مئذنة السلام للشاعر السويسري برينو ميرسي

حسن لغدش

الحوار المتمدن-العدد: 2928 - 2010 / 2 / 26 - 21:49
المحور: الادب والفن
    

عرفت قصائد الشاعر السويسري برونو ميرسي منذ ديوانه الأول "آلام دجلة" بشعرية الحدث. فالمنجز الشعري لديه ترحال وتماهي مع الآخر العربي المسلم ومعانقة وتقاسم لآلامه وجراحاته المستمرة، نجده باستمرار يدعو الأخوة الطاهرة والصداقة العفوية يعمق من خلالهما مشروعا شعريا مبنيا على التسامح والحوار بين الثقافات والأديان. بحثا في ذلك عن الماهية الموحدة لبني البشر. في قصيدته الأخيرة المعنونة ب "تشكيل مئذنة" يناهض برونو بالكلمة الشعرية الصافية الاستفتاء الأخير للسويسريين بمنع بناء المآذن.
اعتبرت سويسرا بلدا محايدا، بعيدا عن كل الصراعات والنزاعات السياسية، صناعتها الثقيلة الوحيدة هي الفوائد البنكية للأرصدة السمينة التي ترقد في صناديق بنوكها المحمية. لكن تطرف الحزب اليميني لعب على مخاوف السويسريين الذين بدأت الأزمة الاقتصادية والبطالة تدق أبوابهم، ليصور لهم الصوامع على شكل صواريخ نووية ورسم لهم المآذن على شكل أجهزة تناسلية ترمز إلى فحولة المسلمين وطغيان النزعة الذكورية وصور لهم الحضور الإسلامي في سويسرا كخطر يهدد أمنهم العقائدي والروحي. سويسرا تقول على نفسها دولة ديمقراطية وعلمانية تحترم الحريات المنصوص عليها في المواثيق الأممية بما في ذلك حرية الدين والتدين، لكنها انجرت وراء الدعاية الإسلامفوبية". يجب إذن أن نفهم هؤلاء أن الإسلام هو الوحيد الذي أعطى المثل على احتضان الديانات الأخرى بدون اللجوء إلى مقصلة محاكم التفتيش، فإذا كان برونو قد ناضل ويناضل بالكلمة الشعرية من أجل تكافؤ الفرص بين الجنوب والشمال ومن أجل بيئة سليمة ومتوازنة ضدا عن الزحف التكنولوجي، فقصيدة "تشكيل مئذنة" شكلت حلقة مهمة في منجزه الشعري ربط بها الشاعر بين تناقضات وطنه المعروف بالفردوس المالي وغياب ملامح واضحة المعالم في توجهات المواطنين ومبادرات الحكومة الفيدرالية والأحزاب المؤطرة لوعي بدأ يعاني من أعراض الانفتاح وفتور الوعي الديني وتنامي العنصرية واستفحال الجريمة المنظمة وتبني المواقف المغلوطة والموجهة من طرف الإعلام السويسري المُسخر لتصريف الأزمة. لحسن الحظ هناك أناس يستطيعون بكلمتهم أن يوثقوا للضياع وللمتاهات ليكتشفوا للقارئ فداحة الوعي المغلوط وليرسموا في خلوتهم الشعرية ليس فقط المآذن التي تدعو للسلام ولوحدانية الخالق ولسقوط الحواجز بين الناس بل ليكرموا نبل الإحساس وليفتحوا جبهة للنضال من أجل أن يستعيد الإنسان إنسانيته.

تشكيل مئذنة
القصيدة للشاعر السويسري
برونو ميرسي ترجمة حسن لغدش
صرخة نفي ... فعقيدتنا ليست رهينة
مرتدين هجروا الكنائس
الفاترة وأجراسها الصامتة
شُد على يدي لأجابه الذل والعار

أنا المسيحي السويسري المشبع بالأخوة
أرسم على شرفك مئذنة
تتبعت منها أشعة ليزر
تضيء من أعلى على محراب صلاتك

فيكسوها ضباب كثيف
رحاب ذلك المسجد المنور بزينة الكواكب
وتسطع بطيف قوس السحاب
على محيط المئذنة

أقف إجلالا و عن قرب
وتنحني إلى الأرض
لأصبح مئذنة ممتدة نحو الأفق
وتنبض بالحياة
بالقرب من جسدك الممدود

فلتنظر لرمز السلام
كياقوت يلألأ
فضاءات الخالق
كوردة متفتحة
تزهو الأفق
فالقلم والقرطاس وابتسامتي !

حسن لغدش
(كاتب و ناقد مغربي مقيم بسويسرا)

#حسن_لغدش (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات