أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - شفيق المصري - حقوق المرأة: إشكالات المفاهيم والممارسة















المزيد.....



حقوق المرأة: إشكالات المفاهيم والممارسة


شفيق المصري

الحوار المتمدن-العدد: 892 - 2004 / 7 / 12 - 06:23
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


** أي حقوق؟

حرصت هيئة الأمم المتحدة منذ نشأتها على التوجه الواحد في توكيد حقوق الإنسان فأشارت في مقدمة الميثاق إلى التساوي في الحقوق بين الرجال والنساء وأكدت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -1948 " أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دونما تمييز من أي نوع ولا سيما بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين...."الخ(1).

1- وبقيت الأمم المتحدة في سياق نشاطاتها اللاحقة تتشبت بهذا المفهوم الموحد للحقوق وتؤكد عليه من دون أي تخصيص ولا تمييز ولعل مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان والذي عقد في حزيران 1993 أقر هذا المفهوم وركز على أولوياته فقد أكد المؤتمر في بيانه الختامي "إن حقوق المرأة والطفلة هي جزء لا ينفصل وغير قابل للتصرف من حقوق الإنسان العالمية" وأكد أيضاً أن مشاركة المرأة الكاملة في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية... وإزالة كل أشكال التمييز ضدها تمثل جميعها أهدافاً ذات أولوية للمجتمع الإنساني..."(2).

وإذا كان ثمة تساؤل عن السبب الذي دفع الأمم المتحدة للتحدث عن "حقوق المرأة" بشكل خاص على رغم الإقرار بحقوق الإنسان من دون تمييز فذلك لأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي معها يعرفان أن مجرد التسليم بإنسانية هذه الحقوق لا يشكل إنجازاً دولياً على مستوى المرأة المحرومة كما أنه لا يمكن أن يصبح ضماناً كافياً لحماية هذه الحقوق فعلا ولذلك تقتضي الضرورة أن يصار إلى اعتماد سلسلة متكاملة من الآليات التي تساعد في محاربة التمييز ضد المرأة على أكثر من صعيد وفي أكثر من بلد(3).

وتعاقبت جهود الأمم المتحدة من خلال المؤتمرات الدولية التي نظمتها أو من خلال الاتفاقيات الدولية الملزمة التي أطلقتها من أجل تحسين أوضاع المرأة وتحريرها من القيود المفروضة عليها.

2- ولعل أهم المصطلحات التي شهدها هذا التطور في حقوق المرأة تمثل في الإلزامية القانونية لهذه الاتفاقيات الدولية من جهة وفي كثافة الدول التي التزمت مضامين البيانات الختامية للمؤتمرات الدولية من جهة مكملة.

أ- أما بالنسبة " للاتفاقيات الدولية الملزمة فتجدر الإشارة إلى:

- اتفاقية حظر البغاء واستغلاله 1949.

- اتفاقية منظمة العمل الدولية حول التوظيف المتساوي وإقرار مبدأ الأجر المتماثل مقابل العمل ذي القيمة المتماثلة 1951.

- اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة 1952.

- اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة وحقها بالاحتفاظ بجنسيتها الأصلية 1957.

- اتفاقية القبول الطوعي بالزواج والسن الدنيا للزواج وتسجيله 1962.

- اتفاقية اليونسكو ضد ا لتمييز في التعليم 1960.

- اتفاقية أو شرعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966.

- اتفاقية إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة 1979 والتي تعرف بــــ "الشرعة الدولية لحقوق المرأة"(4).

ب- وإلى جانب هذه الاتفاقيات الدولية الملزمة والتي باتت تشكل تشريعاً دولياً في هذا الإطار بعد أن حظيت بإبرام العدد الأكبر من الدول(5) كانت البيانات الختامية للمؤتمرات الدولية الأربعة التي عقدت لغاية الساعة ذات أثر بارز في تطور الحقوق الإنسانية للمرأة سواء في أهدافها أو مضامينها أو آلياتها:

- فقد هدف المؤتمر الأول الذي عقد في مكسيكو في العام 1976 نحو توجيه الاهتمام الدولي إلى قضية المرأة وأسفر عن إعلان الأمم المتحدة تخصيص عقد بكامله (1976-1985) من أجل المرأة وتحسين أوضاعها.

وحرص المؤتمر الدولي الثاني الذي عقد في كوبنهاغن في العام 1980 على تبني خطة عمل للنصف الثاني من العقد بعد أن سلط الأضواء على أهم المشاكل والتحديات التي تواجهها المرأة.

- أما مؤتمر نيروبي الذي عقد في العام 1985 فقد تبنى برنامجاً لتقديم المرأة حتى العام 2000 (وقد وافقت على هذا البرنامج دول كثيرة لم تقل عن ال 120دولة بما في ذلك الإستراتيجيات المرسومة لغاية نهاية القرن.

والواقع أن المؤتمرالدولي الرابع للمرأة كان متميزاً في تمثيله (إذ حضره ممثلون عن كل دول العالم) وفي مضامينه (إذا أثار معظم القضايا التي تهم المرأة حتى القضايا الإشكالية منها ووافق المشاركون فيه على معظمها) وفي برامجه للمستقبل أيضاً (إذ تبنى خطة عمل لخمس سنوات تهدف إلى المساواة والتنمية والسلام )(6).

3- وبذلك شهدت المسيرة الدولية من أجل المرأة متغيرات أساسية من خلال هذه المؤتمرات والاتفاقيات وما رافقها أو أعقبها من نقاشات والتزامات وتعهدات ومن هذه المتغيرات:

أ- التغير في وضع المرأة القانوني ذلك لأن حقوقها لم تقتصر على الصفة الإعلانية فقط ولا على الالتزام الأدبي للأنظمة السياسية حيال هذه الحقوق وإنما اكتسبت الآن ولا سيما مع التصديق المتزايد لاتفاقية العام 1979 إلزامية قانونية تامة تثير أية مخالفة لها المسؤولية الدولية للدولة المخالفة.

