أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 5















المزيد.....

الأولى والآخرة : مَرقى 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 18:51
المحور: الادب والفن
    




كان عليّ الإياب لمنزلي ، أخيراً ، ومحاولة أخذ سنة من كرم النوم ، طالما أنّ ميعاد صلاة الفجر قد أذن . ومن النافل ذمّ النفس الأمارة بالسوء ، ما دمتُ على إهمالي شأن فريضة الصلاة ، إلا في مناسبات ضرورية لا غنى عنها ؛ خصوصاً ، حينما أكون بصحبة أشخاص ، على محمل مُعتبَر من الوقار والتقى ـ كما كانه حال الشاملي ، الذي تركتُ داره للتوّ . على أنني ، لكي لا أبكت نفسي بلا طائل ، أرى أن الله ، برحمته الواسعة ، لا ريبَ سيتسامحُ في الفرائض ولكنه ، بالمقابل ، لن يتهاون في التشديد على العمل الصالح : وفي أنقاء العمر ، الممتدّ بعيداً بعيداً ، كانت نخلة الحياة ذات السعف الذاويَة ، المُنهَكة ، مثقلة بثمار رطيبة من الخير والشرّ على حدّ سواء . الآن ، حينما أسجل هذه الكلمات في تذكرتي ، وأنا على مشارف الآخرة ، لا أجدني قد حدتُ عن يقيني المعلوم ، بشأن الفروض والأعمال . ولكنني أعترف ، إلى ذلك ، بأنه كان يُخجلني ، أحياناً ، إلى حدّ الإرتباك ، أن يلفتني أحد الأصدقاء ، من أروام هذه الجزيرة ، إلى الصلاة في وقتها المعلوم ، برغبته ترك صحبتي لحين فراغي منها . لا بل أنّ قسّ الكنيسة الصغيرة ، القائمة على مقربة من حيّ المسلمين هنا ؛ هذا الرجل المبجل ومن معارفي الوثيقين أيضاً ، كان من الأريحية أن عَرَضَ عليّ تأدية الفرض في صومعته . حتى رَحْمَة ، فإنها من الطرافة في وَرَعها حدّ أن تدعوَ لي ـ وهيَ النصرانيّة ـ بالهُدى والإيمان ، في كلّ مرة كان يتناهى فيها جدلنا ، حول معميّات الشك واليقين .

وإذاً ، فقد رأيتني في منزلي ، في تلك الساعة المتأخرة من الليل ، بعد مفارقتي صحبة الشاملي وأخوانه . هذا المنزل ، كان يقع على مقربة من مقهى النوافر ، وفي جيرة المسجد الكبير ، من جهة منارته الغربية ، السَموقة ، المانحة ظلها للمكان . شأن الخلق ، المقيمين هنا ، كنتُ غير مجبر على مغادرة بيتي والركون لحمى البرّ أو الأحياء الواقعة خارج السور ، ما فتأت قنابر وصليات القلعة تتجنب ، حتى ذلك الوقت ، التناهي إلى المكان المقدّس هذا ؛ الذي يشمل المسجدَ ومحيطه . وكأنما المساجد الاخرى ، التي دمرتها مدفعية الوزير ، ليست بيوتاً لله : هذه الفكرة ، ربما كانت تداور آنئذ في ذهن هذا الأخرق ، المحصور في القلعة . إذ تناهى لعلمنا ، حينما كنتُ بمعيّة الأخوة ببيت كبير الأعيان ، أنّ الوزير أنذرَ آغاوات اليرلية والقابيقول بالكفّ عن قصف مقرّه إنطلاقاً من المسجد الكبير ؛ وأنه لن يتورّع عن الردّ على مصدر تلك النيران ومهما تكن العواقب . وقيل في ذلك ايضاً ، أنّ الوالي يدعي إمتلاكه فتوى من شيخ السجادة الخالديّة ، الملتجيء للباب العالي مؤخراً ، وفيها إعتبار المسجد الكبير إحدى بدَع بني أمية ، في تشبههم ببذخ الروم الكفار ، الغريب عن بساطة دين محمد . لا بل أنّ الوزير ـ وفق ما أعلمنيه شمّو آغا ـ سبق له أن أكدَ أن رأس الطريقة النقشبندية قد داجاه في يقينه ، بأنّ مساجدَ ثلاثة ، حسب ، هيَ المُعدّة بنظره حُرْماً ؛ وهيَ الكاينة في القدس الشريف ومكة المكرمة والمدينة المنورة . هذا كله ، ولا غرو ، قد فتح البابَ لريح عرمرم من الجدل حول قدسيّة الشام الشريف وحرمة مسجدها الكبير . وكان غريباً ، في واقع الحال ، أن يتفق في هذه المسألة رأيُ أهل الطريقة مع أصحاب الحنابلة. هؤلاء الأخيرون ، كانوا على إعتقادهم المُستمد من شيخهم ، إبن تيمية ؛ الذي فندَ الأحاديث ، المنسوبة للنبي ، عن كون الشام مستقر قيامة الله وجنة خلده . بيْدَ أنّ الأولين ، النقشبنديين ، كانوا على فرقة بيّنة مذ وفاة قطبهم ، وقيام صهره بمخالفة وصيّته بإدعاء الخلافة لنفسه ، بما كانَ من مؤازرة شيخ الآستانة له .

