أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - بوس إيد أبونا .!!















المزيد.....

بوس إيد أبونا .!!


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 24 - 08:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا أتذكر كم كان عندى من السنوات حينما رفضت أن أقبل يد الكاهن ..ولكن ما أتذكره أننى تجاوزت السادسة من العمر بعد دخولى المدرسة الإبتدائية ...ومازلت أتذكر تلك الأحداث والمشاعر التى واكبت هذا الحدث بكل ملامحه وشخوصه .

كنت أحس بالخجل الشديد والإشمئزاز عندما أجد أبى وأمى وأخواتى يقبلون يد الكاهن ..والغريب أننى كنت أجد علامات الرضا والسعادة على وجهوهم .
لم أحاول أن أتقابل مع هذا المشهد !!..كنت دائما ً أتفاداه وأحاول الهروب منه.. فكلما ذهبت إلى الكنيسة أطلق ساقى للريح عندما تنتهى الصلوات حتى لا أقف أنتظر البركة من الكاهن وتقبيل يده .

ولكن ذات مرة زارنا كاهن بالمنزل ..ليتسارع أبى وأمى وإخوتى للترحيب به وتقبيل يده ..
حاولت أن أتباطأ وأتخاذل..ولكنى أحسست بالمحاصرة ..إرتبكت...حثنى أبى على تقبيل يد الكاهن ..أحسست بخجل شديد ..بنفور .. بشمئزاز غريب .
تسمرت قدماى ..ولكن أبى مازال يحثنى ..فلم أجد نفسى إلا مهرولا ً خارج المنزل مطلقا ً ساقى للريح ..وأتنفس بعدها الصعداء... أحسست كأننى مختنق يتلمس نسمة هواء .

أحوم حول بيتنا حتى ينصرف الكاهن ..لأدخل الدار وأجد حفلة من التوبيخ والتأنيب تنهال فوق رأسى .
يعنفنى أبى على فعلتى تلك ..ويلح على معرفة السبب الذى دعانى للهروب وعدم تقبيل يد الكاهن .

تمالكت نفسى وقلت له : يا أبى أنا لا أحب أن أقبل يد أبونا ..أحس بالخجل والمذلة ..ولا أريدكم أنتم أيضاً أن تقبلوا يده .

يسألنى أبى ..لماذا تحس بهذا الإحساس ؟
أبى عندما أشاهد فى الفيلم الفلاح البسيط وهو يقبل يد الباشا ويتوسل إليه بدموع ثم يركله الباشا بعدها فى صدره أحس بالظلم والغضب والضيق.

يحاول أبى أن يفهمنى أننا لا نقبل يد الكاهن خوفا ً ومذلة بقدر ما هو تقدير لأنه يحمل الأسرار المقدسة .
لم تقنعنى إجابة أبى ..فما علاقة الأسرار المقدسة بتقبيل اليد !! .
ولكن أعترف بأننى من خلال تاريخى مع الكهنة لم أتلمس فى أحد الكهنة تلك النزعة فى التعالى بل على العكس أتلمس فيهم روح من المحبة والإتضاع الجميل ماعدا كاهن واجهته فى المرحلة الثانوية كان أحيط علما ً بأننى لادينى ..فأصر أن يضع يده فى وضع التقبيل أمام فمى ..فما كان منى إلا أن دفعت يده بعيداً ..وإنصرفت عنه وأخذت أسبه فى سريرتى .!

لم أقتنع بمبرر تقبيل يد الكاهن ..أو حتى تقبيل أبى ليد جدى .

أمتلك فى سن متقدم درجة لا بأس بها من الوعى ..ليخرج رفضى لعملية تقبيل يد الكاهن من كونه عمل مستهجن وغبى ويسقط مشاهد فجة من عصور العبودية والسادية للإنسان وهى كذلك أيضا ً فلم تتخلى عن صورتها القديمة حتى الأن وإن حاول البعض أن يجمل إطارها .
ولكن تمتد الرؤية إلى تحسس مفاهيم عميقة يراد تسويقها وترسيخها لتضع الإنسان فى المربع الأول لا يبارحه ..مربع العبودية للفكرة بديلاً عن الإنسان ..إنهم يقهرون الإنسان كضرورة ملحة لتسويق الفكرة .
فماذا تضيف عملية التقبيل علينا ..هل هناك طاقة من البركة تنتقل أثناء التقبيل .؟!!
ما فائدة أن تضع شفاك على وجه يد إنسان أو حجر أو أيقونة ؟!! ...إنها فعل مادى وسلوك لو تأملناه سيجده البعض بلا معنى ..وقد يجده الأخرون أنه لا يعدو سوى عادة قميئة تستمد جذورها من عهود سابقة كما كان إحساسى بها ..ولكن هناك حزمة من المعانى والأفكار والمشاعر العميقة التى يراد لها أن تغمرك .

يراد لك أن تمارس فعلا ً ماديا ً كتقبيل اليد أو الايقونة أو الحجر أو العتبات بدون أن تفكر فيها أوتتأملها ..تنفذها كماكينة للفعل مبرمجة على عمل معين .
إن ممارسة الإنسان لسلوك يزاوله وينسحق أمامه بدون تفكير هو كل المراد ..فعندما يساق لتنفيذه دون أن يستوقفه هو من الأهمية بمكان لتمرير كل المنظومة الدينية بحمولتها الثقيلة من الخرافات والغيبيات .
فمن هان عليه عقله ليقبل يد كاهن أو أيقونة أو حجر سيهون عليه بالضرورة فى تمرير قصة العجل الطائر فى الفضاء الكونى والمرأة التى تحبل بدون رجل .

