|
الشخصية القانونية للمرأة وآثارها على المجتمع
فوزية العشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 21 - 12:46
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
مقدمة : يعتبر الاسلام أول الأديان السماوية التي كرمت المرأة ومنحتها المساواة في الانسانية مع الرجل حيث لا نجد هذا التكريم لا في اليهودية ولا في المسيحية ، ومن خلال اطلالة سريعة عبر التاريخ نستطيع أن نقارن بين مكانة المرأة في الاسلام ومكانتها في الحضارات الأخرى منذ بداية التاريخ. فاذا رجعنا الى القانون اليوناني عند الاغريق لوجدنا أن المرأة كانت مسلوبة الحرية والاهلية ولا تتمتع بأية حقوق مدنية فقد كانت قاصرا طوال حياتها ، خاضعة لسلطة الرجل الأب او الزوج اوالابن ، فالرجل هو الذي يتصرف في أموالها دون أن يكون لها حق مراجعته ولم يكن من حقها الحصول على الطلاق ولم يكن لها الحق في الارث. أما في ظل القانون الروماني فقد كانت المرأة خاضعة تماما لسلطة رب الاسرة Pater familias حيث كان رب الاسرة يتمتع بسلطة كاملة ، سلطة ملك وليس حماية فقط ، على زوجته وأولاده (بنين وبنات) بل وعلى زوجات أبنائه وعلى أحفاده وحفيداته فقد كان هو مالك كل أموال الاسرة ولم تكن للمرأة أية أهلية مالية ولا أي حق من حقوق الملكية، ولم يتغيرالحال الا في قانون جوستنيان المتوفي عام 565 م. وقد نص قانون جوستنيان على انه يشترط لصحة أي تعاقد أهلية حقوقية وأهلية فعلية واقعية . ويعتبر فاقد الاهلية : العبيد ، الاجانب، الاولاد الصغار(القصر) والبنات والسيدات البالغات والزوجات الخاضعات لسلطة رئيس الاسرة. وفي ظل اليهودية كانت المرأة ولا تزال تعتبر لعنة لانها أغوت آدم وأخرجته من الجنة وقد جاء في التوراة" المرأة أمر من الموت ، وان الصالح أمام الله ينجو منها" ولم يكن للمرأة اليهودية حق في الارث في حالة وجود أخ لها ذكر وفي حالة حصولها على ميراث حين لا يكون لها أخ ذكر فلا يحق لها أن تنقل ميراثها الى غير سبطها. وفي ظل المسيحية كانت المرأة ، طبقا للقديس ترتوليان :" مدخل الشيطان الى نفس الانسان" ، وفي القرن الخامس قرر مجمع ماكون بعد دراسة مسألة المرأة وهل هي مجرد جسم لا روح فيه ام لها روح ، " أن المرأة خلو من الروح الناجية (من عذاب جهنم ) ما عدا مريم أم المسيح." . وبعد دخول أوروبا في الدين المسيحي ظلت الشعوب الأوروبية تشك في طبيعة المرأة وتعتبرها كائنا مختلفا عن الرجل فقد عقد الفرنسيون في القرن السادس الميلادي مؤتمرا عام 586 لدراسة قضية المرأة وهل هي انسان أم غير انسان وخلصوا الى نتيجة : " ان المرأة انسان خلقت لخدمة الرجل فحسب" . وبالرغم من التقدم الذي عرفته فرنسا في عصر النهضة وبعد الثورة الفرنسية الا ان القانون الفرنسي ظل يعتبر المرأة قاصرا ، و قد نص قانون نابليون على أن المرأة " ليست أهلا للتعاقد دون رضا الوصي عليها ان كانت غير متزوجة او الزوج ان كانت متزوجة " ونص هذا القانون على أن القاصرين هم :" الصبي والمجنون والمرأة " ، وظل قانون نابليون هذا معمول به في فرنسا وفي كثير من الدول الأوروبية حتى عام 1938 حيث عدل هذا القانون في فرنسا وأعتبر المرأة الفرنسية ذات شخصية قانونية فيما عدا بعض القيود على المرأة المتزوجة التي لا تزال حتى الآن تخضع لزوجها في كثير من المعاملات المالية خاصة اذا كان نظام الزوجية هو نظام توحيد الأموال بين الزوجين ، وتعتبر المرأة المتزوجة مسئولة عن ديون زوجها حتى الآن في فرنسا . و في ظل الجاهلية في شبه الجزيرة العربية لم يكن للمرأة حقوق تذكر حيث كانت تعتبر عبئا على رب الاسرة الذي كان من حقة أن يئدها دون ملاحقة قانونية ولم يكن لها حق في الارث بل انها كانت تورث مع تركة زوجها المتوفي وكان من حق الابن الأكبر أن يتزوج من زوجه أبيه ويعتبرها ارثا كبقية أموال أبيه . أما في ظل الاسلام ومنذ بداية الوحي فقد حددت بعض الآيات الكريمة المعالم الرئيسية للشخصية النسائية المستقلة عن شخصية الرجل . وبدراسة هذه الآيات ومقارنة المكونات الرئيسية للشخصية القانونية للمرأة المسلمة كما نستخلصها منها ومن السنة النبوية الشريفة نجد أنها لا تختلف كثيرا عن مكونات الشخصية القانونية للانسان رجلا او امرأة في