أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - يحيى والوصية الثانية















المزيد.....


يحيى والوصية الثانية


عبدالله الداخل

الحوار المتمدن-العدد: 2967 - 2010 / 4 / 6 - 01:08
المحور: الادب والفن
    


أبَتِ:

إزاءَ بوابةِ هذا الكمين ِالمكوّر المحْكـَم

توقفتُ مستفهماً

في العَتـَباتِ من بدني

لاهثاً، مجنونْ

تبصّرْتُ باليقين وبالتكوينْ

وجدْتُ الأجسادَ ماءا ً

والأرواحَ طينْ !

فالجحيمُ مسروقٌ من مواقدنا

وجنة ُاللهِ من وطني

فيا لـَعار المواقد كلـِّها

كيف يضيع السؤال عن السر الكبير

في رماداتها؟

ألأنهم دائماً في صباحات الجليد يكذبون علينا؟

"الرجالُ-الطينُ" (عند بلـّور ِالنساءْ)

الهائمون في الروح ِالتي لوّثـَتْ روحَ القتال

حيث فقط مَن يجئ ُمن بطونِهنَّ على رأسه

يحيا، فيحيا كلّ ُ مَن تعفــَّرَ خدّ ُهُ

بالشقاءِ وبالبقاءْ

لأن من يجئُ على قدميه

فينوي السيرَ كالغزال أو السؤالْ

سيقتلُ أمَّهُ

أو يموتُ أيضا فيُحز ِنُ الباقينْ،

لذا سيُطوى، على بعضهِ ، كالسرِّ والبَـلـْوى

وتـُلصَق الأطرافُ

والرأسُ على بطنهِ

ليُعجَنَ ثانية ً

بشئ ٍمن التبن والأصماغ

أو بصقةٍ من الله

فإنْ كانَ في الكون ِ من جدوى، بـَقِـينا

ولمْ نبرح ِ اللهَ والتقوى، يقينا

لذا فإني فورَ ولادتي

أخذتُ الكتابَ "بقوة"

فلم يُرِني سوى نفسي العدوّة

لأن هذا الكمينَ أولُ الأوهام

وآخرُها

ومنك يا أبتِ

بصيصٌ ونأمة ٌ في سكون السّـُخام

هنا بعد موت الكلام ِالذي في دماكَ تمردٌ وهتافٌ

في وجوه الظلام ِ فأنـّى

لي في ابتسام ٍأو ظل ابتسام ٍحتى في "أسعد" الأيام؟

لأنّ أسعدَها عندي يومَ وُجِدْتُ فيك

فقد كنتَ بَدْء َ كلِّ خطابٍ،

في قلوبِ الصلواتِ،

وفي أواخر ِالكتبِ

وقد تركـْتَ سبّابتيْكَ على جدار الكهف

فصارت دوائرُ البَصَمات ِأمواجا ً به

ثم عثرْنا بها على الفرق

بين الطين والذهبِ

فلـْنقرأ ْ جميعَ الأحرفِ

ما تكسّرَ منها من جفافْ

وما هطلـَتْ علينا نقاطـُها،

مروراً بما كتـَبـَتـْه ُ جميعُ الرياح ِعلى صَفـَحاتِ المياه

قبلَ وصول ِأمواجِها إلى الأجراف

وبالمسامير التي دُقـَّتْ على الخزَفِ،

على بطون أقداح ِالنبيذ، وألواح ِالملاحم

إذ ْ في الكمين الكبيرتنمو فِخاخ ٌ في متاهاتٍ صغيرة

بينها اللاّهاتُ والراياتُ والسَّرايات التي أمرُّ فيها

كلَّ يوم ٍ، كعادتي،

بقتلىً واكياس ِعظام ٍمرقـّمةٍ بأقلام ِحبر ٍ بنفسجيٍّ يبلـِّلـُها اللسانُ

فكيفَ لا أكونُ غريبا ً هناك بدونكْ؟

وكيف لا تكونُ الأرضُ مريضة ًبالوهم ؟

وكيفَ لا أدير وجهي بعيدا عن سماء هذي الأرض؟

لأنَّ في هذا النوع من الموتِ قتلا ً

والقتلُ إنما في الطرَفِ الآخر،

الطرَفِ الحزين،

والنهايات البعيدة،

(نهاياتٍ لن تـُرى)

