|
صراع القوى السياسية العلمانية والدينية بين التكليف القائدي وهوية الاستحقاق
رزاق شايع الدراجي
الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 17:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دخلت الكثير من القوى السياسية عبر بوابة التمني حالمتا أن تتصدر المقاعد رغم قناعاتــها التامة بأن الواقــع الجماهيري في العراق لن يـــــــــــــــتعاطف مــــع البـــــعض بشكل مؤثر ومنهم العلمانيين بوجـــــه خاص. ورغم أن التجارب قد أثبتت إخفاق الجميع في أدارة العملية السياسية العراقية إلا أن القوى الدينــــــــــية ومـــــــــنها الإسلامية لم تفقد تأييدها الجماهيري واستـــــــمر تابعيها يمنحونها الدعم والمؤازرة رغــــــــــم الحرمان والمجافاة، ومع ضالة العطاء تلك ومـــــــــا يقابــــــلها مــــن تضحية وعـــــدم تنكر يبقى تفسير حالة كهذه مرهون بإجراء دراسة معمقة وموضوعية لطبيعة المجتمع العراقي ، ثم لأفرازات التنظيمـــــــــــات السياســــــــــــــية المتعددة والتجاذبات التـي أسهمت بصياغة الاتجاهات والميول الفكرية والاجتماعية لدى الجماهير . أن بوادر تقويض دعائم المشروع السياسي البكر أنبثقت من الصراع الايديولوجي بين القوى السياسية التي تختلف بمضامين مبادئها والتـــــــــي اوجبت بحكم ضرورتــها تحركاً سلبيا نحو الكسب اللامشروع وتحقيق اي انجاز يحسب لصالحها ويبرر وجودها . تلجأ الاحزاب العلمانية في العادة الى أساليب النيل من الطرف الاخر والذين هم اكثر تجذراً في ثقافة هذا المجتمع باتهامها ان الدين فكرثيوقراطي يحمل في طياتـــه النفس الرجعي والتشدد الديني الذي لايستطيع ان يؤسس حاضنة سياســــــــــــية تحــــــتمل بتحركها الانفتاح ومواكبة الاحداث وسوف لن تحظى على حد زعمـــها قبول التعامل الدولي المتحضر معها كونها تمثل مؤسسة دينية محدودة العطاء لاسياسية تستوعب اكثر مجالات الحياة شمولية.ويدعون الى تطبيق التجربة الاوربية في هذا المجال والتي حدت من نفوذ التدخل الديـــني بأيـجاد حيز مقيد جغرافياً وفكريا كدولة الفاتيكان والتي يناط بها دور الرقابة وإبداء المقترحات بعيداًعـــــــــــن التدخــــل الفعلي في رسم السياسات لحكومات الشـــعوب المسيحية . والحق كان على هؤلاء ان يتفحصو تأريخ الشعوب اولاً والتأمل بمعطياته،لعلهم يجدون ســبباً منطـــــقياً لحصول ذلك في المجتمعات الاسلامـــــية !!! فالحيثيات الـــتي تقف وراء عزل المنظومة الدينية الاوربية عن الاطار السياسي العام في أدارة الــــــــدولة وممارســـــــة السلطة تنتفي في أغلبها عن الواقع التأريخي الاسلامي ، فالبطــش والتعسف الذي مارسته الكنيسة على المسيحيين بنزعة الاستبداد والاستغلال فـي العـــــــــصور الوسطى إلى درجة اللعنة امر خلق لدى تلك الشعوب هوة نفسية سحيــقة ومشاعر كره امتازت بثوريتها ضد رجال الدين والكنيسة ورفضها على هذا الأســــــــاس واثبات الشيء لا ينفي ماعداه فالدولة الاسلامية المتمثلة في العصر الامـــــوي والعباسي قد مارست ابشع صور الظلم ضد رعاياها من المسلميــــــــن وغيرهم وابتـداع قادتها الإرث السياسي التعاقبي المستند الى نظرية التفويض الالهي مع ممارسة القمع والاضطهاد لكل معارضة تدعو الى الانسلاخ والتــــــغيير،و الفارق يكمن في ان الشعوب الاسلامية قد أنشئت دولتها بظهور الدين الاسلامي مع الولاء المتحقق لقائد قد منح الامة على مدى التاريخ المفاهيم الانسانية والايمان بفلسفة الكـــــــون الأبدية والتي يستلهم منها أكثر من مليار فرد يكونون الامة مبادئ دينهم في الثواب والعقاب وهوالنبي محـــمد رسول الله (ص) فكان اثر التـتابع الزمني على الواقــــــع التاريخي ارتداد على المنهاج من قبل البعض الذين رؤوا احقية النفوذ لهم ضد من كان يرى القداسة في التــزام ما جاء به وحي الســـــماء. فكانت قدحة التحزب التي مثلت مأسات الامة وخلقت ستراتيجية المعارضة وليس الرفض القاطع للدين كسلطة. ان