|
مشاوير شخصيه ، في ثنايا الماضي .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 21:35
المحور:
سيرة ذاتية
في واحدة من اللحظات المسروقه ، وحين شعرت بأن لا أحد من عيالي يحتاجني في شكوى أو مشورة أو لتلبية طلب .. غادرت بمخيلتي مطلقا لها العنان ، كي أسوح في غياهب البعيد من الماضي .. لأتذكر كيف مرت زهرة الصبا ومراحل المراهقه ، دون أن يكون لها أي معنى من هذه وتلك .. لقد كنا في أعمار يمرح من هو في امثالها اليوم بالعاب الطفولة ، ونحن نحرث بافكارنا بحثا عن اسباب لتأخر السوفيت عن الامريكان في عملية الهبوط على القمر ، وكنا ونحن لم نبلغ سن الرشد بعد ، نحاور قصيدة مغناة ، فنخرق كل الحدود ، لندس أنوفنا في مقطع شعري أو لحن ، متخيلين بأننا لا نقل شأنا عن أي موسيقار أو شاعر .
في تلك الاعمار المبكرة من حياتنا ، يوم كانوا يوهموننا بان للخير سبلا متاحة ، علينا أن نمنح انفسنا وطاقاتنا نذورا لامكانية تحقيقها ، فعمدنا طائعين الى رهن المستقبل لتلكم الأماني النرجسية الطموحه ، ضنا منا بأننا على دروب ستؤدي بنا لا محاله ، الى حيث الحقول المزهرة ، والساحات المكسوة بالعشب الاخضر .. لم نكن نعلم بأن ما في رؤوسنا ، ما هو إلا قفزات فوق حواجز لن تؤدي بنا إلا الى المزيد من الافقار ، واكتساب ملامح الحرمان ..
لم نكن ، ونحن لم نزل شبابا يافعين ، نقوى على امتلاك القدرة على الحساب الموضوعي لأركان الحياة كما هي ، لا كما صورت لنا على صفحات الجرائد ومجلات نشر ما سمي آنذاك بالوعي الثوري المرتكز على دعامات حسن النيه في كل شيء .. لقد كنا تائهين ، وبشكل يدعو للشعور بالشفقه ، بين دهاليز تلاطمت فيها الافكار من كل حدب وصوب ، فأصبح الواحد منا حقلا لتجارب ألاخرين ، ننتمي بلا معرفه ، ونصرخ بلا درايه ، ونضحي بلا روية ولا تدبير .
حتى تجارب العشق ، كانت أيام زمان مرهونة لدينا بما نحمل من أفكار ، فتوجهنا بعشقنا نحو عوالم يحكمها الخيال المتطرف ، لننسج من حولنا حكايا مهما كانت جميلة ، غير أنها لم تستند الى دعم مادي أو معنوي يسير بها الى غاياتها الطبيعية ، فاندثر منها ما اندثر وهي لم تزل في منتصف الطريق ، وتدمر منها ما تدمر بعد أن فعل الواقع فعله .
واهمون نحن حينما ندعي بأن ماضينا كان جميل .. وهذا الوهم سببه هو سوء الحاضر وضياع ملامح المستقبل ، فأي ماض جميل ذلك الذي كنا فيه رهنا للفاقة ؟ .. تلفح وجوهنا روائح الجوع لكل شيء .. الطعام ، والجنس ، والاستقرار ، ومعرفة المصير المنتظر ؟ .
ورغم ذلك كله ، لم يمنعنا فقرنا حينذاك ، من أن نمارس هواية الحراك المعرفي ولو بحدوده الدنيا ، وحين يتاح لنا أن نفعل .. غير أننا كنا نحمل مسكنة الارض كلها ، ونحن نتبرع بانفسنا وأمانينا لقوانين هي غير قوانين ما يحيط بنا من عوالم .. لقد ذهبت بي عفويتي في تبني ما أحمله من أفكار ، أن أطالب يوما أحد أصدقائي بمنح العاملين في مزرعته من الفلاحين نصف المحاصيل بدل الربع .. ولم يهدني عقلي بانه لو فعلها ، فسوف يمنى بخسارة فادحه وفق قوانين السوق المعمول بها من قبل الجميع آنذاك .
