|
الحزب القائد والجبهه الوطنية
جميل جابر
الحوار المتمدن-العدد: 896 - 2004 / 7 / 16 - 06:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ألمانيا الديمقراطية السابقة ليست سوريا فهناك فوارق واضحة وضخمة ليست فقط حضارية وتاريخية وثقافية ولا يدل عليها فقط مستوى تطور القوى المنتجة والمستوى العلمي والإنجازات المادية التي حققتها ألمانيا الديمقراطية في ظروف صعبة.عندما انهار جدار برلين كان مستوى دخل الفرد يعادل أضعاف دخل الفرد في سوريا وكانت تقدم مختلف المساعدات لسوريا وكان مستوى الرعاية الصحية متقدم على جميع الدول العربية.لا يدعي هذا المقال تقييم التجربة الإشتراكية في هذا البلد ولا يدعي المعالجة التاريخية.هدف المقال هو إلقاء الضوء على أليات الحكم،على نموذج الحزب القائد والجبهة الوطنية والتي ما زالت ألياتها سائدة في سوريا ويجري التمسك بها(أنظر المنطلقات النظرية الجديدة لحزب البعث).إنهار جدار برلين وانهار معه نموذج حكم شمولي فصل الديمقراطية عن الإشتراكية وحرم الشعب من الحريات السياسية الأساسية.لم يكن شعب ألمانيا الديمقراطية جائعاً للخبز وإنما للحرية.
جمهورية ألمانيا الديمقراطية تأسست جمهورية ألمانيا الديمقراطية في 7 أكتوبر عام 1949 في المنطقة التي احتلها الاتحاد السوفييتي من ألمانيا. ادعى الحزب الاشتراكي الألماني الموحد الذي صعد إلى قمة النظام السياسي القائم أنه باستناده إلى الماركسية اللينينية يمتلك الرؤيا بقوانين التطور وأن مهمته تحقيق أهداف الطبقة العاملة تحت قيادته. جرى تثبيت الدور القائد للحزب في دستور ألمانيا الديمقراطية. لم تكن سيادة الحزب القائد مشروعة ديمقراطياً عن طريق انتخابات حرة ولم يحصل في أي فترة من الفترات على تأييد شعبي عريض.
الحزب الاشتراكي الألماني الموحد: عند بناء هيكل الحزب وفي عملية اتخاذ القرارات الحزبية الداخلية جرى الاعتماد على التنظيم الهرمي الصارم. قرارات الهيئة العليا ملزمة للهيئات الدنيا. تشكل مركز السلطة من قيادة الحزب ولجنتها المركزية وقبل كل شيء من المكتب السياسي الذي امتلك ناصية القرار في مجالات الدولة والاقتصاد والمجتمع ووزعت السلطة على النافذين بدون توازن. تولى الأمين العام للحزب رئاسة الدولة وقاد جلسات المكتب السياسي للحزب وراقب جهاز الحزب وكان يقرر شخصياً المواضيع التي تطرح أمام المكتب السياسي. وكان يحضر مسبقاً وغالباً شخصياً وبمساعدة حلقة صغيرة من المساعدين النافذين القرارات الواجب اتخاذها وحتى ضد رأي الأخصائيين وكان وزير أمن الدولة(المخابرات) إيريش ميلكة المعروف بقمع أجهزته كان واحداً من هذه الحلقة الصغيرة. أما تأثير أعضاء المكتب السياسي الآخرين فكان يتعلق بمدى قربهم من الأمين العام ومدى السماح لهم بالاتصال به. وطد الأمين العام والمكتب السياسي سلطتهم من خلال التحكم الشخصي على من يصعد إلى أعلى هيئات الحزب والدولة. حسب النظام الداخلي للحزب، المؤتمر هو أعلى هيئه ويليها الاجتماع الموسع للجنة المركزية، لكن هذه الهيئات لم تمتلك فعلياً أية صلاحيات تقريرية ولم يكن دورها أكثر من هيئات إعلانية. أما الأقسام العديدة الملحقة باللجنة المركزية فكانت مهمتها تطبيق قرارات القيادة داخل تفرعات الحزب والوزارات والإدارات وداخل المنظمات الجماهيرية ومراقبة العمل من الداخل. وكان على قيادات الحزب في المحافظات والمناطق ضمان الالتزام بخط الحزب في مناطقهم وعلى قيادات المصانع تنفيذ توجيهات الحزب في مصانع الدولة. لقد عينت قيادة الحزب ليس فقط من يحتل المواقع القيادية في جهاز الحزب وإنما أدارت أيضاً جميع مجالات الدولة والمجتمع. بهذه الطريقة تمكنت قيادة الحزب من تشكيل نخبة سلطوية موالية من الكوادر الحزبية ملتزمة بتطبيق توجيهات القيادة.
