أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - السعيد في العزلة (شقي)..















المزيد.....

السعيد في العزلة (شقي)..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2934 - 2010 / 3 / 4 - 21:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وديع العبيدي

السعيد في العزلة (شقي)..

"جنة بغير ناس ما تنراد." – مثل عراقي

في البدء.. صار الناس يهربون من صحاريهم إلى أطراف المدن والحواضر، ومن أطراف المدن والحواضر إلى قلبها، رغبة في الألفة والحياة الاجتماعية، إلى أن امتلأت المدن والحواضر وأقفرت الصحاري والبرايا. فكان اتجاه حركة التاريخ الاجتماعي من التشتت والانتشار العشوائي نحو التركز السكاني وتصاعد معدل الكثافة السكانية في المراكز التجارية والصناعية والسياسية. خلال ذلك حاولت بعض المنظمات الانسانية والحكومات الوطنية تطبيق برنامج انمائي لجذب الجماعات البشرية المنتشرة في البادية وأطراف الصحارى والغابات إلى مراكز حضرية مجهزة بوسائل الخدمات الأساسية والمعيشية والترفيه. وفيما بين القرن التاسع عشر والعشرين أمكن توطين كثير من جماعات البدو والغجر والقبائل التي كانت تعيش على التنقل والرعي والصيد والغزوات البينية أو قطع طرق القوافل التجارية، وبالشكل الذي كان يقلق الأوضاع الأمنية في الدولة العثمانية من جهة، وحركة التجارة والملاحة الأوربية والاستشراق. فكيف كانت النتيجة؟..
على صعيد الشرق والشرق الأوسط (العراق تحديدا)، زحفت البداوة على الحضارة (الحداثة)، ووقعت المراكز السكانية الكبرى مثل بغداد والموصل والبصرة وبابل وكركوك ضحية الترييف (من الريف/ الأرياف). مما أثر سلبا على مستوى الخدمات والحداثة والحياة المدنية. وكانت هذه إلى جانب عوامل أخرى سياسية واقتصادية كالكوارث والحروب من أسباب دفع موجات المهاجرين نحو الغرب. على صعيد مقابل تزايد طغيان الطابع (الطوابع) الشرقية على مدن غربية كبرى في مقدمتها لندن وبرلين ونيويورك، مما أسفر عن ظاهرة هجرة الأوربيين من داخل المدن إلى أطرافها ومن أطرافها بعيدا عن المراكز التجارية والسياسية، بالاضافة إلى تعاظم الهجرة الأوربية إلى الجنوب الأفريقي واستراليا وأميركا الجنوبية.
اوربا النهوض الصناعي بلغت درجة من التنظيم في الوقت والعمل والحياة بحيث اسفر تنظيم الأسرة والانجاب عن اكتفاء الاسرة بطفل واحد أو طفلين، سيما بعد كارثة حربين عالميتين مدمرتين سادت أوربا في اعقابها موجات كأبة بين السكان وتيارات العبث والفوضى في أوساط المثقفين. تحسن مستوى الخدمات وارتفاع معدلات المعيشة ساعد على ارتفاع معدل عمر الانسان الأوربي، مقابل انخفاض معدل الولادات، مما جعل نسبة كبار السن تبلغ 40% من المجتمع. ان البيت الأوربي لا يزيد عدد أفراده عن الأثنين أو الثلاثة، مقابل بلوغ نسبة السنغل ما قارب من ثلث المجتمع. ويشتمل السنغل على ثلاث فئات: كبار السن، الطلبة وحديثو العهد بالعمل، والعازفين عن الزواج أو الشركة. هذه العوامل مجتمعة جعلت أوربا تعيش حالة من الاحتضار السكاني، دفع المسؤولين عن الاقتصاد إلى قبول نسب سنوية من العمالة الأجنبية (الوافدة) لسدّ نسبة النقص في عجلة الاقتصاد المحلي.
في مقابل هذه الحركات السكانية وعلى اختلاف عواملها، تراجعت نسبة الاستقرار والأمن الاجتماعي والنفسي، وارتفعت نسبة الأزمات الاجتماعية ومعدلات الجريمة بمختلف أنواعها.
