رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 2958 - 2010 / 3 / 28 - 18:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في لقطة من مسرحية الزعيم , للفنان عادل إمام , يقوم نائب الرئيس ( أحمد راتب ) , بأقناع مواطن بسيط , بإستغلال الشبه الكبير بهِ , للقيام بدور الرئيس مؤقتاً .
وذلك بسبب موت الأخير المفاجيء .
وعندما يستغرب( المواطن) ويتخوّف , من تلك المهمة الكبيرة والخطيرة الملقاة على عاتقهِ , كونهِ لم يعمل رئيساً قبل ذلك , يجيبهُ ( النائب ) , قائلاً :
كل الرؤساء هناك مَنْ يصنعهم في مطبخ السياسة , لا تقلق سنتدبر الأمر !
.............
في الدول المتقدمة , نسمع عن صانعي القرار وصانعي اللاعبين وصانعي النجوم ,
وكذلك.... صانعي الجمال .
هناك أشخاص كثيرون , عيونهم ترى الجمال وتتلقفهُ أكثر من أيّ شيء آخر .
قبل فترة شاهدتُ برنامجاً في قناة روسيا اليوم / العربية , عن رجال مهنتهم الأساس هي البحث عن الفتيات الجميلات في العالم ,والأخذ بيدهم للوصول الى النجومية والإشتهار .
وحسب مستوى جمال الفتاة ومواصفات جسمها ودرجة تعليمها وقابليتها العقلية وحتى شكل ضحكتها وصوتها ونظرة عيونها..... يختار لها ذلك الإختصاصي , طريقها في الحياة .
فقد يقودها لتصبح عارضة أزياء أو ممثلة أو حتى مشاركة في مسابقات ملكات الجمال .
وطبعاً سيقوم هذا الرجل ( مكتشف الجميلات ) , بتدريب وتعليم وتثقيف الفتاة على طبيعة مهمتها القادمة , وحسب الإتجاه أوالبرنامج الذي أعدّهُ لها سلفاً .
هؤلاء يُسمّون مكتشفوا الجمال , وهي مهنة تدّر الكثير وتتطلب صبراً وحنكة وذكاء .
.....................
لن أناقش هنا عمل أطبّاء وجراحي التجميل والإختصاصيين الذين يمكنهم التلاعب كثيراً في شكل البشر .
لكنّي شاهدتُ سابقاً عدّة حلقات من برنامج أمريكي إسمهُ (( سوان )) , أي الأوزة .
وفيه تقع القرعة على بعض النساء الحالمات بتغيير أشكالهنّ جذرياً , والمستعدات نفسياً لمواجهة النتيجة , فيخضعنّ لبرنامج مُعّد بدّقة وبذخٍ شديد , ويستمر عدّة أشهر .
تتعرض فيه السيدة لبضعة عمليات تجميلية من أخمص قدميها ... الى شعر رأسها .
الجميل في الأمر ,رغم مجانية كل العمليات ومتطلباتها ,فأنّ هناك جائزة مالية مهمة , مع رحلة للسيدة الفائزة وعائلتها الى الجُزُر السياحية في هاواي بضمنها عاصمتها هنولولو . هذا في حالة فوزها باللقب من خلال الحصول على أعلى الأصوات من لجنة الخبراء والمُختصين في تقييم الجمال , بعد إنجاز كل التغييرات .
وكلّما زادت درجة التغيير وتقبلتّهُ السيدة ... زادت فرصتها في الفوز .
وأحّد الشروط المهمة , هي عدم نظرها (ولو لمرّة واحدة) الى شكلها بالمرآة طيلة المدّة .
لا أحد يزورها , ولا يُسمح لها بالإحتفاظ بأيّ شيء عاكس يمكن إستخدامهِ كمرآة .
و قد فشلت إحداهن من الوصول الى النهائي , بسبب إخفائها لمرآة صغيرة في حذائها .
القائمين بعمليات التجميل هم الأطباء الأكثر شهرة في إختصاصهم .
في النهاية يتم جمع المشاركات وعددهم سبعة إلى عشرة , وتعرض أفلام مختصرة عن حياة كل واحدة منهنّ قبل دخولها التجربة ولحدّ اللحظة الراهنة التي تقف فيها أمام المرآة المغطاة , وهي تنتظر الفرج , قبل النظر الى صورتها وشكلها الجديد .
اللحظة الأكثرإثارة في الموضوع هي , لحظة سحب الغطاء عن المرآة , فتشاهد السيدة نفسها بالنسخة الجديدة لأوّل مرّة .