ب- استطاعت المرأة بشكل متزامن مع هذه الجهود أن تحسن أوضاعها التعليمية والتدريبية بشكل عام فازدادت نسبة البنات المتعلمات في كثير من الدول النامية وازدادت بالتالي فرص العمل لهن وإن كانت هذه الزيادات لا تزال نسبية ومجتزاة(7).

إلا أن مؤتمر بيجينغ طالب في خطة العمل التي أطلقها جميع الدول بالتركيز على تعليم المرأة وتدريبها من أجل إقرار التعليم الإبتدائي الشامل في جميع الدول حتى العام 2015 وتوفير الاعتمادات اللازمة له وإزالة الأمية بين النساء وتطوير التعليم والتدريب على أسس متساوية ومن دون أي تمييز ولا تقصير(8).

جـ- الربط الوثيق بين حقوق المرأة والحق في التنمية وهذا الإنجاز الكبير الذي أكد عليه مؤتمر بيجينغ كان قد تحقق عبر مراحل متدرجة بدأت في الواقع مع مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان في العام 1993.

فقد أطلق هذا المؤتمر الأخير فلسفة جديدة تناولت حقوق الإنسان بلغة جديدة أيضاً، ذلك أن مؤتمر فيينا أقر في بيانه الختامي (الذي وافقت عليه 172 دولة) أن الحق في التنمية حق عالمي وغير قابل للتصرف وهو جزء غير منفصل من حقوق الأساسية وأشار إلى ثلاثة شروط مسبقة لتوفير هذا الحق في التنمية: إزالة كل عوائق التنمية وإدراج السياسات الوطنية ببيئة اقتصادية ملائمة وتعاون دولي وثيق وأشار ذلك البيان أيضاً إلى أن الفقر هو السبب الأساسي الذي ينتهك الكرامة الإنسانية ويعيق تحقيق حقوق الإنسان(9).

ولدى معالجة هذا الموضوع في مؤتمر بيجينغ أكدت خطة العمل التي صدرت عنه أنه يقتضي التركيز على البعد الاجتماعي للتنمية فالنمو الاقتصادي المتسارع على ضرورته لا يستطيع وحده تحسين صفة حياة السكان لذلك فإن من الضروري البحث عن بدائل تؤكد أن كل أعضاء المجتمع يستفيدون من النمو الاقتصادي المبني على التعاطي مع كل وجوه التنمية "ولا سيما التساوي بين الرجل والمرأة والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة..الخ"(10).

د- التركيز على مشكلة الفقر: وارتباطها المصيري بمشكلة حقوق المرأة وذلك في استمرارية منطقية للحق في التنمية ومستلزماتها الضرورية العديدة.

وتنعكس مشكلة الفقر على جميع الأصعدة التي يمكن للمرأة أن تمارس حقها فيها فالفقر مرتبط أصلاً بالمناطق الريفية ومحدودية وضعها الاقتصادي ولذلك فإن ثمة 550 مليون امرأة ريفية اليوم كما أن 60% من السكان الريفيين يعيشون تحت خط الفقر وهذا ما دعا بعض المراقبين إلى إطلاق صفة "تأنيث الفقر Feminization of poverty على معظم سكان الدول النامية والأقل نمواً(11) حيث تكابد المرأة شتى أنواع الحرمان والكبت الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في آن.

هــ- وكانت الأمم المتحدة اعتمدت ثلاثة مقتربات على الأقل لمعالجة فقر النساء وتخفيف نسبته وهي : التوكيد على دور السوق في خلق فرص للعمل وعلى توسيع حقوق الفقير من خلال التعليم والتدريب والاعتراف بطاقات المرأة الاقتصادية(12) إلا ان المنظمة الدولية تعترف من ناحية أخرى أن الدول الفقيرة (أي معظم دول الجنوب) غير قادر على إزالة مظاهر الفقر والتخفيف من آثاره ما لم يتحقق نوع من العدالة الاجتماعية الدولية ولعل أول شرط هذه العدالة يتمثل بحوار مثمر بين دول الشمال والجنوب.

وهذا بالفعل ما لحظته خطة العمل التي أطلقها مؤتمر بيجينغ 1995 فقد ركزت الخطة على تفعيل هذا الحوار وتقليص نفقات التسلح وضرورة مساعدة دول الجنوب والسماح للمرأة في المساهمة بتعزيز ثقافة السلام، والعمل على تخفيف عبء الديون عن الدول الفقيرة ..الخ.

واستجابت الجمعية العمومية لهذه النداءات ووافقت على اعتبار العام 1996 سنة عالمية لإزالة الفقر من العالم(13).

و- وبذلك أقر مؤتمر بيجينغ الإطار العام الذي تندرج فيه كافة حقوق المرأة حيث يتداخل الاجتماعي منها مع السياسي والاقتصادي مع الثقافي والبيئي مع الصحي الشخصي ...الخ وبذلك أيضاً لا يجوز وظيفياً على الأقل الفصل بين هذه الحقوق وبين العوامل التي تؤثر فيها إيجاباً أو سلباً.

** إشكالات المفاهيم

الواقع أن مؤتمر بيجينغ شهد تكراراً(14) تعارضاً "مفاهيمياً" حول حقوق المرأة ومكانتها في الأسرة واستطراراً حول الأسرة ذاتها كما شهد تعارضاً آخر حول ارتباط حقوق المرأة بقضايا تتجاوز حدود الدول إلى المجتمع الدولي ومسؤولية الأنظمة إلى مسائل الحوار العالمي وبناء السلام والأمن الدوليين.

