|
شاربيّ ... من وحي سيدي القائد .
فيصل البيطار
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 20:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رفعت يدي اليمنى وتلمست شاربيّ لأطمئن على وجودهما وأنا أبحلق بسيدي القائد عبر شاشة تلفزيوني الصغير ذو السبعة عشر بوصه والذي حصلت عليه من معرض الألكترونيه في شارع أبو نؤاس بعد جهد جهيد، كان يصيح ملوحا بيده والغضب يملئ كافة قسمات وجهه : شوكت تهتز الشوراب ... شوكت تهتز شواربهم . حمدت الله أنهما مازالا موجودين فوق شفتي العليا . أعلم أن سيدي القائد لا يعرف المزاح والضحك، وما ضحكاته تلك سوى أصوات دون معنى تخرج من فمه وليس قلبه لإكمال مشاهد المسرحيه التي يتحفنا بفصولها تلفزيون العراق مساء كل يوم ..... سيداتي سادتي : سهرتنا الليله مع السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه، نتمنى لكم سهره سعيده وتصبحون على الف خير . شاربي في مكانهما والحمدلله، ولكن كيف لي أن أهزهما لأنفذ بجلدي من ذلك الوعيد المرعب ؟ من المؤكد أن رحلة التفتيش عن هز الشوارب ستبدأ مع صباح الغد فجميع أعضاء المنظمه الحزبيه في منطقتي متسمرون الآن أمام شاشة التلفاز في سهره سعيده مع الرئيس القائد . غدا صباحا سيطرق بابي المسؤول الحزبي عن منطقتي ومعه مساعده وسيطلبان إمتحاني بهز شاربي . نهضت من فراشي تاركا تلفازي الصغير المحبب لنفسي وتوجهت لأقف أمام مرآة حمامي، شاربي جميلان ولم يخطهما الشيب بعد ينسدلان ليتوقفان عند نهاية شفتي العليا ولا تتعداهما . قائمة المطلوبين الـ (55) وعلى رأسهم سيدي القائد جميعهم بشوارب، قادة الحزب والجيش والدوله كلهم كلهم بشوارب مقتدين بقائدهم حتى في هذا الأمر، من المؤكد أن لا أحد منهم يستطيع مقابلته وهو أعزل الشاربين، أليس هو القدوه وأن على الجميع أن يقتدوا به . لكن شواربهم بما فيهم تلك التي يحملها سيدي القائد إختلفت في شكلها عما كانت عليه أيام حكمهم الأول عام 1963 ، عروس الثورات جاءت يوم 8 شباط لذا أطلق الكثير من البعثيين شواربهم بما يشبه رقم ثمانيه بالعربيه منسدله لتصل إلى مادون الشفة السفلى .... صبيحة 18 تشرين وهو اليوم الذي أطيح بالبعثيين به على يد عبد السلام عارف، كان جميع البعثيين دون شوارب ... حلقوها . حتى سيدي القائد يظهر فيما بعد تشرين بدونهما .... ثم هاهو بعد أن زال الخطر ومُد الخيط مع المخابرات المركزيه يطلقها من جديد ولكن بشكل آخر، أستعار هنا أشهر شاربي السينما الأمريكيه، كلارك جيبل فاتن النساء الذي أدار رؤوسهن عقودا . شبيه له كان في السينما المصريه، رشدي أباظه معبود النساء العربيات ذو الشاربين الفاتنين، لكنه عندما كان عشيقا لواحده من فاتنات السينما المصريه كان بدونهما، أغرمت به الممثله كاميليا وهي من أصل يهودي أو مسيحي ( هناك تضارب حول أصل ديانتها ) رغم أنها كانت عشيقة للملك فاروق وذات دلال عليه، فاروق كان يحبها لكنها كانت تحب أباظه، مما دفع بمنتجي السينما المصريه لإهمال أباظه وعدم إعطاءه أي دور في أفلامهم منافقة للملك الذي كان يغار منه .... ياسلام، الملك بيغار من واحد ممثل وما بيقدر يعمله شي ، كاميليا هذه قضت في حادث طائره في مصر وهي دون العشرين من عمرها، ولو عاشت لما كان هناك من شأن يذكر لهند رستم، شاربي جيبل كان يطلق عليهما في منطقتنا لقب " دوغلاس " وما زلت لا أعرف سببا لهذه التسميه، فالممثل كيرك دوغلاس كان حليقا عدى عن كونه أقل مرتبة من جيبل في السينما الأمريكيه، أما الممثل القديم الرائد دوغلاس فيربانكيس فكان له شاربين مختلفان . هناك آخرين شهيران في هوليوود، تلك التي أمتلكهما الممثل