أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - خواطر مسافر














المزيد.....

خواطر مسافر


رباح آل جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 13 - 01:01
المحور: الادب والفن
    


إذا كانت قهوة محمود درويش في الغربة قد صارت جغرافيا ، بقوله : ( ورائحة البُنّ جغرافيا ) .. فلأن قهوة أمه في فلسطين مثل قهوة أمي في العراق .
الأم هي حبنا الأول .. وعندما ترحلُ ، أو تموتُ ، لا نجدُ بين جميع نساء العالم امرأة واحدة ، تستحق أن تكون أمنا .
والأمّ جنة .. لا بل ، أخافُ إذا شبهتها بالجنة أن أكون قد نلتُ من مقامها ، فما الجنة إلا تحت أقدام الأمهات ، وكنت كلما اشتاقت نفسي إلى الجنة قبلتُ قدمي أمي .
والمنفى هو التعبير المهذّب لكلمة موت .. والمنافي كلها لها مذاق واحد .. ولكن حتى الجنة ، لو أخذت شكل المنفى لكانت مرفوضة .
فما هذا الاختلاف الكبير بين وجه أمي .. والمنفى ؟.

  

أخطّ ما يعنّ لي من خواطر حول حياة كل يوم ، وأعتبرها أقرب إلى ( الذات ) منها إلى ( الموضوع ) .. فهذه الخواطر ( الدَوْزَنات ) الموسيقية الأولى ، التي تسبق دخول المغني ، وانفتاح الستارة ، وانتظار الجمهور .
ثم إنني اعتقدتُ ، وما زلت أعتقد ، إن كل إنسان لديه كتاب نائم في موضع ما من ذاكرته ، ولو أنه فكرَّ وقدّر ، وراجع بطريقة جدية لعثر على موضوعه .. ولو أنه عرف كيف يقترب منه ، لوجد عنده بالفعل ( خواطر ) تمسّ نياط القلب ، وتستحق النشر ، وتستحق أن يُقبل الناس على قراءتها .
وهكذا تراني أكتب ( خواطري ) كلّ يوم ، وأذهب إلى لقاء الكلمة ، كما يذهب العاشق إلى موعد غرام .. مع أنني أدرك إن الكتابة هي نوع من الانتحار ، أو الحفر على آنية القلب .. يبدأ بالنقش الخارجي على سطح الإناء ، ثمّ ينتهي بالحفر الداخلي ، حتى ينتهي الأمر بتحطم الإناء .
على صدر ورقةٍ بيضاء ، نضع رؤوسنا المُتْعَبة ، المُرهقة ، ونستجمعُ نثارات ذكرياتنا ، ونستردُّ صور طفولتنا ، ونرتّل صلاتنا ، لعلنا بالكلمة نقترب قليلاً من الملكوت ، ومن القداسة .
فالكلمة ، التي كانت في البدء .. هي أول شجرة زرعها الإنسان على باب بيته ، وأول نجمة في السماء اهتدى بها قبل اختراع الشمع والقناديل .. والكلمات جنيّات رائعات الفتنة ، يخرجن مرة من عتمة الظنون ، ومرة من عتمة الدفاتر .
وأريد أن أسأل ، هل هناك رجل في العالم ، بقي أربعين سنة ، يشرب حبر الرسائل ، وهو مقتنع أن ما يشربه ، هو أرقى أنواع الشهد ؟!.

  

الليل إيقاع أسود .. مطر أسود .. كتابة ، أو كآبة سوداء .
والسماء بيت العصافير ، والسحب ، والكواكب ، والملائكة ، والشهداء ، والذين انتقلوا إلى رحمة الله ، قبل أن يشبعوا من الحياة .
وبلادي مجموعة كلمات جميلة .
هبوني وطناً مثل العراق.. وخذوا لكم بقية الأرض ..
هبوني قلعة مثل بغداد .. وخذوا لكم بقية العواصم ..
وإذا كانت الجنة ليست في العراق ، فأني أؤمن إن العراق هو الجنة .
كل عين هي عين ماء ..
كل راءٍ هي روح وريحان ..
كل ألف هي مئذنة عباسية ..
كل قاف هي قارورة عطر ..
وعندما تخرج اللغة العربية من هدنتها الطويلة ، لتلبس ملابس الميدان ، وتقود مواكب الفتح ، يتغير شكل الحروف الأبجدية ، وتصبح الثمانية والعشرون حرفاً ، ثماني وعشرين كتيبة ، بمشاتها ، ودروعها ، وناقلات جنودها ، ومدفعيتها ، وطيرانها .

