كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2902 - 2010 / 1 / 29 - 11:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أدعي الغيب ولا القدرة على التنبؤ ولا أضربُ أخماساً بأسداس, بل أنطلق من رؤية واقعية لما يجري في العراق والعالم العربي ودول الجوار غير العربية في محاولة مني لفهم تعقيدات الوضع الجاري في العراق والمشكلات التي تؤرق المجتمع ومواقف القوى السياسية العراقية المختلفة وتشل قدرتها على الحركة الضرورية لمواجهة الأحداث الكارثية, ومن ثم استخلاص بعض الاستنتاجات.
حين سقط نظام البعث تحت ضربات القوات الأجنبية وفُرض الاحتلال على العراق, كنت قد كتبت في شهر سقوط الطاغية ونظامه سلسلة مقالات تحت عنوان "نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج" أشرت فيها إلى ما قام به صدام حسين وحزبه من إجراءات لمواجهة أوضاعهم ودورهم ما بعد السقوط, إذ كان الطاغية متيقناً, وبعد أن بدأت الحرب, بأن نظامه لن يخرج منها سالماً. وقد برهنت الحياة, ومع الأسف الشديد, على صحة ما توقعته حينذاك. وقد استندت في حينها إلى معرفتي المتواضعة ببنية تفكير وشخصية صدام حسين والطغمة الفاعلة في حزب البعث الحاكم حينذاك. ورغم أن تلك المقالات قد ترجمت من جانب مراسل ألـ BBC في واشنطن ومن ألـ CIA, كما أُخبرت به من أخوة خبراء عراقيين كانوا يعملون ضمن فريق الخبراء في واشنطن والذين وزعت عليهم تلك المقالات قبل انتقالهم للعمل في بغداد وتحول أغلبهم إلى مجرد مترجمين لا غير, فأن الإدارة الأمريكية لم تدرس الحالة المحتملة ولم تتخذ أي إجراء حقيقي لمواجهة ما طرحته تلك الرؤية وما سيقوم به حزب البعث في الداخل, بل سارت في غيها وغرورها, ولعب الدكتاتور الصغير پول بريمر دوراً بارزاً في هذا الصدد, مما تسبب في ما صار إليه العراق خلال الأعوام السبعة المنصرمة.
القوى التي تساهم في تعقيد أوضاع العراق وتحرث الأرض التي يعمل عليها الإرهابيون القتلة, سواء أدرك البعض منهم بهذا الدور أم لم يدركه, فالحصيلة واحدة. فمن هي القوى الإرهابية ومن هي تلك القوى التي تسهل مهمة الإرهابيين شاءت ذلك أم أبت؟ سأحاول الإجابة عن هذا السؤال المعقد وأملي أن يحظى بالعناية الكافية, إذ أن إغفال ما فيه يمكن أن يقود إلى كوارث إضافية لا نتمناها لشعبنا المبتلى.
1 . القوى التي تمارس الإرهاب مباشرة معروفة للجميع وهي خليط غير متجانس, ولكنها تشترك في هدف مركزي واحد هو استمرار زعزعة الوضع في العراق وإبقاء حالة القلق وعدم الاستقرار والعجز عن البناء وإنزال المزيد من الخسائر البشرية والمادية بالمجتمع العراقي. وهذه القوى تشترك في تحالف سياسي يحتضن فيه: تنظيم القاعدة, ومجموعة هيئة علماء المسلمين, التي لا زال يرأسها الدكتور حارث الضاري, ومجموعة البعث التي يرأسها عزة الدوري وتلك الأخرى التي يرأسها محمد يونس الأحمد, ثم مجموعة من القوميين العرب الأكثر يمينية وتطرفاً والتي تدار من بيروت ويمكن أن نجد بعضهم في المؤتمر القومي العربي. هذه المجموعات تجد الدعم والتأييد من جانب بعض الدول وبعض القوى والتنظيمات السياسية المتنوعة والمتباينة في اتجاهاتها في منطقة الشرق الأوسط وتستخدم أساليب وأدوات مختلفة في عمليات الدعم والتأييد. وهي قوى تتبادل المعلومات والخبرات ولها أعوان في مفاصل كثيرة في الدولة العراقية وتستفيد بشكل صارخ من حالة الفساد المالي السائد في البلاد, وهي لا تزال قادرة على إنزال ضربات قاسية بالمجتمع العراقي.