إيرول فلين ... أكيد فاكرينه ، لأنه هو الذي قام بدور نصير الفقراء في غابة شيروود الإنكليزيه روبن هود، في الفلم الشهير الذي حمل نفس الإسم، شاربي فلين كانا أدق من الذي يحملهما جيبل، والشوارب الأكثر دقه تلك التي إنتشرت في العراق في الخمسينات والستينات ومطالع السبعينات، خط رقيق جدا من الشاربين أطلقوا عليه تسمية " قلم " ... شوارب قلم، ربما تشبها بخط القلم الرقيق، هذا الشكل من الشوارب لم أشاهده في غير العراق، وأحسب أن الريف العراقي لم يكن ليعرفه أيضا، فهو لدقته يحتاج إلى حلاق ماهر ربما لم يكن ليتوفر هناك، كما وأحسب أن هذا الشارب القلم لم يكن بمقدور صاحبه أن يشذبه بنفسه لدقته . تميز بعض " شقاوات " (طائفه عرفتها بغداد منذ تأسيسها بإسم العيارون – القبضايات في بلاد الشام ) بغداد كما أخبرني الأصدقاء بحملهم لمثل هذا الشارب ولم ألحظه في وجوه أي من المشهورين، عدى المطرب سعدي الحلي الذي حمله أيام شبابه .... التراث الشاربي كان على الضد من شارب القلم . ليس فقط في الأوساط الشعبيه كان ضخامة الشارب رمزا للرجوله والفتوه، إنما ساد هذا المفهوم في أوساط قاده وزعماء معروفين، إنتشر بينهم الشارب الضخم المفتول والمتجه لأعلى كمئذنتين يحيطان بجامع " الأنف " ، لشدة الإعجاب بهذين الشاربين كان الناس يقولون : والله شواربه بيوقف عليها الصقر . ربما تميز رجالات الطائفه الدرزيه بحمل هكذا شاربين صقريين، وكان منهما سلطان باشا الأطرش ايام شبابه وثورته، والمير مجيد أرسلان وزير الدفاع اللبناني الأسبق والمعجب الدائم بفتوته، وما زال شاربي الصقر هذان لصيقين بوجوه الكثير من وجهاء الطائفه الدرزيه الكريمه .... الملك فؤاد والد فاروق كان يحملهما أيضا، وليس وحده من ملوك العائله الخديويه، بل هناك آخرون كالخديوي عباس حلمي الثاني، وغيرهم من الأمراء . السلاطين العثمانيون حمل البعض منهم شاربي الصقر، كذلك الكثير من ولاتهم وقادتهم العسكريين، وفي ظني أنهم هم من أدخلوه بلاد الشام ومصر ضمن الكثير من العادات التي دخلت المنطقه خلال أربعمائة عام من إستعمارهم لها، وليس لدي أي فكره عن إحجام العراقيين عن الشوارب المفتوله والميل نحو أشكال أخرى منها . فتل الشوارب ودفعها للوقوف الدائم تحتاج لماده خاصه قد تكون من المسك أو العنبر وهو ما يعطيهما رائحه زكيه، وبالطبع لا يقدر عليها سوى الأغنياء من الناس ولهذا السبب لن تجد شوارب الصقر عند فقراءهم . أيضا إنتشرت شوارب الصقر هذه في بعض المجتمعات الأوروبيه، وكما كان الإستعمار العثماني سببا لإنتشارها في بعض مجتمعاتنا، كان هو أيضا خلف إنتشارها هناك بعد أسلمتهم، لكنها سارت أوروبيا لما أبعد من هذه المستعمرات، ثم إنتقلت إلى القاره الجديده مع الهجرات المتتاليه من أوروبا . مجتمعات إفريقيا السمراء لم تعرف أي نوع من الشوارب مع بدء عصرنتها ووضعها على أعتاب الحضاره، كذلك السمر من الأمريكان، السبب يكمن في أن الشوارب السود لن تظهر على وجه يشبهها في اللون فلا فائده تجميليه منها إذا . آخر السورياليون العظام وأعظمهم دون شك سلفادور دالي كان يحمل شاربين صقريين سورياليين . إلى جانب شوارب الصقر، عرف العرب مع القرن العشرين، تلك البقعه الصغيره من الشوارب التي تلتصق أسفل أرنبة الأنف ولا تتعداها، عبد الكريم قاسم ربما كان آخر من حملها من مشاهير العراق، وكان قد سبقه قتيله نوري السعيد و جملة آخرين من الساسه والأدباء، وفي بلاد الشام حملها من المشاهير شكري القوتلي ورياض الصلح وشخصيات عامة كثر، وربما أشهر من حملها أوروبيا كان الزعيم الألماني هتلر، لكن ماشاع عربيا هو تلك الشوارب المنسدله حتى نهاية الشفتين .
