، الأمان في الوظيفة، الأمان على النفس والمال، حرية التعبير دون خوف، شفافية كبيرة عن طريقها نرصد الإخفاقات والإنجازات ونحاسب المسيئين للوطن والمواطن، الفرص لأبنائنا المتميزين أكثر. أحلامي وآمالي أن نكون أمة رائدة متطورة تأخذ بالأسباب وتقود العالم لا أن تعيش في كهوف تورا بورا بها من المساجد ما يزيد عن 60 ألفاً، ومدارس لا يزيد عددها عن 8 آلاف، أكثرها بيوت مستأجرة وآيلة للسقوط. تصوروا أنه في مساحة لا تزيد عن كيلو متر مربع في إحدى القرى عددت ما يزيد عن 8 مساجد! أحد هذه المساجد لا يبعد عن مسجد قريب له أكثر من 150 متراً، فلا أدري ما الهدف منها، ولن يستطيع أحد أن يقنعني بأن وجود 8 مساجد في هذه المساحة له مردود ديني أو دنيوي عدا تفريخ المزيد من الأفواج الطالبانية التي وصل بلائها إلى كل بقاع الأرض. بلاد بها من التناقضات الكثير ومن الإحباطات أكثر، تمارس الشيء ونقيضه، بلاد تعيش فوق بحار من النفط ويعيش شعبها العوز والفاقة، بلاد تتحدث عن المساواة والعدالة في الإسلام واحترام حقوق الإنسان وتمارس التعذيب والتغييب والقتل ولا تقبل النقد، تتحدث عن سماحة الإسلام وتقوم بتكفير المسلمين وأهل الكتاب وتدعو لقتلهم، بلاد تتحدث عن تكريم الإسلام للمرأة، والمرأة مضطهدة تعيش وضعاً أتعس من أيام الجاهلية قبل الإسلام، بلاد ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، تلتحف بعباءة الدين وهي الأكثر مخالفةً له، بلاد لا يُقال عنها إلاّ أنها جزء من جهنم، فالداخل فيها مفقود والخارج منها مولود. يبدو أني استغرقت في أحلام كبيرة، لربما يوما ما نستطيع، يستطيع أبنائنا أو حتى أحفادنا تحقيقها. أماّ الآن، فأنا سأذهب للنوم حتى أزور أرض الأمل، خذوني إلى أرض الأمل.
#علي_فردان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتهاكات حقوق الأجانب في السعودية: في انتظار فجرٍ جديد
-
تعالوا نفجّر ونقتل ونسحل الجثث الآدمية
-
الطائفية ضد الشيعة في السعودية: جريمة حكومية منظمة
-
ثلاث شمعات تضيء طريقنا المظلم
-
شعار الدولة السعودية: العفو عن الإرهابيين والتنكيل بالآخرين
-
الهروب في زمن الإرهاب
-
أعداء الإنسانية: قراءة في فكر الندوة العالمية للشباب الإسلام
...
-
انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية بوابة الإرهاب
-
الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر: قضيتكِ قضيتنا
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|