|
الأنبياء والتأريخ
فارس أردوان ميشو
الحوار المتمدن-العدد: 2918 - 2010 / 2 / 15 - 02:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الأنبياء ، هل هم شخصيلت تأريخية حقيقية وموجودة ، أم هم شخصيات وهمية إسطورية إبتدعها أتباعهم ؟ الذين يقولون بأسطورية الأنبياء حجتهم على ذلك هو عدم وجود اي ذكر لهم في كتب التأريخ ، أو في الحفريات الآثارية للدول التي عاصروها . من الذين شملهم هذا الحكم ابراهيم ، والأنبياء أصحاب الرسالات السماوية ، موسى ويسوع ومحمد . هذا المقال ليس للدفاع عنهم ، فأتباعهم هم الأجدر والأقدر على ذلك ، ولن اتناول عقائدهم وشريعتهم وإيمانهم ، بل أحاول البحث في سيرتهم التأريخية .
ابراهم ( أبو الأنبياء ) ابراهيم إبن تارح ، يعود نسبه إلى آدم ، كان إسمه قبل الإيمان ( إبرام ) ومعناه ( الأب الرفيع أو الأب المتكرم ) ، وأصبح إسمه بعد الإيمان ابراهيم ( أبو رهام ) ومعناه ( أبو الجمهور ) ، وزوجته سارة ، وهي أخته من أبيه ، وكان إسمها قبل الإيمان ( ساراي ) ومعناه ( المجاهدة ) ، وبعد الإيمان أصبح أسمها ( سارة ) ومعناه ( الأميرة ) . ولد ابراهيم وسكن في مدينة أُور ، أو كما تقول التوراة : أُور الكلدانيين . خرج من أُور لأختلافه مع قومه حول مسألة الإيمان بالله ، وأخذ معه أبوه ( تارح ) وإبنه ( لوط ) ، وكان إبراهيم ميسوراً ولديه قطعان من الماشية وأتباع وخدم ، خرج من أُور وجال في عدة أماكن ، من حاران إلى شكيم وبيت إيل في فلسطين ، ثم رحل إلى مصر ، ثم عاد إلى فلسطين ، ونصب خيامه في منطقة إسمها ( بلوطات ممرا ) . ابراهيم كان رجلاً بدوياً راعي غنم وإبل ، ينتقل من مكان إلى آخر مع زوجته وخدمه . تزوج هاجر المصرية ، ومعنى إسمها ( هُجرة ) ، وولد منها إسماعيل ، ومعناه ( الله يسمع ) ، ثم ولدت سارة إسحق ، ومعناه ( يضحك ) ، وسيرة ابراهيم معروفة نأتي لصلب الموضوع : من يذكر بدوياً يقود قطعانه من مكان لأخر ؟ ، وهل يذكرُ أي ملك أو فرعون أو حاكم مدينة في سجلاته بدوياً ؟ وكم بدوياً تم ذكرهُ في التأريخ ؟ تكاثر نسل ابراهيم ، وشكلوا قبائل بالإنصهار والتحالف مع غيرهم . المُنعطف الكبير في تأريخ ابراهيم هو عندما ظهر في أحفاده أنبياء إدعوا أن الله الساكن في السموات قد أرسلهم . كثر المؤمنين بهم وكونوا دولاً وممالك ، وبدأ الأتباع والمؤمنين بتحويل الموروث والتأريخ الشفوي إلى تأريخ مكتوب ، وأضيف إلى تأريخه اساطير وخرافات ، وأصبح تأريخ إبراهيم - بصورة من الصور - تأريخ أُمم وشعوب . تغير التاريخ زززز واصبح ابراهيم ابو المؤمنين . نعود إلى التأريخ ونتسائل : هل يكتب المؤرخون سيرة بدوي يتنقل من مكان لأخر ؟ ، فهو لم يكن عنصراً رئيسياً في أي حدث رئيسي في التأريخ ، ولم يكن ملكاً او قائداً شهيراً ، ولم يبني صرحاً خلده الزمن ، كان ابراهيم بدوياً ومات بدوياً .
