إيريك توسان
الحوار المتمدن-العدد: 2959 - 2010 / 3 / 29 - 11:32
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تخلق عوامل خارجية وداخلية وضعا صعبا ومتوترا في كوبا.
تؤثر الأزمة المالية والاقتصادية العالمية مباشرة على الاقتصاد الكوبي على مستويات خمسة:
1- انخفض سعر الطن من النيكل المصدر من كوبا إلى السوق العالمية من 000 50 دولار إلى 000 10 دولار بين العامين 2008 و 2009.
2- رغم ارتفاع طفيف لعدد السائحين، قام هؤلاء بخفض إنفاقهم(ما قلص المداخيل بنسبة 10 %)
3- أدى الانخفاض الحاد لسعر البترول، الذي مس مباشرة فنزويلا، إلى تأخير ادعاءات هذا البلد مقابل الخدمات التي تقدمها كوبا لسكان فنزويلا، سيما على صعيد الصحة.
4- العواقب الممتدة زمنيا للإعصارات القوية التي دمرت قسما من الجزيرة في العام 2008 .
5- مواصلة إدارة باراك اوباما حصارها لكوبا. لم يلغ الرئيس الجديد حتى التدابير التي تمنع المواطنين الأمريكيين من السياحة او العلاج في كوبا. والحال ان قرب الولايات المتحدة الأمريكية من كوبا قد يجعل السياحة القادمة من الجار الشمالي ترفع جدا عائدات كوبا من هذه الخدمات.
نتج عن هذا عجز في ميزان تجارة كوبا، فيما يضطر هذا البلد إلى استيراد نسبة مرتفعة استهلاكه من الأغذية. ردت الحكومة بتقليص حاد للواردات، ما أثر على الحياة اليومية لسكان كوبا. وأدت مصاعب التمون بالغذاء إلى استياء يلحظه من يحاور الكوبيين في الشارع. ونشير إلى أن لا أحد يموت جوعا في كوبا، ولا يلاحظ نقص وازن عند السكان بعكس ما يجري في السواد الأعظم من البلدان النامية، ومنها تلك البازغة. و لا يعاني الكوبيون من نقص التغذية. يستفيد الكوبيون، في بلد حيث تظل أشكال التفاوت أقل بجلاء مما في البلدان المجاورة، من تغذية كافية ومن خدمات صحة وتعليم جيدة. في العام 2009، استهلك الكوبي المتوسط 3200 وحدة حرارة في اليوم فيما المعيار الوطني الأدنى محدد في 2600 وحدة حرارية.
بيد أن الكوبيين يحسون بالحرمان في حياتهم اليومية بسبب اضطرارهم إلى تخصيص وقت طويل على نحو غير عاد في طوابير الانتظار أمام المتاجر للتزود بعدد من المواد الغذائية، كما ارتفعت أسعار بعضها. وتلك حال البطاطا التي جرى تحرير سعرها فتضاعف.
استفادة كوبا من القروض الخارجية ضئيلة جدا
يجب أن نعيد إلى الأذهان أن كوبا ليست عضوا بصندوق النقد الدولي، ولا بالبنك العالمي، وذلك لتفادي الخضوع لاملاءاتهما. لذا لا تطلب كوبا منهما قروضا. علاوة على أن قروض الدول الأعضاء في نادي باريز مرفوضة لكوبا منذ سنوات،لكن عند معرفة الشروط المصاحبة لها لا يبقى مجال للتأسف على ذلك [1].
و تطالب البنوك الدولية الخاصة المستعدة لمنح قروض بمنح أخطار مرتفعة جدا للاحتماء من الحصار الأمريكي. في الملموس أغلب القروض الممنوحة لكوبا مصدرها الصين، والبرازيل، وفنزويلا. هذا وضع حرمان حاد بالنظر إلى ان بلدان المنطقة شكلت في كانكون Cancun في فبراير المجموعة اللاتينية الكاريبية( تضم دول أمريكا ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية وكندا)، متوفرة على زهاء 500 مليار دولار في شكل احتياطات صرف. بدل استعمال هذه الاحتياطات للقيام باستثمارات منتجة في المنطقة او لمساعدة بلدان الجنوب مختلة الميزان التجاري، يُسلف قسم هام من هذه الاحتياطات للحكومة الأمريكية عبر شراء سندات الخزينة[2]. الوضع محبط بقدر ما أن خلق هذه المنظمة الجديدة ينهي، على الصعيد السياسي، وضعا غير عاديا ساد منذ زهاء نصف القرن، عنينا وجود منظمة الدول الأمريكية (OEA) ذات المقر في واشنطن والتي أقصيت منها كوبا بضغط من السلطات الأمريكية.