أحزاب الجبهة والمنظمات الجماهيرية: تميز نظام الأحزاب والمنظمات الجماهيرية بالاستقرار الظاهري، حيث سيطر في الواقع نظام الحزب الواحد. لقد كان هناك ما يدعى بأحزاب الجبهة وهي (الحزب المسيحي، الليبرالي الديمقراطي، القومي الديمقراطي، حزب الفلاحين). اعترفت هذه الأحزاب بالدور القيادي للحزب الاشتراكي الألماني الموحد والتزمت بخطة السياسي ولم تقم بالتعبير عن مصالح أو تمثيل رغبات قواعدها الحزبية أو أصدقاءها وإنما كانت وظيفتها الأولى ربط الأشخاص الذين وقفوا بعيداً عن الحزب الحاكم بالنظام السياسي. ولم تكن المنظمات الجماهيرية أكثر استقلالية من أحزاب الجبهة وبغض النظر عن أن الدستور ضمن نظرياً للمواطنين حريات أساسية مثل تشكيل الأحزاب والمنظمات، فلم تكن هناك واقعياً أية إمكانية لتأسيس رابطة مستقلة. خضعت المنظمات الجماهيرية للدور القيادي للحزب وكانت قياداتها غالباً أعضاء في الحزب القائد. أهم المنظمات هي ( إتحاد النقابات الألمانية الحرة حيث ضمت تقريباً جميع العاملين في البلد، منظمة الشباب الحر، منظمة النساء الحرة، جمعية الصداقة الألمانية-السوفيتية) وكانت تمثل اليد الطويلة للحزب ومهمتها التأثير بأعضائها سياسياً وإيديولوجياً وتعبئتهم لخدمة النظام إضافة إلى الإعلان الخارجي بالالتزام بسياسة الحزب وكان هذا الالتزام للأفراد يشكل الأساس في التطور المهني والتقدم في المستقبل الشخصي. ورغم أن عدد أعضاء هذه المنظمات كان هائلا فإنها لم تكن تعبر عن مصالحهم داخل النظام السياسي، بالعكس فقيادة الحزب هي التي توجه عملهم . البرلمان، الحكومة، القضاء: لم تعرف ألمانيا الديمقراطية فصل السلطات كما هو موجود في الدول الديمقراطية-التعددية ولم يكن أمام المقترعين لانتخابات مجلس الشعب أية إمكانية لانتخاب أحزاب منفردة وإنما فقط انتخاب لائحة أحزاب الجبهة الحاكمة بما فيها التنظيمات الجماهيرية. بعد أن جرى مسبقاً توزيع المقاعد وجرى تحديد تمثيل الأحزاب قبل البدأ بعملية الانتخاب في البرلمان. تعرض جميع الناخبون لضغوط كبيرة للمشاركة بحقهم في انتخاب قوائم الجبهة وتراوحت نتائج الانتخابات بين 98%-99% لصالح قائمة الجبهة وجرى عند فرز الأصوات التلاعب بالعد. أتاحت الانتخابات لمجلس الشعب الأكثرية المطلقة للحزب الحاكم وكان أكثر مندوبي المنظمات الجماهيرية في مجلس الشعب أعضاء في الحزب الحاكم ولم يكن الحزب الحاكم بحاجة إلى أصوات مندوبي الأحزاب المتحالفة معه في عملية تشريع القوانين داخل مجلس الشعب. وكان من عادة قيادة الحزب القائد أن يوافق على القوانين قبل أن ترفع إلى مجلس الشعب. أما الحكومة فلم تكن تخضع في الواقع إلى محاسبة مجلس الشعب وإنما خضعت لمحاسبة قيادة الحزب. حسب مفهوم القيادة فإن الدولة بما فيها الحكومة هي( أداة الطبقة العاملة) وعليها تنفيذ قرارات القيادة.لقد تولت هذه القيادة عملية تعيين الوزراء والمناصب الهامة ولم تراع إلا نادراً بعض الوظائف لصالح أحزاب الجبهة المتحالفة معها. القرارات الحكومية الهامة جرى إقرارها داخل قيادة الحزب قبل أن تعلن عنها الحكومة وتولت أقسام الحزب مراقبة تطبيق القرارات بدقة داخل الوزارات واكتملت شبكة المراقبة داخل الإدارات والمصانع عن طريق منظمات الحزب . لم تشهد ألمانيا قضاءًا مستقلاً عن السلطة السياسية، فبينما تدخلت في البداية قيادة الحزب مباشرة في المحاكم الجزائية وحددت مسبقاً نقاط الاتهام والأحكام التي تصدر لاحقاً ضد المعارضين، فإنها في مرحلة لاحقة وضعت المحاكم والقضاة تحت إشراف صارم لهيئات قضائية عليا خضعت إجراءاتها إلى توجيه الحزب الحاكم. استخدمت قيادة الحزب القوانين لتوطيد سلطتها ووضعت مجموعة من القوانين تؤمن مصادرة المصانع والممتلكات ووضعت قوانين جزائية لكبح المعارضة السياسية ومنع المواطنين من مغادرة البلاد. وقد لعبت وزارة أمن الدولة (المخابرات) دوراً مركزياً في التحقيق في القضايا السياسية.