|
الأخلاق الانتخابية
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 2930 - 2010 / 2 / 28 - 13:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمر العراق الآن بمخاض عسير من أجل إرساء أسس ديمقراطية حديثة الولادة فيه ، وعلى أساس تصرف سياسي هذه المرحلة ، ستتولد ممارسات وتقاليد ديمقراطية قد تستمر طويلا ويكون من الصعب التخلص منها لأنها ستتحول لتقليد ، يراها البعض صحيحة ولا شائبة عليها لأنها تحقق أغراضه في الوصول إلى قبة البرلمان ، والتي منها ستنبثق الحكومة القادمة لمدة أربع سنوات أخر . ولكن هل كل الممارسات من قبل سياسي الحاضر العراقي هي مقبولة ديمقراطياً وأخلاقياً ، أم لا دخل لمنظومة الأخلاق بهذه العملية ، وكل شيء مباح ومشروع ما دام الهدف كرسي البرلمان والحكومة . من ملاحظاتنا لكثير من القوائم الانتخابية والتكتلات ، نرى هناك خلط معرفي وفكري وسياسي لدى الكثيرين منهم ، كذا نرى عدم وضوح كامل ببرامجهم السياسية ، وما خططوا لعراق الأربع سنوات القادمة . كذا نجد خلط لدى عدد من التكتلات السياسية بين ما هو ديني وعلماني ، بين الثيوقراطي والليبرالي ، هذا الخلط أخرج المفاهيم السياسية والأخلاقية من بوتقتها ، وأدخل عليها تشويشاً وخلطاً وضبابية ، أضاع الأمر على المثقف البسيط ، فكيف هو حال رجل الشارع الذي لا يعرف الفوارق الجوهرية بين مصطلحات وقيم سياسية واجتماعية كهذه . لذا ترى الناخب العراقي سيذهب لصندوق الانتخاب دون وعي كامل منه لما يفعله ، بل يذهب لأنه يعرف المرشح الفلاني ، أو لأن المرشحة الفلانية كانت تعرف بنت الهدى ، أو لأنها جميلة ، أو لأنه قيل له أن هذا المرشح جيد ، أو ابن بلدته ومنطقته . فهذا الناخب لن يذهب لصندوق الانتخاب ويعطي صوته لمرشح معين لقناعته ببرنامجه الانتخابي ، أو لأنه يريد حكومة ثيوقراطية ، أو ليبرالية ، أو علمانية . بل يذهب بسبب أشياء أخرى عديدة ، منها بيعه لصوته مقابل مبالغ مالية هو بحاجة لها ، أو تسهيل مهمة ، أو عشاء جيد ...أو ...أو ...أو . بهذا تكون العملية الديمقراطية في العراق قد خرجت عن المسار الديمقراطي الصحيح عندما يكون الناخب لا يعلم لم يذهب لصندوق الاقتراع ، وعندما يقوم المرشح بشراء صوته . ولكن من يتحمل هذه المسؤولية الأخلاقية بالانحراف هذا ؟ في حقيقة الأمر الطرفان يتحملان المسؤولية ، فالمرشح يتحمل مسؤولية شراء الصوت ، فهو لم يعطي الخيار وكامل الحرية للناخب باختيار مرشحه ، والمرشح هنا نراه انتهازي من الطراز الأول لأنه ضرب على وتر حساس لدى الناخب ، واستغل حاجاته اليومية المعيشية ، وفقره ، وعوزه الاقتصادي ، كي يحوله لصوت يصب في عداد أصواته . والناخب أخطأ لأنه لديه قصر نظر ، فقد نظر لحاجته الآنية وترك الفوائد المستقبلية ، فبقصر نظره ذاك رضي بقطعة الخبز وترك الخير القادم لو أنه اختار مرشحه على أسس ليس منها الرشوة وشراء الذمم . من كل هذا نجد أننا بحاجة لقيم