1. فالتعارض الأول تمثل في اختلاف النظر إلى العائلة بين الموقف الديني الذي شهد رؤية إسلامية كاثوليكية مشتركة من جهة والموقف الآخر الأوروبي العام الذي شهد تركيزاً على الحريات الفردية للمرأة من جهة مقابلة فالعائلة في المفهوم الديني العام مؤسسة مقدسة لها روابطها الروحية وليس الاجتماعية فقط ولها أركانها الأخلاقية العامة وليس الفردية النفسية فقط لذلك فهي ذات مقام قيمي مكرس لا يجوز الاستهتار به ولا التصرف حياله وهي (أي العائلة) المؤسسة التي يشارك فيها الرجل والمرأة في بناء المجتمع من خلال إنجاب صحي ورعاية سليمة ومن هذا المنطلق فإن المفهوم الديني الخلقي للعائلة(15):

- يرفض العائلة من جنس واحد لأنها تنتقي إذ ذاك مع غرضها الأساسي وهو الإنجاب والتربية وتنتفي كذلك مع غرضها الديني، الخلقي.

- يرفض من خلال رابط العائلة المكرس أن يسمح بأنماط مستقلة و"متحررة" من السلوك الفردي كما يرفض أي رابط عائلي غير منتظم بقواعده الدينية العامة وإن كان عقده مدنياً.

- يرفض من خلال الرابط ذاته حالات فردية في التبني والرعاية وما إلى ذلك.

- يرفض كذلك مخالفة النصوص الدينية الصريحة التي تولت مباشرة بعض القضايا المتعلقة بأحوال المرأة الشخصية من إرث ووصية وغيرهما.

ولأن مؤتمر بيجينغ شهد هذا التعارض بين الموقفين اضطر بيانه الختامي إلى التوفيق بينهما في صياغة غاضمة حيناً وخجولة حيناً آخر وكان القصد من كل ذلك معروفاً وواضحاً: أي محاولة الالتفاف حول الخلاف وإن كان ذلك على حساب أي موقف حاسم ونهائي.

وعلى هذا الأساس مثلاً دعا البيان الختامي من جهة إلى "صون حرية الفكر والمعتقد والدين" وهو من جهة أخرى دعا إلى السماح للنساء والفتيات بالممارسة الكاملة لحقوقهن وهو أصر من جهة على إصدرا بعض التوصيات التي اعتبرها جريئة وفاعلة ولكنه أقر من جهة أخرى أن هذه التوصيات غير ملزمة للحكومات المشاركة وهو (أي البيان الختامي) طالب بتبن كامل لخطة العمل ولكنه سمح للحكومات ببعض التحفظات عن بعض البنود وهو أصر على تنظيم الأسرة ولكنه حظر الإجهاض كوسيلة لهذا التنظيم أو حتى كأداة عائدة في قرارها ومصيرها لإرادة المرأة.

وحيال هذه التسويات التي اظطر مؤتمر بيجينغ إلى اعتمادها من أجل استيعاب الخلافات أو الإشكالات في المفاهيم يمكن أن نتساءل على جدوى حظر الشيء وقبول ما يبيحه في الوقت نفسه؟

2. وبالإستناد إلى هذا التعارض في المفاهيم سمحت الاتفاقية نفسها (وهي اتفاقية إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة) في إحدى موادها المادة 28 للدول بإبداء بعض التحفظات عن بعض البنود كما تقدم ولكنها اشترطت ان لا تتعارض هذه التحفظات مع أهداف الاتفاقية ذاتها ومع ذلك فإن عدداً كبيراً من الدول أبدت لدى إبرامها هذه الاتفاقية تحفظاتها عن بعض مواد هذه الاتفاقية ولم تتراجع أو تسحب هذه التحفظات لغاية الساعة(16) مع أن بعضها يتسم بأهمية بالغة.

وفي مراجعة عامة لموقف بعض الدول العربية مثلا حيال اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (اتفاقية 1979) نلاحظ أن جميع الدول العربية التي أبرمت هذه الاتفاقية (وهي لغاية ربيع العام 1996: مصر والعراق والأردن والمغرب وتونس واليمن وليبيا) قد أبدت بشكل عام تحفظاتها عن المواد 2 و9 و15 و16 و29 من هذه الاتفاقية وهي المواد المتعلقة تباعاً بــــــــــ(17):

- إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإصدار التشريعات الوطنية التي تكفل ذلك.

- المساواة في الجنسية بين الرجل والمراة ومنح الولد جنسية والدته.

- إختيار الزوج وحق إنهاء الزواج وأمور الوصاية.

- المساواة في الحقوق الناتجة عن الإرث والأمور الأخرى العائدة للأحوال الشخصية.

- المساواة في حق الوصاية والتبني واختيار اسم العائلة واختيار سكنها.

- الإقرار بعرض الخلافات بين الدول حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية على محكمة العدل الدولية من أجل استخلاص رأي استشاري بصددها(18).

ومن الواضح أن السبب الأساسي الذي حدا بمعظم هذه الدول العربية إلى إبداء تحفاظتها مرده إلى أحكام الشريعة الإسلامية(19) التي حددت قواعد الميراث والوصية والحقوق الشخصية الأخرى للزوجة.

أما التحفظ الكاثوليكي العام الذي تقدمه الفاتيكان فيركز على النظرة للعائلة والاعتراض على الحرية الجنسية للمرأة وعلى المساكنة من دون ضوابط وعلى الإجهاض وعلى أمور أخرى لا تقرها الكنيسة وتقاليدها.

