|
وول سوينكا في السبعين : السياسة تفسد المثقفين
فاروق سلوم
الحوار المتمدن-العدد: 902 - 2004 / 7 / 22 - 04:57
المحور:
الادب والفن
ثمة دكتاتوريات كثيرة تحيط حياتنا على طول دول قوس الفقر والقدامة.. دول الصراع و الحلم ..والأمل المستحيل..دكتاتوريات للوهم ..و القبيلة..والخوف و العقيدة ..والخرافة والغابة ..وألأبوّة..والعبادة..ودكتاتورية الموت ..والجلاّد ....ووسط كل تلك الدكتاتوريات كان وول سوينكا الأفريقي ..يعيش دكتاتورية الأساطير اللانهائية لقبيلة بوربا التي ينتمي اليها جنوب نايجيريا.. في هذا البلد ذي المائة وعشرة ملايين ..ثمة مائتان وخمسون مجموعة عرقية..بكل الإرث المتشدد لثقافة الحروب والغزو ..وصيادي العبودية الغربيين..والباحثين عن الذهب والبترول ..وتجار ثقافة .. الفقر والأبادة... يغامر سوينكا لكتابة روايته القصيرة الأولى، وهو يتأمّل كل اولئك الذين يبصرون ولا يبصرون..ويفكرون ولاعقل يرى الى البعيد.ان فكرة ضياع افريقيا تؤرقه ..فلقد ظلت هذه الفكرة ترافقه في كتاباته ونشاطه، حتى وهو يتسلم جائزة نوبل للآداب عام 1986، كان يردد ..ان أفريقيا تسرق كل يوم ..واهم منجزات أفريقيا المسروقة هي الثقافة السوداء بكل التدفق الفطري للموسيقى والرقص و الألوان والعقائد والأنثروبولوجيا لكي ينتعش الغرب العقيم .. ولذلك لم يسمح سوينكا لهذه الجائزة النخبوية ان تغير من إيقاع الفكر.. والأسئلة..لديه،حتى وهو يرى بلده ..الذي طارده ..في الستينات وسجنه ونفاه..وهدده بالقتل يحتفل به اخيرا..بعد ان بلغ السبعين . هذه هي بلدان الدكتاتورية والقحط والجوع ..وهي تطارد ابناءها..وتنفيهم ..وتغلق الأفق في عيونهم..تعود متأخرة لتحاول ان تنصف أبناءها المبدعين بعد لوعة القهر والأضطهاد ..كما حصل مع العشرات والمئات من الأسماء التي اورقت في عيوننا المطفأة بالخوف طوال السنوات الكابوسية.. وفي نيجيريا ..تقام طوال شهر تموز / يوليو 2004احتفالات ومعارض كتب وقراءات لمناسبة بلوغ سوينكا السبعين فيما يستـعيد هو وسط كل تلك الأحتفالية سنوات النأي ..والتهديد ..والفقد الحزين. فلقد عاش سوينكا المولود عام 1936في قرى جنوب نيجيريا..وتعلم هناك في مدرسة دينية يديرها اباه ,وتابع سلّم حياته بمغايرة شديدة مع بيئة مستسلمة لقدرها وهي تعلق أقدارها بالروح والخرافة..وبسلسلة لانهائية من الأساطير المروية على مدى عمر القارة السوداء.وحين انهى دراسته الجامعية في جامعة ايبادان واجهته الأحداث الساخنة والحروب الأهلية والقتل القادم بفعل البترول ..والجهل ..والأسى ،باعتبار نيجيريا تشكل ثروتها الوطنية من هذه الثلاثية القاتلة حتى يومنا هذا . وكان يلاحظ سوينكا دور الكاتب ، دور المثقف ، في بيئة الحدث والسياسة ، يوم حاول ان يقدم نفسه من خلال القصة ( رواية المفسرون/1965)..والتي يشكل المثقفون المفجوعون بوطنهم الأبطال الأساسيين ـ الكاتب ..الدبلوماسي ..المرأة الهاربة من قريتها وهي تقلد الغرب ـ وسلسلة مقالات تدعو للسلام والتصالح.وفيما كان المثقفون النيجيريون يغرقون في شهوة السلطة وامتيازاتها كان سوينكا منذ اواسط الستينات يعاني السجن جراء كتاباته التي تسببت له بتهمة التآمر..