المحاولات التي تهدف الى مسخ هوية الشعوب من خلال تسفيه عقائدها الدينية واحلال التنظير السياسي مكانها او بديلا عنها ضرب من الحماقة باعتقادي فهو وان كان بمثابة عقار مخدر فأنه سرعان مايزول تاثيره بفعل الضغوط التي تحدثها سطوة الاستفاقة المتأتية من أعماق العاطفة الدينية وفي أثناء ذلك لن يفــــــلح الساســـــة الجراحون حتى ابرعهم من النجاح بغرز افكارهم في أذهان الجماهير المحصنة بعقائدها والتي عرفت بولائها لأديانها ومذاهبها. وعلاوة على ذلك فلو تتبعنا فوهة البركان الفلسفي الذي قذفت منه الأفكار العلمانية لأدركنا أن مشهد القعر مكون من تداخل التناقضات لأفكار دينية وأخرى جدلية تسعى الى الانعتـــــاق من القيود التي ترفضها . ومثال ذلك الماركسية باعتبارها منحناً علمانياً وفلسفتاً من نتاج ذلك الخليط الذي أشرنا اليه حيث اشتقت من مثالية هيجل الذي يرى في الدولة أكمال لمسيرة الاله في الارض ومادية فيورباخ. الصراع لا زال قائماً ويتمنى كل واحد من تلك الفئتين زوال الاخر ، مع حقيقة ان كلاهما قد حقق انتصاراً واخفاقاً في أزمنة وامـــــاكن مختلفة ولاسباب موضوعية ، فهذه الشعوب الاوربية ترفض ان تتقبل الاسلام كنظام اجتماعي وسياسي يحكم وجودها بل هي رافضة لكل اشكال الهيمنة الديــــــنية وحتى دياناتها المسيحية كردة فعل على مساوئ الكنيسة واستقر الأمر بها على ان تكون الليبرالية فلسفة تنظم شؤونها الحياتية .وهذا ما عبر عنه تشرشل بقوله أنها من أفضل الأنظمة السياسية والاقتصادية الموجودة في العالم أو أقلها سوءً ويبدو أن دعاة العلمانية لم تتولد لديهم كفاية القناعات بعد بالامتداد الشاسع الذي بلغته هالة الانجازات لمعتفداتهم الفكرية حيث اختلطت عليهم المفاهـــــــــــــــــيم واندفعوا في سياق صراع محموم باذلين جهد امكانياتهم اثبات احقية فلسفتهم على غيرها من الثقافات والعقائد لدى الشعوب ، أما القوى الدينية وعلى الخصوص الإسلامية منها نراها قد انحسرت في بؤرها الجغرافية التاريخية في مواضع دفاعية بحتة لم تستطع مجاوزة حدود بلدانها التي تمارس فيها شعائرها وطقوســـــــها منكفئةً على معالجة التراكمات التي خلفتها عقدة الشقاق بين أبنائها رجال الأمس واليوم وكذلك في الذود عن مقومات هويتها من الخطر العلماني المحدق بها والذي يزاحمها بقوة وجرأة الاختراق الذكي ، وأمست لا تمتلك الوسائل المادية الفاعلة التي تجعلها بمنئ عن الأخطار التي تحيط بها اللهم ألا من مبدأ الرفض للانصــــياع ،وهو أمر باعثه المد الروحي لعقائدها ،أنها بشكل عام غير مؤهلة تماماً للدخول في مضمار التنافس بنشر مبادئها عبر العالم كما تفعل القوى العلمانية اليوم. أرى ضرورة أن تضع القوى العلمانية في جدول حساباتها وهنا تحديداً في العراق وبكافة مسمياتها الحقائق الموضوعية الماثلة على الساحة السياسية عنـــــــــــد تعاطيها مـــــع عوامل الكسب الاجتماعي والسياسي للشعب العراقي من الفشل النسبي الحالي إلى تحجيم دور القوى العلمانية الطبيعي مستقبلاً وذلك للضالة العددية المكــــــــــونة للقاعدة الجماهيرية المؤازرة لتلك الكيانات السياسية مقارنة بما تمتلكه القوى الإسلامية منها . وثم العائق الأكثر تعقيداً والذي ينذر بالتشاؤم وعــــلى المدى البعــــيد بالنسبة لمستقبل العلمانية وهو إن الشعب العراقي ذات الأغلبية المسلمة لن يفكر قط باللجوء إلى أطار فكري مغاير لطالما ظل ينظر بحزم إلى حســـم المعــــــــترك السياسي عند كل نقطة تحول سياسية إلى نصرة مذهبه الديني في اللجوء للخندق الطائفي أولاً وقبل كل شيء ،مما يعني أن هذا الشعب لديه قضــــية تستــحوذ على كامــــل كيانه تجعله منشداً إليها تواقاً لنصرتها في أوقات حرجة جداً كونه يستشعر أمنا نفسي نسبي من خلالها، وهو مؤمن اشد الإيمان بـــــــــــــأنه استحقاق وطنـي وتكلـــــــيف سماوي لابد منه.............
رزاق شايع الدراجي
#رزاق_شايع_الدراجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|