|
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2935 - 2010 / 3 / 5 - 10:38
المحور:
القضية الكردية
يعد الشعب الكردي من أعرق شعوب الشرق الأوسط ، وأقدمها انتماء للحضارة الإنسانية ، فعندما نذكر الكورد في محطات التاريخ ، لا بد أن نستذكر حضارة ميديا الخالدة ، التي رفدت الإنسانية وعموم الشرق ، بعلوم الحياة من زراعة وصناعة ، جنباً إلى جنب مع الحضارتين السومرية والفرعونية . لكن هذا الشعب ، ولقدم حضارته وتاريخه ، ظل على الدوم ضحية السطو والغزو المنظم الذي نهش وهدم كيانه ، بدءاً من السطو الفارسي - الأخميني القورشي الأشد بربرية من السطو المغولي ، فالكورد الميدين كانوا ضحايا الزحف الفارسي الذي مسح حضارتهم ، وسطا على وجودهم ، أسوة بسطوه على مدن الشرق وحضاراته الأخرى ، ذلك السطو الذي وصل إلى حدود مهد الحضارة الفرعونية ( مصر) التي سطا عليها قمبيز نجل قورش . وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم مع الشعب الكردي المثخن بالجراح ، والذي يُحي عيد ( نوروز) الربيع في ذكرى انتصار رمز انعتاقه ( كاوا) على رمز استبداده ( ضحاك) ، التاريخ يعيد نفسه مع المستبد القديم ( قورش) وأحفاده الجدد ( نجاد - الأسد ) وما يجمع بين هذا المستبد من حلف مقدس يستقوي فيه على شعبه الكردي ، ومن دون أن يعترف فيه ، بل ويوغل في قتله بدم بارد ، ربما بأبرد من دم ( الضحاك ) . النظامان السوري ( الطائفي ) والإيراني ( الخميني) وما بينهما من حلف ملي ، مذهبي، أسطوري، خرافي ، يقدس الفرد ( الولي الفقيه - القائد الخالد ) ويرفعه إلى مرتبة الرب بإضفاء بعض صفاته ( آيات الله ) هما الأكثر سطواً وانتهاكاً لحقوق الأكراد ، فالهوية الكردية وما يتصل بها من ثقافة وتراث ، لا يعترفان بها على أقل تقدير . وليت الأمر ، يقف في حدوده عند نفي الهوية الكردية وإلغائها ، باعتبارها هوية ذات تاريخ وحضارة عريقين ، وكيان إنساني أعرق من كيانهما الطائفي الملي - الشوفيني الفاشستي العصابي ، الذي يمقت عقدة نقصه ، بل يتعداه إلى حد الاجتثاث الممنهج للشخصية الكردية ، والتعدي على تاريخها السياسي والثقافي من خلال تبخيس رموزها ( صلاح الدين ) وطمس معالم وجودها . وكأن الأكراد في سوريا ، لا يكفيهم أن يدافعوا عن إخوانهم من القوميات الأخرى في أحلك الظروف التي مرت بها سوريا ، بلدهم الأم جميعاً بلا استثناء ، وهو شرف وطني قبل أن يكون واجباً ، خطه الزعيم إبراهيم هنانو في التاريخ الحديث ، وسار عليه محمد علي العابد كأول رئيس لسوريا بعد الاستقلال الأول بكل اقتدار . نقول لا يكفيهم ، بعد كل هذا البلاء الوطني المشرف ، أن تلغى هويتهم الوطنية ( تجريد مئات الآلاف من أكراد القامشلي من جنسيتهم ) ولا يكفيهم أيضاً ، أن يقتل شبابهم الذين هم بعمر الزهور ، ليس في أعياد النوروز ، بل في قلب ثكناتهم العسكرية ، التي حولها النظام الطائفي إلى مزارع للسخرة ، لا تجد إسرائيل حرجاً في قصفها أو التحليق فوق سمائها ، أو حتى اغتيال كبار إقطاعييها ( العميد محمد سليمان ) وفقاً لمجلة دير شبيغل الألمانية . قد يرى البعض في طرحنا هذا ، شيء من المبالغة ، لكن الحقائق المجردة تصهر الخيال والأساطير التي أصبحت ديدن النظام الطائفي وغطاء يتلفع فيه مثقفوه ، فقد تبدت طائفيته في التقائه المذهبي - العرقي مع إيران الفارسية في حفلة العشاء الملي الأخير في دمشق . فعندما يوغل النظام الطائفي - النصيري ، نسبة إلى محمد بن نصير الفارسي الأصل ، في قتل المجندين الأكراد ( أربعون مجنداً وأكثر ) في إقطاعياتهم الزراعية ( قطاعاتهم العسكرية ) ليس بصفته نظام عربي ، التي تجعل بعض الأكراد يحملون على أشقائهم العرب ، الأكثر تعايشاً واندماجاً مع الكورد عبر التاريخ ، بل بصفته نظام تابع لنظام طهران الفارسي ، فهو ليس نظاماً علمانياً كما يدعي ، وليس نظاماً عربياً رغم عروبته وقومويته الزائفة ، لكونه شاذ عن قاعدة النظم العربية ، وإن كانت مستبدة . غير أن عنف النظام الطائفي ضد الأكراد ، يجري تبريره وتحمليه غصباً باسم العرب ، لزيادة الشقة والخلاف بين العرب وإخوانهم الكورد ، مثلما حصل مع اغتيال الشيخ الكردي معشوق الخزنوي . ومن الحقائق الدامغة على عنف النظام الطائفي بحق المجندين الأكراد ، وعموم الشعب الكردي في سورية ، والتي يجري ارتكابها باسم العرب زوراً وبهتاناً ، وأحدها ما أبصرته عيني قبل حوالي ست سنوات في صيف تموز/ يوليو اللاهب عام 2004 ، فالمشهد الدامي لا يوصف بالكلمات ، لشدة همجيته وبربريته . فبينما كنت على متن حافلة النقل ، في طريق السفر الطويل من حلب إلى دمشق ، من ذلك العام ، الذي كنت فيه طالباً بالسنة الثالثة بكلية الآداب في جامعة دمشق ، جلس أحد المجندين بقربي في نفس الحافلة ، والذي عرفت لاحقاً أنه كردي يدعى ( كنجو ) وهو شاب فقير معدم من قلة فرص الحياة ، وفوق ذلك أُمي لا يستطيع أن يتكلم إلا بما يحس ويشعر به . خلال الرحلة الطويلة بين حلب ودمشق حوالي ( 400 كم ) شعرت أن هذا الشاب ( كنجو) غير طبيعي ، فقد كان شديد القلق ، وحركته كثيرة لا تهدأ ، من دون أن يستطيع الجلوس على الكرسي وإسناد ظهره للخلف ، بادرت بسؤاله : ما دهاك ؟ فقال بعد أن اطمئن إلي ، في استراحة حمص ستعرف شكواي ، وسترى بأم عينيك وستعذرني . في الاستراحة التي تقع على تخوم مدينة حمص ، طلب مني كنجو أن نبتعد قليلاً عن أعين المسافرين ، ذهبنا إلى خلف سور الاستراحة ، لئلا يفزع المسافرين من دموية المشهد ومن وعثاء السفر، فإذا بكنجو يخلع بزته العسكرية أمام ناظري ، شهقت عميقاً ، وعقد لساني ، وتحجرت عيناي لهول المشهد ووحشيته ، فلو كنت أمام طائر نزع ريشه عنه لما صدقت ، لأنني كنت أمام إنسان سلخ جلده عن لحمه ، واهترئ لحم ظهره وأطرافه وبان عظمه ، فما أقسى أن يتخلى الإنسان عن إنسانيته ، ويشرع في سلخ لحم أخيه الإنسان كما يفعل النظام الطائفي في سوريا . الأكيد أننا في سوريا وبعد مشهد كنجو الدامي ، في غابة الحيوانات الضارية التي تستسهل سلخ جلود البشر، ولسنا في مجتمع مدني متمدن يدعيه ويروج له رعاعيو- مثقفو النظام الطائفي . أما السبب الذي دعا وحوش النظام الطائفي إلى سلخ جلد كنجو ، مثلما سلخ أجدادهم ( قورش) هوية الشعب الكردي ، أنه تأخر خمس دقائق فقط عن اللحاق بزملائه والحضور إلى الساحة العامة ، لتريد تحية العلم - العلق والتي تسمى بالنشيد الوطني ( حماة النظام ) فما كان بالضابط الطائفي ( ملازم أول ) أن دخل متفقداً مهجع المجندين - الفلاحين ، فوجد كنجو غارقاً في تنظيف المهجع - الإسطبل ، وترتيب أسرته ، فيوم الخميس ،الذي يزعق فيه الجنود نشيد النظام ، تزامن مع تسخير كنجو بتنظيف روث الإسطبل- المهجع "الممانع" كاملاً ، وكأنه لا يكفيه ما فيه من ذل ومهانة ( السخرة ) حتى يعاقب على جميله بتنظيف إسطبلات النظام الطائفي ومزارعه . حين ذاك ، أمر ذلك الضابط الغارق في طائفية نظامه " الصامد والممانع " في وجه إسرائيل التي لا تذل جنودها وشبابها كما يفعل النظام الطائفي ، أمر بسحل كنجو في الساحة العامة أمام أعين الجنود ، وتعليقه عارياً في مؤخرة الحافلة العسكرية المهلهلة وسحله على الإسفلت الحارق ذهباً وإياباً ، ليكون عبرة ودرساً لهؤلاء الجنود - الشباب المرعوبين داخل وطنهم وخارجه .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
-
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
-
وجوه الإصلاح الديني
-
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
-
الديكتاتور 33 ( تصفيات )
-
ماذا يفعل المسلمون في الغرب ؟
-
مسلسل الاعتقالات السياسية في سورية
-
الديكتاتور 32 ( مخابرات )
-
تقسيم الإسلام : هل النبي محمد مسؤول عن سلوك المسلمين اليوم؟
-
الديكتاتور 31 ( الغدر )
-
آليات التطرف والاعتدال في الإسلام
المزيد.....
-
رئيس بوليفيا يدعو لاعتراف الأمم المتحدة بالهجرة كحق أساسي من
...
-
فريق الخبراء المعني بليبيا التابع للأمم المتحدة: نفوذ غير مس
...
-
اعتقال اثنين من قادة المعارضة في جورجيا خلال مظاهرة مناهضة ل
...
-
اعتقال -خفاش- النظام السوري السابق.. متهم بارتكاب جرائم بشعة
...
-
حمدان: العدو الإسرائيلي يماطل في قضية الإغاثة والإيواء لسكان
...
-
مادورو: قضية احترام حقوق المهاجرين وكرامتهم ستكون أولوية الق
...
-
الجزائر: منع سفر تعسفي ضد المنتقدين وفق هيومن رايتس ووتش
-
بوليتيكو: واشنطن تنسحب من مجلس حقوق الإنسان وتوقف تمويل الأو
...
-
حماس: الوسطاء أبلغونا بخطوات ستلزم الاحتلال بما تم الاتفاق ع
...
-
الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: الوضع الإنساني في غزة رغم كارثي
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|