بعض المعجبين بالتفكير المنطقي يعتبرون أن حصول الأزمات والانحرافات السلوكية عوارض طبيعية للتطور السكاني أو الصناعي، كما أن حصول المعارضة ناتج طبيعي لتطور الحياة السياسية. لكن الخطأ في هذه الحال لا يجوز أن يطغى على الصحيح، ولا الفوضى على النظام، ولا الفساد والجريمة تصبح سمة عامة للمجتمع.
*
معدلات الكآبة..
الشخص الوحيد يحتاج شخصا يخفف عنه ألم الوحدة، والشخصان قد يبحثان عن ثالث يضفي على حياتهم ألفة. ولكن حيث يخرج الفرد من وحدته ويفرح بحياة الشركة والجماعة، يبدأ بعد مدة بالشعور بالندم على هذه الخطوة والحنين إلى أيام الوحدة (والعزوبية). لا يوجد في الحياة شيء من غير ثمن. لا يوجد كسب من غير خسارة مقابلة. لكن الشخص في البداية يكون بحاجة للتضحية والخسارة من أجل الحصول على ما ينقصه.
نسبة الاستعداد للتضحية والخسارة تبدأ بالتناقص بعد حصوله على ما يريد، حتى يصل إلى حدّ عدم الاستعداد للتضحية وعدم قبول أي خسارة. عندها تختلف المعادلات، وتتغير النتائج.
والانسان -هنا- ليس ظاهرة فيزيائية مجردة مثل دوران الليل والنهار أو حركة القمر والكواكب. يقول علماء النفس أن ما يميز الانسان والحيوان عن النبات والمخلوقات الأخرى هي النفس. والنفس ليست واحدة. انها تختلف من شخص لآخر. ومن حيوان لآخر. نفس الزوج تختلف عن نفس زوجه. ونفس الطفل تختلف عن نفس أمه. كما يختلف الأخوة والأخوات في نفوسهم وطباعهم وانفعالاتهم وخصائصهم الجينية. ولا يوجد تفسير لهذا الأمر. كل شخص كائن مستقل بذاته، ولا يتشابه مع أفراد عائلته النووية أو القرابية. لا يمكن القياس على فرد لاستنتاج رد فعل فرد آخر. درجة الانفعال، نوع الانفعال، نمط التفكير، أهلية التفكير وعمقه، تختلف من شخص لآخر، بل تختلف لدى الشخص نفسه باختلاف الظروف وتقدم فئته العمرية.
الاستعداد للتضحية، مثله الاستعداد لقبول الألم. يختلف باختلاف الأشخاص.
بالمقابل، ثمة فئة طفيلية، تستغل خصائص التضحية وقبول الألم عند هؤلاء وتعتاش عليهم.
الانسان الغربي المحاصر بالوحدة والكآبة والأمراض النفسية مقتنع بما يعمله ويحاول التعايش مع نتائجه بوعي ومسؤولية.
هناك صنف آخر من الناس لا يستطيع احتمال شيء، كالوحدة، أو المسؤولية، أو الألم. لذلك يبحث عن أول شخص يصادفه ليلقي عليه بتبعاته. يزداد هذا الصنف في المجتمع الشرقي. فالشخص الذي لديه مشوار في السوق أو المستشفى يطلب شخصا يرافقه مشواره. وحتى لو كان مشواره في مدينة أخرى فأنه يتكلف نفقات المرافقة بشرط أن لا يمضي وحده في الطريق. الشخص الذي يعيش لوحده، رجلا كان أو امرأة، في مجتمع الشرق تحوم حوله الاتهامات والتدخلات الفضولية.
ربما، يحتاج الرجل لأمرأة. أما المرأة فتحتاج طفلا.
المرأة التي لم تتزوج تحسد المتزوجة، والمتزوجة تحسد أم الطفل، وأم الطفل تحسد أم الطفلين، وأم الطفلين تحسد... إلخ. متوالية لا تنتهي.
لكن الوحدة والحسد والمعاناة هي ألم. وكل درجة من درجاتها ألم يختلف بدرجته عن سواه.
دقيقة من الصمت والعزلة والتجاهل ثقيلة على البعض مثل يوم في الجحيم.