لمعاني الإحتقارْ؛

لذا رحتُ للإشارة ِالاولى

من أثر ٍلأقدام ٍتـَرَكـْتَ هناك

ليلا ً، بدرب قريتنا،

فما غسلوا شَعري بماء الله ولا عمّدوني بالضَّياع،

فهذا الليلُ من وطني يظـَلُّ لرقص ٍفي التكايا

على الدفِّ ،

للنحيب الطويل على القبور ،

للنـَوْدِ على ثقبٍ في جدارْ

لسلاح ِالصليبِ-السيفِ

تمرّ ُدِ الزَّيْفِ على استكانـَهْ

فقطعة ُالليل ِهذي من سيرة ِالأرض وتأريخ ِالسماءْ

أغرقـَتْ أعمارَنا

فيا للربّ من كذبةٍ صُغرى وإهانة ْ

لذا لم تـَغِبْ عيناكَ عني

وكنتَ دوماً في التلال البيض،

تغطيها ورودٌ وغلالْ

فقد مررْتَ نسيما ً بها

بمَوْجاتٍ عالياتٍ

تناوَبَتْ

تنفـّـُسا ًفي صدور التلالْ

فلا بحرُ الياسمين يُـنسى

ولا ضوع ُالفـُستق ِالطريِّ في حواشي الغاب يُنسى

ولا الفجر في أور ٍسينساكَ

ولا الضحى بسجن الناصرية ْ؛

فقد ظلَّ الضحى هناك على ضلوع الظـَّهر في الجدران

كما الليلُ في السلمان

عاشقاً موتَ البحيرة

والحَصى

ودورَ الطين.

أصحو كلَّ لحظةٍ واللذة ُالمرة ُ تطفو

على عسل الأكاذيب

فهذا الليلُ الذي كانَ،

سيبقى؛

لذا سأوصيني، كما أوصَيْـتـُني:

سرّ ُ عبادتِكْ:

ألا ّ يزولَ اسمُ الانسان من فمكْ؛

سرّ ُاستقامتِكْ:

أن تستديرَ

بلفتةٍ قصيرة ْ

وتقولَ ما لا يعرف الآخرونْ

سر شخصيتك:

ألا ّ توقـّرَ الحمقى والمجانين

او رجالَ الطين

بل نساءَ الماءْ

وأن تقولَ لهم من هُمُ،

فضعْ سرَّ كلٍّ منهـُمُ على جبينِه؛

سر هدوئك:

ألا ّ تـُصغي لضفدع ٍنقــّاق

لأن هذي الأرضَ تلاصقُ المستنقعْ.

وكن كالريح التي خلـَّفـَتْ

ظلالَ جبال ٍكاذبة؛

لا تكن كفلاّح ٍعتيق

فالأشجارُ التي تلوح طيبة ً له

سمومٌ قتلتْ منا الكثير

فاصرخْ به أنْ تـَـنـَحَّ عني،

تنحَّ لأنـّي سأقلعُها

فليس من شجر ٍ طاهر ٍهنا،

ولا ثمار ٍطيبة

سوى الحقِّ بما تقولُ عند صمت الآخرينْ

وليس من وردٍ سوى ما سينبتُ في رمادي

وليس من عطر سوى ما سيمر هناك من عشبتي الميتة

تأتي بلون الرحيل وبعد الغروب على الهضبة

فأرْتقيها ليلا ً لتـُتـْعِبَني

تـُقطـِّعَ أنفاسي:

ورمٌ في جلدة الأرض ِ بلون الأرض ِ

سوف أفـْقـَأ ُهُ وأمضي

نفـْقـَأ ُهُ ونمضي.

