أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - برلين- بيروت لميرنا معكرون: مقاربة بصرية بين مدينتين تتكئ على المفارقة والإيهام والنفس السريالي














المزيد.....


برلين- بيروت لميرنا معكرون: مقاربة بصرية بين مدينتين تتكئ على المفارقة والإيهام والنفس السريالي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 897 - 2004 / 7 / 17 - 08:26
المحور: الادب والفن
    



يعتمد الفيلم التسجيلي " برلين- بيروت " للمخرجة اللبنانية ميرنا معكرون على جملة من المفارقات لعل أبرزها أن كلا المدينتين يتكونان من ستة أحرف، وأن كلاهما أُحلتا، ودُمرتا، وقُسمتا، ثم أُعيد بناؤهما من جديد. وفضلاً عن الجانب الشخصي، والرؤية الذاتية التي نلمسها في الفيلم، فهناك ثمة نَفَس سريالي يمكن ملاحظته في بعض المواقف، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما تصعد " ميرنا، المخرجة نفسها " في سيارة تاكسي في بيروت نراها تترجل منها في وسط برلين مباشرة في Potsdamer Platz. أو عندما تدخل في قبو في برلين، نراها تلج في قبو آخر في بيروت كي تتفادى القصف. لو تمعَّنا في الملابس والإكسسوارات التي ترتديها " ميرنا " لوجدناها تعود إلى فترة تاريخية بعيدة نسبياً، فهي ترتدي ثوباً بسيطاً يعود للقرن الثامن عشر، وغالباً ما تتجول على دراجة هوائية في برلين الشرقية، أو تسير في الشوارع حاملة بيدها مظلة، وهي تدقق النظر إلى واجهات البنايات التي حفرها الرصاص وشظايا الحروب، وكأن الطلقة التي تنطلق في برلين تصيب جداراً في بيروت، والعكس صحيح أيضاً. إن هذا التداخل بين الأصوات، والعلامات الضوئية، والأبنية، والوجوه البشرية التي تتداخل تجعلنا غير قادرين على التفريق إن كانت موجودة في برلين أو في بيروت! وبالرغم من قصر مدة الفيلم الذي لم يجتز " 23 " دقيقة إلا أن المخرجة الموهوبة ميرنا معكرون إستطاعت أن تكشف لنا أوجه الشبه الكثيرة بين هاتين المدينتين اللتين صمدتا بشكل خرافي أمام فظاعة الحروب الأهلية والكونية. المقاربة الأخرى التي كشفتها ميرنا أن في برلين مناطق جميلة جداً، وهي ليست إلا واجهة أو ستاراً تختبئ وراءه مناطق قديمة وقذرة ومخرّبة، وهذه المفارقة موجودة في بيروت أيضاً، فثمة مناطق مكونة من علب وصفيح مضلّع تلوذ بالعمارات الشاهقة الجميلة. ولأن الفيلم ذاتي، وتلقائي، وغير مخطط له سلفاً، فقد جاء مليئاً بالشاعرية، والحس الوجداني المرهف الذي يحدب على هاتين المدينيتن المتحضرتين والكبيرتين في آنٍ معاً. ومما زاد في شاعرية هذا الفيلم التسجيلي هو الموسيقى التي أبدع فيها زوج ميرنا الفنان الألماني فرانك معكرون. تكمن أهمية الفيلم في المقاربة بين مدينتين واحدة في الشرق، والأخرى في الغرب، وبين حيوات الناس هنا وهناك، وكيف تتعالى أصوات القنابل والصواريح والطلقات في ذاكرة الناس التي ذاقت ويلات الحروب، ومآسيها. أرادت معكرون أن تصنع جسراً بسيطاً يربط الكثير من الأوروبيين الذين لا يعرفون بيروت عن كثب، بعض الألمان سألوا ميرنا أسئلة سيريالية أيضاً من قبيل " هل لديكم صحراء في لبنان؟ أو أما زلتم تركبون الجمال؟ أو هل أن النساء اللبنانيات يرتدين الشادور؟ هذه المعالجة الفنية لم تأتِ من فراغ، فأغلب أفراد عائلة ميرنا يعشقون السينما منذ زمن بعيد، فجدها كان يملك شركة لتوزيع الأفلام، وعائلتها هي من أوائل الذين إفتتحوا داراً للسينما في بيروت. فمنذ سن الثالثة وهي تسمع أصوات أجهزة العرض السينمائية. هكذا تلبسها الهاجس السينمائي، فدرست على أثره في قسم الإخراج السمعي- البصري في المعهد اللبناني للفنون الجميلة في بيروت وتخرجت منه عام 1997. ثم درست المسرح في جامعة باريس الثالثة- السوربون عام 2000، وأخرجت بعدها عدة أفلام روائية قصيرة، وأفلام تجريبية منها " لقاء، حكاية للكبار، حيرة، كلاينر سباتز، و 28 " كما مثلت في أفلام روائية طويلة من بينها " كان يا ما كان لجوسلين صعب، متحضرات، و طيارة من ورق لرندا الشهال، وألف ليلة وليلى لهادي زكاك، وصندوق عجب لرضا الباهي ". في فيلمها الأخير " برلين- بيروت " لا وجود للغربة، أو الضياع، بل قراءة للتآلف، والتمازج، والإندماج بين المدينتين، فبرلين تذكرها بمسقط رأسها في بيروت وكأن هناك شيئاً مشتركاً يتحرك في داخلها بين المدينتين. يمكننا القول إن ميرنا معكرون، بطلة الفيلم ومخرجته، كانت تدوِّن يوميات مدينة واحدة من فوق دراجتها الهوائية، أو من خلال نوافذ حافلة نقل الركّاب، أو وهي تمشي متأبطة مظلتها المطرية. ثمة قصص وحكايات تروى، وذكريات تُسجل، أو أخرى تُستعاد وهي تحيّي صديقاتها وجاراتها سواء في بيروت أو برلين، ما أقرب الإسمين إلى بعضهما، وكأن الحرب صهرتهما معاً، فذابا في إسم واحد يحمل وجع المدينتين معاً رغم البعد الجغرافي الكبير الذي يفصل بينهما. لقد أشعرتنا ميرنا بأن جزءاً من بيروت موجود في برلين، وأن بيروت الدافئة تحتضن بعض الدمار الذي لحق ببرلين. وربما أبلغ عبارة قالتها ميرنا بحق برلين هي " لقد وقعت في غرام هذه المدينة " ويمكننا أن نستنتج بالإستعاضة أنها إستمدت هذا الحب الكبير من غرامها ببيروت.
وجاء في قرار لجنة تحكيم الأفلام التسجيلية القصيرة في بينالي السينما العربية السابع في باريس التقييم التالي الذي نالت على أثره ميرنا معكرون شهادة تقدير خاصة: " ينبثق هذا الفيلم من فكرة جديدة تحاول المقاربة المرئية بين مدينتين كانتا منقسمتين إلى غرب وشرق قبل أن ينضم شرقهما إلى غربهما. جاءت لنا ميرنا معكرون بفيلم حيوي متألق كي تفتح لنا، بدءاً من ظلام حكايتها الشخصية المأساوية، نافذة على العالم، وجاءت لنا بفيلم هو نفسه منفتح على العالم. ".