جميع قوانين العالم المعاصر وخاصة في القانون الدولي الخاص. الشخصية القانونية للمرأة في الاسلام ان القرآن الكريم حينما تحدث عن بدء الخليقة وعن الأصل الذي ينحدر منه البشر ذكر أن النفس البشرية واحدة وانبثق منها الذكر والأنثى : "ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ..." وطالما أن الذكر والأنثى قد خلقا من نفس واحدة فلا تفاضل بينهما في الانسانية حيث أن الخطاب القرآني موجه للاثنين معا بدون تفاضل بل في أحيان كثيرة يتم التأكيد على أن الخطاب موجه للرجال والنساء أيضا وليس للرجال فقط فيتم التأكيد باستخدام جمع المؤنث بالرغم من أن جمع المذكر يجب ويدخل فيه الرجال والنساء والاطفال ألا أن رحمة الله بالنساء واسعة لذا أكد على التذكير بأن الآيات الكريمات تخص الرجال والنساء بدون تفرقة مثلما جاء في كثير من الآيات ومنها :" ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ." كما أكد القرآن كذلك على كرامة المرأة وأن الله فضلها على بقية المخلوقات مثلها مثل الرجل وبنفس الدرجة حيث جاء في الآية الكريمة " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقاهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا . وقد استخدم العلي القدير في هذه الآية الكريمة مصطلح بني آدم أي سلالة آدم كلها من الرجال و النساء أي الانسان سواء أكان ذكرا أم أنثى. ومن ثم فان الاسلام يعتبر الدين السماوي الوحيد الذي أكد على انسانية المرأة ومساواتها بالرجل في الكرامة الانسانية حيث يعتبر " توجيه الخطاب للمرأة مستقلة عن الرجل في الخطاب القرآني بمثابة وعي جديد غير مسبوق." وهذا التكريم المشترك المتساو للمرأة بالرجل لم تعرفه اليهودية ولا المسيحية ، فالاسلام لم يحرم على المرأة دخول أماكن العبادة ( المساجد) مثلما تحرم المرأة اليهودية من دخول السيناجوج ( المعبد اليهودي ) كذلك لم يحرم الاسلام علىالمرأة مسك المصحف الشريف وتلاوة القرآن ( الا اذا كانت المرأة في فترة الحيض او النفاس) ، مثلما حرمت اليهودية على المرأة الامساك بالتوراة وتلاوتها في جميع الأوقات حيث تعتبر المرأة في اليهودية مدنسة ولايحق لها أن تدخل المعبد او تمسك التوراة حتى لا تدنسهما. كما ان الاسلام برأ المرأة من اللعنة التي ألصقها بها أتباع كل من اليهودية والمسيحية فقد استخدم القرآن الكريم في سرد وقائع خروج آدم وحواء من الجنة صيغة المثنى وجعل مسئولية العصيان مشتركة بينهما ولم يشر القرآن من قريب او من بعيد الى أن حواء أغوت آدم وأخرجته من الجنة ، فقد جاءت الآية الكريمة تبرأ حواء من هذه التهمة في قوله سبحانه وتعالى:" فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " ، كما نجد نفس صيغة المثنى حين تابا الى الله واعترفا بذنبهما معا وطلبا الغفران :" قالا : ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " . ولعل أكبر دليل على أن الاسلام قد أعتبر المرأة منذ البداية انسان عاقل ذو مسئولية أمام الله وأمام المجتمع أن القرآن الكريم لم يفرق بين الرجل والمرأة في العبادات وفي الاجر والثواب كما جاء في الآية الكريمة " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا " . لقد فرض الاسلام علي المرأة مثل ما فرضه على الرجل من شهادة وصلاة وصوم وزكاة وحج . فالمرأة المسلمة مسئولة عن نفسها أمام الله ومسئولة عن صلواتها وعن صومها تماما مثل الرجل ( الا في فترة الحيض والنفاس حيث تسقط عنها الصلاة ولكن لا يسقط عنها الصوم بل تعوضه في أيام آخر ) ، وهي مسئولة عن اخراج الزكاة بنفس المقدار المفروض على الرجل سواء زكاة المال او الزكاة على ما تمتلكة من أراض زراعية وبنفس النسبة. كما فرض عليها الحج والعمرة ان استطاعت اليهما سبيلا مثلها مثل الرجال. كما تتحمل المرأة وحدها مسئولية أفعالها المدنية من سرقة او رشوة او اختلاس او قتل و تتحمل المسئولية الجنائية وجزاؤها لا يقل عن جزاء الرجل ويحكم عليها بنفس العقوبة التي يحكم بها على الرجل في حالة ارتكاب نفس الجريمة دون تفرقة بينهما مثلما جاء في آية السرقة وعقوبتها الموحدة على الرجل والمرأة سواء بسواء:" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهمها جزاء بما كسبا