قلتُ فيما سلف ، أنّ شمّو آغا قد أمدَني بتلك المعلومة التي سمعها بنفسه من الوالي . للحق ، فإنّ زعيم الصالحية كان قد فجأني بمرسال من لدنه ، في يقظة اليوم التالي المُعقبَة عودتي من عند الشاملي . كنتُ وقتئذ متلهفاً على خبر ما ، من طرف قبجي السلطان ، وإذا بي أتلقى تلك الدعوة الغريبة . لا مراء ، في أنها ستكون بمثابة الخيانة ، قبولي دعوة هذا الوجيه بدون علم المجلس . وعلى الأرجح ، فإنّ الآغا الكرديّ كان قد حدَس بهاجسي نفسه . فإنّ وصيفه ذاك ، كان قد وزنَ جملته بعينين ينبعث منها شرر المكر ، لما شرَعَ يلقيها بيسر على مسمعي : " سعياً لوضعه في صورة الأمر ، كنتُ متشرفاً بلقاء كبير الأعيان ، ومباشرة قبل المثول في حضرتكم "
" آه ، هكذا إذاً " ، أجبته ببطء وبلهجة تتمطى عباراتها . إنحنى الرجل عندئذ بحركة إطناب وتبجيل ، ليردف من ثمّ بأنّ كروسة الآغا تنتظرنا خارجاً حذاء المنزل . خلال الطريق ، شردتُ بفكري عن مخلوقات الله ، التي كانت تجول هنا وهناك ، سائرة وراكبة سواءً بسواء . كنتُ ولا ريب أتفكرُ بعد ، بكنه دعوة شمو آغا وما إذا كانت متواشجة بحدث وصول قبجي السلطان إلى حاضرتنا ، الملتهبة بالعصيان والفوضى . أخرجني من سهومي ، أخيراً ، توقف العربة فجأة عند مدخل مقام الشيخ محي الدين . رأيتنا قدّام حاجز مسلح ، كان قوامه أفرادٌ من الإنكشارية اليرلية ، المتحلقين حول ضابطهم ، الشاب . ثمّ سُمحَ لنا بمتابعة المسير ، حالما ألقوا نظرة خلل الساتر المُدبّج ، الفاصل ركاب الكروسة عن الأنظار .

