|
عزف ايراني منفرد على عروبة الخليج
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2930 - 2010 / 2 / 28 - 20:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لاكثر من سبب ، هناك حاجة دائمة ، لاعادة قراءة السياسة الايرانية ، وتفسير الغازها وطلاسمها ، وتتبع خطها البياني المتذبذب منذ اندلاع الثورة الاسلامية ، واستيلاء اية الله الخميني عليها ، واعادة قراءة المخفي والمعلن في مشروعها ، وتقليب طرقها في التعاطي مع الاحداث الاقليمية والدولية ، وردود افعالها على التطورات .
فهناك هوامش واسعة من الغموض تكتنف خطابها ، ويساهم في هذا الغموض تضارب التصريحات ، بين التهدئة والتصعيد ، وتناقضها مع ما يحدث على ارض الواقع ، وافتقارها للسياق العام المفترض ان يؤطر السياسات .
يضاف الى ذلك الكم الهائل من الشعارات التي تندرج في اطار السعي لاخفاء الجوهر الحقيقي لتفكير واضعيها .
وتعود بعض اسباب حاجة المراجعة ، واعادة القراءة ، الى غياب البعد الاستراتيجي للسياسة الايرانية عن تفكير قوى سياسية عربية ، تحترف خداع الشارع ، لاخفاء عجزها عن تحويل شعاراتها الى واقع .
ففي غياب هذا البعد ، وصخب ايقاع تضارب التصريحات الايرانية ، ما يعري هذه القوى امام جمهورها ، ويضعها في مرمى النقد ، والمطالبة بتوضيح المواقف ، وربما تغييرها .
عودة الحديث حول " عروبة " و" فارسية " الخليج دون ما يستدعي هذه العودة اخر المنعطفات التي يواجهها المدافعون العرب عن السياسات الايرانية في المنطقة على ارضية العداء لاسرائيل .
ففي التهديد الايراني المفاجئ ، بمنع مرور الطائرات التي تستخدم تسمية " الخليج العربي " من اجوائها ، ما يطرح سلسلة من الاسئلة ، في مقدمتها الاسباب التي تدفع طهران لاستحضار ارث طويل من التناقضات ، من خلال قيامها بهذا التصعيد .
وتأتي غرابة التصعيد الايراني من توقيته ، وخروجه عن سياق التطمينات ، التي ترسلها طهران الى العواصم الخليجية ، لتحييدها في حال حدوث مواجهة مع الولايات المتحدة .
كما يترافق التصعيد مع محاولة طهران الظهور بصورة الداعم للعرب في مواجهة عدوان اسرائيلي محتمل على سوريا .
ومع تسارع وتيرة التحركات الايرانية في بؤر التوتر العربية تزداد حاجة طهران للحذر من المساس بمعتقد عروبة الخليج الراسخ في الثقافة والوعي العربيين وان كان محل جدل سياسي .
لذلك تتراوح اسباب استعادة طهران لازمة تسمية الخليج ـ المستهلكة ـ بين التخبط في ادارة ازمتها مع المجتمع الدولي ، ومحاولة تخدير الازمة الداخلية بتأجيج المشاعر القومية ، او الاثنين معا ، في ظل زيادة تداخل المحلي والخارجي في الازمة التي يواجهها نظام الملالي الحاكم .
والواضح من الاضطرابات ، التي تشهدها طهران ، وبقية المدن الايرانية ، بين الحين والاخر ، وطبيعة ردود فعل راس السلطة عليها ان ما تخفيه قاعدة جبل الجليد الايراني من تناقضات بين ابناء الثورة التي تأكل نفسها، يفوق ما يطفو على السطح .
فهناك ما يكفي من المؤشرات لتكوين قناعة بان ولاية الفقيه التي تحولت مع الزمن الى عامود فقري للنظام ، وبنيت على اساسها اطر ومؤسسات ومصالح ، باتت محل خلاف حقيقي بين اطراف النزاع الداخلي الايراني .
ولا يوجد في الافق ، ما يوحي بقدرة أي طرف من اطراف النزاع الداخلي ، على العودة عن الشوط الذي قطعه ، لتغيير الوضع الراهن ، او المحافظة عليه ، حماية للمكتسبات التي تكرست خلال السنوات الماضية .
فالاجراءات القمعية التي تفتقر الى خطوات سياسية لا توفر الحلول لمثل هذا النوع من الازمات .
وتبقى مساعي ايجاد صيغة تهدئة ، ووضع حد للتصعيد ـ ابرزها تحركات رئيس مصلحة تشخيص النظام على اكبر هاشمي رفسنجاني ـ اقرب لمحاولة ترقيع الموقف ، ما لم تتضمن مقترحات جدية ، تتجاوب مع مطالب شرائح واسعة في المجتمع الايراني .
تعزز اعتقاد استخدام نظام الملالي ـ صاحب شعارات الثورة الدينية ـ للنزعة القومية في الهروب من الازمات الداخلية استخدامات اخرى شبيهة في اوقات سابقة من عمر هذا النظام .
