أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد صبرى أبو زيد - الكفر بقداسة الفكر















المزيد.....

الكفر بقداسة الفكر


محمد صبرى أبو زيد

الحوار المتمدن-العدد: 899 - 2004 / 7 / 19 - 06:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أعتقد أن الايمان بوجود حقيقة وحيدة مطلقة تمتلكها جماعة معينة محددة من البشر وصالحة دوما للتفاعل مع الواقع والمستقبل أو موجبة لإعادة هيكلتهما معا بما يتفق ودلالتها .
يعد السبب الرئيسى والعامل الأساسى وراء تخلف أى مجتمع بشرى فى سائر مجالاته . ومهما بلغ حجم المنجزات_ بمستوياتها المتعددة _ المتحققة فى مجتمع ما فإن اللحظات التاريخية التى يمر بها ذلك المجتمع والتى تسيطر فيها سلطة واحدة تحتكر الحقيقة – بغض النظر عن مصدرها الفكرى – لكفيلة تماما بتثبيت المشكلات (الحتمية الحدوث) وتفاقمها تدريجياً من جانب وإهدار مبدأ الجدلية (أساس التطور التاريخى) من جانب آخر .. وحيث ان العلاقة الجدلية بين الأفكار المتعددة (والتى تشكل البناء الفوقى فى أى مجتمع) من جهة والواقع (الاقتصادى والاجتماعى) الذى هو بمثابة البناء التحتى من جهة أخرى من شأنها إعادة هيكلة البناءات الفوقية (بما فيها الفكر نفسه) بما يتفق ومشكلات الواقع (الاقتصادية والاجتماعية) ومن ثم انتفاء الاغتراب بين حركة الأفكار وحركة الواقع والوصول تدريجيا إلى مساحات أكبر من التوافق العام حول اسلوب إدارة المجتمع البشرى المحدد (كنتيجة منطقية للتفاعل الفكرى التعددى الدائم مع حركة الواقع وتقلص مساحات التباين الفكرى أمام تقلص مساحة المشكلات)فإن محاولة إخضاع الواقع (بمشكلاته وأزماته الاقتصادية والاجتماعية المتعددة) للهيكلة الشاملة الحتمية وفقا لرؤية ذهنيةوحيدة ثابتة (فوقية خالصة) لم تنشأ كإفراز طبيعى لحركة الواقع وأنما تمخضت عن مثالية ذهنية إبتدأت فى صياغة رؤيتها الخاصة من منطلقات فكرية محددة مغايرة تماما للواقع أو محلقة فى سماء المجتمع المثالى النقى (كما يجب أن يكون) ، سوف ترتب منطقيا تعارضاً صادماً بين الفكرة اليوتوبية (اللاواقعية الفوقية الخالصة) وبين حركة الواقع وتعدد الرؤى الفكرية الأخرى ( الواقعية المتجادلة ) من جانب وبين غيرها من الأفكار اليوتوبية (ذات المنطلقات المختلفة) من جانب آخر .. وهنا تنبثق إشكالية التعارض الفكرى الرهيبة خاصة إذا ما أدركنا مدى جاذبية وإنسانية الفكر اليوتوبى الذى يقدم دوماً صورة مشرقة لما يجب ان تكون عليه أوضاع المجتمع المحدد أو يطرح وصفة علاجية لذلك المجتمع معتقدا أن فيها الشفاء التام لواقعه ناسياً كونه قد انطلق من حالة لا تشخيصية للواقع بل حالة تاريخية تمثل بداية بناء الواقع (الواقع بصورة عامة) كجسد سليم فى طوره الجنينى لم يمرض بعد ! ويمكن تصور مدى فداحة تلك الاشكالية حين نكتشف ان التعارض الفكرى بين الرؤى اليوتوبية الذهنية وبعضها البعض لا يخرج عن محيط دائرة العبثية .. حيث يتواجد ذلك الصراع بكافة أطرافه ويدور على أرض الواقع بينما هو _ فى الحقيقة _ عاجزاً عن إفراز رؤية بعينها يستجيب لها الواقع ويدور فى فلكها سواء على المدى القصير, أو حتى البعيد فى معظم الأحيان .. ولا أقول فى كل الأحيان حيث أن ذلك المدى من الممكن أن تتخلله لحظة تاريخية معينة تتفق مع منطلقات الرؤية اليوتوبية (فى طورها الجنينى) وبالتالى قد يكون من الممكن إخضاع المجتمع لإعادة الهيكلة وفق تلك الرؤية الذهنية وهنا تتحول من مجرد كونها رؤية يوتوبية الى " أيديولوجية بنائية " _ إن صح التعبير _ وهذا أيضا لا يعنى بالضرورة إضفاء القداسة على تلك الأيديولوجية بقدر ما يعنى الاستعانة بها كنظرية سياسية ذات قدرة تنبؤية عالية تتجاوز حدود التفسير بمراحل … حيث لا تظل آليات الأيديولوجية فى ذلك الحين بمنأى عن المنهاجية التجريبية تماما وإنما ترتبط بها بشكل يمكن معه الحديث عن نظرية بدلاً من أيديولوجية ..وحتى فى هذه الحالة فإن هذه الأيديولوجية لابد لها من التجادل الفكرى والحركى مع غيرها من الأيديولوجيات التى من الممكن أن تكون منطلقاتها متفقة مع سياق لحظة تاريخية معينة (فى حياة المجتمع المحدد) تتقدم أو تتأخر عن اللحظة التاريخية التى وافقت فى سياقها منطلقات الأيديولوجية الأولى الفكرية ! هذا بالنسبة للرؤى الذهنية اليوتوبية (الخالصة) ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الفكر المثالى (غير المغرق فى اليوتوبيا) لا ينفصم تماما عن حركة الواقع وإنما يمكن القول أن تلك الحركة تمثل دافعاً لاشعورياً للمفكر المثالى نحو الخروج من دائرة الواقع عند بحثه عن منطلقاته الفكرية الخاصة !