لعل رفضى لتقبيل يد الكاهن هو الذى فتح لى الطريق فى الخوض فى الكثير من الأمور ..وأعتقد أننى لو كنت تماثلت ومررت هذا الفعل فلعلى كنت قد كففت عن السؤال وكانت مرساتى هى مرساتهم .
هل نعتبر الأمور تتوقف على درجة الإنسان فى قدرته على قول كلمة " لا ". ..أن يمتلك حريته وسؤاله وقراره .

المنظومة الدينية لا تقوم إلا على إنسحاق الإنسان ..فلن تكون لها أى قائمة إذا لم تمارس دور السحق والتهمييش للفكر الإنسانى ...أن تروض الإنسان وتسحق عقله ليمتنع عن السؤال ..أن يصبح مجرد جهاز إستقبال ويتبعه بالضرورة أن يكون جهاز تسجيل أو بروجرام محدد الخطوات .

لذلك هى تمرر فكرة العبودية للإله مثلا ًبكل معانيها ولا تتوانى عن إستعارة المشاهد من الواقع ..فهو جالس على العرش الذى يحمله ملائكة أشداء والكل يسجد أمامه والملائكة تسبح بمجده .
وتكون الصلاة هى فعل مادى إنسحاقى ضمن ترسيخ فكرة الإنسحاق والإحتواء ..فلا تسأل هل يستفيد الإله من وضعية الراكع والساجد أم أن الإنسان مبدع الفكرة صدر مشهد يراه للأسياد ويريد له أن يترسخ ويتواجد فى الفكر الجمعى البشرى .

بالإنسحاق والإلحاح على خلق هذا المناخ تستطيع المنظومة الدينية أن تجد لها مرسى وشط تؤسس عليه كل خرافاتها ...فالإنسان المنسحق والذى تم ترويضه من خلال تقبيل اليد أو الحجر ..ومن خلال السجود والركوع لا يمتلك حريته ..لأنه فقدها على أعتاب الإنبطاح أمام المقدس ...عندما مارسها بدون أن يغربلها فى ذهنه ..عندما فقد القدرة على أن يقول "لماذا " و " لا" .

الإنسان مبدع الأديان لم يأتى بالمشاهد إلا من الواقع ..هو أراد لهذا الواقع أن يستمر ويترسخ بنيانه ..ومن هنا تأتى رؤيتى بأن المصالح الفردية والطبقية هى التى خلقت المنظومات الدينية .
فمبدع التراث أراد التبجيل للأب وزعيم القبيلة وللسادة فمنح التبجيل للإله وأعوانه من الكهنة حتى يجد فعل التبجيل حضورا ً دائما ً يصل لحد الأيدلوجية سامحا ً بترسيخ وضع طبقى دائم ومصالح مصانة دوما ً .
فيكون تقبيل يد الكهنة هو إمتداد لتقبيل يد الأب وشيخ القبيلة ..هو حضور مفهوم الطاعة والإذعان والإنبطاح للرموز المراد أن تبقى فى أبراجها ..ولتأخذ فكرة الإله وجودها وحظها فى هذا الزخم بإعتبار أنه اليد الكبرى الواجبة للتقبيل و التبجيل ..من هنا يمنح مروجى الفكرة الإلهية فعل إمتدادى لمشروعهم .

لن تجد منظومة دينية لا تسحق الإنسان ..ستجد دوما فعلا ً يطالب بأن يمارس ولا تعرف أو تدرك مغزاه وكنهته ..فعل يمارس ويكتسى برؤية إنسحاقية تستمد أصولها من مجتمع عبودى ..فلابد من خلق تابو معين تفعله بدون أن تناقشه ..أن تتعلم الإنسحاق والإنبطاح فتمرر هذا التابو ليسمح بعدها لقافلة من التابوهات أن تمر بسلام .

يجد الإنسان نفسه فى مستنقع من الغيبيات ويتماهى البعض فى فعل الإنبطاح والإنسحاق ليؤسسوا أكاديميات لتدريسه للدفاع عن خرافات تم تمريرها عليهم بدأت بتقبيل اليد والأيقونة والحجر والأعتاب والركوع والسجود ...فعل تم الأنسحاق أمامه بدون أن نقول "لا " .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 7) _ فليدفعوا صاغرون .
- ضيقوا عليهم الطرق .
- فلنناضل أن يظل حسن ومرقص فى المشهد دائماً .
- نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .
- ثقافة الطاعة والإذعان .
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ ما الجدوى ؟!
- نحن نخلق ألهتنا (4) _ الله باعثا ً
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ الأرض حبة رمال تافهة .
- نحن نخلق ألهتنا (3) _ الله عادلا ً .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (5) _ إغتصاب الطفولة .
- نحن نخلق ألهتنا (2) _ الله رحيماً ومنتقماً .
- إنهم يروضون الإنسان كيف يكون منبطحاً .
- نحن نخلق ألهتنا (1) _ الله المقاتل .
- الأخلاق لا تأتى من السماء ..إنها تخرج من الأرض .
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ؟
- إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .
- - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
- الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - بوس إيد أبونا .!!