|
-عرب المشرق-و-عرب المغرب- والمسافة الفاصلة
محمود عبد الرحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2972 - 2010 / 4 / 11 - 15:00
المحور:
الادب والفن
أسبوع السينما المغربية الذي أقيم الأسبوع الماضي بالقاهرة يبدو مهما للغاية من أكثر من زاوية،كونه قدم منجزا سينمائيا يبدو جيدا فيما يطرح من رؤى جمالية وفكرية،ومعالجات لها خصوصيتهاو،ومذاقها المختلف لمخرجين موهوبين حقا،مهمومين بواقع مجتمعهم،وماضيهم القريب والبعيد،وقراءته بمنظور فني عميق وجذاب ومتعدد الدلالة، مثلما تجلى في افلام ُأتيح لي أن أشاهدها مثل"في انتظار بازوليني"للمخرج داود أولاد السيد الذي يعالج قضية الرهان على الآخر الخارجي،وإعتباره المخلص،فحين يغيب ينهار كل شئ،فخداع الذات والكذبة الصغيرة التى رددها الكومبارس المبهور بمخرج ايطالي كبرت وصدقها هو ومن حوله،الى ان فاق على صدمة كبيرة وهي وفاة المخرج والغاء تصوير الفيلم الذي افقده مكانته وافقد اهل قريته مصدر رزقهم،و"فين ماشي يا موشي"للمخرج حسن بنجلون الذي يتعاطى مع واقعة تاريخية هي الخروج الكبير للجالية اليهودية من المغرب في الستينات،وكيف جرى خداعهم من قبل الحركة الصهيونية ليذهبوا لاسرائيل "ارض الميعاد" التي لم تكن الا رحلة شقاء وخداع،وانسلاخا من موطن احتواهم في اجواء من السماحة والتقبل،و"عود الورد"للمخرج حسن زينون الذي رجع الى أوائل القرن الماضي حيث الرق والانتهاك الجسدي والنفسي اللانساني للفقراء،والتلذذ باستعبادهم ،ونيل المبدعين منهم على وجه خاص،القسط الاكبر من الالم،للدرجة التى كانت فيه مصحة نفسية تحوى عشرات من الشعراء والرسامين والعازفين والمغنيين،مع اسقاطات على اللحظة الراهنة،وكيف أن التحرر الروحي يسبق تحرر الجسد،وأن الفن يمكن ان يكون طريقا للخلاص . والأهم في هذه الفعالية الثقافية بإمتياز أنها اتاحت الفرصة لتلاقي"عرب المشرق"ب"عرب المغرب" ،ليس فقط عبر الوسيط السينمائي،وانما من خلال الحضور المباشر أيضا،وما صاحبه من اكتشاف ومكاشفة،وإعادة طرح لأزمة التواصل بين الجانبين،تلك الأزمة التى لا نتوقف أمامها طويلا،ونتعاطى معها بإستهانة،ودون تقدير لخطورتها. فثمة حقيقة ينبغي أن نعترف بها،يمكن أن نطلق عليه قطيعة أو اغترابا بين جناحي العالم العربي،ومسافة ثقافية وسيكولوجية كبيرة،وليست مكانية فحسب بين الشعوب هنا وهناك،رغم انتمائهم لذات الثقافة وذات اللغة وذات الدين،وذات السياق المجتمعي،ودرجة التطور الحضاري تقريبا،ما يولد صورا نمطية لدى كل طرف عن الآخر،غالبا غير صحيحة أو مفعمة بالمبالغات،تتكرس يوما بعد يوم،وتقود إلى مناخ من الاحتقان والنفور،وربما الكراهية،وهوما تجلى على نحو مفزع في "أزمة مباراة مصر والجزائر" قبل أشهر،من أجواء عدائية واستقطابات وانحيازات تلقائية من جانب شعوب المشرق لمصر،فيما ذهبت شعوب المغرب العربي إلى جبهة الجزائر.
ولا أدرى من المسئول تحديدا عن اتساع الهوة بين أبناء شعب عربي واحد لهذه الدرجة،و حالة الانقسام شعبيا التى ازدادت حدتها خلال السنوات الأخيرة. فكلما التقيت أو تحدثت مع أشقاء مغاربة،ألمس غصة في حلوقهم بإتجاه "عرب المشرق"،وفي مقدمتهم المصريون،اذ يعتبرون أنهم يتعاملون معهم بإستعلاء،وبمنطق الغزاة الذين يريدون فرض ثقافتهم ولغتهم،ولا يبذلون جهدا للتعرف على الآخر،والتعاطي معه بندية،ومحاولة فهمه،سواء على مستوى لهجته المحلية أو نمط تفكيره وخصوصيته الثقافية،بينما ينظر المشارقة،ومنهم المصريون إلى المغاربة،بإعتبارهم أقل تحضرا وعروبة و "متفرنسين"،وينطقون بلهجة غريبة صعبة الإستيعاب والتلقي كأنهم من كوكب آخر. وربما قيمة هذا الأسبوع السينمائي واللقاء المفتوح الذي جرى في مستهله بين بعض الممثلين والمخرجين المغاربة،وجمهور من الجانبين المصري والمغربي،تتجلى في أنه فتح هذا الملف المسكوت عنه الذي لا نقترب منه إلا في الازمات،وحين نكون في وضع اضطراري مشحون بالعصبية والتوتر،يبدو أثنائه من الصعب قبول صوت العقل،ودعوات التقارب والفهم المشترك.