* * *

يحيى والوصية (الأولى)

هبَّتْ ثـُلـّة ُجـُنـْدٍ تـَعْدو،

حلـَّق خيّالان ِوبعضُ رُماة ْ

لكوخ ِ حكيم ِ زمانِهْ ، محبوبِ القريةِ والفقراءْ

لبيوتٍ ينمو الحِـرمانُ بها،

والشَّوكُ بحيطـان ِأزقــّـتِها الطينيّـة،

ركلوا يحيى، رَطموهُ

لفـُّوا الشَّيخََ بأسمال عباءتـِـهِ

أرْدَفوهُ وراحوا،

يَتبعُهمْ يحيى وهمومُهْ.

* * *

-"يا شاعرُ

هاتِ كلَّ نـُـكاتِكْ

فخليفتـُنا مهمومٌ هذا اليومَ الغائمْ

قـُلْ لإماءِ اللهِ بأن تـُرْكـِدَ تلك الأعْوادَ ،

وللغِلمان يَـكـُفـّوا عن هـِتـْر ٍ

إني أقرأ ُوَجْهاً منه: سيدعو كـُـتـّاباً،

أو بعضَ قـُضاةٍ وأطباءْ

قد يُزنى بالبعضِ، ويُفـْـصَدُ بعضٌ،

فأميرُ المؤمنينْ

يدري ما يدرونْ."

* * *

"أدري أكثرَ مما تدرونَ، وأدري ما لا تدرونَ،

ففي بلدي الأمينْ

يَحـْـلـُمُ البعضُ بموتي، يحلـُمُ جُنـْدي بالرومان ِ

ويحلمُ شعبي بالتـّنـّينْ!

أ ُحِسُّ بغَيم ٍأبيضَ عصّبَ رأسي، يُرسِلني للجنةِ

حيثُ اشُمُّ اللهَ وماءَ الوَردِ،

فمـَنْ أنتم؟

أنتمْ أهلُ اللـَّعنةِ والفِـتـْـنهْ ؛

لِمَ تـَـنظر فيَّ عيونٌ، تـَهْمـِس فيَّ شِــفاهٌ أني مجنونْ؟

لكني حتى حينَ أموتُ سأمتلكُ الجَنـّة َ، أمتلكُ الجنـّهْ

أسئلتي فخََََرَتْ آجُرّا ًفي قلبي، والآجرُّ سُخامْ؛

والعصر ِ سأ ُحرِقُ هذا العَصْرَ ،

عصرَ السَّجادِ الطائرِ والقِـرْطاس

فهذي الفـِتـْنـَة ُ تأتي من بُسُط الريح، وتأتي من أقلامْ

هاتوا الحكيمَ هنا الآنَ

هذا تأجيلٌ يَصْـلـُحُ للـَّيل ِ، وهذي قـَصَصٌ، هذا رأسُ امرأةٍ محكومٌ بالإعدام

هاتوا أجوبة ً فيها شئٌ من مِلـْح ِالبَحْر ِ،

أوْ أدَع ِالأمة َ في صحراء ِالرُّعْيان ِ تـَمُوتْ ."

* * *

- "ولكنْ يا مولايَ، الحكيمُ يـُحْـتـَـضَرْ

ربما عن كِبَـر ٍ ، عن صَبْـرٍ عُضالْ

جئنا به فانهارَ وَسـْطَ الدربِ من ثـِقـْـلِ وصيّـتِهِ

وابنهُ يحيى تزَوَّد منها ِلسَفـََرْ"

* * *
- "يا بُـنـَيْ

هلْ حدَّثـْتَ المُختـَنِقينَ حديثَ هواءْ ؟

إنْ حَـدَّثـْـتَ فـَحـَدِّثْ عن نور ٍ، أو عن خـُبْز ٍ؛

ففي حشـْــدٍ للفقراء ْ

إنْ تقرأ ْ شـِعرا ً دونَ لـُواثِ طـَحيـــنْ ،

يَـكُ شِـعرُك أجراسا ًمِن طيـن،

يَكُ لغواً، ضوضاءا ًبقصور ِهـُـراءْ،

يكُ سبَّـكَ شَيْــبي،

وهَجـْواً للسامعينْ .