أما بالنسبة للمفكر الواقعى الذى يجعل من حركة الواقع (الممكن تشبيهها مجازا بدائرة تتسع وتضيق وفقا لتباين مساحات استكشاف الواقع) منطلقا مركزيا لديه فى بناء أفكاره الخاصة التى قد يتبناها البعض مدعمين إياها بالآليات الحركية المناسبة فتنتقل الى مرتبة الأيديولوجية السياسية (بمعنى الأفكار والقيم والمبادئ المرتبطة بآليات الحركة اللازمة لهيكلة المجتمع أو حركة الواقع وفق تلك الافكار والقيم والمبادىء)... بالنسبة لهذا المفكر الواقعى فإن الامر يتطلب حتما استكشافا جيدا لحركة الواقع لبيان حدودها وإيجاد مساحات أكبر وأعمق من التوافق حول طبيعة وحدود الأزمات والمشكلات (الاقتصادية والاجتماعية فى الاساس) والمشكلات الأخرى مثل المشكلات السياسية التى هى نتاج تفاعل البناء الفوقى (السياسة كعملية) مع حركة الواقع (الاقتصادية والاجتماعية) …
وخير مثال على ذلك هو التوافق الحادث الآن فى الفكر الغربى حول الآليات المحددة لإدارة المجتمعات البشرية هناك … إن ذلك التوافق لم ينشأ حتما من فراغ وليست له أية أبعاد ميتافيزيقية كما يروج لذلك بعض "مرجئة" زماننا … وإنما هو وليد الإستكشاف الجيد والعميق لحركة الواقع وبالتالى تقليص دائرة مشكلات الواقع وأزماته الى أقصى حد ممكن ولا أعنى هنا تقليص المشكلات أو الأزمات نفسها وإنما أعنى تعميق التوافق العام حول طبيعة مسببات تلك المشكلات والأزمات وبالتالى تقليص الدائرة شيئا فشيئا والانطلاق الفكرى من نقاط محددة تتقلص تدريجيا حتى تصبح كنقطة واحدة ينطلق منها جميع المفكرين الواقعيين …
وهذا لم يكن ليحدث لولا إدراك المفكر الواقعى الغربى أن الفكرة الثابتة الوحيدة التى تسيطر على المفكر بصفة خاصة والإنسان بصفة عامة ليست سوى مرضا نفسيا معروف وقديم وتوجد بشأنه أبحاث ودراسات لا تنتهى وانطلاقا من حقيقة أن علم النفس هو أقوى العلوم الاجتماعية منهجيا وعلميا رغم تعقد الظاهرة التى يدرسها , يمكن القول بأن العلوم الاجتماعية الأخرى ومنها علم السياسة من شأنها إذا هى قامت بتحديث وتحديد آليات استكشاف الواقع وتقليص دائرة مشكلاته وأزماته تدريجيا لمحاولة الوصول الى مساحات أكبر من التوافق العام والانطلاق المركزى من نقاط ثابتة محددة ، أن ترتفع حتما الى مرتبة أعلى منهجيا وعلميا فبدلا من الحديث مثلا عن خمسمائة سبب محتمل لحدوث أزمة اجتماعية معينة فسوف يكون الحديث عن خمسين سبباً محتملا فحسب..
ومن كل ما سبق ، نستطيع الخروج بقراراً حتميا مفاده الكفر تماما بقداسة الأفكار (أى أفكار) وضرورة إعادة النظر فى الأنساق والرؤى المعرفية لدى كل مفكر (واقعى) بما يتناسب وحجم المشكلات والأزمات فى المجتمع المحدد .. وكل ذلك لا يتم إلا فى إطار واسع من الشفافية الكاملة وفى ظل بوتقة كبيرة تنصهر بداخلها كافة الأفكار من أجل الخروج بفكرة جديدة تتفاعل مع أزمات الواقع بشكل إيجابى دافع للأمام ونحو التطور دوماً ..
إذن لابد وان نرحب بكافة الافكار _حتى وإن كانت يوتوبية خالصة_ ولكن بشرط واحد فقط وهو : عدم إدعائها القداسة



#محمد_صبرى_أبو_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع ...
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا ...
- -غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
- بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال ...
- في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
- 5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
- قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا ...
- خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة ...
- اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال ...
- اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد صبرى أبو زيد - الكفر بقداسة الفكر