نكالا من الل والله عزيرحكيم" ، وكذلك الحال بالنسبة لجريمة الزنا :" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة...". كما أمر الرسول (صلعم) بتكريم المرأة بنتا وزوجة وأما وكان أكرم خلق الله مع نسائه وبناته وظل يوصي بالنساء خيرا حتى وهو على فراش الموت: " أوصيكم بالنساء خيرا" . ومن أحاديثه الكريمة في تكريم البنات :" من كان له ثلاث بنات او ثلاث أخوات ، اوبنتان او أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة " (رواه الترمذي) . وعن اكرامه للزوجه قوله (صلعم) :" خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة ، ان نظرت اليها سرتك ، وان غبت عنها حفظتك " (رواه مسلم وابن ماجه). كما كرم الاسلام المرأة الأم وأوصى بها الرسول في كثير من أحاديثه الشريفة وجعل البر بها مقدما على بر الأب حيث أمر الرسول (صلعم) ببر الأم ثلاثا وفي الرابعة أمر ببر الأب ، كما أكد الرسول (صلعم) على أن الأم لها مكانة سامية في الجنة في ذلك الحديث الشريف "الجنة تحت أقدام الأمهات ". واذا كانت العبادات لا تدخل في الشخصية القانونية للانسان الا ان مساواة الاسلام بين الرجل والمرأة في تأدية العبادات انما هو دليل على تأكيد الاسلام على أن المرأة انسان عاقل كامل الاهلية مثلها مثل الرجل تماما . كما أن الاسلام حمل المرأة رسالة اجتماعية وجعل لها دورا فعالا واضحا داخل المجتمع وليس فقط داخل أسرتها الصغيرة ، حيث يأمر الله سبحانه وتعالى في الآية التالية كل من الرجل والمرأة بتأدية دورهما الاجتماعي وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس جميعا رجال ونساء ولم يخص المرأة بمجال محدود فقط فيما يختص بأمور النساء والاولاد بل جعل المجال أمامها مفتوحا مثلها مثل الرجل مثلما جاء في الآية الكريمة:" المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ..." وحتى تستطيع المرأة تأدية دورها الاجتماعي الذي حدده لها الاسلام يجب على المجتمع الاسلامي أن يوفر لها الاحترام اللائق بها وبفسح لها المجال في أماكن العبادة ومجالس العلم والمجالس النيابية ومجالس القضاء وأن يعاملها كانسان كامل الاهلية. وطبقا لـ Lexis Juris (القاموس القانوني المعاصر) فان مكونات الاهلية الكاملة او الشخصية القانونية هي: 1ـ الاسم 2ـ الذمة المالية 3ـالحقوق المدنية 4 ـ الجنسية والشخصية القانونية للانسان تبدأ منذ ولادته وتنتهي بوفاته . وكل انسان رجلا كان ام امرأة يولد حرا و يتمتع بالحرية وبالاهلية القانونية في جميع مراحل حياته طالما أنه لم يرتكب عملا يعاقب عليه القانون فيسلبه تلك الحرية وتلك الأهلية القانونية. واذا درسنا الشخصية القانونية للمرأة في ظل الاسلام لوجدنا أن الاسلام يمنح المرأة كل مكونات الشخصية القانونية المستقلة فهي تحمل اسم أبيها وعائلتها وتتمتع باستقلالية الذمة المالية وبجميع الحقوق المدنية مثلها مثل الرجل أما مفهوم الجنسية فانه لم يتعارف عليه الا منذ عهد قريب لتثبيت الحدود الجغرافية بين الدول واصدار وثائق سفر لمواطني كل دولة ، وتعرف الجنسية على أنها " رابطة قانونية وسياسية تقررها الدولة فتجعل من الفرد عضوا في شعبها ... وهذه الرابطة تتحد بموجب قانون وترتب حقوقا وواجبات على الفرد ." وهذه الحقوق والواجبات التي تعرف بأنها الحقوق المدنية تندرج في قانون الأحوال الشخصية لكل دولة وهو" القانون الذي ينطم المسائل المتعلقة بأحوال الناس ، وأهلية كل فرد منهم ، وكذلك المسائل المتعلقة بنظام الأسرة كالخطبة والزواج وحقوق الزوجين وواجباتهما المتبادلة والمهر ونظام الأموال بين الزوجين ، الى جانب المسائل المتعلقة بالطلاق والتطليق والتفريق وغيرها من المسائل ذات العلاقة الوثيقة بالانسان منذ ولادته الى وفاته " . ويختلف هذا القانون من دولة لدولة وان كانت معظم الدول العربية والاسلامية تستمد قوانين الاحوال الشخصية لديها من الشريعة الاسلامية فيما يختص بالزواج والطلاق وحضانة الأولاد والارث. يقول الامام الأكبر الشيخ محمود شلتوت في التاكيد على حقوق المرأة المدنية التي حباها بها الله في الاسلام :" ومن لوازم اشتراك المرأة فيما أسلفنا من حق التعليم واحترام الرأي والجهاد والدماء والتصرفات