يا بُنَيْ

من موج ِسَـغابٍ شبَّ سـؤالٌ للأجفان ِ وللكـَلِمهْ

ومنها تأتي كلماتْ

بسؤال ٍتأتي الكلماتُ مُواءاتٍ مُسـْتـَـفـْهـِمة ً كـَتِمهْ

ورُبَّ سؤالٍ يُنهـِضُ ثوراتْ ،

لغة ٌ يوما ً قادَتـْنا ، فأبادَتـنا

أو يوماً جاءتنا عُشباً نمضَغُهُ، حَجَراً نـَنـْحَتُ سكـّيناً منهُ

ويوما ًجاءتْ تـُـلهـِـمُ مَـلـْحَمهْ .

يا بـُنـيْ

إنْ تـُـشْــر ِكْ بالإنسان ِ، تـَسـْـق ِالمشكله ْ،

من روح ٍ مُخْضَوْضـِلةٍ، وما أدراكَ ما المشكلهْ ؟

تـِـهـْنا في رُبْع ٍ خال ٍ، في كـُلٍّ خال ٍ،

وفـقـَـدْنا البوصلهْ .

يا بـُـني َّ

في عـصْر ٍدونَ الجَـنـّةِ قد دَوَّتْ حرْبٌ من أجل الجَنةِ في الآونهْ

ألا هَـلْ أتاكَ حديثُ هذي الآونهْ ؟

آونةٍ راكنةٍ لمْ تـُـزعِجْ بنا الســاكن َ؟

دع ِ المياه َ ترْكــُـدُ، ثم ََّ تصـْـفو، فأنقاها هي الآســِـنهْ !

بَعْدَ النارِ وبعدالحرْبِ، وبعدالخـَيْباتِ وبعد الصَّبْرِ، وبعد الثرثرهْ

نـَسْألُ مَـغـْـفـِرة ً، حينَ فـَقـَـدْنا الرُّشـْــدَ بغابةِ مقبـرهْ،

إذ نكتوي بفكرِنا ، كي نصْطلي في الآخرهْ

يقولُ اللهُ بأنـّا أحيــاءُ ولكنْ

ما أكبرَ المجْــزَرَهْ !"

* * *

- " يا أبت ِ

رأيت ُ كلامـَـكَ، في ميزان ٍٍ ذهبيٍّ ، ينمو من نـُسـْغ ِالثوراتْ

رَجحَـتْ كفـّـة ُ مَـعناكَ وظلـّتْ في الأرض وإيّانا،

سيفاً ذهبياً يـَبْزُغ ُ في غابات الكلماتْ

هذا صوتـُكَ ، هذا صَدْحُكَ ، هذا صِدْقـُك هذا؛

لمّا أضرمْتَ الحُبَّ بلهْجاتِ البـَـدْو ِ

تدفـَّأ َفينا البردُ الهاربُ من كلِّ اللـَّّهَجَاتْ

فصــارَ كلامـُـكَ نارا ً تـَـدْوي

يكتبُ حرفا ً من كمـّون ٍ أوجوزٍ أو برحيٍّ في كلّ الكلماتْ

أو حرفاً يـنشـرُ أورادا ً في المـاءِ الفائرِ، يـُطفئُ نارَهْ

إذ ْ ذاكَ مياهُكَ تـَـرْوِي ؛

لكنـّـكَ موجودٌ ، تبقى ، والأرضُ غُبارهْ ،

وهنا أكوانٌ تـُمْسي ذرّاتٍ في كلماتـِكْ

سنلجأ ُ للموجودِ من النـُّور ِ

وننتـظرُ الألوانْ.

