|
لكراهية أمريكا أسباب ، لن تزول إلا مع زوال المسببات !
حبيب محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2946 - 2010 / 3 / 16 - 14:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليست هناك دولة في العالم اليوم تنافس ، صدارت أمريكا وبجدارة ، بحجم و كم الكراهية الهائل الذي تعانيه . وهذا ليس بزعم وتجني ولا مجرد قذف بحقها . بل هي الحقيقة التي يزكيها الواقع بتفاصيله . وهذه الحقيقة الماثلة للعيان ، لاتحتاج الى وقفه بيانية أو أستبيانية أو أستطلاعية ، للرأي العام العالمي لأثباتها ، رغم وجود العديد الوافر منها . إذ أن أمريكا نفسها ، تستشعر وتتلمس وتعاني من هذه الكراهية ، والتي بلغت مبلغها الذي بات يؤرقها ويقلقها . وقد أعترفت أمريكا بذلك وعلى لسان القادة وكبار مسؤوليها ، وفي مناسبات ومحافل عديدة وموثقة أعلاميا . والأعتراف هو سيد الأدلة ! لكن المشكلة الكبرى تكمن وللأسف ، في فهمها الأحادي القاصر والمغلوط لدوافع وأسباب هذه الكراهية المتنامية . وهذه الكراهية المنتشرة بحق أمريكا ، ليست حصرا بمنطقة بعينها في آسيا و أفريقيا وأوربا أو الأمريكيتين . بل العالم كله ، ولكن بدرجات متفاوتة . حسب حجم ومقدار الأجحاف والظلم والجرم ، الذي مارسته وتمارسه أمريكا بحق هذه المنطقة أوتلك من مناطق العالم . فحجم وكم وكثافة الكره ، يتعاظم أكثر في العالمين الأسلامي والعربي على حد سواء . وهذه حقيقة ماثلة وشاخصة وليس فيها أدنى شك . ومرد ذلك يعود ، الى القانون الطبيعي الذي يحكم العلاقة العكسية ، بين فعلي الظلم والكراهية . فكلما أمعن فعل الظلم ، كلما أزداد وأتسع حجم ومقدار ردة فعل الكراهية . وهذا بدوره هو الذي يفسر أسباب تفشي الكراهية ، وعلى نطاق واسع ، و ملحوظ وبشكل صارخ في العالمين الأسلامي والعربي مقارنة مع بقية أجزاء العالم الأخرى . وبعكس مايذهب اليه بعض السذج الى القول : بأن الغيرة والحسد من التفوق الأمريكي الشامل ، خصوصا في ثروتها ورخاءها ، هي مرد الكراهية . هذا التسفيه والتسطيح الساذج في تبرير تنامي الكراهية . هو مجرد زعم وهو التجني الأجوف بعينه . فالتفوق والنجاح العلمي والمعرفي والأنتعاش الأنمائي والقوة والثروة والرخاء . لم ولن يكون ، سبب من أسباب الخصومة والكره . وبأي حال من الأحوال . بل على العكس ، هو مصدر فخر وأمان وقوة وجذب وتفاعل وتعايش مع الأخرين . بدليل أن هناك العديد من الدول الصناعية المتقدمة ، والتي لاتقل نجاح بالقوة والثروة والرخاء عن أمريكا . ألا أنها لاتعاني ما تعانيه أمريكا من كره وبغضاء . على العكس تماما . متعايشة بأمن وسلام ، ولها من الأصدقاء والمريدين والمحبين الكثر . وهناك فريق أخر : يعزوا الكراهية الى المثل الثقافية ، التي يزعمون بأن أمريكا تحمل عبء لوائها . وهذا بدوره وحسب زعم وتصور هذا الفريق . أن هذه المثل الثقافية الجديدة ، التي تحمل لوائها أمريكا . يتصادم مع ثقافات شعوب ممانعة ورافضة للتزاوج والمصاهرة ، الثقافية والحضارية والمتمسكة والمتزمتة بمخزون ثقافتها المحلية . وهذا الزعم هو الأخر مردود عليه
أولاً : لم تكن أمريكا هي السباقة في هذا المضمار . بمعنى أنها لم تكن لوحدها رافعة راية المثل الثقافية التي تجسد في المقام الأول ، أحترام حقوق الأنسان وحقه في أختيار المصير الذي يريد ، وبما في ذلك مُثل الحرية والديمقراطية . فتشاطرها في ذلك المنحى دول عديدة ومختلفة في أرجاء العالم الذي أصلا ولدَّ حراً ! لكنها ( أي أمريكا ) ، هي الدولة العظمى الوحيدة التي أستهترت و غامرت وأهدرت هذه القيم
ثانياً : أن ما يسمى بشعوب ودول الممانعة والتي تمتلك جذور ثقافية ضاربة في الأعماق . ليست بشعوب ودول عنصرية متصادمة ، ولا بمتزمتة بثقافتها ولا برافضة للأندماج والتصاهر مع ثقافات وحضارات شعوب أخرى ، على النقيض تماما . أذ أن موروثها الثقافي زاخر بالتسامح و بالدعوات للتلاقي مع الأخر والتصاهر معه على أساس الأصلح وليس على أساس الأقوى . لذلك كانت هي السباقة في الدعوة لتلاقي وحوار الثقافات والحضارات . ولم تكتفي بمجرد الدعوات ، بل أنخرطت الى ترجمته على أرض الواقع وأصبحت جزء منه
