سامية نوري كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2952 - 2010 / 3 / 22 - 02:57
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تعقيب على مقالي عن ختان الفكر والجسد للمرأة العربية
من الغريب ان يكون رد الفعل على مقالي السابق قادما ممن كنت اعتقد بأنهم يحملون فكرا نيرا ورغبة في إنقاذ مجتمعهم العربي من ترسبات أعاقت تطوره وجعلته في مؤخرة الركب في مجال التطور الإنساني وأكدت في ذهني مقولة نحن امة ضحكت من جهلها الأمم فنحن كنا ولا زلنا ندفن رؤوسنا في الرمال وننسى ان مؤخرتنا مكشوفة , ونضحك على أنفسنا وعلى الآخرين بادعاء التقدمية والانفتاح ونحن ابعد ما نكون عن ذلك لان أفكار الإنسان تتوضح عندما تمتحن إذا ما كانت صادقة او مجرد ادعاء .
ان الواقع المؤلم الذي تعيشه المرأة العربية لن يجد له حلا في غرف الإنعاش لان القلب الذي يمثل الواقع المخزي للمرأة العربية قد توقف وهو بحاجة الى صدمات كهربائية لكي تعيد له الحياة , ومقالي كان ضمن هذه الصدمات التي من الصعب على الكثيرين من الذين يعيشون حالة الازدواجية الفكرية ان يتقبلوها , وكوني أعيش في إحدى الدول الغربية واتصالي بأعداد كبيرة من النساء العربيات توصلت الى تلك القناعات وأنا على ثقة بان الكثيرين من الرجال يعرفون بان ما قلته هو الحقيقة ولكن كوني تطرقت الى المحرمات في عالم الرجال فبالتاكبد سترفض أقوالي لان الرجل أي رجل شرقي يدافع وبشراسة عن موقعه ومكتسباته حتى لو كانت اقرب الناس الى قلبه قد تعرضت الى ماقلته سواء أكانت قريبته اوابنته وغاب عنه ان الأنانية لاتتجزأ ومن كان أنانيا في التوافه من الأمور يكون بالتأكيد في قمة الأنانية في العلاقات الحميمة ولا يدرك ذلك سوى من مارس الأنانية او من اكتوى بنارها وما جرته تلك الأنانية من قتل لكل شئ جميل في حياته , ومن المصائب الكبرى في حياتنا بان هذه المواضيع ممنوع طرحها لأنها تدخل في دائرة العيب , ودائما التابوات التي تحيط بحياة المرأة في عالمنا الشرقي هي من الكثرة بحيث أغلق الباب على حياتها الشخصية وخنقت في دائرة الممنوعات حتى ان المرأة العربية بدأت تؤمن بان حدودها في الحياة هي ما رسمه لها الرجل في أية صفة كان او في أي موقع , أبا او أخا او زوجا والمطالبة بأكثر من ذلك هو خرق للقواعد الأخلاقية والتي وضعها الرجل نفسه بدون إشراكها او اخذ رأيها وحشرها في زاوية القبول الإجباري وبخلافه تعيش حالة الإقصاء العائلي بالإضافة الى النفي والرفض الاجتماعي .
ان حجب هذه الأمور لن تفيد الرجل بعد الآن وان العولمة التي لا نستطيع ان نفهمها او نتقبلها كسرت كل هذه الحواجز وفتحت الباب للجميع فسهولة الاتصالات وكثرة وسائل الإعلام والانترنيت وكثرة البحوث والمواضيع التي تبحث في أدق تفاصيل حياتنا كسرت حاجز الصمت والخوف وبدأت المرأة تتحرر شيئا فشيئا من سطوة الرجل وسطوة العادات والتقاليد التي اختصرت حياتها واوقفتها لخدمة الرجل وهذه هي الحقيقة شئنا أم أبينا وهو المسار المؤكد لمستقبل المرأة , وهدفي من المقال كان هو أني كنت أريد ان ارفع الغطاء عن فكر الرجل العربي والذي من واجبه الآن وقبل فوات الأوان ان يبحث ويدرس ويطلع ويتفهم ما هو اثر الاحباطات المتنوعة على حياة المرأة وصحتها النفسية والتي تنعكس بالتأكيد على صحتها العضوية وعلينا التعامل بواقعية وكفانا التجاهل والرفض والغوص في الرمال لأنها بدأت تتحرك تحت أقدامنا وسوف تجرفنا جميعا الرجال قبل النساء .
ان الهدف من مقالي السابق كان التأكيد على ضرورة بث الوعي ونشر الثقافة الصحيحة القائمة على أدراك الحقائق البيولوجية والنفسية للمرأة والرجل ووضع الاثنين أمام مسؤوليتهما الأخلاقية في بناء مجتمع متوازن في كل ما يخص حياتنا العامة والخاصة لأنه بغير ذلك لا يمكن إيقاف التغيير الذي هو من دون شك قادم والخوف الحقيقي الآن هو كيف سيكون التغيير خاصة وان الطريق أمام النساء الآن مفتوح لكسر جميع الحواجز التي تكبل قابلياتهن الفكرية ورغباتهن الجسدية فهل سيتم ذلك بمفهوم أخلاقي بعيد عن الشطط أنا اشك في ذلك , ولا يغرنا الحجاب الذي أصبح سمة هذا العصر فهو المرحلة الأولى من التطرف ثم يأتي الطوفان عندما تخلع المرأة ليس حجابها فقط بل كل القيم التي عاشت من جرائها حبيسة جسدها وفكرها وعند ذلك لن ينفع الندم والذين يراهنون على الدين كعاصم وقيد أيضا سينهار ذلك الرهان لان الدين عندما يصبح قيدا وسجنا لابد ان يأتي يوما وتزول قدسيته وهالته .