* * *

سَهـِرْتُ على صحةِ الليل ِالعليل ِلأني

كنتُ بانتظار ِولادة ِ ضوءٍ ،

صـغـْـتُ هلالاً مكسورا ً، ونقـَشْتُ النـَّجْمَ الباردَ لكنَّ النجمَ تهشـّمْ،

أبحثُ عن عين ٍ تـَـغسـِلُ جـُرحي؛

برمادٍ أوقفـْتُ النـَّزْفَ فنامَ رمادٌ في جرحي، فتـَوَشَّمْ،

في قلبي حزنٌ لن يغفو:

فالغُــصّة ُفي زرْدَمَــتي حجريّه

تـُـفـَجـّـِـرُ ينبوع َ النار ِمن العينين،

جُرح ٌ نـَكـّـأ َهُ الـتـَّذكارُ

نجيعٌ: أمنيــة ٌ جـفـّـتْ، بُرعـُـمة ٌ خابتْ،

ضَـلـّـتْ سُبُلا ً لســماءٍ ظلـّتْ تتصاعدْ ،

فمَن خسرَ العَدْلَ فقد أحْزَننا

ومَن فرَّطـَ بالثورةِ آلمنا.

ومَنْ هَجَرَالأرضَ يودِّعُ أرضاً أخرى في روحِ الرُّوحِ وفي القلبِ وفي العينينْ،

وتحتَ القدمَين تـَمِيدُ الأرضُ ، فكل الأرض ِبكلِّ الشرق ِوكلِّ الغربِ غريبهْ

وتصيرُ كلّ ُ’كراتِ الأرض‘ِ غريبهْ!

وكلّ ُجِـنان ِ الله التجري فيها الأنهارُ غريبهْ!

ومَن جلب ’الحظـَّ العاثِرَ‘ للأرض ِ وصلـّى لعواصفَ صحراويَّهْ،

مَنْ فرَّش كوفيّاتِ الأمةِ للكـُثبانْ،

لم يشرَبْ من ماءِ النهر ِ، فلمْ يَدْرِ

بأنَّ الماءَ، دماءُ الأرضِ ، دماؤهْ ،

وأنّ الشِّرْيانَيْن ِ شرايـينـُهْ ،

ألم يدْر ِ

بأنـّا نرفـُضُ ذاكَ الرَّمْـلَ الكامنَ في عَظمِ الصَّدْرِ

وحَوْلَ القلبِ، ورَمْلاً مُرّاً يذرو فوقَ الرَّملِ المُرِّ؟

فأنـّى من قلبٍ ذهبيٍّ، حرفٍ مسماريٍّ موسوم ٍ في طين ٍ حـُرِّ ؟

أنـّى من برعمةٍ تصحو، متثائبة ً، تتمدّدْ ؟

أبََتِ

مَـلَـلـْتُ ازدرادَ الحجار ِ، تسـَـلقـْتُ أنـساغ َالشجرْ

رحتُ أنتظرُ الفجـْرَالذي يجلـِبُ الآفاقَ، نـَســيتُ انتظارَالليل ِلكنْ

متى نـَنـْسى غـُـصّــة َالحجرْ

ومعنى غُصّةِ الحجرْ

متى نـَـغـْدو عصرا ًًحجريا ً

كغـُـصّـتنا ، وقـِـصّـتـِنا ؟

* * *

أدخَلني الدهرُ شـِـباكا ًغَرقى: نبتة َ شوكٍ تـُغضِبُ سمّاك

أينَ غُصوني؟ فجذوري تأكلـُها الأســماكْ

رحَلـَتْ للأ ُفـْـق ِأزاهيري الأولى،

وجَــدْتـُني أساطيرَ مُهمَـلـة ً

أبحث ُعن عَيـْنٍ بين رمالٍ عربيّهْ

عن عقلي في آثار ٍ آراميهْ

جـَـذر ٍ تمدّدَ منحنيا ً في الزمن،

في أهوار ٍ تتبخّرُ في أصيافٍ من قِدْر ٍ تغلي،

ويفترشُ الحزنُ التـَّهَلاتِ ويأتي قصباً؛ أ ُصْغي: يتفتـّتُ في وطأتِهِ.