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على جناج السلامة للمخرج المغربي عزيز سلمي إستعارات صادمة وكو ...
- بنية المفارقة الفنية وآلية ترحيل الدلالة في - أحلى الأوقات - ...
- فيلم - عطش - لتوفيق أبو وائل ينتزع جائزة التحكيم في بينالي ا ...
- الصبّار الأزرق ) بين مخيلة النص المفتوح وتعدّد الأبنية السرد ...
- في إختتام الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية في باريس
- الطيب لوحيشي: في السينما استطيع أن أكون واقعياً وحالماً
- إختتام الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
- المخرج طارق هاشم في فيلمه التسجيلي الطويل 16 ساعة في بغداد. ...
- فوز الشاعر السوري فرج البيرقدار بجائزة - الكلمة الحرة - الهو ...
- الكاتبة الهولندية ماريا خوس. . قناصة الجوائز، ونجمة الموسم ا ...
- التعالق الفني بين التناص والتنصيص ..قراءة نقدية في تجربة الف ...
- رفعت الجادرجي يسطو على تصميم لعامر فتوحي في رابعة النهار
- بعد أربعين من صدوره يسبّب- منهاج المسلم - بترجمته الهولندية ...
- التابو في المشهد الثقافي العربي والإسلامي إشكالية التحريم وا ...
- مهرجان السينما العربية في باريس يحتفي بالسينما العراقية، ويك ...
- مهرجان الحلقة التونسي في روتردام
- حوار مع الفنانة عفيفة العيبي : العمل الفني أشبه ببناء عمارة ...
- الفنان صادق الفراجي في معرضه الشخصي الجديد يدوّن ذكريات المد ...
- عفيفة العيبي في معرضها الشخصي الجديد: فنانة ترسم بتقنيات نحت ...
- صالة Ezerman في مدينة دوكم الهولندية . . تحتفي بأعمال الفنان ...


المزيد.....




- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
- فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
- جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا ...
- المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان
- عام على رحيل صانع الحلم العربي محمد الشارخ
- للشعبة الأدبي والعلمي “جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 ال ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - برلين- بيروت لميرنا معكرون: مقاربة بصرية بين مدينتين تتكئ على المفارقة والإيهام والنفس السريالي