|
عن الإسكندرية
مهدي بندق
الحوار المتمدن-العدد: 2914 - 2010 / 2 / 11 - 12:44
المحور:
الادب والفن
عن الإسكندرية مهدي بندق
1- مغزى مكتبة الإسكندرية عام 1938 أصدر طه حسين كتابه العمدة " مستقبل الثقافة في مصر " وفيه شرح العميد كيف يمكن للمحروسة أن تخرج من نفق الأزمنة المتخلفة ، لتحلق في فضاء العصر الحديث مثل غيرها من الأمم الناهضة . كان مشروع طه حسين يرمي إلى فتح النافذة " البحرية " أمام مصر لتلتقي ثقافة الحداثة الأوربية ، حيث المناهج العصرية في التعليم ، وحيث الحياة العقلية تزدهر وتتألق دون خشية من دعاوى تحريم أو خناجر تكفير ، حيث الديمقراطية واحترام حرية التفكير والتعبير والعقيدة ، وحيث الناس ثمة يجرءون علي وضع كل شئ موضع المسائلة . اليوم وبعد مرور أكثر من سبعين عاما ، لا يزال هذا المشروع الثقافي الهام حبيس دفتي الكتاب . وقد لا يكون مستغربا ً أن يتجاهل النظام السياسي في مصر – منذ 1952 وحتى الآن – هذا المشروع ؛ ما دام النظام يعتقد أنه مشروع يتناقض مع الدعوة للقومية العربية ، التي ستقوم بفضلها وحدة العرب من المحيط إلى الخليج ! إنما العجيب أن يبقى المثقفون راقدين في عربات النوم، أو منتظرين في السبنسة أن تسحبهم جميعاً قاطرة ُ السياسة ، بدلا من ممارستهم لوظيفتهم الحضارية كطلائع للسياسيين . لكن هذا الوضع المعكوس لن يظل قائما ً أبد الدهر . خذ مثلا ً ما يجرى في مكتبة الإسكندرية من حوارات مثمرة حول دور المثقفين في تعديل المسار التاريخي [ الذي ضل سبيله منذ غزا الفرسُ مصر عام 526 ق.م ] لتدرك مغزى تواصل اللقاءات الدورية بالمكتبة .. إنه تفعيل قدرات المثقفين على رسم إستراتيجية جديدة ، عنوانها : مصر أولا ً ، ومستقبل ومصالح وأمن شعبها فوق كل اعتبار .
2-قال البحر للحكومة جلس البحر الأبيض المتوسط على مقعد الرمال ، حزينا ً يفكر في مصير وليدته الكبرى " بحيرة مريوط " قيل له : ابنتك مسها الضرُ ، وأحفادك الأسماك بقلبها ضربهم مرض الموت بعد أن اخترمهم التلوث . يسأل البحر مترنحا ً : من فعل هذا بالأحباب ؟! تزأر رياح ُ الشرق : قومك المصريون يا مولانا ، فهم الأبرع في إيذاء النفس قصدا ً أو بدون قصد . للبحر قول مأثور " إياك أن تلوم الضحية " لذا هتف ضائقا ً : التعميم خطأ فاحش، كما قال الفيلسوف هيجل . كيف نضع الفاسدين ناهبي أقوات الناس ، لصوص أراضي وأموال الدولة ، في سلة واحدة مع الزراع الموجوعين ، والعمال المعتصرين ، والموظفين التعساء ، والصيادين الذين فقدوا الآن أرزاقهم ؟ أضاف البحر : أن ندين هؤلاء وأولئك معا ً لمجرد أنهم مصريو الجنسية إهانة للعقل وللضمير . قال البحر لنفسه : أعرف أن مصر تحصل على 55 مليار متر مكعب سنويا ً من مياه شقيقي النيل ، للفرد منه أقل من 800 متر مكعب ، وهي حصة متدنية للغاية ، تهدد بمجاعات قادمة ..فكيف تسكت الحكومة على مافيا الأراضي المتآمرين على البحيرة وثروتها السمكية ( وهي نواة تسند الزير بسوق الغذاء القومي ) إذ يلوثون مياهها بالمخلفات عمدا ً ، تمهيدا ً لتجفيفها وتحويلها لأراضي بناء ، تقام عليها القصور وملاعب الجولف والفنادق السياحية ؟! قال البحر للحكومة : ما لم تمنعي هذه الكارثة يا من وظفناك لخدمتنا ، فلسوف أحضر بنفسي من الإسكندرية لأحاسبك حساب الملكين .. فافعلي الصواب قبل يوم الحساب . 3- نجيب محفوظ ينتصر للإسكندرية في روايته الشهيرة : رباعية الإسكندرية يقدم لورانس داريل – عميل المخابرات البريطانية - أهالي المدينة ، ممثلين لمصر، في صورة كريهة ، فهم متعصبون جهلاء ، متبلدون ، سلبيون لا تعنيهم السياسة .. حياتهم هي المأكلُ والمشرب ُ والتناسلُ حسب ُ! أما الأجانب المستوطنون للمدينة - ومعظمهم من اليهود الأذكياء ! – فقد يمارسون بينهم علاقات الزنا والشذوذ والجريمة بوصفها " مرحاض الحضارة " لكنهم قبلها يتنفسون الشعر والفلسفة والحب والصداقة والسياسة كضرورات حياة . أين هؤلاء من أولئك ؟! فكأن داريل يقول لأهل الإسكندرية : مادمتم معلقين بالمراحيض واقفين بأبوابها خداماً للأجانب ، ومتسولين في أسواق الإنتاج العالمي فلا تحلموا بواقع أفضل . ذلك نقد وإن أوجعنا لابد نتأمله .. إن شئنا تغيير واقعنا الحالي ّ المهين . وهنا يبدأ نقدنا الذاتي الشجاع بالتوازي مع نقد ٍ منا مضاد ٍ لمن تعمد الغطرشة على سجايا السكندريين وعلى رموز مدينتهم العريقة خاصة في عصرها الإسلامي المتوهج بالضوء .. فأبو العباس المرسي – برؤية داريل الأحادية - مجرد مسجد ، وليس القطب الصوفي ّ الذي علـّم الإسكندرية الفلسفة والمنطق والفقه مجانا ً [ أكرر مجانا ً] كذلك يستحق داريل " قرصة أذن " لتجاهله أعلاما ً سكندريين كالطرطوشي وسيدي جابر والقباري والشاطبي والحافظ السِلْـفي وابن الحكم ممن أنعشوا ثقافة المدينة ممهدين لظهور عظمائها الأحدث : سيد درويش وناجي ومحمود سعيد أخوال وأعمام العبقرية العالمية " نجيب محفوظ " الذي انتقد أيضا ً في رواياته سلبيات الإسكندرية ولكن من منطلق الحب لها والإنصاف لشعبها . هكذا انتصر أدب ُ نجيب الرائع ُ على سفاهة َ لورنس المشبوه . 4- النيل غير موجود بقطار الإسكندرية
قال أبي : سنسافر وغايتنا القاهرة . وركبنا القطار فدهشت ُ .. كان خاليا ً من الأهرامات وأبي الهول ونهر النيل. عقـّب أبي : وهل القطار هو القاهرة ؟! إنه مجرد وسيلة مواصلات ربما تبلغنا مرادنا وربما تتعطل فلا نصل . مضى على هذه الأمثولة ستون عاما ً . أتذكرها كلما رأيت أناسا ً يخلطون بين الديمقراطية كنظام يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه وبين الانتخابات كوسيلة لتحقيق هذه الغاية. اليوم ومع تطور الوعي بالديمقراطية صارت الشعوب المتقدمة تحكم نفسها بواسطة رؤساء ونواب تختارهم بحريتها ، وتحاسبهم وتبدلهم دوريا ً بإرادتها ، فإذا أخطأت الاختيار لم تقل : فليول ِ الربُ من يصلح . إنها لا تلجأ للرب ليغير أحوالها – ليس من باب الكفر والعياذ بالله – بل لأنها نضجت فأدركت أن الشأن السياسيّ مسئولية الشعوب ما دامت هي مصدر السلطات . الديمقراطية إذن نظام ٌ تصدر التشريعاتُ والقوانينُ والأحكامُ القضائية فيه باسم الشعب إذ ُيفصل الدين ( الذي هو مطلق ثابت ) عن السياسة بحسبانها نسبية متغيرة ، وبهذا يكرس الإنسان سيدا ً لمصيره وصانعا ً لمستقبله . تلك خلاصة نظرية الديمقراطية ، وحيثما جهلت المجتمعات المتخلفة مغزاها ، فلا غرو أن ُتحبس في دائرة شريرة يقود فيها جهل ُ الناس الفكريّ والسياسيّ إلى إفقارهم ماديا ً ومعنويا ً بما يعيد إنتاج الجهل فالإفقار فالجهل دواليك . فأي نفع في الترويج لفكرة الانتخابات مع الغطرشة على حقيقة الديمقراطية؟ بالانتخابات وحدها قد يركب الشعب ُ قطار الإسكندرية قاصدا ً القاهرة ، ويقينا ً لن يجد النيل العظيم داخل قطاره ، فلماذا يندهش ؟
#مهدي_بندق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقفون بالاسكندرية يتضامنون مع شيخ النقاد العرب د. جابر عص
...
-
هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين ؟
-
مغامرة الكتابة مع نجيب محفوظ
-
المتشددون المسلمون يرقصون على موسيقي العدو و يهددون بحرب صلي
...
-
هل يمكن للشعب أن يتنازل - بحريته - عن حريته ؟
-
الشعر سفيرا ً فوق العادة
-
لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية
-
متى يعتذر الغرب للشعب المصري
-
المرأة العربية في المخيال الجمعي
-
مقاربة مصرية لرباعية الإسكندرية
-
رواية أن ترى الآن لمنتصر القفاش
-
النقد الذاتي قطار المصريين إلي الديمقراطية
-
عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت
-
الولاء لمصر ولو كره الفرس المعاصرون
-
كل ضد إلى ضده
-
مياه الأمن القومي بعد إنفلوانزا الخنازير
-
هل يستقيل الكاتب من ديوان العولمة ؟
-
الإسكندرية والتهاب العصب الخامس
-
من عصاها تهرب الحواسب الكونية
-
قصيدة : نسخة وذراها الخروج عن النص ِ
المزيد.....
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|