مصدر الألم عندما يكون المرء لوحده، هو التفكير، هو الشعور بالفراغ، بالوحدة.
كثيرون يبدأون التدخين في سن مبكرة، لأن السيجارة تشغل صاحبها وتحرره من الوحدة أو التفكير أو الفراغ.
الموبايل منذ ظهوره سدّ مسدّ السيجارة. لكن السيجارة تعلم الصمت، والموبايل يعلم الثرثرة. يحتاج صاحب السيجارة لشاي أو قهوة، ويحتاج صاحب الموبايل لقنينة ماء.
شخصية كل فرد وحياته تتحدد في مرحلة مراهقته، مدى ميله للعزلة أو الاخنلاط، نوع العزلة أو نوع الاختلاط. مدى ميله للتأمل والتفكير والدراسة أو انخراطه في الرياضة والعمل أو الذوبان مع الجماعة.
الشرق لا يعرف الوحدة، لأنه لم يخرج من دائرة العائلة والعشيرة والطائفة والمحلة والجماعة والبلديات.
حتى سنوات قليلة، كانت العوائل أو الأفراد يتسامرون سوية حتى يحين وقت النوم. ولكن ظهور التلفزة والفضائيات والآنترنت بدأ يضع حواجز بين الناس، ويحول الدور إلى أقفاص عصافير لا ينتقل بينها الأفراد.
أما في الغرب فقد انعكس التطور الاقتصادي على المجتمع والأفراد، صار الفرد أكثر استقلالية عن الجماعة والعائلة. وفي داخل العائلة يستقل كل شخص بعمله وشأنه، فلا يكون منزل العائلة غير بنسيون للمبيت، وفي البنسيون لا مانع من الاجتماع في المساء أو المشاركة في نزهات نهاية الاسبوع.
*
الوحدة ألم..
"ليس مستحسنا أن يبقى آدم لوحده، سأجعل له معينا نظيره!."
كان آدم في الجنة، في وحدته..
وعندما صار له معين خسر جنته.
الوحيد يشتاق للجماعة، وابن الجماعة يشتاق للوحدة.
الأعزب يحلم بالزواج، والمتزوج يحن للعزوبية.
من ليس له شيء، يحلم أن يكون له، ومن معه شيء يتمنى لو لم يكن.
الحياة جملة متناقضة في ذاتها، دوامة تدور على نفسها، ليس لها بداية ولا نهاية.
الحياة ليست لوحدها ألما، ولكن كل ما فيها ألم. وجود الشيء ألم، وعدم وجوده ألم. ونهايتها (الموت) ألم آخر.
البعض يشعر بالعدمية، فيبحث عن الألم، ليجد فيه معنى لحياته.
يحتاج الانسان للألم، فإن لم يجد من يؤلمه أو يألم له، يؤلم نفسه، أو يتألم لها ويرثي حياته.
*
النفس والألم..
النفس هي منبع الألم في الوحدة. وارتباط النفس هو بالوجود الكوني، اللغز المحاط بالأسئلة. ألم النفس هو ألم السؤال عن الذات والعدم، المعنى والقيمة. ألم الوحدة هو رثاء النفس والبكاء عليها، بكاء ديك الجن الذي أودى بحبيبته. وكل أحداث الانتحار هي نتائج لآلام نفسية، وأول هذه الآلام هي الكآبة.
والكآبة ليست دائما ألم السؤال (المعنى والقيمة) ولكنها ألم النفس عندما توضع دون مقامها، أو لا تكون جديرة بما ينسب لها من سوء.
ألم النفس دائمي، دوام الأسئلة التي ليس حل،
أما الألم الفيزيائي فهو مرحلي، مرحلية الجسد المرتبط بالأرض، والمتحلل إلى عناصرها.
*
لندن
الثالث والعشرين من فبراير 2010



السعيد في العزلة (شقي)..

