|
جناية الفن الرخيص على أبنائنا
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2943 - 2010 / 3 / 13 - 09:20
المحور:
الادب والفن
قالوا: أعطني مسرحا واعيا ، أُعطيك شعبا مثقفا، سأظلُّ أُرددُ: إن الفنون الجميلة هي أروع مستحضرات العلاج لجميع أمراض المجتمعات ، وهي البديل الحقيقي الناجح عن منظومات الطب والدواء، وهي أيضا تتفوق على البرامج التربوية والتعليمية في تأثيرها على عقول النشء، كما إن الإنفاق على الفنون، هو ربحٌ خالص للأوطان، فهو يسوِّق الأوطان ويبشر بها في العالم بصورة أفضل من تسويق البضائع والمنتجات الصناعية، كما أن الإنفاق على الفنون يخفِّض الإنفاق على السجون والمصحات العقلية والأدوية . نعم إن الفنون الجميلة هي مانعات الصواعق النفسية ، ومزيلات الأمراض العضوية ، وهي أيضا تعيد توازن النفوس بعد جموحها ، وتزيد من إنتاج العاملين ، وهي صواريخ تجعل الأمم تحلق في الأجواء فكرا وإبداعا ! ولكن أي الفنون هي التي أقصدها؟ إنها بالطبع كل الفنون الجميلة المُثقِّفَة ، وليست بالطبع الفنون السامة التي تُسميم وتلوث آذاننا أولا، ثم تتغلغل إلى نفوسنا وتلطخها بجراثيم وفايروسات سرطانية مخيفة. فقد ازدهرت موجة من أغاني السخف التي أصبح الأطفال والشباب يرددونها ، ويرقصون على وقعها باعتبارها فنا جميلا، وسوف تصبح نموذجا لهم، يهتدون بها في أعمالهم وإبداعاتهم ! فقد شاهدتُ أطفالا يتغنون بأغانٍ على شاكلة بحبك يا حمار ، ويرقصون على وقع أغنية العو العو العو ولم يكتف مغنو التفاهات بذلك بل تجاوزوا تلك الأغاني لتصبح الأغنية الجديدة الأكثر تطورا ورواجا هي : كلب يا ابن الكلب ... دنا حبيتك يا ابن الكلب ... دنا ربيتك يا ابن الكلب ... دنا حميتك يا ابن الكلب... كنت تشفني ترقص ذيلك يا ابن الكلب .... !! وهكذا انتقلت الفنون الرديئة من مرحلة البذاءة إلى مرحلة الشتائم والانحطاط وهو طور ولا أستبعد بعد وقت وجير أن تظهر أغانٍ على شاكلة : يلعن .... يا أبناء .... !! والغريب في ذلك هو ظهور طائفة من فقهاء الفنون ممن أصبحوا يسوغون هذه الفنون باعتبارها فنا (شعبويا) له جماهيره، وأصبحوا يبررون البذاءة ويسوغونها للجمهور ، وهم بفعلتهم تلك يكونون أسوأ بكثير من طائفة فناني البذاءة ! وقد وصلتْ البشاعةُ والانحطاط لدرجة أن كثيرين من فناني البذاءة أصبحوا من مدمني المخدرات بأشكالها وأنواعها، وصار كثيرون من الشباب ينظرون لهم بإعجاب ويقتفون أثرهم في مسيرة الإدمان ، باعتبارها مسيرة (فنية) جميلة !! نعم أصبحت البذاءة فنَّا يُوصل صاحبه إلى العُلا، ليصبح صاحب الفن البذيء من أكبر أغنياء العالم ، فيما يعاني الفنانون الحقيقيون من ضائقة الحياة ، ومن الفقر والفاقة. وليس صحيحا بأن الذنب يقع على عاتق المبدعين ، وأن الإبداعات الأدبية والفنية قد اختفت ، فما زال كثيرون من المبدعين والفنانين ممن لم يسقطوا في مستنقع البذاءات أحياء يرزقون غير أنهم يعيشون في الحجر الصحي المفروض عليهم، لأن هناك يدا خطيرة تُجبرهم على الانزواء والإذعان لسطوة فن التفاهة. أعرف مخرجا مبدعا ومؤلفا رائعا اتفقا أن يعرضا مسرحية ثقافية جميلة، غير أن إماكانتهما المادية لا تسمح بالإنفاق على المسرحية، فتقدما بالمسرحية إلى جهات داعمة كثيرة، ولم يُوافق على طلبهما، في الوقت الذي وافقت الجهاتُ نفسها على تمويل أكثر من عشر مسرحيات تافهة ، لا تحتوي على فوائد أو أفكار نافعة ! إنها فعلا مؤامرة خطيرة على الشعوب ، وليس ذلك من قبيل عقدة المؤامرة ، ولكنها الحقيقة المُرة التي نشاهدها بوضوح في المسرح العربي ، فقد أرغمتُ نفسي على متابعة مسرحية عربية في منتهى السخف والبذاءة ، لا يخرج مشاهدوها بأية فكرة سوى حفظ كلمات وتعبيرات البذاءة ، والضحك السخيف على مفارقات تافهة ، وهو ضحكٌ ليس من القلب ، وإنما هو ضحكٌ على السخافات، وكأنه ضحكُ القهر من مشاهدة هذا العمل المنسوب ظلما إلى المسرح السخيف، حاولت أن أُلخص فكرة المسرحية فلم أُوفق، لأنها لا تحتوي على فكرة ، فهي مناظر سخيفة ليس فيها أية أفكار على الإطلاق ، ولم أتمكن من إدراج المسرحية حتى تحت بند اللامعقول ، لأن اللامعقول الثقافي هو فن محترم يتحدى المألوف . وفي الوقت نفسه فإن دولا متقدمة تعي قيمة الفنون الجميلة على أبنائها، تعرض مسرحيات جميلة ، وأوبريتات موسيقية رائعة في إطار ترقية أذواقهم الفنية . ففي مسرحية البط التي يكون فيها أبطال المسرحية في صور البط يقدم المخرج والمؤلف أفكارا وتكنلوجيا مسرحية جميلة تتحدى المشاهدين وتحرضهم على الإبداع ، وهذا هو جوهر رسالة الفن أيضا بالإضافة إلى أنه علاج كما أشرتُ في البداية. إن مؤسسات مراقبة الأعمال الفنية العربية حاذقة جدا في رفض الأعمال الفنية التي تتعرض للسياسة ورؤساء الدول وتنتقد الأحزاب، فهي تقوم بقص كثير من المسرحيات التي تشوه صور الرؤساء والزعماء السياسيين وتسيء إلى الأحزاب الحاكمة ، ولكنها تقف متفرجة أمام الفنون التافهة، وتمررها بسهولة ويسر، أليس ذلك غريبا ؟!!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من فقه إذلال النساء
-
خليل التفكجي والأحزمة الاستيطانية الناسفة
-
الكذب اكبر مصادر الدخل في العالم
-
البخل العربي
-
فايروسات الخفافيش في الإنترنت
-
فقط في غزة
-
رعب الرقم 25
-
لماذا سمي معبر رفح فيلادلفي ؟
-
تخريفولوجيا
-
مملكة الحواجز والجدران
-
عرب أثمن الساعات وأرخص الأوقات
-
من غرائب الأخبار في إسرائيل
-
أسرار قوة الحكومات العربية !
-
مسابقة البلع الكبرى
-
الكوشير الإسلامي
-
بشير وعاموس رواية فريدة
-
رياضة داحس والغبراء
-
من تجربتي مع صحافة الإنترنت
-
عملاء خمسة نجوم
-
تلحين نشرات الأخبار
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|