|
الشهيد سعدون: ولد وغادر في ظهيرة تشرينية ليتحول رمزا
يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 18:34
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ثمة مناضلين قدموا كل طاقاتهم من اجل الشعب والوطن، ومن اجل إعلاء اسم حزبهم ونشر مبادئه وأهدافه، وحين حانت الساعة، قدموا حياتهم غير هيابين، تواصلا مع ما أمنوا به، مدركين ان موتهم حياة لمبادئهم، وأملا في غد مشرق افضل للأجيال القادمة. ان عطاء هذه الأسماء، البهية، العطرة، المضيئة في سماء الوطن، يشير إلى بطولاتهم، ويمنح تأريخ حزبهم الشيوعي العراقي ألقا يسمو بهم للابد، هكذا عرفنا قوافل الأبطال الاماجد، التي ضمت أسماء من كل ألوان الطيف العراقي، لتقدم لنا لوحة عراقية في البطولة والمجد. بخشوع واعتزاز وبهاء نقرأ الأسماء المعطاءة، واليهم بفخر أنضم الرفيق النصير البطل سعدون (وضاح حسن عبد الأمير)، الذي ولد في مدينة كربلاء ظهيرة يوم 11 تشرين الاول 1961، واستشهد في ظهيرة يوم 13 تشرين الثاني 2004، ومعه اثنان من رفاقه المرافقين، برصاص قوى الإرهاب الآثمة، على الطريق من بغداد الى كركوك، حيث تعرضت السيارة التي كانوا يستقلونها، وهم في طريقهم لقضاء أيام العيد مع عائلاتهم، الى هجوم زمرة من القتلة المجرمين أيتام الدكتاتورية البائدة، الذين بلغ بهم الحقد حد التمثيل بعد ذلك بجثامين الرفاق المغدورين، لكن سعدون ظل الشيوعي والانسان الذي في حياته ومماته علا نجما زاهيا في سماء حزبه وتأريخ شعبه! أول لقاء لي بالرفيق سعدون، كان في يوم من تلك الأيام البهية في كردستان، أيام الكفاح المسلح، ففي يوم حزيراني، من عام 1985، فبعد صدور مجموعتي القصصية (عراقيون) عن رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين الأنصار، في شهر شباط من نفس العام، كنت في مقر" دراو" الأنصاري، قادما من العلاج في أيران، في طريقي لزيارة مقر الأعلام المركزي وإذاعة الحزب، اذاعة " صوت الشعب العراقي"، التي تبث من داخل الوطن، أتوكأ على عكازي واستظل بشجرة حور، وأتعافى من معالجة طبية لساقي، حين وقف أمامي شاب ممتلئ قليلا، يلف رقبته باليشماغ الكوردي، ومزنر بالرصاص، ليتمنى لي الشفاء والسلامة ويهنأ بصدور كتابي ونتحدث عن أدب الانصار وافاق ذلك. كان ذلك النصير سعدون، الذي سمعت عنه قبل ان ألتقيه، وجاء أنصار اخرون، ودارت أحاديث متفرقة، وكان سعدون طرفا فيها، لكنه كان المستمع الأول، واقل الحاضرين حديثا. وظل هذا الانطباع دائما راسخا في بالي عنه، كان مستمعا جيدا للاخر، وقليل الكلام، ولكنه عندما يبادر للحديث يجعلك تدرك انه كان مصغيا لكل ما قلته له، بعد ذلك بيومين، وانا بانتظار، من يصحبني الى مقر "ارموش" للقاء الرفاق في المكتب العسكري المركزي لقوات الأنصار، ودعنا سعدون فجأة، ولفت انتباهي أنه يغادر وحيدا باتجاه سهول اربيل : ـ الى اين؟ ـ الى منطقة عملي! ـ وحيدا؟ ـ سيكون الأمر اكثر أمانا! وضحكنا ساعتها، لكني كنت اعرف أنه يعني ما يقول، ومن رفاقه العاملين معه، سمعت الكثير عن براعته في حماية نفسه، ومعرفته الجيدة للطرق الامينة للحركة، وحكى عنه رفاقه الأنصار تفاصيلا، حتى لو ازلنا عنها الرتوشات بسبب الاعجاب والمحبة، فربما لا يصدقها الاخرون، كان ورفاقه الانصار يدخلون المدن الكردستانية بكل شجاعة وجسارة، ليمرغوا هيبة مسؤولي النظام الديكتاتوري بالوحل، وليترك ابناء المدن ينسجوا عنه ورفاقه الاساطير. وهكذا حين صعّد النظام المقبور من هجماته العسكرية، على حركة الانصار في عمليات الأنفال السيئة الصيت عام 1988، واضطر مئات المقاتلين من الاحزاب العراقية المعارضة الى الانسحاب الى دول الجوار، كان منطقيا ان سعدون وكوكبة من رفاقه يكون طريق انسحابهم الى... داخل الوطن، الى عمق المدن العراقية، ليواصل نضاله من هناك، وليسجل مساهمة مهمة في إعادة بناء التنظيمات الحزبية في مواجهات وصراع يومي مع اجهزة النظام المقبور التي جندت قواها لمحاولة الايقاع به من خلال