وعلى الضَّـفـَّةِ، عندَ حقولِ خيار ٍ، يلعَبُ أطفالٌ في كوخْ

ويصنعُ أطفالٌ لعبة َ آس ٍِ: إكليلا ً وخواتِم

فـيـَجْري الزَّعْفـَرانُ

دماً في الروحِ ويـُسـْـقى نارا ً تـُخـْمِدُهُ ؛

أرتقي صـَهوة َ حِـنـّاءٍ، فيراني أ ُفـْـقُ بحيراتِ العالم

أوْثـَـبـْتُ صنـّارة ً ولـْـوَلتْ :

عَلِـقتْ بخيوطِ الأفـْـق ِ

فكانَ الأفـْـقُ الماءُ يشدُّني، صارَالأ ُفـْقُ الماءُ يأتـيني

ولمّا اجـْـتـَحت ُالعـَـصـْـفَ لـَقِـيتُ

موتىً مدجَّجين بـِحُرِّيهْ

ونظرتُ الى الله ِ وقدّيـسِيَّ الظـَـلـُّوا أحياءَ بقلبي

ومنْ مَتَّ لكارثةٍ بالحـُبِّ.

مررت ُبالمواسم ِ، كلـّـِها:

كـُحْل ِ ليل ٍ، رامة ِ نور ٍ وجلاءِ نهارْ،

لكنْ تـَهدَّمَ قلبي بموتِ أحبّـتي فـِـضـّـة ً

تـنهارُ عند َانصهارْ؛

أتـَيـْتُ العالــَمَ، جاءَ العالـَمُ عندي، هذا جذري فولاذ ٌأزرق

يُسْـقى من بحرٍ خمريٍّ،

ويـُنـَسِّغـُـهُ أنهارْ؛

وجاءَ اللهُ الحيَّرَني بنجومِهْ :

خُذِ الكتـابَ يا يحيى.

كان كتابا ً في الحـُزن ِوفي الخوف؛

وأنا أبحث عن شِعرٍ في الحــُبّ وفي النور ِوفي الدنيــا

بكلِّ لـُغاتِ الدُّنيا حبٌّ، وكلامٌ في العِشقِ وفي اللـُّقيا

فبهجرِالأرضِ يضيعُ لساني؛ كيـْفَ بعِشـْقٍ؟

ويضيعُ مكاني؛ كــيْفَ ببـيْــتٍ؟

فأينَ الأهلُ؟

وأينَ الدنيا؟

وأينَ العِـــــــراقُ؟

فكيفَ تحيا؟
* * *

نحيا على أملٍ سوف نرقـُبُهُ،

فالحبّ ُوالموتُ علــَّمانا الصمتَ أخلصَ من نبيٍّ

ومَن أبدع َفي خلق الرُّوحِ، فما زِلـْنا أطفالا ً نحـلـُمُ آمالا ً، ننسى

كلَّ العُمْرِ، وأنا أدري: خَيْباتُ نهاياتِ العمرِ ستأتيني،

وستـُرْجِعُني الأحلامُ الى الآن ِ، لعشريني،

فأنا الآنَ أراني سأثورُ على ماضيَّ ،

أدَمِّرُ هذا التمثالَ وأرفـُضُ طيني .

لكني لن أنسى ما أ ُقـْرِئتُ، فتلكَ الأرضَ وتربتـَها لن أنسى،

لن أنسى الخَيْرَ أوالأبقى

لن أنسى البَرْدَ ربيعيّاً، لا الشمسَ ولـذ َّتـَها، لا أنسى

رائحة َ الشَّمــّـام ِ

والرُّضَّع ِالعَرِقينَ في حرّ العراق ِ، ولا أنسى

دُخْنـَة َسَعْفٍ، ريفٍ، ريحاً من تـَنـُّوْر ٍ، من أرغفةٍ عطـَّرها السِّمسِمْ،

يلتهبُ السمسمُ فيها فيحمّصها،

ورائحةَ الأمِّ

ووجه َ حبـيـبتي

قمرياً كانَ، وكان شَهْدٌ يسيلُ من العينين يأتيني؛


وكانَ المشحوفُ هلالا ًمن ليلٍ يَسْري، يأتي النـُّوَّمَ مِن أسماكِ الفجر ِفيوقِظـُها،

وكانَت وجوهُ أحبَّـتي من زُلالِ الماء تأتيني.