طبعاً جميع المشاركات يبكين في تلك اللحظة , لهول الصدمة فيما يشاهدونه أمامهم من تغيير وجمال .وأظن أن أكثر المشاهدين يبكون معهم من الفرحة .
لايختلف إثنان على عبقرية المخرجين الأميركان .
طيلة الوقت يجعلك المخرج تشاهد لقطات عن حياة السيدة المشاركة وعقدتها من شيء معين .. العيون , الأسنان , الشعر , السمنه , البشرة ,الضحكة , تفاصيل الجسد الأخرى
أو كل هذه الأشياء مجتمعةً .
آخر صورة للسيدة تظهر في أتعس حالاتها وضعفها النفسي قبل العمليات...ثم يُزاح الغطاء عن المرآة .
تصوروا أنتم النتيجة والإنفعال , وربّما أعثر على الشريط وأرفقهُ
http://ilovereality.com/Shows/theswan.html#Video
...................
يفهم الجميع أنّ الجمال لا يعني شكل الإنسان الخارجي فقط , فحتى في المسابقات العالمية للجمال , تخضع الفتاة الى أسئلة وحوارات وإختبارات نفسية وثقافية .
ويضعون النقاط على تلك المواضيع , وربّما تُقرر بعضها من هي الفائزة باللقب .
نعم فالجمال الإنساني لايقتصر على المظهر , بل يشمل أيضاً , الجمال الروحي والثقافي وطريقة الكلام والصوت والبسمة وأشياء أخرى . وكل هذهِ يؤثر فيهاعوامل خارجية متغيرة
ومن المؤكد عندي , أنّ السعادة الشخصية ,هي أحد أهم عوامل الجمال الخارجي أيضاً .
و يمكن القول عموماً , بأنّهُ ليست هبة الطبيعة وعطائها فقط ,هي التي توصل الفتاة لعرش الجمال . فالإجتهاد الشخصي والسعي والدراسة والثقافة والرياضة وكل التصرفات , تساعد في الوصول للتاج أيضاً .إنّها صناعة للجمال بحقّ !
....................
كثير من الناس تهتم بتعبير العيون , أكثر من سعة العين ولونها ورموشها .
فليست أكبر العيون وخضرائها هي الفائزة دوماً بمسابقة جمال العيون .
تعبير تلك العيون ( وهو ناتج سعادة أو حزن أو قهر أو فقر ) مهم جداً .
ولتوضيح الفكرة , جرّبوا مقارنة عيون أنجلينا جولي مع عيون القذافي مثلاً , وهو جالس ينّظر في مؤتمر القمة في( سرت وليس طرابلس ), كما شاء هذهِ المرّة .
...................
في مجتمعاتنا الشرقية وخصوصاً الإسلامية , هناك صُنّاع من نوعٍ آخر !
نقرأ عن صانعي المعجزات ونقابلهم في الحياة أحياناً , عندما يقوم أحدهم مثلاً بقراءة التعاويذ وضرب المريض بالعصا لإخراج الشيطان منهُ , ثم يمارسون مايُسمى بالرُقيا لإبتزاز أموال الساذجين .
وحسناً أن ظهر اليوم من يقول أنّه من صُنّاع الحياة , كالداعية عمرو خالد , لكن الإسلاميين النورانيين ,يطالونهِ بقبيح الكلام , ويدّعون أنّه عميل أمريكي .. بصوت إنثوي .
في الواقع , تكون العلاقة عكسية بين الدين من جهة والحياة والجمال من جهة أخرى .
و كلّما نُبعِدْ الدين عن التدخل في حياتنا سوف يزداد الجمال !
فمشايخنا الكرام يُحرّمون الجمال ويعتبرونه عورة ويُلزمون الجميلة ليس بالحجاب فقط ,بل بالنقاب أيضاً , والفتاوي تملأ الفضاء عفونةً .
هناك من سينُط حتماً معلقاً , بأنّ الدين لا يُعيق الحياة والتقدّم والجمال والسعادة ولا يتعارض معهم . وطبعاً سأجيبهم بسؤالي التالي :
هل تعامل الحكومات العربية مع خدمة الإنترنت كمثال على باقي التطورات العلمية اليومية طبيعي وعادي ؟ وهو نفسهُ لو لم يكن للدين تأثير سلبي ؟
ألا يحجبون المواقع والمعلومات والقنوات الليبرالية أو المخالفة عموماً ؟
أعرف أنّ الصين أيضاً تمارس تلك الحالة مع كوكل مثلاً , لكن دافعهم هناك مختلف !
........................
