ماريو أنور
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 22:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى احدى زياراتى الدائمة الى اقاربى ومكوثى قرابت الساعتين .... طلبت منى ابنتهم مساعدتها فى مادة الدراسات الأجتماعية فى فهم بعض الأمور و مراجعتها قبل بداية الامتحانات الدراسية ..
منذ طفولتى و انا اكره هذه المادة المثقلة بمعلومات ليست لها فائدة فكرية او علمية للمستقبل او للحياة .... فهى عبارة عن مجموعات من الجمل المتسلسلة المرصرصة بطريقة حتى غير منظمة للجغرافية و التاريخ و العلوم البسيطة .
المهم و دون نقد .. لان الاغلب يعلم تماماً بخراب التعليم المصرى و العربى عامةً ..... وانا استرسل فى قراءة ما سوف اعمل على مراجعته ... انتابنى موجه من الضحك و الدهشة و الغضب فى آن الوقت ... لماذاً ... هلم بنا اريكم من يعمل على زرع الفتن الطائفية و التخلف و العنصرية الانسانية :
- فى الوحدة الثالثة من كتاب الدراسات الأجتماعية للصف الثانى الأعدادى مكتوب الأتى :
( هل كان العالم فى حاجة لمجىء محمد صلى الله عليه و سلم ؟ ولماذا ؟ )
اعطونى مبرر واحد لاهمية هذا السؤال لطفولة مبكرة او حتى شيخوخة متأخرة .... ما اهمية هذا السؤال للمسيحيين والمسلمين على حد سواء... بالطبع ليست له اهمية .... ما اهمية هذا السؤال لمستقبل هذا الطفولة ... ايضاً ليست له اى اهمية .. اذا لماذا ؟
المشكلة الأكبر بالنسبة لى هى ليست فى السؤال إنما كانت فى إجابته وهى :
( ليرشد الناس إلى عبادة الله الواحد وينشر فيه قيم العدل و المساواة و التسامح و الرحمة بعد ان انتشر فيه الظلم و الفساد فى جميع الأجناس وفى جميع المجالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية )
بعد قرائتى لهذه الجملة لم استطيع امساك بطنى من كثرة الضحك و السخرية على ما قرائته .... اتعنى هذه الاجابة ان العالم لم يكن يعبد الاله الحق .... كل هذه الفترة و هذه القرون و الآديان لم تعرف الحق و الاله الواحد الا بفضل الرسول محمد .... هل نعتبر هذا تجريح و سب مباشر الى المسيحية فى مصر و الديانات الآخرى .... تطلبون منا تربية اطفالنا على الحب و الوطنية ... اذا ماذا اجيب طفلى اذا سألنى هل حقاً الرسول محمد هو سبب القيم و معرفة الله ؟ .... هل حقاً اذا نحن نشرك بالله .... اعطونى اجابة مباشرة بمعنى هذه الجمل التى تدرس الى اطفالنا و تبعث على الفتنة و الطافرقة العنصرية بين البشر . الم تعرف البشرية اى من أمور العدل و المساواة و الرحمة الا من خلال الرسول محمد فقط لا غير !!!
لذلك سأضطر اسفاً الى تذكيركم :
قبل الفتح الاسلامى , كانت سورية و فلسطين و بلاد ما بين النهرين و حتى مصر مراكز ثقافة بفضل و جود مدارس شهيرة في الفلسفة و العلوم و الحقوق و اللاهوت , في الإسكندرية و بيروت و أنطا كية و الرها و نصيبين و في بلاد ما بين النهرين حتى إيران , و بعد القرن السادس في جنديسابور.
فكان الطلاب يبادرون من بعيد إلى مدارس الرياضيات و الفلك و الفلسفة في الإسكندرية , و إلى مدرسة الحقوق في بيروت .
و كان المسيحيون اليونانيون و السريان و الأقباط يتكلمون لغتين في أغلب الأحيان , علماَ بأن اليونانية كانت , في ذلك الزمان , اللغة الشائعة , أي المشتركة بين الأشخاص المثقفين , على غرار اللاتينية بالغرب في القرون الوسطي , و العربية بالعالم الاسلامى في القرون نفسها . أما السريانية فكانت لغة التجارة.