فلم يتوان الرئيس محمود احمدي نجاد في وقت سابق عن الحديث حول "الامة الفارسية" لاعادة توجيه اهتمامات الشارع الايراني وتشتيت انظاره المركزة على الاوضاع السياسية والمعيشية .
على الجانب الاخر من المازق الايراني تبدو طهران اكثر ارتباكا كلما تسارعت الخطوات الدولية لفرض عقوبات جديدة واتسعت احتمالات حدوث مواجهة عسكرية .
ولدى وضعها في هذا السياق تأخذ عودة طهران الى معزوفة تسمية الخليج منحى رسالة التهديد الضمنية للعواصم العربية الواقعة على ضفافه .
كما ينطوي الامر على محاولة لجر العواصم الخليجية الى مزيد من توتير الاجواء في منطقة حيوية للغرب .
لكن العواصم الخليجية الحريصة على تجاوز المنعطف المقبل فوتت الفرصة على طهران بالتقاطها السنارة الايرانية وانتزاع الطعم بالتقليل من اهمية التسمية .
ولطهران تاريخها الطويل ، في تصدير ازماتها الداخلية والخارجية الى مختلف الاتجاهات ، لا سيما بعد ثبوت عقم فكرة تصدير الثورة ، المأزومة من الداخل ، والعاجزة عن تحقيق اهدافها .
ففي اعقاب " تجرع " الخميني سم انهاء الحرب العراقية ـ الايرانية اصدر فتواه الشهيرة باهدار دم الروائي الهندي الاصل سلمان رشدي عقابا له على روايته ايات شيطانية .
واستطاع من خلال الجدل الذي اثارته تلك الفتوى حينها اخراج الفشل الايراني في الحرب التي استمرت ثماني سنوات من دائرة الضوء وتوجيه الانظار نحو الجائزة التي وضعت للقاتل المفترض .
لكن الفتوى التي كرست ايران كحالة تطرف ديني عمقت ازمة علاقتها مع الاخر وقلصت احتمالات توسيع قنوات الحوار بين طهران والغرب .
ومع اجترار ظاهرة الاستخدام السياسي للنعرات " القومية " و"الدينية " تختلط هوية وخيارات النظام الايراني على انصاره وخصومه .
فالهوية القومية تبدو مجتزأة ـ من وجهة نظر معارضي الداخل المطالبين بالتوقف عن ضخ الاموال لحلفاء ايران ـ مع تخصيص طهران جزء كبيرا من عائداتها لدعم قوى مسلحة في الخارج .
واستخدام هذه الهوية المجتزأة في اثارة النعرات بين الحين والاخر ، يدلل على عجز شعارات الثورة الاسلامية ، عن تلبية حاجات الشارع الايراني .
المأزق الذي يواجهه نظام الملالي في طهران وهو يطرح شعارات التطرف القومي والديني ينسحب على حلفائه في المنطقة .
فهو يقلص قدرات حزب الله اللبناني على مناورة التوفيق بين عروبته والدفاع عن تداخلات علاقته مع ملالي ايران .
ويضع قيادة حماس المتهمة باجندتها الايرانية امام متطلبات توضيح موقفها من عروبة الخليج .
كما يزيد من حالة الاغتراب التي تعيشها القوى السياسية العراقية المرتبطة بتلك الاجندة .
ويطرح على دمشق مجددا سؤال اولويات تحالفاتها وتناقض هذه التحالفات مع شعاراتها و خطابها الايديولوجي .
فالضجيج الذي تثيره مغامرة الطرح السياسي ، يضع اصحابها على المنزلقات ، ويكشف نواياهم الحقيقية ، الامر الذي تعيشه طهران ، وهي تحاول المزاوجة بين خطابين على امل تغليف احدهما بالاخر .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيناريوهات الحل البديل
-
الاخوان على مفترق طرق
-
فقدان البوصلة الايرانية يربك حركات الاسلام السياسي الشيعي
-
الاخوان يهاجمون القاهرة بخطاب المودودي
-
وصفة تأزيم ايرانية ... للاحتقان العراقي
-
ماراثون اللحاق بالشارع الايراني
-
ايران فوق صفيح ساخن
-
انتحار سياسي عربي على خارطة التحولات الكونية
-
اقتراع عراقي على اعادة انتاج الازمات
-
الوعد الاميركي والقشة الاوروبية
-
عودة فلسطينية الى زمن الاشتباك
-
الخيارات الصعبة
-
ظاهرة الافلاس السياسي
-
حاضنة عربية للمزاج العراقي
-
عقدة وادي عربة !!
-
ملكيرت يطرق جدران الضمير العالمي
-
ازمة التمثيل تقلص هامش المناورة الفلسطينية
-
المصالحة المستحيلة
-
ما تبقى من خطاب حكومة المالكي
-
مقامرة - حمساوية - بالذخيرة الحية
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|