موسى ( كليم الله ) . موسى إسم مصري معناه ( الوليد ) ، وبالعبرية ( مُنتَشَلْ ) ، وأبيه ( عمرام ) وليس ( عمران ) ، ومعناه ( عَمْ مُرتفع ) ، وأمه ( يوكابد ) ومعناه ( يهوى المجد ) ، ويوكابد هي عمة عمرام ، ويجوز في شريعتهم تزوج العمة أو الخالة . كان موسى أصغر إخوته ، وأخته مريم هي البكر ، وأخيه هارون هو الثاني . ولد موسى في مصر في فترة كان موسى قد أمر بقتل الأطفال العبرانيين ، لم يُذكَرْ إسم الفرعون ولا أسباب القتل . خبأهُ أبوه لفترة ثلاثة أشهر ن وخاف عليه بعدها من جنود فرعون ، فأخذته أخته مريم ووضعته في سفط ( سلة مطلية بالطين والقار ) ، ورمته في النهر ، وبقيت تراقبه ، وكانت إبنة فرعون تلعب على ضفة النهر ، فشاهدته وأخذته ، فقالت لها مريم إنه من العبرانيين ويحتاج إلى مُرضعة ، فوافقت بنت الفرعون لأنها كانت عاقر ، فجلبت مريم أم موسى الحقيقية لترضعه . عاش موسى في البلاط ، وتربى تربية دينية ليهيأ ككاهن ، وعندما اتم أربعين عاماً شاهد مصرياً يُعذب عبرانياً ، فقام موسى بقتل المصري ودفنه في التراب ، وعندما شاع الخبر هرب إلى البرية عند المديانيين ، وكانوا يسكنون قرب العقبة الحالية ، وتزوج إبنة ( يثرون ) الكاهن المدياني ، ومعنى إسم يثرون ( فَضِلْ ) ، وإسم إبنته ( صفورة ) وتعني ( عصفورة ) . عاش موسى أربعين سنة أخرى يرعى غنم أبو صفورة ، حتى دعاه الله إلى أن يذهب لمصر وينقذ العبرانيين من إضطهاد الفرعون ، ذهب موسى وأنقذ العبرانيين بمعجزات من ضمنها شق البحر بعصاه ، وعبور العبرانيين وغرق الفرعون وجيشه . لم يذكر المصريين القدماء ومؤرخيهم بأنه كان هناك فرعوناً قد غرق في البحر هو وجيشه ، ولم تُذكَر كذلك حادثة هروب العبرانيين وكطاردة الفرعون لهم . أما عن مُعجزة شق البحر ، فهناك مناطق في البحيرات المُرة شمال البحر الأحمر تكون في فترات معينة ضحلة وممكن عبورها بدون أي مُعجزة إلهية . ذهب العبرانيين مع موسى إلى سيناء ، وهناك تلقى موسى الوصايا العشرة ، وعلم شعبه التوحيد ، وأعطاهم الوصايا والتعليمات ، وكتب وعلم التوراة ، وهي الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم ، وعلماء الكتاب المقدس لا يقبلون بذلك ، لورود موت موسى في السفر الخامس ، إذ لا يُعقل أن يكتب شخصاً تفاصيل موته . أكمل موسى أربعين سنة أخرى - وهي الأربعين الثالثة من عمره 120 سنة - ومات . لم يدخل موسى وأخوه هارون إلى الأرض الموعودة ، بسبب عقوبة من الله لكون موسى كان عصبي المزاج وخالف التعليمات ، لكن الله أراه أرض فلسطين قبل موته ، وهي ( الأرض الموعودة ) لشعبه ... حسب التوراة . هذا مُلخص لسيرة موسى ، لا أحداث رئيسية وكبيرة فيها سوى العبور الإعجازي وغرق فرعون المجهول الإسم ، وهي من الأساطير . والسؤال : هل هناك مؤرخ يذكر شخصية كموسى ليس لها تأثير في التأريخ !!؟ . علاقة موسى الرئيسية كانت مع المصريين ، والباقي مع اقوام بدوية وثنية لم يُبشرهم موسى بدينه وتوحيده ، لأنه مُرسل للعبرانيين !! ، هل موسى شخصية إسطورية أم حقيقية ؟
يسوع المسيح يسوع تعني ( المُخلص ) ، والمسيح واصلها ( مشيها ) تعني ( الممسوح بالزيت ) . ولد في بيت لحم ، أمه مريم العذراء خطيبة يوسف النجار ، وقصة ولادته وهروب عائلته إلى مصر معروفة . في سن الثالثة والثلاثين بدأ يُبشر بتعاليمه ، ومنطقة تبشيره كانت حول بحيرة طبريا وأورشليم والمدن المحيطة بها ، تبعه الفقراء والمنبوذين والمسحوقين إجتماعياً ، وحاربه كهنة اليهود ، لأنهم كانوا ينتظرون مُخلصاً يُخلصهم من ظلم الرومان ، وتخيلوه بشكل ملك جبار من سلالة داود ، محارب قوي يُعيد مجد صهيون ، وإذا بالمُخلص رجلاً فقيراً إبن نجار من الناصرة ، ومثلهم يقول : ( أيخرج أي شيئ جيد من الناصرة ؟ ) ، ينتعل نعالاً من الجلد ويلبس جلباناً طويلاً ويشد حول خصره حبلاً وشكله شكل أي متشرد ، ويختلط بالخطأة والزناة والمنبوذين ويدعوا بالمحبة ويُبشرهم بملكوت أبيه الذي في السماوات ، وهم يبحثون عن ملكٍ أرضي !!! . ولهذا حاربه اليهود وألبوا عليه الحاكم الروماني لأن المسيح إدعى بأنه إبن الله ، لم يكترث الحاكم بذلك ، لأن الرومان كانوا وثنيين ومُتسامحين دينياً ، بعدها إدعى اليهود بأن المسيح قال بأنه ملك اليهود ، وهذه تُهمة سياسية خطيرة تهدد سلطة الرومان ، وعليه تم صلبه بهذه التهمة السياسية ، وهرب تلاميذه وأتباعه ولم يبقى معه سوى أمه وتلميذه يوحنا .. احد كُتاب الإنجيل . المسيح ذُكِرَ في التأريخ ، ذكره المؤرخ يوسيفوس الذي كان يهودياً بعد مئة عام أثناء مروره بأورشليم ، لم يذكره كمبشر او إبن الله ، بل كمجرم إدعى أنه ملك اليهود ، وذُكِرَ في تقارير الحاكم الروماني بنفس التهمة السياسية .