مدنية أم شخصية أن تشترك فيما ينشأ في المجتمعات من حق الخصومة والتقاضي فتكون مدعية ومدعي عليها وشاهدة ومشهودا عليها متفردة ومجتمعة وتكون وصية وناظر وقف ووكيلة وكفيلة وراهنة ومرتهنة وشريكة وتكون متصدقة وواهبة ومتصدقا عليها وموهوبا لها وتكون قيمة ومحجورة كما يكون الرجل ذلك كله " وغني عن القول أن الاسلام أعطى المرأة كثير من الحقوق لم تكن تتمتع بها النساء من قبل ولكنه فرق بين الرجل والمرأة في بعض المجالات ، ويؤكد بعض الفقهاء أن هذا التفريق لا يؤثر على الاهلية القانونية للمرأة ومن هؤلاء د. مصطفى السباعي ، رئيس قسم الفقه الاسلامي في جامعة دمشق وصاحب كتاب " المرأة بين الفقه والقانون حيث يقول "... من المؤكد أن هذا التفريق لا علاقة له بالمساواة بينهما في الانسانية والكرامة والاهلية ـ بعد أن قررها الاسلام لها على قدم المساواة مع الرجل ـ بل لضرورات اجتماعية واقتصادية ونفسية اقتضت ذلك." وسنسرد فيما يلي وباختصار أهم الحقوق التي منحها الاسلام للمرأة بالتساوي مع الرجل والحقوق التي أوجد فيها تفريق بيم المرأة والرجل: 1ـ الحقوق المتساوية بين المرأة والرجل: (أ) حق التعليم : لقد حث الرسول الكريم على طلب العلم "طلب العلم فريضة على كل مسلمّ. وكلمة مسلم هنا اسم جنس أي انها تشمل الرجل والمرأة والاطفال، كما حث الرسول على تعليم النساء وكانت معظم زوجاته يجدن القراءة والكتابة وكتب السيرة تؤكد لنا أن السيدة عائشة رضى الله عنها كانت مرجعا من أهم مراجع السيرة النبوية الشريفة وكانت فقيهة تراجع الرواه والقراء والفقهاء ، كذلك السيدة أم سلمة وان كانت أقل بكثير من السيدة عائشة في علمها وروايتها للاحاديث ، كما استعان الرسول بامرأة من قبيلة بنى عدى تدعى الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس لتعليم زوجته حفصة بنت عمر بن الخطاب " لتحسين الخط وتزيين الكتابة ". وقد نقل لنا التاريخ الاسلامي أن كثير من كبار العلماء والفقهاء تلقوا العلم على يد النساء . (ب) حق استقلال الذمة المالية: منح الاسلام المرأة الأهلية المستقلة وحرية الذمة المالية قبل كل الحضارات والأديان الأخرى وكفل لها عقود المدنيات من بيع وشراء ومباشرة عقود التصرفات بجميع أنواعها والتصرف في أموالها وممتلكاتها ولها مطلق الحرية في ادارة أملاكها دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبا او أخا او زوجا او ابنا الا باذنها ورضاها. كما أعطاها القرآن الحق في أن تفدي نفسها بالمال وتتخلص بمالها من آذى الزوج او سوء معاشرته لها مثلما جاء في الآية الكريمة :" فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به". (ت) حق العمل: لم يمنع الاسلام المرأة من ممارسة العمل خارج بيتها فهذه أسماء بنت أبي بكر تباشر العمل في أرض زوجها الزبير بن العوام وتقول:" فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي ، وهي مني على ثلثي فرسخ .. فلقيت رسول الله (صلعم) يوما ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ليحملني خلفه ، فاستحييت أن أسير مع الرجال " . وكما ذكرنا بأعلاه كانت المرأة على عهد الرسول الكريم تشتغل بالتعليم فهذه الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس اشتغلت بتعليم القراءة والكتابة وكانت معلمة حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين وتميزت بالحكمة ورجاحة العقل حتى أن عمر بن الخطاب عندما أصبح خليفة ولاها ولاية الحسبة أي وزارة التجارة والأسواق ،والأوزان والمعاملات، فكانت تراقب وتحاسب وتفصل بين التجار وأهل السوق من الرجال والنساء. وتعتبر الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس أول امرأة تتقلد منصب وزيرة في الأمة الاسلامية. (ث) حق اختيار الزوج: منح الاسلام المرأة حق اختيار زوجها ويكون عقد الزواج باطلا بدون موافقتها. فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي (صلعم) انه قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، والبكر حتى تستأذن " ، فقالت السيدة عائشة." يارسول الله ، البكر تستحى، قال " رضاها صمتها". وروى البخاري عن امرأة تدعى خنساء بنت خدام الأنصارية زوجها أبوها من رجل بدون رضاها ، فأتت رسول الله (صلعم) وشكت اليه أمرها ، فرد نكاحه . وعن عبد الله بن عباس قال " جاءت فتاة بكر الى رسول الله فشكت أن أباها زوجها من رجل وهي كارهة له فخيرها النبي (صلعم) بين قبوله او رفضه. (ج) حق الاحتفاظ باسمها: ان هذا الحق قد كفله الاسلام للمرأة فهي تحتفظ باسمها واسم ابيها وعائلتها ولا ينمحي اسمها بالزواج من رجل حتى وان كان هذا الرجل رسول الله (صلعم). فالتاريخ الاسلامي يذكر لنا النساء باسمائهن وليس باسماء أزواجهن هذه خديجة بنت خويلد وهذه عائشة بنت ابي بكر وهذة حفصة بن عمر ابن الخطاب لم يذكرهن أحد ابدا باسم زوجهن الرسول الكريم . والاحتفاظ بالاسم انما هو أكبر دليل على مساواة الاسلام للمرأة بالرجل فهي كائن مستقل مثلها مثل الرجل وليس مثل المرأة الأوروبية والأمريكية التي كانت حتى سنوات قليلة تفقد هويتها بالزواج وينمحي اسمها واسم عائلتها وتأخذ اسم زوجها وعائلته. (ح) الحقوق الاجتماعية: تمتعت المرأة في عهد الرسول(صلعم) بكثير من الحقوق الاجتماعية فلم تكن محبوسة في البيت كما يعتقد كثير من الناس بل كانت تلبي الدعوات وتخرج لاجتماعات عامة في مسجد الرسول (صلعم) بالمدينة حيث يدعو اليها مؤذن الرسول بلال ، كما كانت النساء يذهبن الى مسجد الرسول للصلاة ورائه ولسماع دروسه وخطبه الدينية وما ينزل عليه من وحي . كما طالبت النساء الرسول الكريم بدروس خاصة بهن في المسجد لأن الرجال يغلبوهن عليه في المسجد فاستجاب الرسول الكريم لذلك . وهذا معناه أن النساء كن يحضرن دروس الرسول العامة في المسجد الى جانب الرجال ولكن نظرا لكثرة عدد الرجال كانت النساء المسلمات لا يتمكن من توجيه الاسئلة الى الرسول مباشرة لذا طالبن بتخصيص دروس لهن وحدهن، بينما فسر الفقهاء ذلك بضرورة فصل الرجال عن النساء في الدروس العامة في حين كانت النساء في عهد الرسول يصلين في نفس صحن المسجد خلف الرجال . ومنذ عهد الرسول (صلعم ) وعهد الخلفاء الراشدين وعبر التاريخ الاسلامي شاركت المرأة المسلمة مع الرجل جنبا الى جنب في الحياة الاجتماعية وفي جميع مجالات العمل الاجتماعي وفي الكفاح لنشر الاسلام والمحافظه عليه . لقد اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين الى الحبشة وكذلك في الهجرة الى المدينة المنورة وخرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول (صلعم ) لنشر الاسلام واشتركت في ميادين القتال ليس فقط لتمريض الجرحى بل للمقاتلة بالسيف أيضا بالرغم من انها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح. فقد ذكرت كتب السنة أن امرأة مسلمة شاركت ببسالة في الدفاع عن الرسول(صلعم) في معركة أحد بعد أن فر كثير من الرجال وكانت هذه المرأة وتدعى أم عمارة تقاتل وهي مشمرة قد ربطت ثوبها على وسطها تقاتل دون رسول الله وتتصدى لابن قميئة الذي اندفع نحو الرسول ليطعنه ولكن أم عمارة تلقت الطعنة في كتفها ورآها الرسول(صلعم) فنادى على أحد الفارين كي يعطيها ترسه لتحتمي به وقال لها في اعجاب من يطيق ما تطيقين ياأم عمارة ." 2 ـ الحقوق غير المتساوية بين المرأة والرجل: (أ) حق الميراث : كفل الاسلام للمرأة نصيبا من الميراث تطبيقا لما جاء في الآية الكريمة" "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" ، وهذه الآية الكريمة تمنح المرأة نصيبها في الميراث دون أن تحدد كمية هذا الميراث أي أنصبته ، أما الآية التالية فانها تحدد كمية هذا النصيب في الميراث " للذكر مثل حظ الانثيين " . واستنادا الى هذه الآية الكريمة انتشرت المقولة السائدة بأن المرأة ترث نصف ميراث الرجل ولكن هذا المبدأ ليس تعميما خالصا لان حق الارث في الاسلام يتميز بأنه لا يتوقف على جنس الوارث (ذكر أم أنثى) بل يتوقف على مسئولية وواجبات وسن الوارث ، أي ما أمامه من سنوات العمر التي سيستهلك فيها نصيبه من الميراث ، فالاسلام يعطي لمن تمتد الحياة أمامهم نصيبا أكبر من نصيب الذين تتراجع الحياة وراءهم( ابن المتوفي يحصل على نصيب أكبر من أب المتوفي). ونصيب المرأة في الميراث من حقها وحدها ولها مطلق الحرية في انفاقه او عدم انفاقه، فمن حقها أن تحتفظ به دون الانفاق منه بينما الرجل سواء أكان زوجها او أخوها او ابنها فانه ملزم بالانفاق