|
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (3)
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 12:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كارل ماركس
"ان القديس ماكس، الذي تمنعه (وحدة الاضداد) من النوم، هو النصير المخلص للفلسفة الألمانية التأملية، لا يرضي بذلك؛ انه يريد ان تكون هذه الوحدة منظورة بالنسبة إليه في شكل (كائن جسدي)، في (فرد كامل)، الأمر الذي ساعده فيورباخ فيه بواسطة مؤلفه (فلسفة المستقبل). أن (أنا) شترنر هذه، التي هي النتيجة الأخيرة لكل التاريخ السابق، ليست هي إذن (فرداً جسدياً)، بل مقولة منشأة على الطريقة الهيغلية ومدعومة بالإبدالات، ولسوف نتأثر (قفزاتها البرغوثية) التالية في العهد الجديد. سوف نقتصر هنا على الملاحظة بأن الأنا ترى النور في آخر تحليل لأنها تملك نفس الأوهام عن عالم المسيحي التي يملكها المسيحي عن عالم الأشياء".
"ان هيغل، الذي انحل العالم الحديث بالنسبة إليه في عالم الأفكار المجردة، يعرف مهمة الفيلسوف الحديث، بصورة متعارضة مع مهمة الفيلسوف القديم، كما يلي: بدلا ً من أن يتحرر، مثل القدماء، من (الوعي الطبيعي) و(يطهر الفرد من طريقة المباشرة الحسية ليجعل منه مادة متصورة و مفكرة) (روحاً)، فأن من واجبه أن (يتجاوز الأفكار الثابتة، المحددة، الجامدة). و يضيف ان ذلك هو دور (الجدل) (علم ظواهر الفكر، ص: 26، 27). ان (شترنر) يتميز من هيغل في انه يتوصل إلى النتيجة ذاتها دونما جدل على الاطلاق".
"ان (شترنر) ليتقاسم، بحس غير محدود من الاستقامة، أوهام الفلسفة الألمانية: وتتضح حدة هذا الوهم في استبداله التاريخ (بالإنسان). الإنسان الشخصية الفاعلة الوحيدة ويعتقد ان (الإنسان) قد صنع التاريخ. ولسوف نصادف من جديد هذا التصور عند فيورباخ الذي يقبل (شترنر) أوهامه مغمض العينين كيما يبني المزيد على أسسها".
"ولقد كان المرء يتوقع من (براعة الفكر) لدى شترنر ان يمضي إلى أبعد من ذلك في أبحاثه في منطق هيغل".
"فلندرس الآن (نور العالم) في (منطق الحكمة الجديدة) لان القديس سانشو لا يريد أن يكتفي بكل ما دمره من قبل.
بالنسبة إلى مؤلفنا (الأوحد)، من المفروغ منه بالطبع أن أساس عبقريته يقوم في المجموعة المتألقة من الفضائل الشخصية التي تؤلف براعتها الفكرية الخاصة. ومادامت جميع هذه الفضائل قد اثبتت من قبل بصورة وافية، فأنه يكفي هنا ان نعطي خلاصة مقتبضة لأهمها: المجون الفكري – الاضطراب – التشوش – الخراقة المعترف بها – التكرارات التي لا تنتهي – التناقض المتصل مع نفسه – المقارنات التي لا نظير لها – محاولات الاستعمال الأخرق لعبارات العطف: من أجل، بالتالي، لهذا السبب، لأن، وفقاً لذلك، لكن، الخ. – الجهل – التأكيدات الخرقاء – الطيش المهيب – العبارات الثورية الرصينة – البلاغة المتبجحة – الابتذال الطنان والعبث بالبذاءة الرخيصة – الارتفاع بحكم بايكسنتر نانت (رمزاً للمهرج المرح الذي يتفلسف ويثرثر ويتفوه بمناسبة أو غير مناسبة بالفكاهات الرائجة باللهجة الشعبية البرلينية) إلى مرتبة المفاهيم المطلقة – التبعية الفكرية للتقاليد الهيغلية والشعارات البرلينية الشائعة".
