نبال شمس
الحوار المتمدن-العدد: 2952 - 2010 / 3 / 22 - 19:22
المحور:
الادب والفن
إليها، تلك التي يجيد طفلها البكاء ولا يجيد الكلام.
إليهن، استنزفن من صَدى العيد أمَرَّهُ.
*****
"أريد أن يأتيني ابني بوردة، هل لأمنيتي أن تتحقق".
صوتها البعيد لم يكن هائبا ولا مرتجفا، تكلمتْ وأنا الواقفة خلف سور الرهبة. كلماتها بندقية صوبتها نحوي، بندقية أمطرت رصاصا من حزن.
طَلبتْ وردة، فَطَعنتني بِرحيقها.
حُزني عليها كان صامتاً كصمت الزهر ساعة تلمسهُ أناملنا.
عندما قالت جملتها اهتز المكان، واحتُقِنت الدموع في المُقل المفتوحة من فرط الدهشةِ. علا الندم في قلوبنا على سهوه غير متعمدة سببها فرق الأمكنة وفرق مواعيد الأعياد.
قتلتني بايمائة صغيرة حين أومأتْ إلي بعيدها.
عيدها..عيدهن..زقزقة عصافير الربيع وما من ربيع في حياتهن.
أرادت زهرة، فأحْمرَّ الزهر خجلا.
أرادت معايدة فانقلب العيد دمعا.
في تلك اللحظة لم أكن على وشك عيد، بل على وشك انفجار زلزال من الدمع.
بعد لحظات من استجماع الذات قلت وقد خَفَتَ صوتي إلى حدٍّ لم تسمعه:
"سوف يعيّدك طفلك بوردة...سوف يهديك بطاقة".
لم تجهش بالبكاء ولم أجهش بالكلام، كطفلها الذي يجيد البكاء ولا يجيد الكلام.
أجهشت بالشرود بعيدة عن الموقف كطفلها الأصم.
استنزفَ المكان زفراتها الحزينة كطفلها يستنزف الرؤيا في العتمة.
اقتحمتُ سور الرهبة، اقتربتُ إلى حيث هوَ..إلى حيث يجلس الأطفال كل واحد في دائرته المغلقة وصومعته التي لا يستطيع احد اختراقها.
قلت للأطفال الذين شردوا مني:
" فلنرسم وردة".
الأول أعاد الورقة والثاني مزقها والثالث رسم غيمة والرابع أتقن دائرة.
كنت آنذاك مشغولة بنزف حزني على امرأة أرادت أن يهديها ابنها وردة، وعلى نساء استنزفن من ضجر الوقت ضيقهُ، ومن صدى الحزن أمَرَّهُ.
أخذت قسما من الورقة التي مُزقت، وكتبت بالنيابة عن حزني وعجزه، ثم عجزهم جميعا:
مِن ابنك...."
إلى أجمل أم في العالم.
اعذري عجزي واعذري صمتي وقدرتي على اختزال الكلمات، فقد كتبتها لك ببسمتي ودمعتي وعجزي.
احبك أمي كحبكِ لوردتي ..ابقي نوري الأبدي الذي به اهتدي إليك.
أهديك وردة علّ أيامك تبقى مكللة بالورد فلا ورد في العالم سو أنت".
لم يمض وقتا طويلا حتى كانت أمامي عشرة معايدات صغيرة كل معايدة كُتبت بصيغة أخرى وكلمات أخرى، وكأن الاقتباس كاد أن يستحيل من بطاقة لأخرى.
#نبال_شمس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