"جنة بغير ناس ما تنراد." – مثل عراقي

في البدء.. صار الناس يهربون من صحاريهم إلى أطراف المدن والحواضر، ومن أطراف المدن والحواضر إلى قلبها، رغبة في الألفة والحياة الاجتماعية، إلى أن امتلأت المدن والحواضر وأقفرت الصحاري والبرايا. فكان اتجاه حركة التاريخ الاجتماعي من التشتت والانتشار العشوائي نحو التركز السكاني وتصاعد معدل الكثافة السكانية في المراكز التجارية والصناعية والسياسية. خلال ذلك حاولت بعض المنظمات الانسانية والحكومات الوطنية تطبيق برنامج انمائي لجذب الجماعات البشرية المنتشرة في البادية وأطراف الصحارى والغابات إلى مراكز حضرية مجهزة بوسائل الخدمات الأساسية والمعيشية والترفيه. وفيما بين القرن التاسع عشر والعشرين أمكن توطين كثير من جماعات البدو والغجر والقبائل التي كانت تعيش على التنقل والرعي والصيد والغزوات البينية أو قطع طرق القوافل التجارية، وبالشكل الذي كان يقلق الأوضاع الأمنية في الدولة العثمانية من جهة، وحركة التجارة والملاحة الأوربية والاستشراق. فكيف كانت النتيجة؟..
على صعيد الشرق والشرق الأوسط (العراق تحديدا)، زحفت البداوة على الحضارة (الحداثة)، ووقعت المراكز السكانية الكبرى مثل بغداد والموصل والبصرة وبابل وكركوك ضحية الترييف (من الريف/ الأرياف). مما أثر سلبا على مستوى الخدمات والحداثة والحياة المدنية. وكانت هذه إلى جانب عوامل أخرى سياسية واقتصادية كالكوارث والحروب من أسباب دفع موجات المهاجرين نحو الغرب. على صعيد مقابل تزايد طغيان الطابع (الطوابع) الشرقية على مدن غربية كبرى في مقدمتها لندن وبرلين ونيويورك، مما أسفر عن ظاهرة هجرة الأوربيين من داخل المدن إلى أطرافها ومن أطرافها بعيدا عن المراكز التجارية والسياسية، بالاضافة إلى تعاظم الهجرة الأوربية إلى الجنوب الأفريقي واستراليا وأميركا الجنوبية.
اوربا النهوض الصناعي بلغت درجة من التنظيم في الوقت والعمل والحياة بحيث اسفر تنظيم الأسرة والانجاب عن اكتفاء الاسرة بطفل واحد أو طفلين، سيما بعد كارثة حربين عالميتين مدمرتين سادت أوربا في اعقابها موجات كأبة بين السكان وتيارات العبث والفوضى في أوساط المثقفين. تحسن مستوى الخدمات وارتفاع معدلات المعيشة ساعد على ارتفاع معدل عمر الانسان الأوربي، مقابل انخفاض معدل الولادات، مما جعل نسبة كبار السن تبلغ 40% من المجتمع. ان البيت الأوربي لا يزيد عدد أفراده عن الأثنين أو الثلاثة، مقابل بلوغ نسبة السنغل ما قارب من ثلث المجتمع. ويشتمل السنغل على ثلاث فئات: كبار السن، الطلبة وحديثو العهد بالعمل، والعازفين عن الزواج أو الشركة. هذه العوامل مجتمعة جعلت أوربا تعيش حالة من الاحتضار السكاني، دفع المسؤولين عن الاقتصاد إلى قبول نسب سنوية من العمالة الأجنبية (الوافدة) لسدّ نسبة النقص في عجلة الاقتصاد المحلي.
في مقابل هذه الحركات السكانية وعلى اختلاف عواملها، تراجعت نسبة الاستقرار والأمن الاجتماعي والنفسي، وارتفعت نسبة الأزمات الاجتماعية ومعدلات الجريمة بمختلف أنواعها.
بعض المعجبين بالتفكير المنطقي يعتبرون أن حصول الأزمات والانحرافات السلوكية عوارض طبيعية للتطور السكاني أو الصناعي، كما أن حصول المعارضة ناتج طبيعي لتطور الحياة السياسية. لكن الخطأ في هذه الحال لا يجوز أن يطغى على الصحيح، ولا الفوضى على النظام، ولا الفساد والجريمة تصبح سمة عامة للمجتمع.
*
معدلات الكآبة..