ديمقراطية حقيقة ، تجنب الطرفين ، المرشح والناخب ، من السقوط في وحل الانحطاط الخلقي ، وتترك طريقة الاختيار وحريته والتأثير عليها وتوجيهها ضمن قيم أخلاقية عليا ، وليس ضمن قيم دنيا . فمن أولويات الديمقراطية الصحيحة أن يتساوى المرشحون بالفرص ، وان تترك الحرية الكاملة للناخب دون التأثير على خياراته ، وأن يكون البرنامج الانتخابي هو الفاصل ، وأن يكون اقتناع الناخب بذلك البرنامج هو الحاكم لعملية منح الصوت ، لا غيره من المؤثرات . وهنا يأتي سؤال يطرح نفسه ، لم يقوم المرشح بشراء الذمم والأصوات ؟ هل لأنه مقتنع ببرنامجه الانتخابي ، أم لشكه بعدم نجاحه بالإقناع ؟ أكيد أنه يقوم بذلك لأنه يعلم بداخل نفسه وقرارتها عدم فوزه ، وهذا دليل على عدم اقتناعه الذاتي بنفسه وببرنامجه ، وعدم إيمانه الذاتي بما يطرحه ، فكيف ستكون لديه قوة إقناع لجمع الأصوات حولها ؟ وسؤال آخر ، لو كان المرشح مستعد لصرف هكذا أموال ليصل لقبة البرلمان ، فكيف سيعوض ما صرفه ؟ هل سيعوضه بفساد وسرقة للمال العام ؟ أم أنه من الغباء أن يبعثر ماله هكذا ؟ أم يريد رضا الله بتوزيعه لماله ؟ حينها كان الأولى به أن يوزعه دون أن يطالب بجمع الأصوات ، لأن ماله الآن ليس بصدقة بل رشوة . عراق اليوم ما زال في بداية الطريق الديمقراطي ، وبممارسات كهذه ربما لن يعرف الديمقراطية الحقة أبدا .
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توضيح مهم لكافة القراء الكرام حول مقالنا الموسوم لو كان البع
...
-
لَو كانَ البَعثُ دِيناً وَ رَبّاً لَكَفَرتُ بِه
-
الجدار الناري
-
عِ قَوْلَكْ
-
القاعدة والتكفير وأحمد صبحي منصور
-
نظارات جدتي
-
أين العقلاء في مصر والجزائر ؟
-
مِيزان قبّان
-
مقالات علمية بسيطة ج 2
-
رزوق دق بابنا
-
نوري قزاز
-
مقالات علمية بسيطة ج1
-
قدري ربانا
-
نار نور
-
دار دور
-
التوريث والتأبين
-
المقرحي والأربعاء الدامي
-
الجمهورية الخامسة ج 2
-
الجمهورية الخامسة
-
قراءة نقدية لخطاب أوباما في القاهرة ج 7
المزيد.....
-
قتل زوجته ورجل آخر في منزله.. شاهد نهاية رجل اتصل بالشرطة مد
...
-
من خلال عمليات توظيف رسمية.. جواسيس من كوريا الشمالية نجحوا
...
-
منذ 7 من أكتوبر.. 32 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية ا
...
-
تقارير: إصابة عشرات من عناصر حزب الله في أنحاء لبنان نتيجة ا
...
-
إعلام إيراني: إصابة سفير إيران في لبنان خلال موجة انفجارات أ
...
-
انفجار أجهزة -بيجر- خاصة بحزب الله.. مراسل CNN يفصّل ما نعرف
...
-
مصادر أمنية إسرائيلية: الأجهزة التي انفجرت في عناصر حزب الله
...
-
من هو جدعون ساعر بديل وزير الدفاع الإسرائيلي المحتمل؟
-
وكأن المحن التي تعصف بهم ليست كافية: انتشار القوارض والحشرات
...
-
-مئات الجرحى- بمناطق مختلفة في لبنان إثر انفجار أجهزة اتصال
...
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|