طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 2941 - 2010 / 3 / 11 - 09:23
المحور:
الادب والفن
عجائز قريتنا محنيو الظهّر... وجدّتي منهم...
كنت أسير خلفها، مقلداً مشيتها، لأضحك أترابي...
أطوي رأسي، وأحني أعلى ظهري. أربط يديّ خلف ظهري، وأسير كما تسير دون أن تراني..
شاهدتني أمّي...!
مساءً قالت لي غاضبةً،وهي تحبس دموعها:
ـ "بتعرف من شو ضهر ستّك هيك.."
شعرت بالخجل، وأيقنت أنّي أخطأت، وأحجمت عن تكرار فعلتي..
لكن لم يغب عن بالي قط، أن عجائز قريتنا محنيو الظهّر، وأنّ جدّتي منهم...
ما زالت جدّتي تحمل معولاً كل صباح، وتذهب إلى الكرم الذي تركه لها جدّي...
كنت أعرف ماذا يعني لها.. كنت أعرف أنّها… تعشقه..
وكبرت ككل أترابي، وحملت معولاً مثلهم تماماً، وعملتُ معهم إجيراً لأول مرة في أحد الحقول..
عدت مساءً متعباً، يابس المفاصل والعضلات..
اغتسلت، وأكلتُ. لم أشرب الشّاي، ولم أدخّن، ونمت في مقعدي..
في اليوم التّالي كنت أسوأ من سابقه..
أطرافي لم تطاوعني كما أريد، وظهري كان كتلةً يابسةً، وكان يؤلمني، وحتى أخفّف من حدة الألم، كنت أحنيه مرغماً..
اعتذرت من أصدقائي عن متابعة العمل..
ذاك الصّباح، وأنا أغمز الشمّس بعينيّ، مرقت جدّتي أمام دارنا..
تحمل معولها على كتفها، وتشق طريقها بهدوئها وشرودها وتتالي خطواتها...
ظهرها محنيّ كالعادة، ورأسها مطرقٌ، وعيناها متشبّثتان بالأرض...
كانت تخشى أن تُسرَق الأرض من تحت قدميها...
عندها..
عندها أدركتُ لماذا ظهرها محنيٌّ؟! لماذا وجهها إلى الأرض دائماً..
رغم أنّ الشمّس في السّماء، والسماء عالية.. عالية..
…
#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)
Taleb_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