الشخص الوحيد يحتاج شخصا يخفف عنه ألم الوحدة، والشخصان قد يبحثان عن ثالث يضفي على حياتهم ألفة. ولكن حيث يخرج الفرد من وحدته ويفرح بحياة الشركة والجماعة، يبدأ بعد مدة بالشعور بالندم على هذه الخطوة والحنين إلى أيام الوحدة (والعزوبية). لا يوجد في الحياة شيء من غير ثمن. لا يوجد كسب من غير خسارة مقابلة. لكن الشخص في البداية يكون بحاجة للتضحية والخسارة من أجل الحصول على ما ينقصه.
نسبة الاستعداد للتضحية والخسارة تبدأ بالتناقص بعد حصوله على ما يريد، حتى يصل إلى حدّ عدم الاستعداد للتضحية وعدم قبول أي خسارة. عندها تختلف المعادلات، وتتغير النتائج.
والانسان -هنا- ليس ظاهرة فيزيائية مجردة مثل دوران الليل والنهار أو حركة القمر والكواكب. يقول علماء النفس أن ما يميز الانسان والحيوان عن النبات والمخلوقات الأخرى هي النفس. والنفس ليست واحدة. انها تختلف من شخص لآخر. ومن حيوان لآخر. نفس الزوج تختلف عن نفس زوجه. ونفس الطفل تختلف عن نفس أمه. كما يختلف الأخوة والأخوات في نفوسهم وطباعهم وانفعالاتهم وخصائصهم الجينية. ولا يوجد تفسير لهذا الأمر. كل شخص كائن مستقل بذاته، ولا يتشابه مع أفراد عائلته النووية أو القرابية. لا يمكن القياس على فرد لاستنتاج رد فعل فرد آخر. درجة الانفعال، نوع الانفعال، نمط التفكير، أهلية التفكير وعمقه، تختلف من شخص لآخر، بل تختلف لدى الشخص نفسه باختلاف الظروف وتقدم فئته العمرية.
الاستعداد للتضحية، مثله الاستعداد لقبول الألم. يختلف باختلاف الأشخاص.
بالمقابل، ثمة فئة طفيلية، تستغل خصائص التضحية وقبول الألم عند هؤلاء وتعتاش عليهم.
الانسان الغربي المحاصر بالوحدة والكآبة والأمراض النفسية مقتنع بما يعمله ويحاول التعايش مع نتائجه بوعي ومسؤولية.
هناك صنف آخر من الناس لا يستطيع احتمال شيء، كالوحدة، أو المسؤولية، أو الألم. لذلك يبحث عن أول شخص يصادفه ليلقي عليه بتبعاته. يزداد هذا الصنف في المجتمع الشرقي. فالشخص الذي لديه مشوار في السوق أو المستشفى يطلب شخصا يرافقه مشواره. وحتى لو كان مشواره في مدينة أخرى فأنه يتكلف نفقات المرافقة بشرط أن لا يمضي وحده في الطريق. الشخص الذي يعيش لوحده، رجلا كان أو امرأة، في مجتمع الشرق تحوم حوله الاتهامات والتدخلات الفضولية.
ربما، يحتاج الرجل لأمرأة. أما المرأة فتحتاج طفلا.
المرأة التي لم تتزوج تحسد المتزوجة، والمتزوجة تحسد أم الطفل، وأم الطفل تحسد أم الطفلين، وأم الطفلين تحسد... إلخ. متوالية لا تنتهي.
لكن الوحدة والحسد والمعاناة هي ألم. وكل درجة من درجاتها ألم يختلف بدرجته عن سواه.
دقيقة من الصمت والعزلة والتجاهل ثقيلة على البعض مثل يوم في الجحيم.
مصدر الألم عندما يكون المرء لوحده، هو التفكير، هو الشعور بالفراغ، بالوحدة.
كثيرون يبدأون التدخين في سن مبكرة، لأن السيجارة تشغل صاحبها وتحرره من الوحدة أو التفكير أو الفراغ.
الموبايل منذ ظهوره سدّ مسدّ السيجارة. لكن السيجارة تعلم الصمت، والموبايل يعلم الثرثرة. يحتاج صاحب السيجارة لشاي أو قهوة، ويحتاج صاحب الموبايل لقنينة ماء.