عليها ، فقد ألزم الاسلام الرجل بتحمل مسئولية الاعباء المالية للاسرة :" لينفق ذو سعة من سعته " . وفي كثير من حالات الميراث يكون نصيب المرأة في الميراث معادلا لنصيب الرجل بل أحيانا يفوق نصيب المرأة في الميراث نصيب الرجل. ومن أمثلة تعادل نصيب المرأة والرجل في الميراث حالة الوالدين اللذين يرثان ابنهما المتوفي فيحصل كل واحد منهما على " السدس" " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ..." . وهناك أكثر من عشر حالات ترث فيها المرأة نصيبا أكبر من نصيب الرجل ولا يتسع المجال هنا لذكرها. (ب) حق الطلاق: جعل الاسلام حق الطلاق للرجل :" واذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ..." ولكنه لم يحرم المرأة من حق طلب الطلاق اذا رغبت في الانفصال عن زوجها بسبب عدم استطاعته الانجاب او بسبب مرضه بمرض عضال لا شفاء منه او بسبب عجزه الجنسي. فالاسلام يعطيها الحق في الطلاق مع الاحتفاظ بكل حقوقها المالية المترتبة عن الطلاق. وكذلك منح الاسلام المرأة حق الطلاق لعدم تلاءم الطباع او لأي سبب آخر فالقرآن ينهي عن عدم طلاق الزوجة والاحتفاظ بها للاضرار بها خاصة اذا كانت ترغب الطلاق كما جاء في الآية الكريمة "... ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ..." . كذلك أقر الاسلام حق المرأة في الطلاق على أن تفدي نفسها وتقوم بتعويض الزوج عن خسارته المادية الناجمة عن طلاقها بناء على رغبتها طبقا للآية الكريمة " فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ..." . وهذا الطلاق بناء على رغبة الزوجة يسمى " "الخلع "وهو موجود ومتعارف عليه منذ عهد الرسول (صلعم) مثلما حدث مع الصحابية التي استشارت الرسول في طلب طلاقها من زوجها لأنها لا تطيقه أي لا تحبه رغم انه انسان كريم وكان هذا الزوج قد منحها حديقة كمهر وصداق فاشترط عليها الرسول (صلعم) مقابل حصولها على الطلاق ان ترد عليه حديقته ففعلت فطلقها زوجها. (ت) حق الشهادة: جاء ذكر شهادة المرأة في آية واحدة فقط في القرآن الكريم وهي الآية الخاصة بكتابة وتدوين الديون المالية "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل أحداهما فتذكر أحداهما الأخرى ّ . والحقيقة أن هذه الآية انما تتحدث عن الاشهاد وليس عن الشهادة ، وقد توصل كثير من الفقهاء الى هذه الحقيقة وعلى رأسهم شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والامام الأكبر الشيخ شلتوت الذي كتب يقول في تفسير هذه الآية :" ان قول الله سبحانه وتعالى فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ليس واردا في مقام الشهادة التي يقضي بها القاضي ويحكم ، وانما هو في مقام الارشاد الى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل " . اما الشهادة في جميع مجالات الشهادة الأخرى مثل الشهادة في حالة الزنا او في حالة اللعان او في حالة الميراث فلم يذكر القرآن الكريم ابدا جنس الشهود. وقد خلص المفكر الاسلامي الدكتور محمد عمارة الى خلاصة مستنيرة في قضية شهادة المرأة حيث يقول :"..على أن المرأة كالرجل في هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة النبوية فالمرأة كالرجل في رواية الحديث التي هي شهادة على رسول الله (صلعم)... فكيف تقبل الشهادة من المرأة على رسول الله (صلعم) ولا تقبل على واحد من الناس ؟" (ث) الحقوق السياسية : منح الاسلام المرأة الحقوق التي نطلق عليها حاليا مصطلح الحقوق السياسية أي حقها في اختيار الحاكم والادلاء بصوتها لصالحه . وهذا ما فعلته النساء عندما بايعن الرسول (صلعم) مع الرجال تحت الشجرة . والمبايعة او البيعة معناها الانتخاب والتصويت طبقا لمصطلحاتنا الحديثة ، فكتب السيرة تنقل لنا أن النساء المسلمات اشتركن في بيعتي العقبة الاولى والعقبة الثانية طبقا لما ذكرته الصحابية الجليلة أميمة بنت رقيقة حيث قالت " جئت النبي (صلعم) في نسوة نبايعه فقال لنا " فيما استطعتن وأطقتن " . وهذه المشاركة النسائية في البيعة للرسول الكريم تعتبر اقرارا لحقوق المرأة السياسية طبقا لمصطلحاتنا اليوم اذ أن بيعة العقبة تعتبر عقد تأسيس الدولة الاسلامية الاولى في يثرب.