لكنْ يأتي ظلٌّ من ريح الصحراءِ، فيَحْمِلني: هادرا ً

كالكرْخةِ في أمطارِ نَيْسانَ لا يَرْحَمُ طـَوْفْ

وكنتُ قد جئتُ بغدادَ بخوفٍ حمّـلـَتـْه لي على ظهري قريتي،

فأفطرْتُ في الفجرِ بمقهىً ببابِ المُعَظـّم ِذكرياتٍ ونعاسا ًونـَوْدَ قوافلْ.

* * *

لمّا مررتُ بالرَّمْل ِ، من عالم الأنوارقلتُ سلاماً

على اُمّةِ النائمين تحتَ سقائفِ البرديِّ،

خِـيام ِالشـَّعْرِ، سلاماً على أمّـةٍ كان زعيمُها

مفوّضَ أمن ٍأو عريفاً في الجيش أو مُلا،

سلاماً على أمّة النائمينَ ظـُهراً والنائمينَ ليلاً

وعصراً، سلاماً على امةٍ تحكمها أفاع ٍ؛

أمس ِجاءَ السوقَ غريبٌ باعَ الناسَ حكمتـَيْنِ وقال:

عَمِلتُ خطأين ِ،

وُلـِدتُ بهذا العصر، ومن ذ َيـْنِكِ الأبوين ِ، فانفضَّ القومُ عن باعةِ الدبس ِ واكتظـّوا حول عباءتهِ

فكانت من هـِـيل ٍ، لـَوْز ٍ، إذ ْ في روح ِالأمةِ هذي صحراءٌ فيها بعضُ سهول ٍمثمرة ٍ،

وديان ٍفيها عاشت روحي في خيمةِ حزن ٍ، فيها سُمِّــمْتُ

مَثـَلـْتُ أمام الرَّملِ ، خجِلتُ، كرِهتُ النـِسرَ الأعورْ،

الطـّارَدَني في صحراءِ السُّكـَّرْ

ينهشُ جسمي، صارَ شـِعاراً للحُكـْم ِ، فقد جاءَ الحكمَ رجالٌ من خشبٍ مطليٍّ

بالقـَطـْران ِ مِثـْـلَ قواربـِنا،

جاؤوا بقلوبٍ من فلينْ،

يرَونَ جمالا ً، أشواكاً ورمالا ً، سخَروا مني كالحمّى:

-"أتخْـلعُ جِلـْدَكَ يا يحيى ؟!

تلوكه ُ؟ والجلدُ مرّ ٌ؟

فمن أنت حتى تـَهُبَّ إعصاراً في قضيتِنا ؟"

* * *

سَكنـَتْ عـَيْنُ الإعصارِ ، كنور ِالكون ِبهذا الدربِ،

سكِرْتُ بخمر ٍدونَ شُربِ

وعانقَ حبَّ الناس ِ حبي ، فقدْ أكملتُ اليومَ تمزيقَ ربّي، وأنتـُمُ

يا أباطرة َالغشِّ وحاملي أختامَهم

نَقودُكمْ لحفرةِ حقٍّ، نُهيلُ عليكم شتائمَ مَنْ ماتَ بصمتٍ؛

مَزَّقـْنا تيجانا ًمِن ريش ٍلوّنـّـاهُ بأدمُعنا؛

طافَ جُبنـُُكمْ في طـُوْفان ِ طيبةِ الناس ِ

طيبةِ البصرةِ أو طيبةِ الأكرادِ، وأهل ِ بغدادَ القديمةِ؛ طافَ جبنُكم

كأخشابٍ ينخرُها الدودُ، كالقِشِّ؛ كبيراً، فارغاً كانَ، في الأعلى فصارَ حُكماً

وصارَ جرأة ً، وصارَ يُنفـّذ ُالإعدامَ بالطـُّوْفانْ؛

كذلكَ جاء الفقراءُ حفيفاً من لهجةِ رِيح ٍفي غابة صَـفصاف:

باسم ِالأحياءِ : تـَرْتـَقينا الجبالُ، ولما رأتـْنا الكرومُ،

نشَرْنا العناقيدَ والتحَمْنا سوية ً

بسرِّ هذه الوديانْ.