شخصية كل فرد وحياته تتحدد في مرحلة مراهقته، مدى ميله للعزلة أو الاخنلاط، نوع العزلة أو نوع الاختلاط. مدى ميله للتأمل والتفكير والدراسة أو انخراطه في الرياضة والعمل أو الذوبان مع الجماعة.
الشرق لا يعرف الوحدة، لأنه لم يخرج من دائرة العائلة والعشيرة والطائفة والمحلة والجماعة والبلديات.
حتى سنوات قليلة، كانت العوائل أو الأفراد يتسامرون سوية حتى يحين وقت النوم. ولكن ظهور التلفزة والفضائيات والآنترنت بدأ يضع حواجز بين الناس، ويحول الدور إلى أقفاص عصافير لا ينتقل بينها الأفراد.
أما في الغرب فقد انعكس التطور الاقتصادي على المجتمع والأفراد، صار الفرد أكثر استقلالية عن الجماعة والعائلة. وفي داخل العائلة يستقل كل شخص بعمله وشأنه، فلا يكون منزل العائلة غير بنسيون للمبيت، وفي البنسيون لا مانع من الاجتماع في المساء أو المشاركة في نزهات نهاية الاسبوع.
*
الوحدة ألم..
"ليس مستحسنا أن يبقى آدم لوحده، سأجعل له معينا نظيره!."
كان آدم في الجنة، في وحدته..
وعندما صار له معين خسر جنته.
الوحيد يشتاق للجماعة، وابن الجماعة يشتاق للوحدة.
الأعزب يحلم بالزواج، والمتزوج يحن للعزوبية.
من ليس له شيء، يحلم أن يكون له، ومن معه شيء يتمنى لو لم يكن.
الحياة جملة متناقضة في ذاتها، دوامة تدور على نفسها، ليس لها بداية ولا نهاية.
الحياة ليست لوحدها ألما، ولكن كل ما فيها ألم. وجود الشيء ألم، وعدم وجوده ألم. ونهايتها (الموت) ألم آخر.
البعض يشعر بالعدمية، فيبحث عن الألم، ليجد فيه معنى لحياته.
يحتاج الانسان للألم، فإن لم يجد من يؤلمه أو يألم له، يؤلم نفسه، أو يتألم لها ويرثي حياته.
*
النفس والألم..
النفس هي منبع الألم في الوحدة. وارتباط النفس هو بالوجود الكوني، اللغز المحاط بالأسئلة. ألم النفس هو ألم السؤال عن الذات والعدم، المعنى والقيمة. ألم الوحدة هو رثاء النفس والبكاء عليها، بكاء ديك الجن الذي أودى بحبيبته. وكل أحداث الانتحار هي نتائج لآلام نفسية، وأول هذه الآلام هي الكآبة.
والكآبة ليست دائما ألم السؤال (المعنى والقيمة) ولكنها ألم النفس عندما توضع دون مقامها، أو لا تكون جديرة بما ينسب لها من سوء.
ألم النفس دائمي، دوام الأسئلة التي ليس حل،
أما الألم الفيزيائي فهو مرحلي، مرحلية الجسد المرتبط بالأرض، والمتحلل إلى عناصرها.
*
لندن
الثالث والعشرين من فبراير 2010



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!.. (6)
- (الانسان والمكان -5-)
- الألم ونظرية التوازنات الذاتية
- أنا أتألم.. أنا إذن موجود!..
- هل الحيوانات تتألم ؟؟!!..
- حول نسبية المكان.. (سعدي يوسف نموذجا..) (4)
- مدن في حياتي .. الوجيهية (4)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (3)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (2)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (1)
- فليحة حسن.. وقصيدة (أنا لست مريم يا أبي!)..المقارَبة والاختل ...
- هذه الجريمة اليومية
- فراغات النسيج الاجتماعي في العراق
- المرأة كونترا المرأة
- رسالة من بعيد
- صادق الطريحي في (أوراقٌ وطنية)*
- -ولد للبيع-* الطفولة وبقايا الاقطاع
- -هذا عالم جايف.. اكتب!-
- سليم مطر في (إمرأة القارورة)
- سيلين براكاش- أوزر


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - السعيد في العزلة (شقي)..