ويقول الامام الأكبر محمود شلتوت في التأكيد على المبايعة المستقلة للنساء :" ولعلك تأخذ من مبايعة النبي (صلعم) للنساء مبايعة مستقلة عن الرجل ، أن الاسلام يعتبرهن مسئولات عن أنفسهن مسئولية خاصة مستقلة عن مسئولية الرجل... فالمرأة في القرآن لا يؤثر عليها وهي صالحة فساد الرجل وطغيانه ولا ينفعها وهي طالحة صلاح الرجل وتقواه فانها ذات مسئولية مستقلة فيما يتعلق بشئونها أمام الله ..." واذا كان الفقهاء قد أجمعوا فيما مضى على عدم أحقية المرأة في الولاية العامة العليا أي في رئاسة الدولة استنادا الى الحديث الشريف :" ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " ، ألا أن كثيرا من العلماء والمفكرين الاسلاميين في العصر الحديث رفضوا تعميم هذا الحديث لأن له ملابسات خاصة فقد ورد حين أبلغ الرسول الكريم (صلعم) بأن الفرس ولوا احدى بنات كسرى بعد وفاته للرئاسة عليهم ، ومن ثم فان هذا الحديث جاء في ظرف محدد ولا يجب الاستناد اليه لتحريم ولاية المرأة عامة حيث انه له ملابسات خاصة كما يقول الدكتور محمد عمارة " مما يجعل " الدراية" بمعناه الحقيقي مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة للعمل العام ...، فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس ـ وهي نبوءة قد تحققت بعد ذلك بسنوات ـ أكثر منه تشريعا عاما يحرم ولاية المرأة للعمل السياسي العام ." بقيت قضيتان جعلتا المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل محل اختلاف بين الفقهاء والعلماء منذ ظهور الاسلام وحتى الآن وان كانتا لا تتناقضان مع الشخصية القانونية المستقلة للمرأة وهما قضيتا تعدد الزوجات وقوامة الرجل على المرأة . والقضية الاولى وهي التعدد بدأت تتراجع في عصرنا الحالي حيث أصبحت الحياة في المجتمعات الحديثة معقدة وباهظة التكاليف ولم يعد باستطاعة معظم الرجال الزواج بأكثرمن واحدة. وتؤكد الاحصائيات في جميع الدول الاسلامية أن نسبة التعدد لا تتعدى 1% وهي نسبة ضئيلة جدا ولا تستحق أن نهتم بها كل هذا الاهتمام المبالغ فيه ، فالتعدد جاء ذكره في آيتين كريمتين كتصريح للرجل بأن يتزوج بأكثر من واحدة على ألا يزيد عدد الزوجات عن أربعة . ولكن هذا تصريح استثنائي مشروط بالعدل بين الزوجات وليس قاعدة اجبارية تلزم الرجل بالزواج من أكثر من واحدة فالزوجة الواحدة هي القاعدة والتعدد هو الاستثناء استنادا الى الآية الكريمة : " وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة ..." . وليس بوسع أي انسان مسلم أن ينكر التعدد ولكن الظروف الاجتماعية الحالية في العالم العربي والاسلامي جعلته ظاهرة في طريقها الى الزوال. أما القضية الثانية وهي قضية القوامة فان الخطاب القرآني يؤكد عليها فيعطي للرجل أفضلية على المرأة طبقا للآية الكريمة "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ..." وقد تعددت التفسيرات الحديثة في الفقه الاسلامي لمعنى القوامة ونحن نميل الى التفسير المرتكز علىالتأمل والتدبر في المعنى حيث أن الآية الكريمة بأعلاه بدأت بالتأكيد على أن "الرجال قوامون على النساء" ، والقوامة هنا درجة في سلم القيادة او في ادارة الاسرة فالرجل هو رئيس الاسرة وتقع علية مسئولية هذه الأسرة وله الكلمة العليا والمرأة هي مدير عام الأسرة تديرها كيف تشاء. ونضرب مثلا لذلك بادارة الدولة في كثير من الدول الاوروبية حيث يكون الملك او رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ويساعدة في ادارة الدولة رئيس الوزراء أي رئيس الحكومة ( في مصر حين يتحدث الأزواج عن زوجاتهم يقولون عنهن "الحكومة" ) فالمرأة هي بالفعل الحكومة التي تحكم البيت والرجل هو رئيس البيت. اذن قوامة الرجل على المرأة في الاسلام لا تلغي دور المرأة وانما تعطي درجة أعلى للرجل في سلم القيادة. وفي جميع الاحوال فان قضية تعدد الزوجات وقضية قوامة الرجل على المرأة لا تلغيان الاهلية القانونية للمرأة حيث أجاز لها التشريع الاسلامي أن تشترط على زوجها في عقد الزواج ألا يتزوج عليها ، أما بالنسبة لقوامة الرجل عليها فان تلك القوامة لا تسلبها الحق في الاهلية القانونية المستقلة ولا في استقلالية الذمة المالية ولا تعطي للرجل الحق في أن يتدخل في ادارة ممتلكاتها وأموالها .