حين أتطلع اليوم الى الكثير من الوجوه على شاشات تلفزيون بلادي ، وهي تتلعثم في سطر افكارها ، وتعاني من حرجها في مواجهة أضواء لم تتعود عليها ، واحتلالها لمراكز هي ليست من مقاسها ، تأخذني نفسي الى تلكم الايام التي كنت فيها أقتحم غياهب الليل المخيفه ، لكي اتعلم فلسفة تحقق لي ولغيري مدينتنا الفاضله . ويثير في روحي ألما يرغمني على الابتسام بدل البكاء ، حينما أرى ما انتهيت اليه والعشرات من أمثالي من مصير يتجسد في هذا الضياع المخيف .. ضياع هو أشد من كونه عوز مادي ، بل هو ذلك الاستجداء المتواصل للحصول على كرامة تمنحها المواطنة ، والتي طالما تغنينا بها في ساعات رفع علم العراق أيام التلمذه .
قسمة ضيزى تلك التي حالت بيني وبين أن امتلك في وطني رقعة صغيرة من أرض ، استطيع من خلالها ان ابني لي ولابنائي بيتا تثبت سجلاته بانهم ( عراقيون ) .. وقسمة أكثر مدعاة للسخرية تلك التي تحول بين المئات من ابناء العراق مخلصي النوايا ، وبين أن يمزقوا جوازات سفرهم الغريبة ، ليحملوا بدلا عنها وثائق سجلات دوائر الاحوال المدنية العراقيه ، ويتنسموا رحيق الشعور بالمواطنة الحقيقية ، وهم يمارسون اعمالهم ونشاطاتهم الفكرية بكل كبرياء ، ودون تحسب من أن تكون خاتمة حياة أحدهم ، على يد عابث بالحياة لا يمتلك عقلا ولا سمعه .
ترى .. أين تكمن العلة ؟ .. هل في عدم صحة ما حملناه من معاني تنضح بالعفة والشرف ، وحب الاخرين ، والسعي لبناء وطن تسوده عوالم الخير للفقراء ؟ .. أم أن تلك الافكار لم تكن مشفوعة بثوابت تجعلها أكثر انتماءا للواقع ، وأكثر قدرة على المناورة والتخلي عن روح العفوية المؤطرة بأطر التقليد الأعمى غير العقلاني ، فكان لها أن تعلن تعبها في منتصف المشوار ؟ .
ثمة من يلكزني في خاصرتي وهو يعنفني بقوله ، إنتبه لما هو أهم الان .. وتيقن مما عليك فعله فيما تبقى من عمرك القصير .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حينما تصر الجماهير على رفض مسببات خلاصها .. أين الحل ؟ .
-
أعمارنا ليست عزيزة علينا ، وحربنا معها مستمره .
-
لماذا هذا الإهمال المتعمد للكفاءات العراقية المهاجره ؟؟ .
-
ألواقع الاجتماعي العربي .. بين ثورة الجسد والعقل ، وعبثية رد
...
-
أفكار مهشمه !
-
أليسار في دول العالم العربي ، ومقاومة التجديد .
-
من ذاكرة الحرب المجنونه
-
بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2
-
ألحريه .. حينما تولد ميته .
-
الزمن العربي .. وسوء التسويق
-
حلوى التمر
-
سلام على المرأة في يومها الأغر
-
مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
-
بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
-
أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
-
نحن والتاريخ
-
بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
-
حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
-
عمار يا مصر ... 2
-
عمار يا مصر
المزيد.....
-
شاهد.. -غابة راقصة- تدعوك لإطلاق العنان لمخيلتك في دبي
-
بعد مكاسب الجيش في الخرطوم.. هل تحسم معركة الفاشر مآل الحرب؟
...
-
هواية رونالدو وشركاه .. هذه مضار الاستحمام في الماء المثلج
-
أكثر من 20 مرتزقا أمريكيا في عداد المفقودين بأوكرانيا
-
باكستان قلقة من الأسلحة الأمريكية المتروكة في أفغانستان وتحذ
...
-
وزير الدفاع السوري يتفقد ثكنات الجيش بصحبة وفد عسكري تركي (ص
...
-
تركيا.. شاورما تنقذ حياة -مسافر الانتحار- (صور)
-
من أمام منزل السنوار.. تحضيرات إطلاق سراح 3 رهائن إسرائيليين
...
-
سوريا.. من هم القادة العسكريون الذين شاركوا الشرع -خطاب النص
...
-
وارسو.. اجتماع وزاري أوروبي لبحث الهجرة والأمن الداخلي وترحي
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|