3. واستطراداً لهذا التناقض في المفاهيم والنظرة المتباينة لحرية المرأة الجنسية وحقوقها الشخصية (بصرف النظر عن أو بالتشديد على المفاهيم القيمية للعائلة) كان الاعتراض المبدئي ولا يزال مركزاً على إقرار مفاهيم متعددة لحقوق المرأة وحريتها بدلاً من اعتماد مفهوم واحد وطاغ لهذه الحقوق ولا سيما بعد تمكن الغرب في هذا النظام العالمي الجديد من فرض شعاراته "التغريبية"(20) المختلفة في السياسة والاجتماع والاقتصاد ولعل هذا الاعتراض على أحادية المفاهيم الغربية لحقوق المرأة وحرياتها حمل بعض المسؤولين في المؤتمر على الاعتراف بأن الوقت لا يزال مبكراً لفرض هذه المفاهيم على الدول التي ترفضها أصلاً بسبب أديانها أو تقاليدها أو خلقياتها العامة.

4. وحرصت شرعة حقوق المرأة للعام 1979 على ضرورة القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة مع أنها لم تقدم تعريفاً واضحاً لهذا العنف ولذلك كانت مهمة اللجنة الخاصة بتنفيذ هذه الاتفاقية ومتابعة بنودها أن تقدم توصيات بهذا الصدد(21) معتبرةً أن العنف ضد المرأة يشكل انتهاكاً لحقوقها الإنسانية المعترف بها ومعتبرةً أيضاً أن الدول تصبح مسؤولة إذا ما أقدم أحد موظفيها على ارتكاب أي عمل من أعمال العنف المستند إلى التمييز ضد المرأة ومن هنا كانت دعوة هذه اللجنة منذ العام 1992 كافة الدول المشاركة في الاتفاقية إلى اتخاذ كافة الأجراءات الهادفة إلى إزالة كل أشكال العنف ضد المرأة.

وجاء مؤتمر بيجينغ في العام 1995 وتعمد التوسع في هذا الاتجاه فعرفت خطة العمل الصادرة عنه الإرهاب بأنه أي عمل مبني على العنف ضد المرأة كجنس بحد ذاته Gender- bosed violonce والذي يمكن أن يسفر عن أذى جسدي أو جنسي أو نفسي للمرأة أو الفتاة وقد أدخلت الخطة حجز حرية المرأة في حياتها الخاصة أو العامة، ضمن أعمال العنف هذه.

إلا أن الإشكال الأساسي هنا ولعله المشكلة الأساسية أن هذا النوع من "العنف" هو الأكثر شيوعاً في انتهاك حقوق المرأة واحتجاز حريتها ولكنه الأقل اعترافاً به في العالم(22) وذلك لعدة أسباب منها:

- خصوصية هذا العنف بقدر ما هو مرتبط بحياة المرأة الخاصة والتزامها التقليدي وأحياناً القسري باعتبارات العائلة وتقاليدها.

- مشاركة بعض التشريعات الوطنية في هذا الخصوصية وتفسيراتها وظروفها إلى درجة أن هذه التشريعات قد تعطي أسباباً تخفيفية كثيرة للرجل الذي "يؤدّب" زوجته أو ابنته أو شقيقته وقد تطال درجة القتل أحياناً.

- طغيان التقاليد على القوانين الوضعية وعلى التزامات الحكومات نفسها إن أرادت احترام المواثيق الدولية لهذه الجهة.

5- ولم تغفل شرعة حقوق المرأة (أي اتفاقية 1979) الحقوق السياسية للمرأة بالإضافة إلى وجود اتفاقيات إلزامية خاصة بهذه الحقوق منذ أوائل الخمسينات كما تقدم والحقوق السياسية هنا تتمثل بمشاركة متساوية مع الرجل في الحياة السياسية العامة وفي عمليات صنع القرار السياسي وفي أي نشاط آخر سياسي أو ذي هدف سياسي.

ويلاحظ هنا أن ثمة تطوراً في الحقوق السياسية للمرأة أضافته شرعة حقوق المرأة على ما أوردته الاتفاقية الأسياسية للحقوق السياسية للمرأة والتي صدرت في العام 1952 وتمثل هذا التطور في منحيين اثنين:

- إن شرعة حقوق المرأة ألحت على ضرورة مشاركة المرأة في "صياغة سياسة الحكومة وفي تنفيذ هذه السياسة" وفي المشاركة في الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تهتم بالحياة العامة.

- كذلك طالبت الشرعة ذاتها الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير التي تكفل للمرأة فرصة متساوية مع الرجل في تمثيل حكومتها على المستوى الدولي(23).

ومن الطبيعي أن يكون مؤتمر بيجينغ وفي توصيات بيانه الختامي وفي خطة عمله على السواء قد تبنى جميع هذه الحقوق السياسية وتطوراتها(24).

والواقع أن معظم الدول وافقت على هذه الحقوق السياسية أيضاً من دون أي تحفظ جوهري ولكن معظم هذه الدول أيضاً ولا سيما دول الجنوب حرصت على ضرورة الربط بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي في آن فالمرأة في الجنوب تعاني بشكل عام مختلف مظاهر التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وهذا التخلف ينعكس بكافة آثاره السلبية على الرجل والمرأة في آن معاً ويقتضي بالتالي تحررهما معاً لكي تستقيم الأمور كلها.