التماثيل المكتشفه في بلاد الشام من عصور ما قبل الإسلام وفي مهد الحضاره اليونانيه والرومانيه كانت بدون شوارب، مما ينبأنا ودون أي لبس من أن تلك الظاهره لم تكن معروفه في مجتمعاتهم، أو ربما عُرفت على نطاق ضيق المساحه، وهذا يعني أنها كانت تملك أدوات الحلاقه الملائمه وأن إنتشارها كان سائدا في أوساط طبقات الشعب كافه، لا نقصد فقط الأدوات الحاده وهي المعروفه لدى غيرهم من الأمم، إنما تلك المليّنه بشكل خاص والتي يصعب بدونها إجراء عملية الحلاقه . في المجتمع الحجازي يطلب " محمد " من أتباعه حف الشارب وإطلاق اللحى، أي أن ظاهرة إطلاق الشوارب كانت هي الشائعه، ولم نقف على سبب مقنع لمثل هذا الحديث، فلا من حكمه دينيه تحركه والقول في أن السبب يكمن في تمييز المسلمين عن أعداءهم في حروبهم يدحضه كثرة حروب القبائل العربيه فيما بينها دون حف للشوارب، يخطر في بالنا الآن نزقات سيدتنا عائشه الكثيره، وما كان له أن يحف شاربه حسب طلبها دون أن يلزم شيعته بهذا الحف، لكن أمراء الإسلام وعامتهم القوا بحديث نبيهم خلف ظهورهم ولم يعمل به سوى قسم من الوهابيين وليس كلهم . الشارب يحتل مكانة شبه مقدسه لدى عامة المسلمين رغم حديث محمدهم، يُحلف به ويميز رجولتهم، المرأه هي التي بدون شاربين وليس الرجل .... واحده من العقوبات التي إبتدعها مماليك مصر بحق كبار رجالات المجتمع هو حلق شارب المغضوب عليه، أو نصف شاربه لوسمه بإحدى سمات المرأه، فعلت حركة حماس في قطاع غزه نفس هذا الأمر نهاية عام 2007 مع قيادي حركة فتح إبراهيم أبو النجا ... إعتقلته وحلقت له شاربه ثم أطلقته . إنتصروا عليه بتحويله لإمرأه !!! والمرأه هي التي أنجبتهم ... لكن من يعي ؟
غادرت مرآة حمامي .. نمت لأستيقظ على خبر دخول لجان التفتيش الأمميه غرفة نوم سيدي القائد لتفتشها شبرا من بعد شبر دون أن يهتز له شارب .
لايهمني الآن إن لم يهتز شاربيّ فقدوتي سيدي القائد .
سلام .
#فيصل_البيطار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خليل خوري وسياسة التضليل القومي (2)
-
خليل خوري وسياسة التضليل القومي (1)
-
نقد الدين أم صراع الأديان ؟
-
على هامش الغناء للزعماء ...
-
مهنة التحريض في عراق اليوم
-
القرامطه ... إشتراكيه مبكره
-
أيام في كوردستان العراق ...
-
في الصراع الإسلامي - المسيحي
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي ( 6 )
-
أيام في بغداد ....
-
جوله مع الاسماء ....
-
الوعي المسلوب ...
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي ( 5 )
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي ( 4 )
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي (3 )
-
إيران تستعجل قدرها .
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي (2)
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي (1)
-
فضاءات رحبه وأمينه في - الحوار المتمدن -
-
حديث المئذنه ....
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|