|
الحكي ، و تجدد الحياة .. قراءة في مجموعة نصف ضوء ل عزة رشاد
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 01:53
المحور:
الادب والفن
في نصوصها القصصية " نصف ضوء " – الصادرة عن دار هفن للنشر بالقاهرة 2010 – تجمع عزة رشاد بين الكشف عن الخصوصية الإبداعية للأنثى ، و روحها الفردية البهيجة الأكثر اتصالا بالقوى الكونية ، و عوالم المخيلة ، و اللاوعي ، و الأسطورة ، و الإيحاءات المجازية للواقع ، و كذلك البحث عن ملامح الهوية الثقافية للمجتمع المصري في النماذج الشخصية التي ترتكز عليها بؤرة السرد . تميل عزة رشاد إلى بناء الشخصية من خلال بحث الساردة عن خصوصية لا يمكن اكتمالها دون الآخر ، أو الأخرى في النص . ثمة إغواء وجودي ، و مجازي يكمن في اتصال وعي الساردة بالشخصية بحيث يمكننا قراءة التكوين الفريد للبطلة من داخل المخيلة التأويلية الإبداعية للساردة . إن عزة رشاد تحرص في مشروعها الإبداعي – على الإمساك بأثر الشخصية ، أو بما تتركه خلفها من ذكريات ، و إيحاءات لا يمكن محوها أبدا ؛ فهي تقبض على تناقضات العدم ، و الخلود في بنية الأثر ؛ لكي نواجه دائرية الحياة ، و امتداد أطيافها في الصوت الذي يمارس فعل الحكي ، و كأنه مادة للخصوصية التي تقع بين الأنا ، و الآخر من جهة ، و تمثيل للوهج المقاوم للمحو في الأثر ، أو الشخصية من جهة أخرى . و في سياق استعادة النشوء الأول للشخصية دائما ترتكز عزة رشاد على الوظائف السردية الدلائلية ، و هي هنا ممتدة ، و قابلة لإعادة التكوين في المتلقي حين يتوحد بالأثر ، أو الشخصية القصصية . الوظيفة السردية – في المجموعة – لا تنتمي لفاعل واحد ، أو سياق منطقي ، و لكنها تبرز أمامنا في لحظة دائرية مجردة تقع بين الماضي في ذاكرة الساردة ، و المستقبل الذي تعبث فيه أطياف الحياة المقاومة للعدم ، أو النهايات . يرى رولان بارت أن بعض القصص وظيفي بقوة ؛ مثل الحكايات الشعبية ، و الآخر دلائلي بقوة ؛ مثل الروايات النفسية ، و بين القطبين سلسلة كاملة من الأشكال الوسيطة ( راجع / بارت / مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص / ترجمة د منذر عياشي / مركز الإنماء الحضاري بسورية مع سوي بباريس / ط1 / سنة 1993 ص 46 ) . هكذا نرى الوحدات الوظيفية قد تجاوزت سياق المغامرة – في مشروع عزة رشاد – إذ ينشأ الحدوث من الذاكرة ، و يتجدد في الوحدات الدلائلية ، و قد اكتسبت قوة المادة دون التحلل ، أو التلاشي . في نص " الرابحة " تلتحم البطلة بأفكار الساردة حول خصوصية الكينونة الأنثوية ، و تقاطعها مع أخيلة الخصوبة ، و الانحياز للتأمل الجمالي ، و الحرية الفردية ؛ فالبطلة تحتفظ بجمالها ، و تميل للرقص ، و المرح ، و كانت تكشف ذراعيها ، و تكره الفيزياء ، و تتحدى السائد في علاقتها بتامر ، و إصرارها على دخول مدرسة الفنون ، ثم تموت في النهر مثل عروس النيل ، و يتحول صوتها الخفي في الساردة التي تنحاز لدراسة ابنتها للفن . الآخر في النص خليط من تأويلات الساردة ، و تفرد البطلة ، و النمو السردي / التشبيهي لأطيافها ، و أساطيرها ؛ فالبطلة تربح وهج الحياة الكامن في الماضي ؛ إنه الوهج المضاد لبنية التضحية بعروس النيل ؛ إذ يطمح للخلود ، و الاتصال الخفي بالمستقبل من خلال دوال الخصوبة المتجدد ، و التي لا تتعارض مع قيم الفردية الأنثوية . إن البطلة تتجاوز نفسها في مدلول الأصالة الجمالية ؛ ففيه ينقلب الغياب إلى حضور ، و اندماج بتاريخ الفن ، و تحولاته في النشوء المتكرر للإنسان الفرد . و في نص " المفعوصة " نلمح صراعا بين الروح الأنثوية المتحررة ، و الموقع الاجتماعي الحتمي المفروض على البطلة من الخارج ؛ فالبطلة تقفز ، و تصاب بجرح في الرأس ، ثم تستبطن الساردة وعيها ، و ترصد حالة النبذ التي تعرضت لها ؛ لأنها البنت الوسطى ، و مدى المعركة بين الموت ، و الخلاص مع صورة الشاب / طالب الطب الذي أبدى اهتماما بها . لقد تحول الموقع الحتمي للبطلة إلى فراغ للاستبدال اللعبي بين