6- بالاستناد إلى ما تقدم أدرك الحاضرون في مؤتمر بيجينغ أن الفقر هو العدو الأساسي الذي تعاني كافة دول الجنوب مآسيه المختلفة وهي كلها دول مدينة بل مرهقة بالديون الخارجية ولهذا حرص البيان الختامي للمؤتمر وخطة عمله على التوصية بإعفاء الدول الفقيرة من ديونها وبتقديم المساعدة الممكنة لها حتى تستطيع أن تخصص نفقات أكثر وأوفر للقطاع التربوي والإنتاج المدني العام.

وإذا كانت دول الشمال التي تمثلت في المؤتمرات قبلت بتمرير هذه التوصية إلا أنها تدرك أن التوصية لا تشكل إلزاماً قانونياً عليها وهي (دول الشمال) لم يسبق لها أن التزمت أي تعهد مالي لمصلحة دول الجنوب ولا سيما منذ أوائل التسعينات وحتى الساعة.

وعلى هذا الأساس فإن الدعوات التي ترعاها الأمم المتحدة باتجاه تثمير الحوار بين الشمال والجنوب وتقديم المساعدة المالية أو العينية الدنيا لدول الجنوب.. كل هذه الدعوات تندرج في الواقع في إطار التمنيات البعيدة عن الإلزام القانوني الصريح من جهة وعن أرض الواقع الدولي من جهة وعن أرض الواقع الدولي من جهة ثانية فالنظام العالمي الجديد بعد أن بطلت التحديات المواجهة له أو كادت لم يعد يتصرف وفقاً للمعادلات التنافسية القديمة وإنما وفقاً لمصالحة الضيقة وحسب وإن على حساب الجنوب الفقير المبعثر.

وعلى رغم جميع هذه الإشكالات في المفاهيم فإن المؤتمر الرابع لحقوق المرأة، وهو مؤتمر بيجينغ أسفر عن عدد من الاهتمامات والجوانب المشتركة بين كافة الدول ومنها الإقرار المشترك والصريح بضرورة:

- الحاجة إلى مشاركة جديدة وعادلة بين جميع الدول والمجتمعات المدنية.

- الاعتراف المشترك بالحق في التنمية وتعزيز العلاقة الوظيفية بين الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

- الحاجة إلى ربط التغيرات الديمغرافية بسياسات التنمية.

- الحاجة إلى التوجه إلى تذليل العقبات المتمثلة بالفقر والبطالة وغيرهما.

- الاعتراف بضرورة تقدم المرأة كمفتاح للتقدم في عملية المساواة والتنمية والسلام(25).

إلا أن جميع هذه الإنجازات على أهميتها لا تستطيع أن تزيل هذه الإشكالات في المفاهيم.

ومن المعروف أن هذه الإشكالات بدورها ليست مبنية على رأي شخصي عارض لحاكم أو مسؤول إنها على العكس من ذلك أعمق أثراً وأشد نفوذاً لأنها مرتبطة بتقاليد مؤسسة أو بنصوص دينية مكرسة وعلى هذا الأساس فإن تحفظ بعض الدول حول بنود شرعة حقوق المرأة كما تقدم ليس تحفظاً عابراً أو مؤقتاً ولا هو تحفظ وظيفي قد ينفرج بعد حين فهو تحفظ دائم طالما أن سببه ديني في دولة تعتمد هذا الدين أو تلتزم أطره العامة وإن كان تحفظها يتعارض مع الغرض الأساسي للاتفاقية الدولية.

وهذه الإشكالات ليست مبنية أيضاً على تفسيرات موضوعية ساهمت فيها مرجعيات قانونية أو قضائية دولية كما تفترض شرعة حقوق المرأة ذاتها ويبدو أن عدداً كبيراً من الدول تحفّظ عن هذه البيانات بالذات لكي يبقي لنفسه حرية التفسير والتقدير واعتبر أن الرجوع إلى مصادر تحكيمية دولية أو محكمة عدل دولية انتفاصاً لسيادته وانتهاكاً لحريته في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

ولعل الأدهى من هذا وذاك أن التطرف الذي واجه به الفريق الأوروبي والغربي عموماً وفود العالم الأخرى في الإصرار على الحرية الجنسية للمرأة (والفتاة ضمناً قوبل وسيقابل دائماً محافظ مقابل من وفود الجنوب يحاول أن يفرض ذاته على العالم أجمع(26).

** إشكالات الممارسة

لقد حاولت خطة العمل التي أصدرها مؤتمر بيجينغ الإحاطة بكافة العوامل والمعوقات التي تحول دون تحرير المرأة واعتمادها شريكة كاملة ومساوية للرجل في نشاطه اليومي واقتصاده العام ودوره السياسي وحتى حقوقه الشخصية وكانت خطة العمل هذه واعية لجميع هذه الظروف والعوامل والمعوقات ولم تقصر في المطالبة بإزالتها إذا أمكن أو بمعالجتها على الأقل ويأتي في مقدمة هذه العوامل الفقر والأمية وتقصير الأنظمة والطبقية الدولية الجائزة بين الشمال الغني والجنوب الفقير.

إلا أن هذه المحاولات الدولية الواعية لإبعاد المشكلة والمطالبة بمعالجتها تصطدم بواقع الحال على الصعيدين الوطني والدولي في آن.

1. فإذا تناولنا مسألة أمية المرأة مثلاً نواجه بالحقائق الرقمية التالية:

- إن معظم الدول النامية (دول الجنوب عموماً) تنفق ما بين 10 إلى 15 بليون دولار سنوياً على التسلح الذي يشكل ضعفي أو ثلاثة أضعاف ما تنفقه على التعليم والصحة معاً(27).

- إن نسبة البنات اللواتي يتلقين تعليماً ابتدائياً تشكل 65% من مجموعهن في العالم في حين أن نسبة الصبيان لن تقل في هذه المرحلة من التعليم عن 78% إلا أن هذه النسبة من البنات تهبط في المرحلة التكميلية إلى 37% من مجموعهن(28).