أذاً ما هي الأسباب الحقيقية لكراهية أمريكا ؟ الجواب وبكل بساطة سياستها . فما هي تلك السياسات التي تثير كل هذا العداء الشعبي والرسمي المتنامي ضدها في أرجاء العالم كله ؟
أبرز السياسات الأمريكية المثيرة للسخط والمغذية للكراهية : * : سياسة زرع كيانات أسرائيلة في أماكن متفرقة من العالم وتقويتها على حساب جاراتها حتى يظهر الشعور بوجود تهديد ، يتطلب الأنسياق وراء حليف نووي ( أمريكي ) وبالتالي الخضوع لها، والأمثلة على تلك الكيانات الأسرائيلة التي زرعتها ورعتها أمريكا كثيرة في العالم . * : دعم أمريكا للأنظمة القمعية . * : تصدير تكنولوجيا التعذيب والقمع . * : التمادي في سياسة التصنيع العسكري لأسلحت الفتك والدمار الشامل . * : التدخلات العسكرية المستمرة ومن دون مسوغات وأجماع . * : التطاول على خيار الشعوب والتدخل في حسم نتائج الأنتخابات . * : الخلط المتعمد بين الأرهاب وحق المقاومة المشروع . * : أختلاق أعداء وهميين حتى يظهر الشعور بوجود تهديد ، يتطلب الأنسياق وراء حليف نووي ( أمريكي ) وبالتالي الخضوع لها . * : تجاهل الرأي العام الرسمي والشعبي . * : أدلجت الماكنة الأعلامية الأمريكية وتظليل وتجهيل شعبها وشعوب العالم . * : فرض هيمنتها ونفوذها السلبي على المنظمات والهيئات الدولية وتعطيل دورها المستقل . * : تمردها على القوانين والمعاهدات والأتفاقات الدولية الذي لاينسجم وطموحها التسلطي والأستبدادي . * : أصدار تشريعات مقاطعة مجحفة بين حين وأخر بهدف الأبتزاز المالي والسياسي . * : محاولات محمومة لفرض العولمة المتأمركة قسرا عبر شركاتها العابرة للقارات ، وفرض آليات السوق على الدول بدعوى زائفة ( تحرير التجارة العالمية . * : تجاهل القوى السياسية ذات المصلحة الحقيقية في التغير والتحول الديمقراطي بسبب الأختلافات الفكرية معها ، وتفضيلها التعامل مع سماسرة وتجار السياسة . * : التعامل المخزي مع الأسرى والسجناء السياسيين . * : الألصاق المبطن للأرهاب بالأسلام وتشويهه ، بهدف أجهاض مجرد فكرة تلاقي الثقافات ، وبغيت فرض النموذج الثقافي الأمريكي المشوه . * : عدم التعاون مع المجتمع الدولي وتحمل مسؤلياتها الأخلاقية في مواجهة المخاطر التي تهدد الحياة على كوكبنا . * : السمسرة بحقوق الأنسان من دون أن تلتزم هي بها أولاً . * : الأشتراط المجحف في تقديم المساعدات الخارجية للدول الفقيرة . * : والأدهى من كل ما ذكر أعلاه أن أمريكا اليوم قد جن جنونها في التعامل مع الكراهية ، فراحت تنتهج كعادتها سياسة التلويح بالعصى والجزرة . ولكن هذه المرة لأجبار العالم على حبها دون تُغير قيد أنملة من سياساتها مصدر ومنتج الكراهية والأرهاب العالمي .
نستنتج من كل ماذكر أعلاه أن مٌفرخ الكراهية والأرهاب هي السياسات الأمريكية ذاتها . فلتجميل صورة أمريكا يتطلب الأمر أقتلاع الكراهية من قلوب الملايين . وهذا لن يتحقق ألا بتغير السياسات المغذية للكراهية والمغذية للأرهاب . فهل أمريكا مستعدة لنيل حب الملايين ؟
#حبيب_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا : ومحاولات غزو وأحتلال وتصفيرالعقل العربي وأمركته قسر
...
-
في عيدُهنّ ( ٨ أذار )!
-
طبول الصمت ...!
-
شعر / كل ثانية وأنتي لستِ أمي...أنتِ كل شيء !
-
ضمير يعرق ...وعقل يأرق ...!
-
أرفعوا أصواتكم ضد ظاهرة التسول المستشري في بعض المطارات العر
...
-
قصيدة / بغداد
-
قصيدة / سلاماَ للأنوفهم صوبَ السماءِ...!
-
قصيدة / أنوثتها فرات تطهر الأوزار
-
العمارة : مآساة مدينة سومرية ، تُبكي الحجر قبل البشر !
-
قصيدة / فيها الجسد ...!
-
أيران الملالي وطموح الدولة الأقليمية العظمى ...!
-
شعر / حبة أسبرين ...!
-
التحرير والأعمار والديمقرطية ، ومفردات الحصة التموينية الأجر
...
-
شعر / مطعون قبل الطعن...!
-
وزارة الهجرة و المهجرين : أقطاعية وطنية المظهر ، طائفية فاسد
...
-
أحلام عاشق...!
-
تيه...!
-
جورج غالوي : شوكة مضافة الى حزمة الأشواك الكثر في رمق ثقافة
...
-
آتٍ إليكِ...!
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|