أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الصائغ - ديمقراطية المسدس الثقافي















المزيد.....

ديمقراطية المسدس الثقافي


عدنان الصائغ

الحوار المتمدن-العدد: 187 - 2002 / 7 / 12 - 06:32
المحور: الادب والفن
    


تراه لا يفتتح مقالته إلا بالحديث عن الحوار الديمقراطي، ولا يختتم أمسيته الثقافية إلا بالدعوة الملحة إلى الانفتاح الديمقراطي، ولا يتناول فطوره المكون من بيضتين مسلوقتين إلا ويرشهما بملح الديمقراطية، ولا ينام في آخر الليل إلا بعد أو يتناول قرصاً ديمقراطياً مهدئاً يبعد عنه ما قرأه وما سمعه في النهار من كوابيس الحوارات المتشنجة ولغة السياط ونقاش المسدس … وتعجب من أسلوبه الديمقراطي حين يفتح لك باب الحوار على مصراعيه ويدعوك أن تبدي وجهة نظرك بلا خوف أو تردد، مستهلاً دعوته بدزينة من الأقوال والمصطلحات والحكم المأثورة  منها يقول شارك تايلور "الديمقراطية هي فن الاعتراف بالآخر" ومنها قول آلان تورين "أن الديمقراطية لا تقوم فقط على قوانين بل تقول قبل كل شيء على ثقافة سياسية" ومنها قول الشاعر العربي "واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" ولا ينسى طبعاً أن يحدثك عن موقف فولتير من روسو وكان على خلاف فكري عنيف معه، حتى إذا صادرت السلطات السويسرية كتاب روسو وأمرت بإحراقه كان فولتير أول المدافعين عنه تمسكاً بمبدئه الشهير: "أنا لا أتفق معك في كلمة واحدة مما قلته ولكنني سأدافع عن حقل في الكلام وحرية التعبير عن أفكارك حتى الموت".

وتطمئن إلى سعة صدر الرجل، فتتوكل على الله وتبدي رأيك في كتاباته إطراءً ومدحاً وهو منبسط الأسارير، متهلل الوجه، لكن ويا للعنة من لكن، ما أن تقول له أن لك رأياً مخالفاً حول نقطة صغيرة في موضوعه الفلاني حتى يكفهر وجه الرجل وتتغير ألوانه أخضر ثم أصفر ثم أحمر وقبل أن تكمل ملاحظتك الثانية حول أسلوبه في الكتابة، تراه قد كشر عن أنيابه لافتراسك جملةً وتفصيلاً، فتذكره بأفلاطون وديمقريط وتايلور فيشتم تاريخك وتاريخ الفلسفة اليونانية وتعيد إليه ما رواه عن فولتير فيحمل طبق البيض ليرميه في وجهك وتحاول تهدئة الموقف فتقول له: ماذا عن "اختلاف الرأي الذي لا يفسد للود قضية، فيتهمك بالعمالة والجاسوسية والاستخباراتية والخ، والخ، حتى تخشى في حمى تصاعد اتهاماته أن يسمع سماعة التليفون ويتصل بالبوليس لتضيع بـ "شربة ماء" .. غير أن جرس الباب يرن، فتحمد الله أن زوجته تدخل لتقول له أن صحفياً على الباب يروم أجراء حوار مع حضرته عن سبل الحوار الديمقراطي الكفيلة بتطور الشعوب، فتتغير خارطة ألوان وجهه عكسياً وتهدأ أساريره ويبتسم لك برقة ولزوجته بعطف وللصحفي بمودة لا متناهية ويبدأ حديثه عن أفلاطون وديمقريط وشارل تايلور والآن تورين واختلاف الرأي الذي لا يفسد للود قضية وموقف فولتير من روسو .. والخ، والخ فتفغر فمك دهشة لا تستفيق منها إلا حين ينهض الصحفي بأوراقه الممتلئة منتفخ الأوداج طرباً بما سمعه من حديث ممتع عن الحرية والديمقراطية وتعدد الآراء واحترام الفكر، سيكون هو المانشيت الأول على صدر صحيفته، ويصافحك بحرارة – وهو يتجه إلى الباب – متمنياً لك وقتاً سعيداً ومفيداً بصحبة صديقك المفكر الديمقراطي …

*    *    *

وتراه لا يجلس في ندوة إلا وتحدث عن الإرهاب السياسي والقمع الثقافي في بلده الذي فرّ منه مؤخراً، ليستقر في المنفى منتعشاً بمناخ الحرية، وتراه لا يدلي بحديث تلفزيوني إلا وخلع قميصه ليري الجمهور المشاهد آثار سياط الجلادين على ظهره بسبب مواقفه الفكرية واختلافه مع نظام بلده القمعي وتراه لا يجد فرصة ساخنة من الكلام إلا وطلب بحرية الرأي والاختلاف والنقاش والمحاورة الديمقراطية بعيداً عن كواتم الصوت والمخبرين والتقارير السرية، فتطرب للرجل وتكاد ترقص أنك وجدت أخيراً في غربتك صوتاً نصيراً للمضطهدين عانى ما عانى من الاضطهاد بسبب آرائه وذاق ما ذاق من ضراوة الظلم والرأي الواحد والحكم الواحد فأقسم ألا يترك الدهر مظلوماً، مثلما أقسمت أم حاتم الطائي وقد أشرفت على الهلاك جوعاً بعد أن ضلتْ بها الصحراء حتى انتشلتها مجموعة من الأعراب وقدموا لها الطعام والشراب، فأنشدت وقد ذاقت مرارة الجوع:

لعمرك قدماً عضني الجوع عضةً

فآليتُ ألا أترك الدهرَ جائعا

فتطمئن للرجل، وكل غريب للغريب نسيت – على حد قول امرئ القيس–

لكنك في أول خلاف فكري معه تكتشف أن جلاد بلدك الذي هربت منه ربما أكثر رحمةً وتسامحاً وتجد نفسك في مفارقةٍ لا تُحسد عليها، فوظيفة السوط أن يجلد بينما وظيفة القلم أن يعلم ويحاور وينير، فكيف تحول القلم بيد صاحبنا إلى سوط أكثر قسوة من سوط الجلاد نفسه، هل لأنه يمارس شهية تقليد الجلاد فيتفوق عليه، والى ذلك يشير أبن خلدون في مقولته "الضحية يقلد الجلاد" أم لأنه يعرف مواطن الألم والضعف في داخلك، والى ذلك يشير المفكر علي حرب في قوله "أن المثقف يفع ما تفعله السلطات السياسية عندما يحل مكانها، بل هو يتصرف على نحوٍ أسوأ، يشهد على ذلك ما يمارسه المثقفون من الاستبداد والإرهاب بعضهم ضد البعض الآخر".

وتضحك، فالمخبر الذي كان يطردك من رصيف إلى رصيف ومن مكتبة إلى أخرى هو موظف لدى الدولة يستلم راتبه ويعتاش عليك، لكن زميلك المثقف الذي كسر حياته لا للأدب وكتابة نصوصه الإبداعية بل لتدبيج التقارير السرية عنك وعن رفاق القلم والمثقفين داخل الوطن وخارجه، كان يعمل للسلطات تطوعاً ودون أجر ... وتحتار أيها الأشرف.

 

 

عدنان الصائغ

شاعر عراقي مقيم في السويد



#عدنان_الصائغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن السقوط
- مرايــا
- مجردُ احتفال.. مجردُ سؤال.. مجردُ ألم.. مجردُ قصيدة
- كرة القدم والأدب


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الصائغ - ديمقراطية المسدس الثقافي