ان الدين الذي يحرم المرأة من ابسط حقوقها لم يعد يقيد المرأة ويمنعها من المطالبة بحقوقها المغتصبة وعندما تبدأ المرأة برفض الدين الذي جعلها في مرتبة أدنى من الرجل وتدرك ان هذا الدين ليس دينا من الله ولكنه صناعة بشرية بعيدة عن المفاهيم المتعارفة عن اله رحيم وعادل ومنصف يبدأ المجتمع بالتداعي في جميع مفاهيمه , ان صناعة المفاهيم الدينية بدأت عندما قام رجال الدين بأدلجة الدين لخدمة مصالح الرجل وعلى حسابها وحساب كرامتها وآدميتها فكفانا دجلا وكذبا وعلينا تقبل الحقائق كما هي لكي نستطيع وعلى الأقل الحفاظ على ما تبقى من ترابطنا الاجتماعي .
ان نصف النساء العربيات الموجودات في أوربا قد انفصلن عن أزواجهن والنصف الآخر تسود حياتهن الزوجية خلافات عميقة تهدد الكيان الأسري بالانهيار ومن هذا الواقع الذي أعايشه أتساءل دائما أين الخلل والجواب دائما كان يأتيني بالذي كتبته في مقالي السابق ولم يكن مقالي هرطقة ولكنه كان خروجا عن المألوف والمتعارف عليه لأني كسرت حاجز الخوف الذي كان يلبسني كامرأة شرقية وكتبت عن ماهو محرم في ثقافتنا لأني قد تحررت من سلطة القمع التي مورست على فكري من مفاهيم المجتمع البالية والتي خنقتني طوال عمري وصادرت حريتي وإرادتي ولم يعد يرعبني ماذا سيقال عني , وتوصلت الى إجابات على أسئلتي ومعرفة ما يحدث هنا للعوائل العربية المهاجرة وهل السبب في ان المرأة العربية في الخارج أخذت حريتها الغير مسؤولة وانطلقت وراء جموح عواطفها أم أنها تحررت من عقدة الخوف والإدانة التي كانت ستلاحقها إذا ما جازفت وانفصلت عن زوجها الذي لا تربطها به أي خيط من الانسجام والتوافق في بلدها , خاصة وان سلاح العرف المتخلف يلاحقها وبوصمها بأبشع النعوت وفي مقدمتها الإساءة الى شرفها واتهامها بكل أنواع التهم الأخلاقية والتي هي بعيدة بالتأكيد عن الحقيقة ولكنه السلاح الذي اثبت نجاحه والذي يلجا إليه المجتمع لكي يجعلها تقبل سجنها فشرف العائلة وشرف رجال العائلة مرتبط بها ولما كانت المرأة العربية يغلبها شعورها بالانتماء العاطفي الى عائلتها نجدها ترضخ للأمر الواقع وتعيش حالة الاغتراب النفسي والفكري والجسدي ارضاءا لتلك الأعراف .
ان أغلبية النساء والرجال العرب هنا يعالجون من حالات نفسية معقدة لان الإنسان هنا يعيش حرا فتبدآ الموروثات والعقد بالظهور وأحيانا كثيرة نجد الإنسان العربي هنا يضيع فلا هو يستطيع مجاراة المفاهيم الجديدة ولا هو بقادر على التخلص من الموروثات الثقيلة التي حكمت منطلقاته الفكرية والاجتماعية ولهذا يمكن تسمية هذا الجيل بالضائع فلا هو قادر ان يتمسك بالموروث المتخلف والذي يخالف القوانين الطبيعية ولا هو بقادر ان يتبنى المفاهيم الجديدة والغريبة عنه وهذا ما يؤدي به الى التخبط ومن ثم الى الاستسلام الى حالات مرضية لا علاج لها .
إني أوجه ندائي الى كل رجل استطاع ان يتخطى حاجز الخوف النفسي والاجتماعي ان يرتقي الى مستوى المسؤولية الحقيقية بالمساهمة في تغيير نظرة الرجل والمجتمع الى المرأة باعتبارها عنصرا فاعلا في صناعة الحياة وليست كما مهملا والبدء بوضع مناهج تعليمية جديدة تعرف الأجيال القادمة بما لهم وما عليهم وتنشر ثقافة المساواة بين المرأة والرجل وهذا النداء موجه للذين يعيشون حياتهم الفكرية بشكل متوازن وصادق وليس ادعاء الفكر الحر وعند الامتحان يعلنون إفلاسهم الفكري وازدواجيتهم المقيته والمغلفة بشعارات مرحلية خاوية , كما ان ندائي موجه الى المرأة العربية ان تفك قيودها وتنطلق من أسرها الذي همشها طوال مئات السنين وان تصنع غدها المشرق والمتوازن بعيدا عن المفاهيم المشوهة والمؤدلجة وتحت ظل إيمانها المطلق بعدالة قضيتها وحقها في الحياة الحرة الكريمة متمسكة بالقيم الأخلاقية المنبعثة من دورها الإنساني والطبيعي في الحياة .
#سامية_نوري_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