"يمكننا في الحال أن نأتي هنا على ذكر حيلة منطقية من المحال بشأنها تقرير ما إذا كانت تدين بوجودها إلى قوة سانشو الشهيرة أو إلى العجز الذي تعاني منه أفكاره. ان هذه الحيلة تستقيم في الاطباق على مظهر واحد من فكرة أو مفهوم يملك عدة مظاهر محددة جيداً لتحويله إلى المظهر الواحد والأوحد، ومن بعد احلاله محل المفهوم نفسه بوصفه تحديده الأوحد، ومن ثم معارضته بأي مظهر آخر تحت اسم جديد، على أنه شيء أصيل".
"ان هذه اللعبة التافهة بالتمييزات تجتاز (الكتاب) بأسره؛ وانها لتشكل فيما عدا ذلك الرافعة الرئيسية للحيل المنطقية الأخرى وتتخذ بصورة خاصة شكل ذمامة (علم قضايا الذمة والضمير) مغرورة بنفسها بقدر ما هي رخيصة بصورة تبعث على السخرية ... وبعد كل هذه التمييزات المكدودة والمسائل الحقيرة يتخذ صاحبنا سانشو مظهراً رفيعاً حقاً في لامبالاته، إذ ان الأمر سواء بالنسبة إليه، وهو يرفض جميع الفوارق الفعلية والعملية والأيديولوجية. وعلى العموم نستطيع أن نقول في الحال ان قدرته على التمييز تتخلف حتى درجة بعيدة عن قدرته على عدم التمييز، على رؤية جميع القطط سوداء، في ظلمة المقدس، وعلى ارجاع كل شيء إلا لا شيء – وهو فن يجد التعبير الملائم عنه في الإبدالات".
"ان الإبدال حمار القديس سانشو، قاطرته المنطقية والتاريخية، القوة المحركة (للكتاب) وقد ارجعت إلى تعبيرها الأبسط والأشد اختصاراً. وفي سبيل تحويل الفكرة الواحدة إلى الأخرى، أو البرهان على هوية شيئين مختلفين كل الاختلاف، فأنه لابد من بعض الحلقات المتوسطة التي يمكن استخدامها، بمعناها جزئياً، وبإشتقاقها اللغوي جزئياً، وبصداها جزئياً، في سبيل إقامة رابطة ظاهرية بين فكرتين أساسيتين. ومن ثم تلحق هذه الفكرة الاولى في شكل ابدال، وبطريقة يمضي المرء معها أبعد فأبعد عن نقطة الانطلاق ويقترب أكثر فأكثر من الهدف المرجو. وإذا كانت سلسلة الابدالات قد مضت بعيداً جداً بحيث يستطيع المرء أن يخلص إلى نتيجة دون أيما خطر، ألحقت الفكرة الأخيرة أيضاً في شكل ابدال بواسطة خط، وبذلك تكون الحيلة قد تمت .. وعندما تستخدم هذه الخدعة بنجاح مرات عديدة، فان في مكنة المرء، على طريقة سانشو، ان يحذف بصورة تدريجية بعض الحلقات المتوسطة ويرجع آخر الأمر إلى سلسلة الابدالات إلى بعض الأقواس الضرورية بصورة مطلقة.
ويمكن أن يقلب الإبدال أيضاً، كما رأينا أعلاه، وبذلك يؤدي إلى خدع جديدة أشد تعقيداً، بل إلى نتائج أبعث على الدهشة.
ويستخدم القديس سانشو الإبدال بطريقتين: من جهة واحدة على صعيد المنطق الخالص، في تكريس العالم، حيث يمكنه من تحويل أي شيء دنيوي إلى (المقدس)، ومن جهة أخرى على صعيد التاريخ، في شرح رابطة بين عصور مختلفة وفي تلخيص هذه العصور، إذ تختصر كل مرحلة تاريخية في كلمة وحيدة، وتكون النتيجة النهائية ان الحلقة الأخيرة للسلسلة التاريخية لم تتقدم بنا شعرة واحدة أبعد من الحلقة الأولى، وفي النهاية تلخص عصور السلسلة جميعاً في مقولة مجردة مثل المثالية، والتبعية للأفكار، الخ. وإذا كان لابد من اعطاء السلسلة التاريخية للابدالات مظهر التقدم، فان هذا الأمر يتحقق باعطاء العبارة الختامية معنى اكتمال العصر البدئي للسلسلة، والحلقات المتوسطة معنى المراحل الصاعدة للتطور المؤدي إلى العبارة الأخيرة القيمة.