2 . القوى التي تسهم سياساتها ومواقفها وجملة من إجراءاتها ودعاياتها, شاءت ذلك أم أبت, في حرث الأرض وتوفير المناخ الصالح بصورة غير مباشرة لنشاط وتخريب قوى الإرهاب الدموية. إنها القوى الطائفية, الشيعية منها والسنية, التي تؤجج المشاعر الطائفية وتستبيح المحرمات في دعايتها وتناقض بنود الدستور الذي يرفض تلك المظاهر الطائفية والعنصرية والتمييز, والمتمثلة في مواقف بعض الأحزاب الإسلامية السياسية المتشنجة في إطار العملية السياسية والعاجزة عن استخدام تكتيكات سياسية صائبة لتفليش شعور الخشية من الانتقام لدى الجماعات البعثية السابقة, رغم أن هذه الأحزاب الإسلامية السياسية تضم في صفوفها وفي ميلشياتها المسلحة الكثير من "البعثيين التوابين" الذين يمكن أن يكونوا قد ارتكبوا أبشع الجرائم بحق قوى المعارضة العراقية في عهد النظام المقبور!
إن من يحمل عقلاً سليماً وحساً وطنياً صادقاً وضميراً حياً لا يرفض معاقبة ومحاسبة المسؤولين عن ضحايا النظام البعثي, ضحايا التهجير القسري والتعريب والأنفال وحلبچة, ضحايا العرب والكُرد الفيلية الذين هجروا عنوة إلى إيران, ضحايا القبور الجماعية الذين يصعب معرفة عددهم الهائل ضحايا القوى السياسية العراقية من شيوعيين وديمقراطيين واشتراكيين وإسلاميين أو بعثيين وقوميين أيضاً بل يطالب بذلك, إذ إن النظام البعثي الذي حكم تحت قيادة البكر وصدام حسين كان نظاماً فاشياً دموياً وعنصرياً وطائفياً قذراً ومعادياً لمصالح الشعب والوطن. ولكن المسألة ترتبط في جانب آخر, وأعني به أهمية وضرورة التمييز بين قوى البعث, وليس الأخذ بما دعا إليه السيد كاظم الحسيني الحائري منذ أربع سنوات حين طالب بقتل كل البعثيين تقريباً, في حين كان جيش المهدي مليئاً بـ"البعثيين التائبين" الذين ساهموا بالعمليات الإجرامية التي مارسها جيش المهدي في الوسط والجنوب وبغداد! إن أغلب قوى الإسلام السياسية, وبسبب استعدادها لممارسة العنف, عاجزة عن ممارسة أسلوب الفرز السياسي الضروري بين قوى حزب البعث بحيث لا يُحرق الأخضر بسعر اليابس من جهة, وبحيث لا يتسلل من له علاقات بقوى الإرهاب إلى مواقع معينة تتيح له فرصة استخدام تلك المواقع لضرب المجتمع أو دعم الإرهابيين من جهة أخرى, وهي عملية معقدة بجانبيها ولكنها ضرورية. ليس كل من هو في الأحزاب الإسلامية مؤمناً, كما ليس كل من كان في حزب البعث مجرماً. فهل يعني من يحاول الاستفادة من أسلوب اجتثاث البعث لجمع أصوات الناخبين للانتخابات القادمة؟
لقد غير مجلس النواب قانون "اجتثاث البعث" السيئ الصيت إلى قانون "المساءلة والعدالة". وهذا التغيير لم يكن شكلياً, بل لا يزال يتضمن مفهوماً معيناً وسياسات وإجراءات معينة تختلف عن تلك التي كانت تتحكم بموضوع الاجتثاث والهيئة التي كانت مسؤولة عنه وعلى رأسها الدكتور أحمد الچلبي, بما في ذلك تعيين قضاة يملكون المعرفة القانونية والخبرة العملية والحصافة بما يؤهلهم لتحمل مسؤولية الفرز الدقيق والتحقيق الأمين بمن يتهم بارتكاب جرائم في عهد الطاغية صدام حسين وحزب البعث الحاكم. ومن هنا يتطلب الأمر ممارسة الروية والحكمة وليس العاطفة التي يمكن أن تقود إلى عواقب وخيمة على المجتمع. فهل بعض حكامنا المسؤولين مباشرة يملك مثل هذه الحكمة والروية في إصدار التصريحات والخطب والأحكام؟
إن رفع الصوت عالياً والتهديد والتقطيب في محاولة يائسة لكسب عطف ضحايا الإرهاب البعثي لضمان أصوات الناخبين في الانتخابات العامة القادمة لا تعالج المشكلات القائمة, بل تزيدها تعقيداً ويدفع الشعب ثمن ذلك غالياً.