بلغ عدد العاملين رسمياً في خدمة وزارة أمن الدولة (البوليس السري) 90.000 شخصاً و150.000 من المخبرين الغير رسميين. عملت أجهزة الأمن المعروفة بـ(درع وسيف الحزب) تحت إشراف وتوجيه قيادة الحزب بعيداً عن المعايير الإنسانية والعهود الدولية، راقبت الرأي الآخر الحقيقي والوهمي وقامت بإجراءات (تهديمية) عرفت بلغتهم (بالانحلالية) هدفها تحطيم مسار حياة المعارضين والأشخاص الغير مرغوب بهم وقامت بالتهديد وحملات الكذب وتشويه السمعة وابتزاز الاعترافات المكتوبة مسبقاً واستخدام مختلف أنواع الضغوط واختلاق إثباتات تؤدي عادة إلى أحكام طويلة بالسجن. ورغم ضبط الأجهزة الأمنية لجميع مجالات الحياة والمجموعات المعارضة فإنها لم تستطع ضبط حركة الشعب في أواخر الثمانينات. الأوساط الإعلامية: لم يسمح النظام الديكتاتوري بإعلام مستقل، الصحافة والتلفزيون والراديو يشرف الحزب عليها مباشرة ويشكل شبكة متكاملة لتزويد المواطنين بمعلومات وأخبار مختارة ومفلترة. استطاع المواطن الألماني خرق الحصار الإعلامي حوله بتلقيه برامج الراديو والتلفزيون الألماني الغربي. أما الكتب النقدية فقد سقطت ضحية لرقابة السلطة، حيث خضع إصدار الكتب إلى إجراءات رقابية صارمة. الثورة البيضاء ووحدة الألمانيتين: لا يمكن فهم سقوط النظام الديكتاتوري على يد ثورة الشعب البيضاء في خريف عام 1989 إلا من خلال تضافر عدة عوامل مشتركه: 1- الإصلاحات التي بدأها غورباتشوف والتي أخذت تشع على المعسكر الاشتراكي وأعطت حكوماتها حيزاً أكبر من الاستقلالية. 2- المشاكل الاقتصادية المتأزمة ورفض السلطة القيام بتغييرات سياسية واقتصادية جعل الأزمة تزداد حدة. 3- بعد إلغاء الحواجز الحدودية بين بعض الدول الاشتراكية وجيرانها الغربيين، بدأ في أواخر صيف 1989 هجرة كتل بشرية من مواطني ألمانيا الديمقراطية إلى تشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وتزامن ذلك مع تزايد مجموعات المعارضة وحقوق الإنسان التي كانت بدأت بالظهور في منتصف الثمانينات. طالبت المجموعات بالإصلاحات السياسية وقامت بمظاهرات سلمية شاركت فيها في خريف 1989 مئات الآلاف من الناس. 4- أدى تطور ديناميكية الاحتجاج الشعبي واستغناء النظام عن استخدام الوسائل العسكرية الجاهزة إلى استقالة رئيس الدولة ورئيس الحزب من مناصبه في 18أكتوبر1989 وأدى إلى فتح بوابة برلين. 5- فشلت جميع محاولات النظام الحفاظ على السلطة من خلال إحداث تغيير في قيادته والوعود الغير جدية بإصلاحات لم يصدقها الشعب ولم يتمكن النظام من وقف انحدار السلطة واضطر بعدها إلى القبول بالدعوة إلى الحوار المتأخر مع قوى وأحزاب تغييريه. تركز الحوار حول مطالب المشاركين بالديمقراطية والإصلاح. في أول انتخابات حرة في ألمانيا الديمقراطية في 18 آذار عام 1990 حصل الحزب الحاكم الذي غير اسمه قبلها على 16% من الأصوات وتشكلت حكومة ألمانية قررت دخول مفاوضات من أجل إعادة الوحدة الألمانية وهذا ما تم تحقيقه في 3أكتوبر 1990. * جملة غورباتشوف الشهيره التي قالها في برلين الشرقية قبل سقوط النظام ببضعة أسابيع. جميل جابر-ألمانيا
#جميل_جابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإصلاح في سورية ولعبة الكشتبان
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|