أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مليطان - مبالغة -حماة- العربية














المزيد.....

مبالغة -حماة- العربية


محمد مليطان

الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 11:18
المحور: الادب والفن
    


يُنظر إلى اللغة في الدرس اللساني الحديث باعتبارها موضوعاً مجرداً، أي مجموعة من الجمل تربط بين مكوناتها علاقات صرفية – تركيبية ودلالية. أو باعتبارها أداة تُسخّر لتحقيق التواصل داخل المجتمعات البشرية. ويقولون اللسانيون بأن للسان الطبيعي خصائص عامة تتقاسمها اللغات على اختلاف أنماطها وهو ما يسميه اللسانيون "الكليات اللغوية"، وإن الطفل يُفطر، باعتباره كائنا بشريّاً، على مجموعة من المبادئ العامة تمكّنه بمعونة محيطه من اكتساب لغة معينة، لغة العشيرة اللغوية التي ينمو فيها.
حسب المقاربة اللسانية الحديثة، لا يكتسب الطفل قدرة لغوية محضة بل قدرة على التواصل مع محيطه الاجتماعي، لا يتعلم أصوات لغته وقواعد صرفها وتركبيها بل يتعلم معها ما تؤديه من أغراض تواصلية. وهو ما يربط اللغة بخضوعها لمبادئ واشتراطات براغماتية من قبل مستخدميها، فمستعمل اللغة الطبيعية لا يستعمل اللغة انطلاقا من مبادئ الهوية العرقية أو الدينية ولكنه يستعملها للتواصل مع محيطه الاجتماعي اعتمادا فقط لمبدأ براغماتية التواصل الناجح، ولا شيء غير التواصل الناجح.
تيارات اليمين العربي بشكل عام زاوجت بين اللغة والهوية، واللغة والدين، حتى صوروا العلاقة بين هذه الثنائيات كالعلاقة بين وجهي العملة الواحدة، فزاوجوا بين اللغة والهوية بمعنى الثقافة، وتطرفوا فزاوجوا بين اللغة والهوية بمعنى العرق، وغالوا في التطرف حين زاوجوا بين اللغة والدين. في الوقت الذي لا الهوية الثقافية ولا الهوية العرقية ولا المفاهيم الدينية تدعم هذا، لكنهم فعلوها على أية حال..! وتم الترويج لتقديس اللغة العربية بفذلكة آثار دينية من قبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحبوا العرب لثلاث لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي". متجاهلين الإشكال الذي ينتج عن هذا الخطاب التبجيلي بخصوص اللغات التي نزلت بها الكتب السماوية الأخرى وتحدث بها أنبياء الله الذين يجب أن ينظر إليهم من المبدأ القرآني: "لاَ نُفَّرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُسُلِهِ"[البقرة:285]، وهذا بالطبع يعني قطعا أن لا فرق بين كتبه، وهو ما يعني أن لا فرق بين اللغات التي اختارها لتكون لغة كتبه المقدسة.
وفي إطار هذا الخطاب نفسه تم الإعلاء من شأن الفصاحة والبلاغة المنسوبتين إلى اللغة العربية، باعتبارها لغة الفصاحة والبلاغة، مقتضيا هذا الخطاب أن لا لغة أخرى تنافس العربية في فصاحتها وبلاغتها، وهذا خطأ علمي فادح ارتكبه بعض البلاغيين والنحاة العرب القدماء مدفوعين بعاطفة الانتماء القومي أو الديني، ولا تدعمه الحجج والبراهين اللغوية العلمية، فالبلاغة والفصاحة قدرتان لغويتان إبداعيتان في الإنسان نفسه، لا في اللغة التي يستعملها، وما اللغة (الصورية) إلا قالب يقدم من خلالها البلاغي بلاغته والفصيح فصاحته، بما في ذلك لغة الإشارة التي تعكس بلاغة مستعمليها وقدراتهم على التعبير الوجيز للدلالة على المعاني التي قد تحتاج لغة الصوت والحروف في بيانها إلى إنفاق صوتي وتراكيبي غير يسير. فكل لغات الدنيا يتمتع أهلها بفصاحة وبلاغة كما هي عند أهل العربية، إذ لا يتصور أن لا تشتمل لغة ما على: تورية، أو تشبيه، أو كناية، أو أي مجاز بشكل عام.
لقد بالغ، ولا يزال، "حماة العربية" في الخوف عليها من تهديد اللغات الدوارج العربية، التي يعتقدون أنها تخوض حرب إبادة ضد العربية الفصيحة، مبرمجة بـ"نظرية المؤامرة"، وهو ما لم يحدث، غير أن ما حدث في المقابل بسبب هذا الحرص المبالغ فيه، كان أكثر ضررا للعربية الفصيحة، فبدل أن تستفيد اللغة العربية الفصيحة من انفتاحها على دوارجها واللغات الأخرى في إغناء معجمها، أجبرها "حماتها" على الانغلاق على نفسها، لتجتر معجمها التراثي وتستدعيه في كل مناسبة، ما كشف عن عجز رهيب عن مسايرة المستجدات، بما في ذلك المستجدات اللغوية اللسانية، وجعل من المعجم اللغوي العربي يبدو هزيلا أمام معاجم اللغات المجاورة التي تفخر كل يوم بإضافة قائمة جديدة من المصطلحات المستحدثة إليها.



#محمد_مليطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستنقع التطرف
- الإثارة الرمزية في الفضائيات الملتحية
- ثقافة إسلامية أم -إسلام ثقافي- ..؟
- ليبيا اليوم .. بين ليبيا الأمس وليبيا الغد
- أكاديمية الفساد
- طموحات شبابية.. بحجم شقة
- التوسل إلى الأمام.. عبر التراجع
- الاوبرا الالمانية تقدم عرضا تظهر فيها رأس النبي محمد - صلى ا ...
- لا تغربي يا شمس
- (تصدر حسب التساهيل).. علامة ليبية بامتياز في عالم الصحافة
- الشرق الأوسط الجديد.. مواسم الحصاد
- الإعلام الليبي.. احتضار الخطاب ونزوح المتلقي


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مليطان - مبالغة -حماة- العربية