محمد إبن عبد الله النبي العربي ، وكان أول من سُمي محمداً بين العرب ، ولد يتيماً وماتت أمه وهو طفل ، بعدها تعهده جده عبد المطلب ، ثم عمه أبي طالب . وكان ينتسب إلى عائلة عريقة من قريش ولكنها فقيرة ، تزوج خديجة وهي أكبر منه سناً ، ثرية ومتزوجة قبله بثلاثة رجال ، ولم يتزوج محمد غيرها في حياتها . بدأ دعوته بسن الأربعين ، بدأ مُبشراً في مكة ، يدعوا قومه إلى دينه ، رُفض وأُهين . وكانت دعوته في مكة بأسلوب المسيح ( سلمية ) ، تبعه أراذل القوم والعبيد وبعض من قريش من العوائل الضعيفة ، وام يدعي النبوة في مكة ، بل كان مُبشراً ونذيراً ومُصلحاً ، بشر بدعواه لمدة لثلاثة عشر عاماً بدون نتيجة ، هاجر وهرب إلى يثرب حيث كان اخواله بني النجار . قويت شوكته في يثرب ، وكثر أتباعه ، فإدعى النبوة وإنه النبي المُبَشَر به ، قضى على أعدائه من اليهود ، وإنتصر في عدة معارك مع قريش ، فتح مكة وإنتصر الإسلام . مات ودينه محصور في الصحراء بين مكة والمدينة والمدن والعشائر المحصورة في الصحراء . بدوياً آخر ، بشر بدعوته في صحراء قاسية ومعزولة ، ولم يُبشر خارجها ، وما قيل عن رسائله إلى الفرس والرومان مُختلق . من يذكر بدوياً بشر بدينه في الصحراء ؟ نبي مجهول للفرس والرومان !! ، لم يذكره أحد سوى أتباعه عند غزوهم للعالم وتديرهم لأمبراطورية الفرس وطردهم للرومان من المنطقة ، وقاموا بتدوين سيرته وكتبوها .
كان هذا سرد مُختصر لسيرة الأنبياء الكبار منزوعة عنهم قدسيتهم ومعجزاتهم ، شخصيات بسيطة وعادية ، والتأريخ لا يذكر أمثال هذه الشخصيات ، وكانت موهبتهم وميزتهم الوحيدة إيمانهم المطلق بالله والقوة في الدعوة له . كثر المؤمنين بهم وكونوا دولاً وممالك ، فبدأ أتباعهم بتدوين سيرتهم وتعاليمهم ، واضافوا عليها القدسية والمعجزات وأصبح تأريخهم هو تأريخ العالم . نعود للتأريخ ، ما هو التأريخ ؟ ، هل هو سرد لأحداث ووقائع وذكريات ، أم سيرة الملوك والأباطرة والألهة ، أم قصص الفقراء والضعفاء ؟ . السوال الثاني : من يُدون ويكتب التأريخ ؟ هل هم الملائكة وأقوام خارقة قادمة من الفضاء ، أم بشر لهم أهوائهم وأطماعهم وإنتمائاتهم ؟ . الحكمة المعروفة تقول : ( التأريخ يكتبه المنتصرون ) ، وليس كل مُنتصر ، بل المنتصرون من الملوك والحكام والأبطال !!. التأريخ هو تأريخ الأديان بحق ، فالحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأشورية والمصرية والفينيقية والفارسية والرومانية والهندية والصينية والإغريقية تأريخها تأريخ الآلهة وأبناء وأنصاف الآلهة من الحكام والملوك . وبعد الأديان السماوية ، أصبح التأريخ هو تأريخ الله وأنبيائه وأتباعه ، حتى التأريخ الحديث ولحد الأن يلعب الدين دوراً رئيسياً فيه .
في لحظة مجنونة من لحظات التأريخ يظهر شخص من المجهول ويغير تأريخ البشرية . تحياتي .
#فارس_أردوان_ميشو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|