وان لدينا الترادف جنباً إلى جنب مع الابدال، يستغله سانشو بكل طريقة ممكنة. فإذا كان ثمة علاقة لغوية بين كلمتين أو كانتا متشابهتين صوتا فقط، جعلتا في الحال مسؤولين عن بعضهما بعضاً، أو إذا كان للكلمة معنى مختلف، فانها تستخدم إذن، حسب الحاجة، بمعنى واحد أولاً، ومن ثم بمعنى آخر، بينما يتظاهر القديس سانشو بأنه يتحدث عن نفس الشيء الواحد في (انكساراته) المختلفة".
"ان الترادف يخدم قديسنا من جهة واحدة في تحويل العلاقات التجريبية إلى علاقات تأملية، حين يستخدم الكلمة الواردة في الحياة العملية والتأمل الفلسفي على السواء بمعناها التأملي وحده، متفوهاً بعبارات قليلة عن هذا المبنى التأملي، زاعماً من بعد أنه قد انتقد بذلك العلاقات الفعلية التي تفيد هذه الكلمة أيضاً في الدلالة عليها".
"ان الترادف، متحداً مع الابدال، يشكل الرافعة الرئيسية لحيله السحرية التي سبق لنا عرضها في مناسبات عديدة. وكيما نقدم مثالاً على السهولة الكبيرة لهذا الفن، فلننفذ كذلك حيلة سرية على طريقة سانشو".
كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية
"يملك هيغل القدرة الكاذبة أن يعرض على أنها عملية الكائن العقلي المتخيل نفسه، العملية التي بواسطتها ينتقل الفيلسوف عن طريق الإدراك الحسي من موضوع إلى آخر. وإلى جانب ذلك، غالباً ما يقدم هيغل عرضاً حقيقياً، يحيط بشيء نفسه، ضمن العرض التأملي. هذا العرض الواقعي ضمن العرض التأملي يوقع القارىء في الظلال فيأخذ التأمل على أنه واقع والواقع على أنه التأمل".
كارل ماركس، العائلة المقدسة _____________________________________________________________________________________
يقول هيغل: "ما هو عقلي فهو واقع، وما هو واقع فهو عقلي"، "ولكن فيما يخص دلالتهما، كي نقبض عليها جيداً، يجب أن نتشبع بهذا المبدأ ألا وهو ان الله هو الواقع الأعلى والواقع الوحيد .. وحين تحدثت عن واقع، كان من السهل تماماً أن يفهم المرء في أي معنى استعملت هذا التعبير، مادمت في كتابي المنطق، عالجت الواقع".
هيغل، مختارات 2
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (2)
-
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (1)
-
حول ملاحظات قوجمان الدِّياليكتيكية
-
التَّاريخ بين ماركس وهيغل
-
تعارض ماركس مع المادية الدِّياليكتيكية - 2
-
تعارض ماركس مع المادية الدِّياليكتيكية - 1
-
تعارض ماركس مع المنهج الدِّياليكتيكي
-
تعارض المنهج المادي للتَّاريخ مع المنهج الدِّياليكتيكي
-
التَّناقض بين المادية والدِّياليكتيكية
-
تعارض ماركس مع الاقتصاد السياسي
-
تعارض ماركس مع فلسفة هيغل وفيورباخ
-
مدخل إلى: تعارض ماركس مع الفلسفة الألمانية، والاقتصاد السياس
...
-
التناقض بين المادية التاريخية والفلسفة الماركسية - 2- المارك
...
-
التناقض بين المادية التاريخية و الفلسفة الماركسية - 1- المار
...
-
التروتسكية: نظرية الثورة الدائمة - )مقتطفات من: التروتسكية ث
...
-
الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية - التناقض
...
-
المادية التأريخية و اسطورة الماركسية – جوابا لانتقادات المار
...
-
تصحيح خطأ!
-
الشيوعية وأسطورة الماركسية – ماركس ولينين ((1))
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد وثورة أممية جديدة؟ 6 أزمة
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|