- إن نسبة الأمية في العالم لا تقل عن مليار نسمة ويتجاوز عدد النساء الأميّات في هذه المجموعة، الثلثين (65% على الأقل) وعلى هذا يصح أن تطلق عبارة "تأنيث الأمية" التي تنتج عن "تأنيث الفقر" كما تقدم وذلك على رغم بعض المساعي الدولية لتشجيع التعليم وتوسيع انتشاره(29).

2- وإذا انتقلنا من القطاع التربوي إلى قطاعات أخرى نرى الأرقام المحبطة ذاتها ونحس بضرورة التغيير والتبديل مع التأكد من صعوبة التنفيذ والتعجيل.

فعلى الصعيد الإنتاجي- الاقتصادي نرى أن ثلثي ساعات العمل في العالم تقوم بها النساء وأن قسماً كبيراً من هذه الأعمال (العائدة للشؤون المنزلية وللأعمال المتعلقة بها من زراعية وخلافها) تؤمنها المرأة ولكنها لا تدخل في أي حساب رقمي في الإنتاج(30).

ولا تحصل المرأة بشكل عام على أكثر من 30 إلى 40% من الأجر الذي يتقاضاه الرجل مقابل العمل ذاته وهي لا تكسب أكثر من 10% من الدخل في العالم ولا تملك أكثر من 1% من ثروات هذا العالم(31).

ولعل المشكلة الإدارية- الاقتصادية هنا تتمثل في أمرين اثنين:

أ?- أن عدد النساء العاملات في العالم قد يرتفع إلى 877 مليون امرأة في العام 2000 إلا أن حصتها من القوة العاملة الإجمالية لن تتغير أي أنها ستبقى بحدود 35% وبالتالي فإن حصتها من الدخل العالمي لن تتغير أرضاً.

ب?- أن المرأة تعاني حالياً من محدودية مشاركتها في صنع القرار الاقتصادي فهي لا تشغل أكثر من 10-30% من وظائف الإدارة وبالتالي فإن فلسفة أو ثقافة المؤسسات الاقتصادية موجهة للرجل ويمكن على هذا الأساس الاستغناء عن المرأة في إدارة هذه المؤسسات أو حتى المشاركة في تطويرها(32) وهذا المأزق قابل للاستمرار.

3- ولا تقتصر هذه الأمور على دول الجنوب وحسب وإنما تتجاوزها أحياناً إلى دول الشمال على رغم التباين الكبير في دخل الفرد وتجهيز المجتمع ونسبة تقدمه فتشير بعض الإحصاءات مثلا(33) إلا أنه مع نهاية الثمانينات كان هناك 75% من الفقراء في الولايات المتحدة من النساء ولا سيما الزوجات الوحيدات والعاجزات والإفريقيات- الأمريكيات.

ويزيد عدد العائلات الفقيرة في الولايات المتحدة حوالي 100.000 كل سنة وهذا يعني في ما يعنيه أن الوضع الظالم للمرأة موجود أيضاً في دول الشمال وإن بدرجات أو نسب مختلفة ويعني أيضاً أن المطالبة بالمساواة يجب أن تكون شاملة وملزمة للشمال والجنوب معاً.

4- أما فيما يعود إلى الحقوق السياسية للمرأة فإن الأرقام لن تقل تأثيراً سلبياً على وضع المرأة بشكل عام.

- ففي الإحصاءات التي وزعتها الأمم المتحدة على المشاركين في مؤتمر بيجينغ يتبين أن المرأة تمارس حقوقها السياسية في العالم بنسبة متدنية لا تزيد في أفضل الحالات عن 12%.

- وأنه لا يوجد اليوم من بين 184 سفيراً لدى الأمم المتحدة إلا ست سفيرات.

- وأنه في العام 1993 كان هناك ستة بلدان فقط ترأس حكوماتها امرأة.

- وأن هذا القرار السياسي الوطني والإقليمي والدولي لا يزال في يد الرجل سواء كان هذا الرجل سياسياً أم صناعياً أم عسكرياً أم خلاف ذلك(34).

والواقع أن هذا الغبن اللاحق بالمرأة لا يتصل في معظمه بغياب النصوص القانونية التي تلحظ حقوقها وإنما بالظروف السياسية- الاقتصادية العامة التي لا يزال الرجل يصر تقليدياً على تصدرها.

5- ويبدو أن مثل هذه المشاركة المتساوية بين الرجل والمرأة في ممارسة الحقوق السياسية يجب أن تعتمد بشكل شمولي وعادل من قبل الأنظمة السياسية ذاتها لا أن تترك إلى طبيعة التصرف أو الثقافة السياسية السائدة ويلاحظ أحد الباحثين(35) أن التمثيل النسائي في المجالس التشريعية في بعض دول أوروبا الشرقية قد تدنى كثيراً بعد انهيار الأنظمة الإشتراكية فيها ففي انتخابات 1990 في رومانيا مثلا كان التمثيل النسائي في البرلمان 33% فهبط إلى 3.5% وفي الفدرالية التشيكية- السلافية هبط من 29.5% إلى 6% وفي بلغاريا من 21% إلى 8.5% وفي هنغاريا من 20.9% إلى 7%.

ويستنتج البحث أن هذا التدني في التمثيل النسائي ليس عائداً إلى وضع المرأة وتخلفها السياسي المفاجئ وإنما إلى تغيير النظام السياسي الذي كان يفرض نسبة معقولة في التمثيل وعندما تغير إلى رأسمالية غير منضبطة سعى الرجل إلى شبه احتكارية سياسية ضاغطة في إطار اللعبة الرأسمالية الضاغطة هي الأخرى(36).