ولعل هذه المناسبة تقدم فرصة لإعادة تسليط الضوء على هذه القضية المهملة،وآخذها على محمل الجد ،وعدم إسقاطها من حساباتنا،فثمة حاجة ماسة لأن نجدد التعرف على بعضنا البعض بشكل أعمق وأكثر تفهما وإستيعابا،سواء كنا مشارقة أو مغاربة ،مصريون أو سوريون أو عراقيون .. مغربيون أو جزائريون أو تونسيون أو حتى موريتانيون،شماليون أو جنوبيون..بيض البشرة أو أسمرها نتبنى موروثا فرعونيا أم امازيغيا،أشوريا أم فينيقيا أم غيره،سواء بالتوازي مع الثقافة العربية أو في إطارها الأشمل. وإن كان كل طرف منا يسعى للتواصل مع الآخر الغربي ،فأولى أن نتبنى مبادرات بإتجاه الجار القريب الذي هو بالأحرى الشقيق،وعلينا بالفعل أن نسعى لترميم الجسور المنهارة،وإزالة ميراث سوء الفهم وخلق لغة حوار حضارية تقربنا من بعضنا البعض،وتضيف إلى الجميع من خلال الاسهامات المتعددة ثقافيا، على أرضية التنوع في إطار الوحدة. وإن كنت قد تساءلت من قبل عن المسئول عن هذه القطيعة بين جناحي الأمة العربية،فلست مهتما كثيرا بتوجيه الإتهام لأحد أو الحصول على إجابة،من قبيل رد الأمر إلى الخلافات السياسية والصراعات بين الحكام هنا وهناك،ومصالحهم المتنافرة أوالوسائل الاعلامية التى تفعل فعلها عن قصد أو جهل في التباعد لا التقارب بين الشعوب العربية أو حتى في الميراث الاستعماري الذي لازال له حضوره في المشهد العربي،فالأهم الآن ليس النبش في الماضي ،أو إلقاء كل طرف اللوم على الأخر،والدوران في حلقة مفرغة من الجدل والصراع غير المجدي،وأنما المبادرة التى يجب أن يتبناها المثقفون والنشطاء والشباب منهم بشكل عام،في المشرق والمغرب،عبر الوسائط الحديثة كشبكات التواصل الاجتماعي،أوعلى الأرض بتنظيم لقاءات وأنشطة ثقافية وفكرية مشتركة،وعروض سينمائية منتظمة في كل بلد يحضرها أبناء الشعب العربي مشارقة ومغاربة،بعيدا عن الأدوار الرسمية العقيمة غالبا والمعطلة كثيرا،وإعتمادا على المبادرات الشعبية،وديبلوماسيتها الثقافية الأكثر ديناميكية وحماسا وأثرا.
وإن كانت اللهجة المغاربية صعبة في التلقي في البداية،فلا يجب أن ينزعج أصحابها من هذه الشكوى ،وعليهم أن يلتمسوا العذر لأخوانهم،فمع الوقت ستزول الغربة عنها حال الإحتكاك المباشر والكثيف،ولا ضير من وضع ترجمة بلغة عربية فصحى،أو بلغة اجنبية كحل مرحلي،حتى تحدث الألفة مع اللغة وأصحابها،وعلى الآخرون ان يبذلوا قدرا من الجهد للتفاعل حتى يتصل ما أنقطع بين ذوي القربى. *كاتب صحفي مصري Email:[email protected]
#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجدار والحصار والتقصير الشعبي المصري
-
-مهرجان الصورة- والوجه الصهيوني لفرنسا
-
العرب بين-الايراني فوبيا- و-الصهيوماسوخية-
-
رسالتا العراق وموريتانيا الى قمة سرت..استيعاب ام تجاهل؟!
-
القمة العربية بين خيار المواجهة وثورة الغضب
-
الافلام الروائية القصيرة..ثقافة الثرثرة البصرية وفقر الفكر
-
الشعوب المهزومة من الداخل وانتصاراتها الزائفة
-
نتانياهو واوباما والترويج العربي لبضاعة السلام الفاسدة
-
-الكرامة التركية-و-السيادة المصرية-و-اسرائيل-
-
فاتورة شيخوخة الحكم.. ومصير مصر المجهول؟!
-
التخلص من الاذيال وابقاء رأس السمكة في مصر
-
هدايا النظام المصري لنتانياهو والتشوية المجاني لصورة مصر
-
جدار مصر الخانق لغزة والحق الذي يراد به باطل
-
حين يروج فلسطينيون لمشاريع صهيونية ويُحتفى بالمطبعين؟!
-
وهم-المخُلص- والهروب من استحقاقات التغيير في مصر
-
اللاعبون بالنار ولو ذهبت مصر للجحيم
-
اعلان الدولة الفلسطينية وخطاب الوهم وربما التواطؤ العربي
-
لو فعلها عباس لاعتبرناه بطلا وغفرنا له ما تقدم!
-
حين يصير التطبيع مُبررا والرفض مُستهجنا والاختراق من الداخل
-
معركة النقاب مواجهة لشرور الاصولية
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|