|
ثقافة الثقافة
عبد الدائم السلامي
الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 12:43
المحور:
الادب والفن
لن نخوضَ في السياسةِ الثقافيّةِ لبلادِنا بِسببِ كونِها تبقى، مثلَ غيرِها من السياساتِ الأخرى، مشروعًا جادًّا يتغيَّا تحقيقَ خَيْرِ الناسِ مُنفتِحًا دومًا على الاجتهاداتِ الفرديّةِ لأصحابِ النوايا الوطنيّةِ الحسنةِ. ولكنّنا سننظُرُ في سياسةِ الأفرادِ في فعلِهم الثقافيِّ الذي كلّفتهم الدولةُ بإنجازِه، في كثيرٍ من الثقة فيهم، وِفقَ الكيفياتِ التي يرتضُونَ ودون تحديدٍ منها لطرائقِ ذاك الإنجازِ ولا حتّى أشكالِه باعتبارِ أنّها تؤمنُ بأنّ الفعلَ الثقافيَّ فعلٌ مبدِعٌ حُرٌّ يتأبّى دومًا على التوجيهِ والتقنينِ السياسيَّيْن. ولَئن كنّا لا نعدِمُ وجودَ حراكٍ ثقافيٍّ في بلادِنا أثمرَ كثيرًا من غِلالِ الفكرِ والإبداعِ في شتّى المجالاتِ ذات الصِّلةِ منذ سنواتٍ عديدةٍ، فإنّنا نزعمُ، ومن الزّعمِ التأكيدُ وِفقَ ما يقولُ البلاغيّون، أنّ كثيرًا من الأفرادِ الثقافيّينَ انزاحوا، اليومَ وهنا، بمهامِّهم من حيِّزِ الفعلِ المسؤولِ في الأشياءِ والظواهرِ إلى حيِّزِ الاستكانةِ والمفعوليّةِ والدَّعَةِ اللامسؤولة. وهو أمرٌ جعل من وظائفِهم مَكاناتٍ اجتماعيّةً لا أدوارَ فيها تَدُرُّ عليهم جاهًا وأموالاً يزيدان من اتّكاليتِهم وخروجِهم عن سياقاتِ الناسِ الحيّةِ. وقد انعكسَتْ وضعياتُهم هذه بظلالِها السّالبةِ على مجرياتِ الحَدَثِ الثقافيِّ الذي هم مسؤولون عن إنتاجِه للناسِ وأَمامَهم. ولن تُجازِفَ مقالتُنا برميِ التُّهمِ في وجوه الناس جِزَافًا، بل سعيُها منصبٌّ على كشفِ الواقعِ الثقافيِّ وما تعتورُه من شوائبَ نرى أنّه بالإمكانِ تجاوزُها لتحقيقِ نَماءٍ في مؤسّسَاتِ الثقافةِ في تونس. وسنتوخّى العَرْضَ الخالِصَ من سوءِ النيّةِ لما وقفنا عليه في حالِ مشهدِنا الثقافيّ سبيلاً إلى تحريكِ سكينةِ المشتغلين فيه ليُعيدوا النظر المتبَصِّرَ في آليات اشتغالِ مؤسّساتِ إنتاج الثقافةِ وتدارُكِ النقائصِ التي تُعيقُ تَرَقّيها إلى مصافَّ عليا من النَّباهةِ والإنتاجيّةِ الإبداعيّةِ. ولا شكَّ في أنّ بلادًا تتوفّرُ على قاماتٍ إبداعيّةٍ عاليةٍ تحتاجُ دومًا إلى إعادةِ النّظرِ في سياقاتِ إنتاجِ الثقافةِ فيها. لأنّ الفعلَ الإبداعيَّ لا يتعسْلَجُ ويَهيجُ حشيشُه إلاّ متى نهضَ على النّقدِ الذّاتيِّ وعلى شيءٍ من التبصُّرِ الارتجاعيِّ الرّصينِ. واعتبارًا لما ذكرنا نقولُ إنّ الحالاتِ التي يمكنُ أن تؤدّي إلى تردّي الفعل الثقافي ببلادِنا عديدةٌ سنقتصرُ منها على ما رأيناه محتاجًا إلى تدخُّلٍ رسميٍّ عاجِلٍ حتى تُعادَ الحركةُ إلى ماكينةِ إبداعاتِنا. من ذلك أنّ الفعلَ القرائيَّ كاد يندثر من سلوكاتِنا اليوميّةِ، وهو أمرٌ قد يُسارِعُ بعضُ المسؤولين عن المسيرةِ الثقافية في بلادِنا إلى اتهام الفضائياتِ والأنترنت بمسؤوليتِهما عن هذا العُطلِ القرائيِّ باعتبارِهما سنَدَيْنِ تواصُلِيَيْن يعتمدان فلسفةَ الصوت والصورةِ للاستحواذ على المتلقّين. وإنّا نقولُ لهم نعم، ولكنَّ كثيرًا من المكتباتِ العموميّةِ التي جهّزتها الدولة بأموالٍ طائلةٍ يُسيِّرُها موظَّفون يُعَادون القراءةَ ويكرهونَ الكتابَ لله وفي سبيلِ الله بل وهم بارِعونَ في منعِ أسبابِ ازدهار القراءةِ في بلادِنا. بل إنّ معرِض الكتاب، وهو الفعاليةُ الكبيرة التي يمكن استغلالها لنشر الوعيِ القرائيِّ، يُشرِفُ على دعوةِ ضيوفِه أناسٌ أغلبُهم من المتملِّقين الذين إذا دَعَوْا أحدًا أو واحدةً من العربِ فلكيْ يضمنوا لأنفُسِهم دعواتٍ إلى هناكَ. كما نرى أنّ أغلبَ المهرجانات الوطنيّةِ والجهويّةِ التي تحشدُ لها السُّلطُ المحليّةُ ووزارةُ الإشرافِ أموالاً لإنجاحِها راحتْ تَتَحوّلُ من منتجةٍ للفكرِ إلى مناسباتٍ للإجهاضِ على التفكيرِ المُبْدِعِ فلا تجني منها الدولةُ إلاّ "وجع الرأس" بسبَبِ وجودِ زُمرةٍ من قطّاع الطرق الثقافيين (إكليكات ثقافية) الذين يوجِّهون الفيءَ الثقافيَّ إلى خدمةِ مصالِحهم دون تفكيرٍ منهم في حقِّ البلادِ في الانتفاعِ بعائدات أبنائِها الفكريّةِ. حيث يكفي لموظَّفٍ بوزارة الثقافة (مستكتَب عصاميّ يحكم الساحة الثقافية بأحكامه) أن يدعو هذا إلى أيّ مهرجان ثقافيٍّ بالبلادِ ويمنع ذاك عنه وفق مزاجِه الشخصيِّ ودون تفكيرٍ منه في سلطةِ الدّولة على تسييرِ شؤونِها، بل ويمكنه أن يتوسّطَ مع أحدِ مسؤوليه (يسمّيهم عادةً بأسمائهم في شيءٍ من النِدّيةِ) ليزيد من الدعم الماليّ لهذا المهرجان ويحرمَ مهرجانًا آخر منه بسبب أنّ المشرفين عليه ليسوا من "شلّة الأصحاب الذين يلتقيهم بعد الدّوامِ النهاريّ في مقهى ويُقَشِّرون الناسَ ويتبادلون المصالح). وهو أمرٌ انعكسَ على إنتاجيّةِ بعضِ مبدعينا حيث نلحَظُ أنّ أغلبَ الشعراءِ يكتبون قصيدةً واحدةً بعناوينَ عديدةٍ بسببِ قلّة النقدِ وقلّة الحياءِ الإبداعيِّ وعدمِ احترامِ المبدِعِ فيهم. أمّا المسارحُ ففارغةٌ أو تكادُ إلاّ من قِلّة من المراهقين الذين يدخلونها من بابِ التجريبِ العاطفيِّ. وحتّى لا نزيدَ من قتامةِ حالِ مشهدِنا الثقافيِّ الراهنِ، نقولُ إنّنا نُرْجِعُ هذه القتامةَ إلى كونِ أغلب المشرفين على تسييرِه هم من المستكتَبِين العصاميين الذين لا يتوفّرون على الحدِّ الأدنى من التبصُّرِ بأشراطِ الفعل الثقافيّ أو من المتقاعِدين الذين فرغوا من كلّ طاقاتِهم فعادوا يملؤون أيّامَهم بالعبَثِ أو بترويجِ صفتِهم "مستشار لدى وزير الثقافة" في المقاهي والولائم وأحيانًا في مراسمِ العزاءِ. والمؤلِمُ في كلِّ هذا أنّ وزارةَ الثقافةِ تمشي، ولا تَدري إلى أينَ.
#عبد_الدائم_السلامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سرُّ نُباحِ الكلاب
-
أباطرة رأس العام
-
نحن أباطرة رأس العامِ
-
هؤلاء
-
الجمهورُ العربيُّ -زَوّاءٌ- للشِّعرِ
-
رسالةٌ إلى العام 2010
المزيد.....
-
ما زال الحب مُزهراً
-
العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية
-
-نون- عنواناً لجلسة شعرية عامرة في اتحاد الأدباء
-
مجدي صابر.. رحلة كاتب شكلته الكتب وصقله الشارع
-
البحث عن الملاذ في أعمال خمسة فنانين من عمان في بينالي فيني
...
-
تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية
...
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|