دس العملاء او شراء الذمم. وليكون له دور بارز في انتفاضة اذار المجيدة 1991، وفي تحرير مدن كوردستانية من سيطرة النظام المقبور. في فترة العمل في بناء التنظيمات الحزبية يسجل له رفاقه وحزبه، براعته في التخفي وشجاعته في التنقل داخل المدن العراقية، بالرغم من كل جبروت النظام المقبور، واجهزته الامنية التي استطاعات أن تتابع بعض من نشاط سعدون من خلال عناصر حاولت دسها في التنظيم في محاولة للوصول اليه مباشرة، وبالرغم من المخاطر واصل سعدون العمل، ليوجه عام 1992 وبأسم حزب فهد وسلام عادل، الى الاجهزة الامنية للنظام المقبور ضربة بارعة ومحكمة حين تم وضمن خطة مدروسة الانسحاب ومعه العديد من الكوادر الحزبية الى مناطق أمنه بعيدا عن أيدي النظام المقبور، لتثور ثائرة الطاغية صدام حسين نفسه على معاونية وقادة أجهزته الأمنية. قبل سقوط النظام الديكتاتوري البغيض، في مدينة شقلاوة الساحرة، حيث مقرات قيادة الحزب الشيوعي العراقي وجريدة طريق الشعب واذاعة " صوت الشعب العراقي "، يكفي ان تذكر اسم سعدون حتى يقدم لك اهل المدينة المساعدة المطلوبة، اذ عرفوه مناضلا وأنسانا وبه صار يفخرون كأبنا لهم، وفي مدينة شقلاوة كان لي ان التقيه من جديد ومرارا خلال زياراتي الى المنطقة. في صيف 1998، وخلال مساهمتي في اعمال المؤتمر الثامن لاتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي، وفي الجلسات التحضيرية لاعداد وثائق المؤتمر، وفي افتتاح المؤتمر، وبعض جلسات المؤتمر، كان سعدون معنا، يستمع الى حوارات وسجالات الجميع، يتفحص وجوه المتكلمين بأهتمام، كأنه يبحث في دواخلهم عن دوافع اضافية لافكارهم، وبدون اوراق تحسه يسجل في باله ملاحظاته، ليقدم وفي الوقت المناسب افكاره بجرأة ومباشرة، ببساطة ودون تزويق لفظي. وعلى هامش أعمال مؤتمر الشبيبة قررت ان اوقف حياة العزوبية، وحين تحدثت بالفكرة مع مجموعة من الرفاق الأصدقاء وبحضور سعدون، بادر ليقدم لي وبمسؤولية عالية اقتراحات عملية جادة. كان سعدون ورغم مهامه الحزبية العديدة، يجد الوقت الكافي للاهتمام بحياة رفاقه ومستقبلهم، وهكذا ظل طيلة ايام وجودي قريبا منه في شقلاوة يتابعني بالأسئلة عن تطورات فكرة الزواج، وحين فاتحته بأعجابي بأحدى مندوبات المؤتمر، وطلبت منه المشورة، لعب دورا طيبا في تعزيز قناعاتي، وشجعني كثيرا، وحين تمت الخطوبة كان من أوائل المهنئين والمازحين باعتبار ذلك من نتائج مؤتمر الشبيبة الثامن. قيل وكتب الكثير عن الرفيق سعدون، من قبل رفاقه وأصدقائه، ومن قبل ناس لم يعرفوه عن قرب، وتحدثوا عن خصاله الإنسانية والقيادية، وتحدث شيوعيون عن خسارة الحزب الفادحة، والتي يراها البعض وبحق لا تعوض، لكن سعدون الذي أعطى الحزب كل ما ملك، ومن ذلك حياته، ظل حتى في مماته يناضل لاعلاء اسم الحزب وافكاره ومثله، فتحول أسمه الى شعار انتخابي وعلامة نضالية يفخر بها كل أعضاء وأصدقاء الحزب، واذا نفخر ونقول ان الحزب الشيوعي العراقي هو حزب فهد، وسلام عادل وجمال الحيدري، فلنا أن نقول اليوم ايضا : حزب سعدون!
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قدح شاي معطر بالعنفوان
-
ضحك مبحوح !
-
ثقافة التواضع !
-
سلة الثقافة وفاكهة الأعتذار !
-
ليفرد طائر الثقافة جناحيه !
-
في أنتظار المثقف -السيادي- !
-
ماذا يعني في بلد أوربي أن يكون أسم المجرم : إبراهيم ؟!
-
أصنع مستقبلك أيها النمر العراقي !
-
من أجل أن يشج رأسك كتاب !!
-
مثقف راهن !
-
الكاتب عبد المنعم الاعسم : لو امتدحوك فهذا يعني أنك على خطأ
...
-
من أجل الحوار والتمدن … تحية !
-
عَمود بالعرض !!
-
السينما تخلد قصة وفاء كلب ياباني !
-
ديمقراطية الخورمژ !
-
خذ بالك من أنف الديمقراطية ؟!
-
الكلاب المسعورة !!
-
صورة -العدو- البشع في الدراما التلفزيونية العربية -رجال الح
...
-
هل سيشهد العراق فترة حكم الديكتاتورية الطائفية ؟
-
النكات الطائفية !
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|