انطلاقا من القرن الخامس , و لا سيما في القرنين السادس و السابع , برزت حركة نقل واسعة للمؤلفات اليونانية إلى اللغة السريانية . و هناك حركات نقل موازية نجدها في خارج منطقتنا في ما يختص بالأرمينية و الجيورجية , و بقدر أقل في ما يختص بالقبطية و الإثيوبية . و هكذا انتشرت مدارس تعلم الطب و الرياضيات و الفلسفة و اللاهوت . و في منطقتنا , كانت تلك المدارس تستخدم السريانية .
كانت و وثبة النقل هذه تتعلق بجميع حقول الثقافة التي تعاصر ذلك الزمن . ففي حقل الطب , نقلت جميع المؤلفات السهلة النقل التي تركها أشهر أطباء الحضارة القديمة , و هما : بوقراط ( هيبوقراطس ) في القرن الثالث ق . م ., و جالينس ( معاصر المسيح ) . و في حقل الفلسفة , تناول الاهتمام أساساً أرسطو , و بقدر أقل مؤلفات أفلاطون و الآفلاطونية الجديدة , علماً بأن بعض المؤلفات كانت تنسب خطأ إلى أفلاطون .
يجب الانتباه الى بعض المقتطفات هنا .... على القنوات التليفزيونية و الاذاعات الأرضيه يملىء علينا السفسطائيين و المزورين بان الطب هو صناعة إسلامية وأنه لولا الاسلام لما عرف العالم الطب !!
بالطبع هذه العبارات تدخل الى عقول البسطاء و السففهاء فقط لا غير .... فها هنا ويجب الانتباه الى هذا الامر جيداً ان من نقل العلوم الطبية التى كانت متداوله فى ذات الوقت هم المسيحيين وذلك لخفيتهم الثقافية الضخمة ....
و هكذا , انطلق اكتشاف مؤلفات أدبية ضخمة شيئاً فشيئاً , تنسب إلى أسماء مشهورة , كسرجيوس الرسعينى في سورية , و لاسيما حنين بن إسحق الحيراوى في بلاد ما بين النهرين , و إلى أسماء أقل شهرة , منهم عدة أساقفة و بطاركة انصرفوا إلى نقل التراث الكلاسيكي من اليونانية إلى السريانية , علماً بأن هذه اللغة كانت في ذلك الزمان لغة المنطقة الشعبية
و فى أيام الغزو , كادت الحضارة الإسلامية أن لا تكون قد ولدت . و يعود ذلك إلى سبب بسيط , و هو أن لفظ (( حضارة )) مشتق من (( حضر )) , أى من منطقة تضم مدناً و قرى و سكاناً مقيمين . و من المعروف أن العرب ميزوا منذ القدم بين (( الحضر )) و (( البدو )) . فبحسب المعنى الاشتقاقى , يستحيل وجود (( حضارة بدوية )) , وإلا نكون أمام تناقض فى الألفاظ .
و الحال أن البدوى لا يترك آثاراً , بل , نظراً إلى نمط حياته , يتنقل من مكان إلى مكان , مستغلاً ما يجده فى المكان ( الأشجار و الماء إلخ ....) حتى نفاده , فينتقل عندئذ إلى آفاق جديدة . فالحضارة و جدت منذ أن نظمت المدن و كان لها بنية ثابتة . و إن ألقينا نظرة إلى الواقع , نرى أن الحضارة العربية و لدت قبل قليل جداً , و إذا صح أن هناك بعض المدن كمكة و المدينة ( أى يثرب ) أو واحات مزدهرة , فإننا لا نجد علامات منظورة تشهد لحضارة بمعناها الاشتقاقى .
لقاء ثقافات الشعوب الجديدة
و عليه , فحين و صل المسلمون إلى سورية , انبهروا بآثارها التذكارية و قصورها و كنائسها و أديرتها , بتلك التقنية , و بكل العلم الذى كانت تلك الآثار تفترضه . فوجب عليهم أن يكتسبوا تلك المعارف و يطلبوا إلى السكان ان ينقلوا إليهم معارف الحضارات الماضية .