* * *

فـَخَلـَّفـْنا كلماتٍ تـُحلـّقُ قبلـَـنا، وأخرى تجئُ رذاذا ً فنحتمي تحتَ الشَّجرْ

لكنَّ الأوراقَ تـُجَمـّعُ القـَطَراتِ الملأى ، تقرع ُرأسي: مِطرقة ً صينية ْ

وتأتي أ ُخرى مثلَ كلام ِ نبيٍّ آمَنَ بالشـِّعرِ وبالثورةِ، ثمَّ تطيرُ: نوارسَ صحراوية ْ

بعيون ٍأقلقها زمنُ الخوفِ من الرَّمل ِ المُصْمَـتِ بالصَّمْت.
* * *

طِرْنا للشرق ِاوالغربِ،

عبَـثـْـنا بالزَّمَن ِ،

وتظلُّ الأزمانُ ببغدادَ

ساعاتٍ أوْقـَفـَها وقتٌ وغـُبارْ:

أساوِرَ من حجر ٍ، ويصيرُُ الناسُ ظِلالَ غبارْ

أشباحاً، والكلماتُ غـُبارْ

غـُبار ٍحَرَقَ الزيتونَ، ولـُبَّ الطـَّـلـْع ِ،

عَقـَرَ القــَدّاحَ وعَينـَيْ أمّي،

غبار ٍجاءَ جَراداً، وضبابا ً، جاءَ سديما ًمحُمَرّاً :

حَطـَّ برأسي،

أشابَ رموشي

وسَطحَ الدار ِ، أشابَ صِغارْ؛

لكنّ الدنيا تنمو في بغدادَ

بمُزْنةٍ

وحتى الخيزرانُ بآذارْ

تصحو أعوادُه الصُّفرُ بتربتِنا،

تـَـتـَبَرْعمُ فـَجْراً بـِنـَداها، وعِصِيُّ تـُصبـِحُ أشجارْ؛

لكنْ

إنْ ضاقتِ الدنيا ببغدادَ

أو ماتَ رفيقٌ،

تفقـُدْ أزهارُ الخوخ ِالوردية ُ

في الراشديةِ بهجتـَها،

وتـَظـْـلـَمّ الدنيا ، فالشمسُ ستـَهـْوِي

كـُرة ً في ظلّ ِ جدار ٍ، كرة ً في ظلِّ جدارْ.
1996



#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرمز في الوهم
- كم من ضَحَاكٍ بكى بنوروز - 1
- جرعة ٌ من الوعي المُرّ ْ
- القرية - 56
- الجِعْلان – ب -
- أحاديثُ القرية (2)
- حساء دجاج للعقل
- ملاحظات في الكتابة في الدين (7) في الفلسفة – ب – في التغيير، ...
- مختارات قصيرة
- صوغ العبارات السياسية الخادعة
- الخطى -6-
- ملاحظات في الكتابة في الدين (6) في الفلسفة – أ - في ضوء المف ...
- الأشجار - 2
- الأشجار الأخيرة - 1
- الخطى 5
- الخطى 4
- ليست العلمانية بديلاً للإشتراكية العلمية – ملاحظات إضافية
- ملاحظات في الكتابة في الدين (5) العلمانية ليست بديلا للإشترا ...
- ملاحظات في الكتابة عن الدين (4) في العلمانية العربية - ب- إخ ...
- ملاحظات في الكتابة عن الدين (3) - العلمزيف - وصف السرج


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - يحيى والوصية الثانية