6- وتبقى إشكالية الحوار بين الشمال والجنوب الأعمق أثراً في تطوير (أو تجميد وربما تقهقر) وضع المرأة في دول الجنوب.

وإشكالية هذا الحوار يمكن أن تتلخص بالآتي:

- إن دول الجنوب لا تستطيع بالإستناد إلى ناتجها القومي وحده وإلى موازناتها الحكومية وحدها أن تتعهد سياسة إنمائية متكاملة تحسن أوضاع المرأة نظراً لمحدودية الناتج والموازنة معاً.

- إن النظام العالمي الاقتصادي الجديد بقدر ما يدعو إلى الاقتصاد المفتوح ورفع السياسات الحمائية للدول والإفساح في المجال للشركات العابرة للجنسية يدفع دول العالم الثالث إلى المزيد من الإنفاق ويقلل من حماية الإنتاج الوطني ويسيء بالتالي إلى فرص التنمية التي لا يمكن أن يتولاها سوى الأنظمة والمؤسسات الحكومية.

- إن القطاع الخاص لهذه الدول في الجنوب من الهشاشة والضعف بحيث لا يمتلك القدرة التنافسية المطلوبة ولا يعود على صلابة الاقتصاد الوطني بأي مردود وعلى هذا فإن فرص التنمية التي تهدف إلى تحسين وضع المرأة في دول الجنوب تبدو ضئيلة أو بعيدة المنال.

- ولذلك لا ترى الأمم المتحدة بداً من الحل الذي ما فتئت تنادي به منذ زمن: تفعيل الحوار المثمر بين الشمال والجنوب من أجل مساعدة الجنوب على النهوض ومساعدة الشمال على الاستقرار الدولي(37) إلا أن هذا الحل متعذر بل مستبعد في الوقت الراهن لأن المنظمة الدولية تعاني أزمة مالية حادة لا تسمح لها بتعهد تنموي ولو جزئي ولأن دول الشمال التي كانت تظهر بعض المبادرات باتجاه الجنوب لكي تبعد النفوذ السوفياتي السابق والكتلة الاشتراكية عن بعض دوله أصبحت الآن أكثر طمأنينة بعد زوال الاثنين معاً وهي بالتالي لا تملك أي حافز يحملها على هذه المساعدة.

- وعلى هذا الأساس فإن الخطة الاستراتيجية الدولية التي تبنتها الجمعية العمومية لعقد التسعينات لم تحظ بأي نصيب من الإنجاز(38).

ثم إن المؤتمرات الدولية التي عقدت خلال التسعينات من أجل التنمية وممارسة الحق فيها أسفرت لغاية الساعة عن تمنيات من جهة والتزامات أدبية (غير قانونية) من جهة أخرى.

- وإذا كانت قضية المرأة (والفتاة والطفلة ضمناً) مرتبطة في تطورها وحلولها وممارستها لحقوقها بالأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية لبلدها من جهة وبمستوى التعليم أو التدريب الذي تتلقاه من جهة أخرى فإن أوضاع المرأة لا يمكن أن تتحسّن إلا في سياق تنموي متكامل ينظر للمرأة كإنسان منتج وكطاقة خلاّقة.

- وعلى هذا الأساس فإن حقوق المرأة لا يمكن أن تنفصل عن مسيرة البلد الإنمائية ومؤسساته الفاعلة وسياساته العامة كما لا تنفصل قدرة هذا البلد على الإنفاق في مشاريع المرأة عن مدى مشاركتها الإيجابية اللاحقة في تثمير هذه المشاريع ولا تنفصل مسألة تحرر الرجل عن تحرر المرأة وتطور أوضاعها(39).

7- وبإزاء كل هذه التحديات التي تواجه تحرر الرجل والمرأة معاً فإن ما يتصل من هذه التحديات بمسائل التنمية المستمرة يبقى الهدف الحقيقي الأسمى الذي تستفيد منه المرأة والرجل معاً ولتوفير ظروف هذه التنمية تبرز تكراراً مسألة حل النزاعات دولياً وعن طريق الوسائل السلمية الواقعية وإقدام دول الشمال على التعاون والمساعدة هذا إذا كانت الظروف الدولية مؤاتية والتعاون الدولي قائماً.

ولعل الاستراتيجية الدولية الأنسب في هذا المجال تلك التي تسعى إلى الربط الوثيق بين التنمية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان(40) وإذا كان من المسلم به أن حقوق المرأة تشكل جزءاً لا ينفصل عن حقوق الإنسان فإن تحسين أوضاع المرأة وممارستها حرياتها جميعاً تصبح نتيجة ملازمة للتنمية كما تعتبر ركناً وثيقاً للديمقراطية.

** الهوامش:

1.حقوق الإنسان، مجموعة صكوك دولية، منشورات الأمم المتحدة، 1988،ص3.

2.U.N. Fact sheet, N22, U.N. Publications, 1994, the preamble.

3.المصدر ذاته ص12-13.

4.ورقة قدمت لمؤتمر بيجينغ.

5.المصدر ذاته الذي يؤكد أن اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة- 1979 (المعروفة عادة باسم "شرعة حقوق المرأة" قد حظيت لغاية ربيع 1996 بإبرام أكثر من 150 دولة ويراهن المسؤولون في الأمم المتحدة على أنها ستحظى بإبرام كل الدول المستقلة في العالم مع العام2000.

6.لمزيد من التفاصيل راجع Focus on Women,

7.Summary of the 1994 World survey pp/&2. وهي جملة الأوراق التي وزعتها الأمم المتحدة على المؤتمرين في بيجينغ 1995.