العلامات ؛ فنرى فيه القفزة خارج التكوين ، و السياق الثقافي ، أما الموت فيأتي كجسر للهوية الإبداعية للبطلة ، و قد تحققت من خلال استنزاف الموت لبنيته في الوعي النسوي للساردة . و في نص " خيط ممدود " تتوحد الساردة بمدلولي الطفولة ، و الأمومة في سياق بحثها عن طفل مفقود ، الطفل هنا دال متفرد لا يمكن القبض عليه في النص إلا من خلال التأويل ، أو الحكي المنتج لآثاره اللانهائية . إن اختفاء الطفل حدث مناهض للوظيفة السردية ، و لماديتها في آن ، إنه موقع للعب الدلائل النفسية للساردة نفسها التي تسقط أحلامها ، و أخيلتها حول الأمومة على الحدث ، هل وجد الطفل ؟ أم أنه الصوت الآخر للأنثى ؟ . إنه طيف مجازي في الدوال الواقعية ، أو نبوءة بالاختفاء ، و التعدد ، و الانتشار معا ، و قد استخدمت عزة رشاد تقنية توثيق آراء الرواة ؛ كي تؤكد أصالة التأويل ، و لامركزية الحقيقة ؛ فتخبرنا الساردة أن هناك من رأى الولد في حضن أمه قبل ثوان من اختفائه ، و من رآه انضم إلى سرب فراشات ملونة ، و من ذكر محاولة الأطباء إنقاذه من الموت . إن الساردة تفكك البنية المادية للولد ؛ إذ يلتبس حضوره بالأسطورة ، و وجوده بالعدم ، و الانتشار في وعي الآخر دون نهاية . و في نص " لا أحد يغضب من أميرة " ترصد الساردة التأثير السحري للأنوثة من خلال تداعيات شخصية أميرة في الساردة ، و صديقتها ، و مفردات الواقع . أميرة تتصل بأخيلة الخصوبة ، و تؤكد هويتها في تجاوز النمط ، و تفكيكه ؛ فهي خارج أطاري المرح المطلق ، و الفناء معا ؛ إنها بهجة ملائكية ذات تحول مادي مستمر . ترصد الساردة تفوقها في السباق ، و ذكاءها ، و حبها للشيكولاتة ، و انصياع الأب لرغباتها في اختيار الملابس ، ثم زمجرتها في فترة المرض ، و الاحتضار ، و بقاء أثرها / الخاتم في يد صفاء ، مع استعادة جماليات جسد أميرة مرة أخرى في النص . لقد ولدت أميرة في وعي الساردة كبديل عن الجمال الأبولوني ، و ارتباطه الخفي بالروح الأنثوية المتحررة ، هذه الروح التي تمنح الموت دلالة التحول ، و تفكيك منطق المرأة التقليدية / صفاء . و في نص " نصف ضوء " يلتحم فعل الحكي بتجدد الحياة ، و التأملات الأنثوية المضادة للصراع ، و القتل ، و يبدو ذلك واضحا في شخصيتي سارة / الأخت الصغيرة ، و ما تمارسه من حكايات بسيطة تحتمل دلالات ثقافية عميقة ، و العم يوسف ، و حكاياته عن المدينة ، و منتزهاتها ، و شوارعها المزدحمة . لم هذا التواتر لفعل الحكي في النص ؟ إنه الخيال المجدد لحالة الموت ، و تكرار أثر الدم ، و الانقطاع في النص ؛ فثمة طفل غائب ، و وفاة غامضة ليوسف ، و لكن يظل الحكي مؤولا للخطيئة ، و متجاوزا لها . و في نص " قدماه صغيرتان و جميلتان " يقاوم التكوين الجمالي لقدم الطفل متاعب الأم ، و الأسرة ، حمرة الدم تبعث المرح الداخلي في الساردة ، و تحرر طاقتها النفسية من دوال الانهيار في المشهد . و يتميز هذا النص بتجسيد لقاء الوعي بالتفاصيل الصغيرة ، و قدرتها على النمو ، و الانتشار في العوالم الداخلية للمتكلمة ، مثلما ينتشر المجاز في الواقع الحتمي . و في نص " في الصالة المكتومة " تناقش الساردة أصالة مدلول الأنا الأعلى في شخصية البطلة / بطة التي سرقت ثعبانا ذهبيا من شقة حماتها ، و أعادته دون أن تفارقها أحاسيس الذنب ، و الرغبة في الاعتراف ، و الإحساس بالفقدان ؛ فهي لم تنجب ولدا ، و تعاني من نقص المال ، ثمة أصالة للعقاب في لاوعي هذه الشخصية البسيطة ، فقد رأت في المنام حديقة تستحيل ثعبانا يهاجمها ، و كأن البهجة الأنثوية هنا يلازمها انهيار ، و موت معلق في بساطة الأداء ، و مرح الصور التي تمنح الشخصية حضورا جديدا معقدا . و في نص " عقدة لسان عم ريحان " تبدع عزة رشاد شخصية ريحان في سياقات ثقافية ، و جمالية ، و أنثوية تناهض البساطة ، و الاختزال ؛ فتكوين ريحان يجمع بين القوة ، و النشاط ، و البساطة المصرية ، و هو صاحب مزاج إبداعي يبدو في طبيعة عمله كرفاء للملابس من جهة ، و حرصه على جماليات التكوين ؛ إذ استعان بأرنب كي يبدو الملبس بلون واحد ، و هو يتطور من داخل الوعي النسائي للساردة ؛ لأنه ينتمي إلى أخيلة الالتئام ، و الإيروس . إن انهيار حرفة ريحان في النص يدل على الرغبة الخفية للساردة في استعادة الشخصيات ، و التكوينات الفريدة ، و هي محاكاة تحريفية لحرفة ريحان ، و قد صار الآخر الداخلي المتجدد في وعي الساردة . و في نص " عازل للصوت " ترصد الساردة نموذج سومة الغولة ، و تنتمي هذه الشخصية إلى شريحة تمارس العنف في المجتمع انطلاقا من أزمة إنسانية ، أو تشويه ثقافي للخصوصية من خلال الضرورة في أسوأ أشكالها . تؤول الساردة سومة من داخل الجمال الأول الذي تحول إلى ضوضاء ، و تشوه ، و موت على يد زوجها الأول . البطلة تجمع بين الجريمة ، و الانسحاق ، و الانهيار الذاتي للعنف ، بينما تبقى الروح الجمالية كأثر للشخصية فيما بعد التلوث ، و العدم . و في نص " دوائر للفوضى " تستعيد البطلة الحبيب ، أو تنتجه من وهج الانفعالات المجازية ، و الإدراك النسائي الذي يقترن بزهد لا ينفصل عن وجود الآخر داخل العالم الداخلي للمتكلمة نفسها . إن عزة رشاد تقبض على لحظة انقسام جمالي في صوت المرأة تؤدي إلى توحد يقع في صلب النزعة الفردية ؛ لأن مدلول الآخر يقع في الوعي بصورة دائرية . و في نص " أوسكار " تتنازع الفنانة / الممثلة لحظات التمرد ، و العشق ، و التعالي ، و التبديل ، و البحث عن الخصوصية ، و تجاوز الأبنية العامة لمدلول الحب في الرعب . الإبداع يقترن هنا بالروح المتحررة داخل البطلة ، تلك الروح التي تفكك المرجع الأول دائما ، و تستنفده في حالة التجدد ، تلك التي تميز كتابة عزة رشاد ، و مشروعها الإبداعي الذي يرتكز على استعادة البكارة الإبداعية للشخصية في حكي يتجاوز المحو . محمد سمير عبد السلام – مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإيماءات الإبداعية للحكي .. قراءة في نوافذ صغيرة ل محمد الب
...
-
لعب التشبيهات ، و الأصوات .. قراءة في كأنها نهاية الأرض ل رف
...
-
نقطة الخروج في مسرح أوجين يونسكو
-
نحو فضاء آخر .. قراءة في ديوان هوامش في القلب للدكتور عز الد
...
-
الوعي المبدع يتجدد .. قراءة في كتاب المغني ، و الحكاء ل فاطم
...
-
انطلاق القوى اللاواعية .. قراءة في دموع الإبل ل محمد إبراهيم
...
-
الإكمال الثقافي في فكر أرنولد توينبي
-
الاندماج الأول بالعالم .. قراءة في تفاصيل ، و تفاصيل أخرى ل
...
-
سرد في نسيج الحجر .. تأملات في طبعات الأيدي القديمة
-
امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس
-
سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت
-
تأملات جمالية في الأنا الأعلى
-
تجاوز الذات التاريخية .. قراءة في أحب نورا .. أكره نورهان ل
...
-
العولمة ، و الاختلاف
-
شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا
...
-
الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا
...
-
التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ
...
-
الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
-
تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد
...
-
صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
المزيد.....
-
وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
-
سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون
...
-
العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه
...
-
إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025
...
-
بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
-
ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم
...
-
سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو
...
-
معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
-
الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي
...
-
-نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|