الخلاصة لقد كان الاسلام سباقا في منح المرأة شخصية قانونية مستقلة عن الرجل بل يعتبر موقف الاسلام من المرأة منذ أربعة عشر قرنا ثورة على المفهوم السائد عن المرأة في الحضارات القديمة سواء الاغريقية او اللاتينية او الفارسية والاوروبية القديمة من حيث الشك في انسانيتها وفي مساواتها بالرجل من حيث الكرامة الانسانية والاهلية القانونية . ويكفي أن نذكر أن التشريع الاسلامي يضع شرطين للحجر على الانسان هما صغر السن والجنون أما المشرع الأوروبي والمشرع الفرنسي على الأخص وذلك حتى عام 1938 فقد جعل شروط الحجر ثلاثة وهي : صغر السن والجنون والأنوثة . ولم يتم تعديل هذا القانون الفرنسي الا بعد عام 1938 حيث تم رفع الشرط الثالث "الانوثة" وبالتالي تم رفع القيود عن أهلية المرأة الفرنسية الا القيود المنبثقة عن نظام الذمة المالية المشتركة بين الزوجين ، بينما المرأة المسلمة حصلت على تلك الاهلية القانونية والمالية كاملة قبل المرأة الفرنسية باربعة عشرقرنا من الزمان. كما أكد الاسلام على حق المرأة في المساواة بالرجل في الحقوق المدنية كما جاء ذلك في كثير من الآيات الكريمة وفي كثير من الاحاديث النبوية وكرم الاسلام المرأة أيما تكريم وكفل لهاحق الحياة وأدان تلك البربرية السائدة في الجاهلية وهي وأد البنات ونهى عن الاكتئاب والحزن حين ولادة البنات وحث الانسان المسلم على معاملة البنات والبنين بنفس المعاملة الطيبة واكرام البنات والترفق بهن سواء في طفولتهن او في شبابهن وشيخوختهن. وجاء في كثير من الآيات والاحاديث المعروفة ما يؤكد مبدأ التسوية بين الرجل والمرأة وتكليف المرأة بنفس ما كلف به الرجل من عبادات وواجبات فيما عدا ما يتنافى مع طبيعتها كأنثى، وفرض عليها العقوبات والجزاء مثلها مثل الرجل. وهكذا نرى أن الاسلام كان رائدا في منح المرأة أهلية كاملة غير منقوصة وهو ما نطلق عليه في الوقت الحاضر" الشخصية القانونية المستقلة " ، واذا كانت المرأة المسلمة لم تتمتع بمزايا تلك الاهلية الكاملة في بعض عصور الانحطاط والجهل وفي المجتمعات التي تسود فيها عادات وتقاليد بالية لا تمت للاسلام بصلة فتحجب المرأة عن المشاركة الفعالة في ميادين العمل العامة بسبب تزمت وانغلاق بعض المفسرين المغالين في التحفظ والتشدد والمنادين بحبس المرأة في بيتها استنادا الى مبدأ " سد الذرائع " فان المنهاج الاسلامي يدعونا الى مساعدة المرأة للتخلص من هذا الغلو وتوعيتها بحقوقها ومكانتها ومعاونتها على التمتع بالاهلية القانونية المستقلة التي حباها بها الاسلام. والله الموفق ، د. فوزية العشماوي جامعة جنيف سويسرا
الدكتورة فوزية العشماوي ، أستاذه الحضارة الاسلامية، كلية الاداب بجامعة جنيف ـ سويسرا Dr Fawzia AL ASHMAWI- University of Geneva- Geneva Switzerland e mail : Ashmawi7 yahoo.com
#فوزية_العشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها
...
-
الكويت.. مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 1145 امرأة و13 رجلا
-
نجل ولي عهد النرويج متهم بارتكاب اغتصاب ثان بعد أيام من اتها
...
-
انحرفت واستقرت فوق منزل.. شاهد كيف أنقذت سيارة BMW امرأة من
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|