فايز السايس
الحوار المتمدن-العدد: 899 - 2004 / 7 / 19 - 06:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد نختلف ولا نتفق مع الكثير من ممارسات النظام السياسي في سوريا وقد نصل أحياناً الى الصدام الفكري مع الكثير مما قد يطرح على الطاولة الرسمية في سوريا , وقد نشكل قناعاتنا بعيداً تماماً عن الخط السياسي العام للنظام , ولكننا لا نستطيع أن نختلف أو نغفل بأننا شركاء في الوطن .
هذا الأمر شأنه شأن الكثير من قوى المعارضة السورية التي تحاول أن تجعل للحوار لغة مشتركة تقف عليها ويقف عليها الجميع في الطن الواحد .
وقد يدفعنا تخيلنا الزائد و بحكم منهجنا في التفكير وطريقتنا في الممارسة ليبرالياً , قد يدفعنا الى حالة من التفاؤل بسقوط عقلية الاحتكار السياسي والارتهان القيادي من قبل النظام , فذلك لأننا وجدنا معايير جديدة تبعث على التفاؤل والتأمل من جديد , بأن لهذا الوطن أكثر من رئة واحدة يتنفس بها , و لا يمكن لهذا الوطن أن يرى ويسع ويتكلم بعين الحزب الواحد وأذن الحزب الواحد ولسان الحزب الواحد .
إلا أن الحقيقة هي أنه ليس بالتخيل يمكن أن نبني ونشيد , وننجز ونحقق .
كثيرة من النخب المثقفة اليوم في سوريا تعجز بطريقة أو بأخرى على رسم إطار المطلوب السياسي والاجتماعي والاقتصادي , ربما ثقافة العدائية و عقلية الشرعية الثورية واللاحول ولا قوة قد أكلت لسانهم أو ابتلعته .
فالبعض ينادي بالمشروع الوطني الحر , والبعض الآخر يطالب بتفعيل قوانين الاقتصاد الحر , و غيرهم يرى بضرورة إحياء الفكر القومي وبالتالي البعث القومي مجدداً , والبعض وجد في رفع قانون الطوارئ مدخلا للإصلاح والتحديث , وثمة مثقفين يجدون بأن معادلة الذات السورية لا يمكن لها أن تحيا إلا بحالوية جديدة , والغير ينظر للأمر من زاوية كذبة أبريل ومفهوم الصراع مع إسرائيل , وووووو الخ .......
ولكن ثمة من يقول بأن المعيار الرئيسي للنهوض الحقيقي يتجسد بإنتاج ثقافة جديدة تختلف بسماتها وخصائصها وأسبابها ومبرراتها وحتى ضروراتها التاريخية , عن ثقافة الراهن المتداول . إنها ثقافة الوطن وإعادة صياغة الهوية من جديد وضرورة بناء مفردات ومركبات الشخصية السورية بخصوصياتها وعمومياتها من خلال مشترك عام يرتكز على نهضة الإنسان , وبالتالي نهضة الوطن , طبعاً والعكس صحيح أيضاً .
ثقافة تؤسس لمفهوم أو لمنظومة مفاهيم جديدة تبتدأ بالفرد وتنتهي بالمجتمع , وقبيل هذا أو ذاك هي ثقافة الإيمان بالوطن , وتجديد العقد والعهد معه , ثقافة أيديولوجية جديدة اسمها عقيدة الوطن , وأيديولوجية الإيمان به .
ربما الأقرب الى الصواب هو أن نكون ملك للوطن , وأن نؤمن إيماناً يقينياً بأن الوطن للجميع وأننا شركاء فيه مثلما المؤمنين شركاء في الجنة , نعم إن جنتنا الحقيقية هي وطننا .
البعض أو الكثير قد يقول إن هذا الطرح يحمل الكثير من المثالية الزائدة أو الطوباوية الغير مستندة الى أرض الوقع , لأن الواقع مختلف تماماً عن هذا الشيء المطروح , فالنظام السياسي والحزب الواحد والسياسة العامة وقوانين الطوارئ وغياب التعددية والاحتكار السياسي والاقتصادي والأخلاقي لكل ما هو حي وميت , وحقوق الإنسان وغيرها من توصيفات القلق الشعبي إزاء سلطات وأنظمة القرن العشرين , هي الأجزاء الرئيسية التي تشكل صورة المشهد العام للواقع السوري .