ثم أطلق سراحه ..ليواجه النفي القسري خارج البلاد. وهكذا هاجر الى الغرب يوم كانت حركات اليسار الجديد ..والحركات المناهضة للمجتمع من الهبيز ..والجماعات الدينية القديمة..وهناك عرض سوينكا اهم أفكاره في روايات ..ومسرحيات تعبر عن هجائه للدكتاتورية ..وللمثقف وهو ينوء بأحمال خوفه تحت وطئتها. كانت رواية (المفسرون )تعبير عن يأس مثقفي البلاد من آن يصنعوا شيئا لبلادهم ..في ظل ظروف تقف متصدية للجميع وتغاير إرادة المثقف العاجز ..، في الرواية مهاجرون عادوا ..ومثقفون أرادوا ان يؤسسوا لحياتهم وسط جحيم الوطن ونساء متمردات ..فينتهي الكاتب الى الفصل ..والدبلوماسي الى النساء ..والمرأة الى اللذة والأثم. وفي مجمل رواياته ومسرحياته ..كما في رواية( رقصة الغابات ) تأكيد لغباء الدكتاتور ..وجهل الحاكم ..وغباء المثقف ايضا. وفي مسرحيته ( لعبة الموت وفارس الملك ) يحاول خادم الملك الانتحار اثر موت حصان الملك ..فيمنع بقوة القانون..وهكذا في سلسلة مقالاته التي ظهرت بعنوان ( جرح القارة النازف )..يتابع خيبته من خيارات الديموقراطية ..وهي تحول أبطالها الى الدكتاتورية القاتلة حين انتخب ..اباشا ..ومن بعده بابا جندا خلال أواخر القرن الماضي ليتحول كل منهما الى دكتاتور غبي ..ودكتاتور أحمق ، وهو يسجل ملاحظته على قادة أفريقيا المعروفين بدمويتهم [ كان موبوتو ..وبوكاسا وعيدي أمين ..وبابا جندا وغيرهم دمى غبية تحركها قوى العلم المسيطرة ..ونزواتهم الفرديه الجاهلة الى درجة الموت المحقق للشعب من الجوع والاستغراق في الدهشة من سلوك هذه المخلوقات المتسلطة ] ..و يرى ان تاريخ التسلط والعبودية قد جرد أفريقيا من هويتها و[ آن الأوان ليطوى هذا الفصل المخزي من تاريخ الغرب ]..وتشكل أعماله الأدبية في الرواية والمسرح والشعر علامة إبداعية يقيّمه نقاد الغرب من خلالها باعتباره أحد أهم كتاب أفريقيا العالميين.. فيما يظل هو مشغول في قضية المثقف تحت ظل الدكتاتورية قائلا : ( ثمة الكثير من الأدباء والمثقفين كلفتهم شعوبهم بمهمات التعبير عنها سياسيا ..لكن هؤلاء كانوا مصدر خيبة لتلك الشعوب ..لأن السياسة تفسد المثقفين )..ويظل سوينكا محملا بهمه الإبداعي وهمه الوطني ..وهو في عقده السابع يواجه عرفان وطنه ..واعتزازه به ..ولكن الأمر جاء متأخرا.
#فاروق_سلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروائي فارغاس يوسا في العراق
-
مجد البرجوازية وأحلام القاع
-
طاسة الحمام الأميريكي
-
عودة آور ..العودة للناصرية
-
AMERICANIZATION
-
التوافقية : حكمة الكورد السياسية
-
أنصفوا الكورد : اقلية عقلانية..واغلبية ضائعة..
-
يوم آخـــــــــر
-
قصائد لزمن واصدقاء
-
الحب والبلاد والأسى
-
اوهام
-
حماقة التغيير
-
صحفيون
-
الرسائل قداس ايامنا
-
وردة السايكوباث/ قصيدة
-
اميركـــــا..حبيبتي
-
جـحيم المدينة جحيم العربات
-
ألأمــــيركيّـــون
-
من أضراب كاورباغي ألى ضياع الهوية
-
علم وشعار..وعقلانية
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|