منزل شمو آغا ، المرتكن على الناصية الشرقية لمدخل الصالحيّة ، كان محيطه يضجّ بهرج ، ذي مفردات من لغة الجبل ، متأت من جمهرة الأتباع المسلحين . أفسحوا لي الطريق ، بقليل من الإهتمام ، حالما حاذيتُ العتبة المرخمَة ، المرتفعة قليلاً ، لمنزل زعيمهم . أحنيتُ رأسي في مروري خلل خوخة الباب الكبير ، المهيمن عليها طنفٌ على شكل قبة دقيقة ، متأثراً خطى الوصيف . ثمة ، في الفناء الطويل ، راح بصري يجولُ في ذهْل من غرائب الجصّ ، المتداخل بتخاريم المقرنصات . على أنني لم أكن اكثر حذراً ، حينما أصطدم مقدم رأسي بإحدى النجفات ، المتدلية من سقف الفناء . إنحنى الوصيف ، ليناولني سَرْبوشي ، فلمحتُ بسمة ساخرة على فيه الأشدَق : كان ملبسي ، الذي أخطرُ به هنا ، ينتمي أيضاً للغرابة ـ بنظر هؤلاء الناس على الأقل ؛ ملبس ، متوافق مع بدعة التحديث ، المتفرنجة ، التي كانت تخطو الهوينا ، مؤيّدة من قبل الباب العالي . ومن الفناء الداخلي ، إلى دهليز ضيّق الجانبين ووطيء السقف ، مسنوداً بعقود حجرية ، تناهى بنا حتى مدخل متسع ، محروس بأعمدة هولات من المرمر المُعشق ، الزاهي . لم أحفل كثيراً لما كان يحيطني من وفرة في البذخ ؛ فإنّ مهنة العطارة ، كانت قد إعتادت ولوج قصور تتقزم أمامها ، ولا ريب ، أمثال هذه الدار العامرة . على هذا ، خطوتُ بثقة فوق أرضيّة القاعة ، المُفترَشة بالزرابي النادرة ، المجلوبة ربما من فارس أو الأناضول ، ليستقبلني هناك الحضورُ وقوفاً ، بعدما سبق وأبلغهم بوصولي ذلك الحاجب . أدهشني ثلاثة من الحضور ؛ شبان ، إنطبَعتْ في سحناتهم صورة الأبّ ، الصارمَة المهيبة ، وهيَ على أشدّ ما تكون من التماثل . علاوة على شمّو آغا وأبنائه الثلاثة ، كان ثمة ضيفٌ آخر ، غريب الهيئة ، وكان لا يثريب متفرّساً فيّ مذ وطأت قدمي عتبة الصالة . إثرَ كلمات المجاملة ، المشفوعة بكؤوس صغيرة ، مذهّبة الحواف ، مترعة بالقهوة المهيّلة ، قام أولاد الآغا مستأذنين بالإنصراف . لما بقينا متوحّدين ، كما يجدرُ بخلوة مفترَضة ، فإنّ سيّد الدار رفعَ وجهه عن انف عظيم ، متشامخ ، ليشير بيده بحركة متأدبة ناحيَة الضيف على سبيل التعريف : " أظنك سمعتَ بأحمد بك ، المصري ؟ " ، قالها بنبرة غريبة ، فيها نوع من الحَرَج .
" آه ، القاروط إذاً " ، ندّتْ عن سرّي .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأولى والآخرة : مَرقى 4
- الأولى والآخرة : مَرقى 3
- الأولى والآخرة : مَرقى 2
- الأولى والآخرة : مَرقى
- الأولى والآخرة : توضيحٌ حولَ خطة التحقيق
- الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق
- لماذ قتلتم مروة ؟
- رؤى
- بحثاً عن طريدةٍ اخرى
- قيثارة الأطياف
- تراتيل
- ترانيم
- الأسبار
- الصفعة في السينما المصرية
- فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
- منزل المنفى
- دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
- قلبُ لبنان
- الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
- حوار حشاشين


المزيد.....




- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 5