ولو أننا افترضنا جدلاً أو حقيقة بأن الكثير من الجزر الافسادية ودوائر القرار الفردي موجودة هناك تحارب وبشدة كل مشاريع التغيير والنهوض والتحول الديمقراطي الجديد في المجتمع وفق منهجية عمل منظمة .
لكن السؤال الأكثر أهمية , هو ألا يمكن إصلاح ذات البين , وخلق مشترك حيوي أعظم , ومتحد بيولوجي يجمع كل القوى المجتمعية لخلق هذا التحول .
ألا يعيب قوى المعارضة السورية الخارجية الوقوف من على شرفات العهر السياسي و الصراخ بالصوت .
ألا يطفئ جذوة الحماس الوطني في ضرورة بناء الوطن يداً بيد , عندما نتمهرج كالقرود خارج حدود الوطن ظناً منا أننا نشكل حالة معارضة .إنها معارضة للوطن , لسورية , وليست للنظام أو للفساد , إنها معارضة للشعب , وليس , وليست لدوائر النفوذ وميكانيزمات القلق اليومي .
إنها معارضة للوجدان الشعبي وللضمير وليس لحقول الألغام والخطوط الحمراء ..
إن سوريا اليوم تشهد حراكاً متدافعاً للقوى السياسية والتيارات المختلفة , واذا واجهت أي صعوبات أو تحد , فصعوبات تحقيق الذات والمشروعية والقبول لدى الشارع , وليس صعوبة يقف فيها النظام السياسي في سوريا حائلاً بينها وبين تطلعاتها المشروعة .
ومن كان ينكر بان هذا الحراك الذي تشهده اليوم سورية هو (( بلة ريق )) فللأسف الشديد انه يجهل تماماً آليات حقيقة الفعل السياسي , ومداخل العمل فيه .
فتجربة سوريا منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى الخمسينيات كانت تجربة تتسم بأحادية طرف العلاقة الثنائية للدور الأستحقاقي السياسي التاريخي للعملية السياسية , وما تبقى من أوراق سياسية جديدة أو وليدة كانت مقموعة بحكم الزمان والمكان مما اضطرتها الظروف المرحلية الى تبني سياسات المجابهة والصراع والتي طبعت المرحلة التي تلتها بطابعها التي كانت عليه , عندما استنفدت جميع شروط وأسباب ومبررات التوازن السياسي .
وتجربة سوريا في ظل حكم حزب البعث شاهداً واضحاً على تلك المرحلة لأنها كانت أسيرة الظروف المعقدة , حيث كانت عاجزة على تفعيل معادلة الآخر السياسي , ولكن اليوم الوضع مختلف تماماً وفي كافة الصعد والميادين , لان المتتبع والمراقب للشأن السوري على المستوى السياسي التنظيمي يرى بأن دينامية الخطاب السياسي قد أخذت بعداً جديداً لا يخضع لقضايا الإملاءات والتبعية , خصوصاً عندما نجد بأن الموقع الرئاسي لرئيس الجمهورية في سوريا أخذ يتعامل مع اللازمات والضرورات بشكل متأثر بالمعطى الآخر الذي حقق نقلة على مستوى الخطاب وميكانيكية القرار السياسي .
إن زخم التجارب الجديدة بدأت تأخذ أبعادها وتفرعاتها في ميادين العمل السياسي المؤثر , بحيث شكلت نظاماً جديداً ومتطوراً من واقعية في فهم الرؤية السياسية , وخصوبة في قراءة المدلولات الخاصة بهذا الفهم .
على كل حال , إن عرض الطروحات في زمن مفتوح فيه العامل المكاني مغلق تماماً والآفاق أشبه ماتكون بانفراج هندسي متتال , لا يقتل فينا روح المواصلة والاستمرارية والبقاء , لكنها تحاول أن تطوق حزمتنا الوقتية في مشاهدات وقراءات لا تنتمي إلا لعقلية المشاريع الثورية والعمل السري .
إن إبصار النور اليوم لا يأتي من على برج إيفل , أو مبني البنتاغون الأمريكي , أو حدائق الهايد بارك .كما تأتى في شقيقتنا العراق على أيادي طغمة التيه والألتئات السياسي , إن إبصار النور يأتي بالحوار من على قاسيون دمشق , ليشع في أرجاء سورية ويعلن بأن ربيع سورية لم ينتهي ولن ينتهي .
د . فايز السايس
منسق العلاقات الدولية في حزب النهضة الوطني الديمقراطي في سوريا
الولايات المتحدة الأمريكية – واشنطن
#فايز_السايس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