لكن ذلك الإعجاب لم يقتصر على الهندسة المعمارية , بل امتد إلى تنظيم السكان الإدارى , علماً بأن الفاتحين لم يختبروا , قبل ذلك اليوم , إدارة أقاليم شاسعة .
هذا ما يظهر بوضوح على مستوى اللغة , فى العديد من الاقتباسات التى تمت من سائر لغات الشرق الأوسط : اليونانية و الاتينية و الفارسية و العبرانية و السريانية , لا بل الحبشية . لكن تلك الظاهرة نراها حتى قبل الغزو , و لقد تركت آثاراً حتى فى القران .
وضع لغة عربية حضارية
و لذلك السبب , كانوا يقتبسون من سكان البلدان كل ما يتعلق بالأمور التقنية . فالمفردات العربية العسكرية لم تكن مشتقة من العربية . على سبيل المثال : فإن كلمة (( قصر )) , بمعنى القلعة , أخذت من اللاتينية . و مثلها كلمة (( صراط )) , بمعنى الطريق المبلط ( الطريق الرومانى ) . أما كلمة (( هدى )) بمعنى الطريق المستقيم , فإنها مشتقة من اليونانية .
و كذلك , لا نجد أى كلمة مشتقة من العربية تدل على العلم و الكتابة ( الورقة و القلم ) او الإرادة , بل إن جميع تلك الكلمات مشتقة من اليونانية و السريانية.
إن المهتم بالكلمات التى اقتبسها القرآن من اللغات الأجنبية يستطيع أن يرجع إلى الكتب القديمة التى تبحث فى اللغة العربية , و التى يراها مجموعة بوجه خاص فى المزهر الذى وضعه السيوطى (المتوفى فى 1505 ) و الذى يدرس فيه الغريب فى القرآن . إنه يثبت فيه كيف أن جميع تللك الكلمات هى دخيلة , أى إنها ليست من أصل عربى . و هذا موقف علمى يعارض موقف العديد من العلماء المعاصرين الذين يحاولون أن يثبتوا أن جميع المفردات المستعملة فى القرآن هى من أصل عربى محض , وذلك لأسباب دينية دفاعية .
إذاً , فإن الكلمات الحضارية هى مفردات دخيلة , و هذا ما يعنى أن الحضارة العربية اتسعت و اغتنت , بضمها سائر الحضارات . و هذا أمر واضح فى مجالات مختلفة , انطلاقاً من أبسط المفردات إلى أشدها تجريداً.
فللدلالة على الطاولة , تستعمل عدة ألفاظ , كلها أجنبية : ( طاولة ( لاتينية ) , و طرابيزة فى مصر ( يونانية ) , و خوان ( فارسية ) , لأن العرب لم تستخدم الطاولة فى الصحراء .
و من جهة أخرى , فإن كلمة أقنوم المستعملة فى علم اللاهوت للدلالة على الجوهر الإلهى هى كلمة استعملها جميع الفلاسفة العرب فى القرون الوسطى ( من الفارابى إلى ابن سينا إلى ابن رشد ) . إنها مشتقة من السريانية قنومو أدخلها المسيحيون فى الحضارة العربية . و لما أراد عبد الله بن المقفع ( المتوفى 759 ) أن يترجم كلمة substance , لم يجد كلمة وافية , فتلافى المشكلة من دون أن يترجم الكلمة . فوجب انتظار حنين بن إسحق الذى اقترح كلمة جوهر , و هى كلمة من أصل فارسى اتبعت تطوراً معنوياً , علماً بأنها قد تعنى فى آن واحد حجراً كريماً أو ذات شىء من الأشياء , كما هى الحال فى أيامنا .
اذا و بعد هذا السرد البسيط للمفهوم الحضارى و البدوى .... نستطيع ان نقول ان العرب لم يكونوا فى الاصل الا حركة بدوية لا يذكرها التاريخ الى فى الاطار الدينى فقط لا غير .
نأتى الان الى الدور الاهم و هو تعليمكم اسس الحضاراة من علوم و فلسفة ...الخ ... ( الجزء الثانى )
#ماريو_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