كما أن التأخر الحاصل في انطلاق بنك الجنوب الذي أسسته سبع بلدان(بنك ستكون عملياته، بجميع الأحوال، محدودة مبدئيا في أمريكا الجنوبية) تصور إمكان قرض متضامن مع كوبا على المدى القصير أو المتوسط. و أخيرا، لا يضم بنك الألبا l’ALBA [4]، المنطلق بالكاد، أعضاء على قدر كاف من الثراء، ما خلا فنزويلا، لتشكيل مصدر تمويل كاف لكوبا.
إصلاحات لا غنى عنها في الزراعة
بعد تناول العوامل الخارجية، نتطرق إلى العوامل الداخلية. إن حصيلة 50 سنة من السياسة الزراعية في كوبا سلبية، فكما أوضحنا أعلاه أكثر من نصف الوحدات الحرارية المستهلكة في الجزيرة أصلها منتجات مستوردة. الوضع بعيد إذن عن السيادة الغذائية. للرد على هذا الوضع، أقدمت السلطات على منح حق الانتفاع بمليون هكتار بائرة لـ 000 100 أسرة. لا نرى كيف يمكن لهذا القرار أن يأتي بحل في مستوى المشاكل. عند استفسارها عن سياستها في ميدان قانون الملكية، تجيب السلطات أن تغيير التشريع الراهن بقصد توسيع الملكية الخاصة في الزراعة كما في الخدمات أمر غير وارد. إنها تسعى عن حق إلى تجنب إعادة تشكل الملكيات الزراعية الكبرى (لاتيفونديا). يجب فعلا اتخاذ تدابير لتفادي إعادة تكون علاقات إنتاج وملكية رأسمالية في الزراعة، كما في باقي المجتمع الكوبين، هذا أمر لا شك فيه. لكن الملاحظ يتبين أن قطاع الملكية الصغيرة العائلية هو الذي ينتج بأكبر فعالية المواد الغذائية. والحال أن هذا القطاع يمثل بالكاد نسبة مئوية ضئيلة من الأراضي الصالحة للزراعة في البلد. إن بوسع الدولة أن تزيد عدد الأسر التي قد تستفيد من ملكية الأرض بشرط إنتاج أغذية. سيمنع على هذه الأسرة بيع أراضيها للغير بقصد تجنب تركز الأراضي و إعادة تشكل الملكيات الخاصة الكبيرة.
وبوسع الدولة حفز، وتثبيت، فئة فلاحين منتجين مكونة من أسر مستغلة تستعمل المناهج العضوية لإنتاج كمية كافية من الأغذية الجيدة. يجب على أسرة تستغل أرضا في ملكيتها أن تشارك مباشرة في الإنتاج، ويمكنها استخدام بعض الأجراء للمساعدة بشرط احترام صارم لقانون العمل بقصد ضمان أجرة وشروط عمل لائقين و بشرط الإسهام في تمويل الضمان الاجتماعي. على هذا النحو سيجرى حصر القطاع الخاص في الإنتاج السلعي الأسري الصغير الذي قد يتعايش مع القطاع التعاوني و قطاع الدولة.
كما يمكن، إلى جانب هذه القطاعات، تطوير إنتاج زراعي للبلديات حضري ونصف حضري، تحت مسؤولية السلطات الجماعية. ففي العشرين سنة الأخيرة، طور الكوبيون الإنتاج في مزارع البقول الصغيرة في الوسطين الحضري ونصف الحضري، وبلغوا مستويات فعلية مرتفعة. ولا شك ان التجربة قابلة للتوطيد.
الرقابة العمالية، والتسيير الذاتي، و الرقابة المواطنة، وتنظيم مساحات نقاش ...
لكن الشرط الذي ليس منه بد لإيجاد حلول لمشاكل كوبا متمثل حتما في القيام بوثبة نوعية في المشاركة الشعبية بأشكال مختلفة: الرقابة العمالية، والتسيير الذاتي، والرقابة المواطنة، وتنظيم مساحات نقاش ، الخ.
فالمشكل الأساسي فعلا في كوبا متمثل في كون العمال والمواطنين لا يشعرون مباشرة بإسهامهم في القرارات التي تمس عملهم( شروط العمل، وجهة نتاج عملهم، صيانة أدوات العمل...). يؤدي هذا إلى مستوى إنتاجية بالغ الانخفاض، وتبذير كبير و كذا مستوى مرتفع من السرقة بأماكن العمل. انه العامل الداخلي الأساسي الذي يفسر أوجه الضعف الملازمة للنظام الكوبي. صحيح أن تاريخ القرن العشرين، ومطلع القرن الواحد والعشرين، يقدم قليلا من الأمثلة الناجحة المديدة عن تجارب الرقابة العمالية والتسيير الذاتي.