3. العوامل التي تساعد قوى الإرهاب على ممارسة عدوانيتها ضد الشعب لا تقتصر على السياسات الطائفية التي تمارسها الأحزاب الإسلامية السياسية, شيعية كانت أم سنية, حسب, بل تمتد لتشمل حالة الفقر والبؤس والفاقة والحرمان التي تسود نسبة عالية جداً من عائلات المجتمع والتي تقدر بأكثر من 30%, أي التي تعيش تحت خط الفقر, في أحسن الحالات, وأكثر من تلك النسبة بكثير في أسوأ الاحتمالات. وهذا يعني بشكل ملموس بأن سياسة الحكومة العراقية غير متوجهة صوب معالجة المشكلات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية لنسبة عالية من السكان مما يترك في المجال فسحة واسعة لنشاط الإرهابيين وقوى الظلام. إن المجتمع العراقي يعيش استقطاباً صارخاً بين الفقراء والأغنياء, بين الجياع والمتخمين, بين من تسرق لقمة عيشه, ومن يضع المسروق من المال العام في جيبه, بين من يحتمي بحي الخضراء ومن يعيش بين سواد الشعب
أيها السادة: إن الإرهاب في العراق سيستمر ما دامت عوامل استمراره لا زالت قائمة وفاعلة في المجتمع العراقي وفي الساحة السياسية العراقية. وليس أدل على ذلك التفجيرات الإجرامية المتتالية ليومين متتالين في بغداد, بالرغم من كل الادعاء بالقضاء على تنظيم القاعدة وقوى البعث الصدَّامية, إنهما جزء أساسي من القضية ولكنهما ليس كل القضية!
4. لن يهدأ العراق ما دامت بعض دول الجوار العربية وغير العربية تعمل بكل ما تملك من طاقة على منع الاستقرار, وهي تستفيد من حالة التشتت والصراع الداخلي وأساليب الحكم غير السليمة والطائفية المستمرة وأعوانها أو امتداداتها في الداخل. ولكن يمكن أن يهدأ العراق حين نجد حلولاً عملية للمشكلات الداخلية, عندها يعجز, وإلى حد كبير, بعض هؤلاء الجيران الأعداء على الصيد في ماء غير عكر. إن توجه أصابع الاتهام إلى إيران وإلى سوريا وإلى بعض القوى السياسية في الخليج والسعودية ليست عبثية أو عفوية, فهي صحيحة وهادفة وعلينا العمل من أجل تفليش أهدافها.
إن على القوى السياسية العراقية أن تدرك بأن معالجة أوضاع العراق الراهنة تستوجب استعمال العقل والحكمة وتفويض الأمور للقضاء العراقي والقوانين في ما يخص موضوع شطب أسماء أو قوائم من حق المساهمة بالانتخابات, على أن يكون للقضاء حساسية سياسية مرهفة من أجل تجنيب الشعب المزيد من الضحايا والخراب وتعثر عملية البناء والتقدم, من أجل أن لا ندفع بالمزيد من الناس إلى التحول ضد العملية السياسية والوقوف إلى جانب القوى الشريرة الحاملة للسلاح ضمن مجموعات القاعدة والبعث الصدّامي ومن لف لفهما..
26/1/2010 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