8.راجع البنود المتعلقة بالتعليم في خطة عمل المؤتمر: Platform for Action & the Beiging Declaration U.N. publ. 1996 pp46-55.

9.Unctad Bulletin, N21, july/Aug.1993 pp5-6.

10.Platform for Action, Op cit, 22-23.

11.Summary of the 1994 World survey Op cit.

12.The Advancement of Women pp24-25.

13.وذلك بموجب قرارها الرقم 48/138 كما أعلنت الجمعية العمومية ذاتها عن بداية عقد الأمم المتحدة (1997-2006) لإزالة الفقر راجع: The 50th Anniversary Annual Report on the Worl of the Organization, 1996, Boutros Ghali, U.N. puble, 1996, pp67-68.

14.إشارة إلى أن هذا التعارض في المفاهيم ولاسيما لمؤسسة الأسرة ومكانة المرأة فيها برز في مؤتمر السكان والتنمية والذي عقد في القاهرة في العام 1994 وتكرر بروزه أيضاً في مؤتمر بيحينغ 1995.

15.أشارت الأخبار إلى وقائع هذه الاختلافات في المؤتمر ذاته راجع مثلاً الصحف الصادرة في 14/9/1995 نقلاً عن وكالات الأخبار الدولية ولم تقتصر هذه الاعتراضات على موقف الدول الإسلامية وحدها وإنما كان لممثل الفاتيكان اعتراضات صريحة وحاسمة وهو أصر في المؤتمر أنه يتحدث باسم 900 مليون كاثوليكي.

16.يمكن توزع هذه التحفظات إلى : تحفظات جوهرية قد تمس هدف الاتفاقية وأخرى غامضة ثم إن بعض الدول سحبت تحفظاتها وبعضها الآخر لا يزال متشبثا بها من دون أن يكون لدى الاتفاقية آلية غامضة لإلزام الدول سحب هذه التحفظات .

17.ثم أضيفيت إلى لائحة الدول العربية التي أبرمت الاتفاقية: الكويت التي أبرمتها وتحفظت عن حقوق المرأة في الانتخاب وليبيا التي أبرمتها مع تحفظها عن كل ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية وجزر القمر التي أبرمتها من دون تحفظ والجزائر التي أبرمتها مع تحفظ عام أيضاً راجع Fact sheet N2,ibid, وحقوق المرأة ألإنسان في لبنان، لور مغيزل مؤسسة جوزف مغيزل بيروت ص27-32.

18.الواقع أن معظم التحفظات ولا سيما التحفظات العربية وردت على المادة (29) التي تشير إلى عرض الخلافات على محكمة العدل الدولية أما لبنان فقد أبرم هذه الاتفاقية بموجب القانون الرقم 572 الصادر في 24/7/ 1996 وتحفظ عن المواد 2 جنسية المرأة ومنحها لأولادها و16 حقوق المرأة في الأسرة أو الناتجة عن أحوالها الشخصية و 29 عرض الخلافات على محكمة العدل الدولية.

19.وهذا ما أكدته على سبيل المثال المبعوثة الإيرانية للمؤتمر عندما قالت: "إن مفهوم العدل لا بأس به أما مفهوم المساواة فهو غير مقبول إننا نتمسك بتعاليم الإسلام ولا يمكن أن نغير حكم الله راجع خلاصة خطابها في الصحف الصادرة في 14/9/1995 نقلا عن رويتر.

20.راجع وقائع تلك الآراء في الصحف الصادرة في 16/9/95 عن الوكالات الدولية وراجع أيضاً: المستقبل العربي العدد 204 شباط 1996.

21.راجع Fact sheet N22, op cit, pp30-31 والواقع أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة تبنت هذه التوصية للجنة وذلك بموجب قرار الجمعية الرقم 48/104 في العام 1993 حيث أكدت وجوب القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة.

22.International Affairs, V71, N2, April 95, pp342-345.

23.راجع المادتين 7 و8 من الاتفاقية في : حقوق المرأة والإنسان في لبنان، لور مغيزل ص 13-14.

24.راجع مجلة "السياسة الدولية" العدد 122 أكتوبر 1995، الأهرام ص 315.

25.The 50th Report, Opcit, p5.

26.يمكن من أجل المزيد من التفاصيل مراجعة: المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 204 شباط 1996 ص92-121.

27.للتفاصيل انظر: Summary of 1994 World survey, op cit p3-5

28.Investing in Women, N. sadile, UN publ. 19,p6

29.ومن هذه المساعي مثلا ما تعهد به البنك الدولي من تقديم 900 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة على أن يخصص المبلغ لتعليم الفتيات الصغيرات- راجع الصحف الصادرة في 16/9/95 نقلاً عن وكالة أ.ف.ب.

30.Investing in Women, opcit, pp26-27.

31.Ibid, pp30-32.

32.Summary of 1994 World survey, Opcit, p3-5.

33.The Advancement of Women, U.N. Notes for spealers, 1995, p23.

34.ورقة وزعتها الأمم المتحدة عن المرأة بمناسبة مؤتمر بيجينغ 1995 بالعربية والإنكليزية.

35.International Affairs, V71, N2,April 95, p343.

36.المراجع ذاته ص343-344.

37.وهذا ما يدفع القيمين على الأمم المتحدة إلى التركيز على "بناء السلام" وليس حفظه فقط.

38.انظر: U.N Focus, U.N. publication feb 1991.

39.في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة عن العام 1996 يتحدث عن مدى تطبيق مفكرته للتنمية ص65 وما بعدها.

40.المصدر ذاته ص5.



#شفيق_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
- فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - شفيق المصري - حقوق المرأة: إشكالات المفاهيم والممارسة