وأنا أكتب هذهِ السطور , أنظر في نفس الوقت إلى مسرحية كارمن / بالنسخة المصرية
لفرقة محمد صبحي والمبدعة سيمون .
يتغير جمال(( كارمن)) في كل مشهد , تبعاً لفرحتها ونفسيتها وشعورها بالحرية أو القيد .
كثير من النساء المظلومات في مجتمعاتنا الإسلامية يضيع جمالهم , بل تضيع حياتهم كلها بسبب الظلم الإجتماعي للمرأة عموماً .
هناك إعلان لفتاة أفغانية ذات عيون رائعة , بملابس رثّة وشعر أغبر وجسد منهوك .
أنا متأكد , لو كانت تلك الفتاة في دولة أوربية وعثر عليها أحد مكتشفي الجمال , لأوصلها الى النجومية حتماً .
فكّرتُ بتلك الطفلة وأنا أشاهد صورة في مجلة مدينتي الإسبوعية , عن فتيات في ليلة زفافهنّ , يجربون فستان العُرس , إحداهنّ شرقية الملامح ( غالباً عربية ) ,وتكفي بسمتها وعيونها وشعرها الجميل لسلب لُبّ حبيبها وقلبهِ .
طبعاً سينتفض القواليين أصحاب الظاهرة الصوتية والجعجعة الفارغة بالقول :
واقع تلك الطفلة , أفضل من مصيرها الذي تتمناهُ لها !
يظنّون أنّ بمقدورهم خداعَ الناسِ بهُرائهم , وما يخدعون إلاّ أنفسهم.. ولكن لا يشعرون .
ما أكثر الجميلات في بلادنا ,لكنّهم تركوا الإهتمام بجمالهم وفرّوا منهُ
خافوا وإختشوا منه فأخفوهُ , حتى يمّر العمرُ و تخبو سنوات الربيع .... وتندثرُ الأشواق .
كنّا نسمع في صغرنا أن الله جميلٌ يُحب الجمال
لكن الأمور تغيّرت اليوم فالمشايخ العقلاء يقولون , إنّ الجمال فتنة من الشيطان ,
ويجب قتل الفتنة في مهدها عن طريق النقاب .
أيّ منطق هذا يا إخوان ؟ الجمال فتنه , فمتى يكون سعادة وفرحة ومحبة إذن ؟
الجمال هو الزرع الجيد والثمر الطيب والورد ذو العطرالفوّاح .
لو رعيناه وسقيناه مثل أي نبتة, سيكبر ويُزهر وتينع أوراقهِ ,
ولو حجبناه عن ضوء الشمس وظلمناه , فحتماً سيذبل ويخبو .
يقول شاعر المرأة والجمال نزار قباني :
هذا هو التاريخ يا بلقيس .. كيف يفرق الإنسان ..ما بين الحدائق والمزابل ؟
ويضيف : حتى النجوم تخاف من وطني ..ولا أدري السبب
جميع أشياء الجمال .. جميعها ضدّ العرب
و يخاطب حبيبتهِ قائلاً :
قولي أحبّك كي تزيد وسامتي ... فبغيرِ حبّكِ لا أكونُ جميلاً
............
للأسف فالجمال في بلادنا عورة يجب مداراتها بالحجاب والنقاب وقهرالنفس وسحق الألباب .
بالنسبة لآينشتاين : { هناك شيئين لا حدود لهما .. العالَمْ وغباء الإنسان } .
طبعاً غالباً كان يقصد الإنسان المتزمت المنغلق ..المفجوع مثل النورانيين !
حتى لو نجت الجميلة بجلدها من ذلك المصير , وأخفت وتغاضت عن حقّها في التمتع والسعادة بما تملكهُ , وإكتفت بالعيش البسيط , فسوف تصادف في حياتها غالباً من يحطم نفسيتها فلا يبقى أثر للسعادة والضحكة على وجهها , وقد تنسى هي نفسها معنى الجمال أصلاً .
وعوداً الى عنوان مقالتي أقول
الرجل الذي يُقنع زوجتهِ أو حبيبتهِ بما تملكهُ من نعمة الجمال , فسيكون حتماً صانعاً جديداً للجمال .نعم فالحبّ الإيجابي والصحيح يزيد نسبة الجمال !
وقد كان لامارتين يتسائل , أيّ جَمالٍ في الطبيعة يمكنهُ منافسة جمال المرأة التي تُحب ؟
أنّها دعوتي للجميع لتكونوا ذلك الشخص ....... صانع الجمال !!!
تحياتي لكم
رعد الحافظ
28 / مارس / 2010
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