  

أحياناً ، أقول أحياناً ، أتأمل نفسي وكأنني خارجها ، أطلّ عليها من بعيد ، وأتعجب من النفس البشرية وطبائعها .. وفي أحيان أخرى يبدو لي كل شيء مسطحاً وفارغاً ، حتى منظر الشوارع والمدن ، بألوانها ، وأضوائها ، ولئلائها .. وحتى البشر ، مجرد تماثيل ، ومجرد صور !.
الصور هي هي ، والنجوم نفس الوجوه ، والحوار تسلسلٌ طبيعي ، والمغزى ، أو المعنى ، أو الهدف ، متقارب .
ليست لديّ مناطق جغرافية للحب ، ولا أقاليم .. فأنا حين أحب ، أعانق العالم بجميع جزئياته وتفاصيله ، وأركض إلى الحد الأقصى للعشق ، وأؤمن إن الحب يطير دائما فوق الجغرافيا ، وإن وجه الحبيبة وخارطة الوطن لهما شكل واحد .
بالحبّ وحده ، تصبح عيون الحبيبات أشدّ سواداً .. وتخرج الكلمة من مخدعها ، كما تخرج العصافير إلى الحرية .
حقائب الشعراء صغيرة ، والبُعد ، في حد ذاته ، عذاب .
وحين تسأل المنازل عن أصحابها الغائبين في رياح الهجرة والمنافي ، وحين تخرج بغداد منك بلا قبلة ، أو وداع ، أو وصية ، أو تذكار ، ويدك تمتدّ إليها ولاتصل .. تنظم على روحها ديواناً من المراثي ، وتقصد قبر فاتحها الرخاميّ كل عام ، بأكاليل الزهر ، وملابس الحداد .
ليس الماضي من صنع يديك وأخطائك ، ولكنه تأريخك ، وميراثك .. وأنت ترى في بغداد أندلساً جديدة ، فهل ستكتبُ ، في وداعها ، موشحات جديدة .. وليس هذا زمن ابن زيدون ، وابن المعتز ، وابن نباتة الأندلسي ، لأن الأندلس ، كما بغداد ، كلتاهما صارت في ذمة الله .
وماذا يحدث لو وقف مؤذّن ونادى ( حي على الصلاة ) .. وامتلأت مساجد قرطبة بالمصلين .. والمشيّعين ؟!.
آخٍ من دمعة صامتة ، تستطيع وفي لمحة بصر ، إظهار ما تعجز عنه آهات النفخ في الأبواق على حواف القبور .

  

الليل مُقبض ، والنهار مزدحم ، والفصل صيف ، والمساحة المتاحة لهذا الحديث وصلت إلى نهايتها ، ولم تصل ( خواطر مسافر ) إلى حكاياتها ، وتأملاتها .
وقد تمنيّتها .. إلى صديق ( هناك ) .. طوفان دموع تسبح فوق النعش .
إنني لا اعرف بالضبط أين تقع ( هناك ) هذه التي أقصدها ، ولا أين عنوانها ، لكنها ليست بعيدة .. إنها ( هناك ) .
وفي المبتدى ، وفي المنتهى ، فإنها أطياف ، ومشاهد ، وصور .. اختلط فيها العتاب ، والحب ، والحزن .. حاولت استجلاءها قبل أن تتلاشى إلى النسيان .
وربما إن ذلك فيه كفاية .



#رباح_آل_جعفر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هارون محمد يبحث عن هارون الرشيد
- حسين علي محفوظ ... مسافر في الغروب
- شاكر علي التكريتي بين احتلالين ..
- جلال الحنفي .. تسعون عاماً في قلب الأزمات والخصومات
- سؤال كبير وخطير : إمارة الشعر العربي من امرئ القيس إلى امرئ ...
- عبد المجيد الشاوي وهذه الأشياء الغريبة العجيبة !!
- عبد الرزاق عبد الواحد .. صورة طبق الأصل !!.
- طه عارف .. وسلام الأصدقاء طويل
- شاكر حسن آل سعيد .. تشكيلياً على الطريقة الصوفية
- ويسألونك عن نوري حمودي القيسي ؟!
- لقاء مع خالد الشوّاف على مشارف الثمانين
- مفكرات يوسف العاني في عصور مختلفة
- قيس لفتة مراد .. عاش ميتا ومات حيا !!
- تذكروا الزهر الشقي .. عزيز السيد جاسم
- لا هو موت .. لا هو انتحار
- أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!
- مصطفى محمود .. المفترى عليه
- عبد الغني الملاح يستردّ للمتنبي أباه !..
- مدني صالح يدفن زمان الوصل في هيت
- ( صانع ) بلند وحسين مردان .. صفاء الحيدري لا عذاب يشبه عذابه


المزيد.....




- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - خواطر مسافر