لقد شهدت البلدان التي قامت بتجارب اشتراكية تشوهات بيروقراطية و استبدادية بسرعة، متبوعة بانحطاط ناجز. رغم المصاعب الموضوعية والذاتية، ما لم ُيحقق تقدم جذري في هذا المضمار، قد تنتهي كل محاولات التحسين والإصلاح إلى الفشل ، ومن ثمة تزايد خيبات الأمل ومشاعر الحرمان. عند استفسار السلطات حول مسألة المشاركة الشعبية، ليس ثمة غير أجوبة مراوغة.
نهاية ليبريتا libreta المؤجلة
بقصد مواجهة تراجع مداخيل الدولة، قررت الحكومة قبل سنة ان تضع بالتدريج حدا لليبريتا. ما هي الليبريتا libreta؟ انه الدفتر الممنوح لكل كوبي ليتيح له الحصول على جملة منتجات أساسية بثمن منخفض جدا، ورمزي عمليا. وتغطي هذه المواد زهاء 30 % من الحاجات الغذائية. يمثل هذا، حسب الأرقام الرسمية، مليار دولار كل سنة على كاهل الدولة. يتعين على الدولة، كي تمكن جميع الكوبيين من مواد لبريتا بأسعار مدعومة جدا ان تنفق هذا المبلغ، سواء بشكل شراء منتجات مستوردة بالعملة الصعبة، أو مجازاة المنتجين المحليين. السواد الأعظم من سكان كوبا متمسك باللبريتا المعتبرة مكسبا.
في ظل الظروف الراهنة، يبدو ان الحكومة مدركة للاستياء الشعبي الشديد الذي قد ينتج عن إلغاء الليبريتا. ومن المرجح أن تتخلى عن التطبيق العملي لهذا القرار في السنة او السنتين المقبلتين. لكن خطر إلغائها غير مستبعد نهائيا.
منذ 20 سنة يعلن ملاحظون كثر النهاية الوشيكة للنظام الكوبي و /أو إعادة الرأسمالية. لكن أيا من هاذين الاحتمالين لم يتحقق. و لا تزال كوبا بلدا ألغيت به الرأسمالية منذ 50 سنة بعد ثورة ظافرة. إن هذا البلد، المعاني من حصار أمريكي مُدان من 98 % من أعضاء الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، يواجه من جديد تحديات لن يتخطاها سوى بتجدد نشاط الجماهير الذاتي.
تعريب :جريدة المناضل-ة
1- أوقفت كوبا السداد لنادي باريس في منتصف سنوات 1980- راجع بهذا الصدد voir Millet Damien et Toussaint Eric, 60 questions/60 réponses sur la dette, le FMI et la Banque mondiale, CADTM-Syllepse, 2008, p 258).
2- انظر : Toussaint, Banque du Sud et nouvelle crise internationale, CADTM-Syllepse, 2008, notamment pages 38-39.
3- انظر: Eric Toussaint, Banque du Sud et nouvelle crise internationale, CADTM-Syllepse, 2008. 4- الألبا: ALBA : مشروع اندماج بديل اقترحه في العام 2003 رئيس فنزويلا ردا على مشروع ALCA - منطقة التبادل الحر للامريكيتين – الذي بادرت اليه الولايات المتحدة الأمريكية. بدأ الالبا منذ 2004 ويضم كلا من فنزويلا و كوبا وبوليفيا ونيكاراغوا والدومينيك و سان فانسان والغر ونادين و إكوادور و انتيغا – باربودا . ينطوي اقتراح الاندماج على مشاريع في ميادين عديدة مثل المالية والتعليم والبنيات التحتية و العلوم والتكنولوجيا والطاقة والبيئة ، الخ. المبادرة الأهم حتى الآن هي مبادرة بيتروكاريب Petrocaribe التي تمنح بترول فنزويلا بشروط ميسرة لباقي البلدان الأعضاء.
5- في ذروتها في العام 2008 بلغت صادرات بترول فنزويلا إلى شركائها في بتروكاريب 10 مليار دولار.
ايريك توسان : مؤلف (مع يانبك بوفي) كتاب
Le Pas suspendu de la révolution. Approche critique de la réalité cubaine, édition Le Cerisier, Mons (2001).
#إيريك_توسان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