|
الائتلاف والاختلاف بين الثورة الفرنسية و-الثورة- العراقية
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 2901 - 2010 / 1 / 28 - 07:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا تاريخ كُتب بعد للثورة العراقية 2003.
فتاريخ الثورات يُكتب عادة ببطء شديد، وتفاصيل كثيرة، لأن الثورة لا تحدث كل يوم ولا كل سنة، ولأن الثورة تأتي بعد أن تكون كل الطرق أمام الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد سُدت، وبلغ الاحتقان والغليان الشعبي أعلى مستوياته. ولم يعُد من سبيل غير الثورة العارمة.
وهكذا كان الأمر في فرنسا عام 1789، وكذلك الأمر في العراق عام 2003.
أدوار بحاجة للكشف والشرح
لم يُكتب بعد، ولم يُنشر دور المعارضة الداخلية والخارجية العراقية، فيما حصل فجر التاسع من نيسان 2003، ولم يتمَّ حصره بعد.
كذلك، لم يُشرح ولم يُفضح دور جيران العراق، من عرب وعجم، في تعطيل مسيرة “الثورة” العراقية، وإرسال أرتال الإرهابيين للتفجير في مئات من الضحايا العراقيين الأبرياء في الأسواق العامة، وسرادقات الأفراح والأتراح، ومراكز الأمن العراقية، ودور العبادة، والمستشفيات، والبنوك والجامعات، والمعاهد العلمية. ودفع الأموال، وتدريب الإرهابيين الانتحاريين على صُنع المتفجرات، وكيفية تفجيرها.
وأيضاً، لم تدوَّن بعد آراءُ من أيَّد "الثورة"، العراقية ومن عارضها وأسباب المؤيدين والمعارضين. ولم يتمَّ استعراضها، وتصنيفها، وتدوينها حتى الآن.
أما يوميات "الثورة" العراقية، منذ فجر التاسع من نيسان حتى الآن، فلم يتمَّ تدوينها بعد، كتاريخ حديث ومهم للعراق.
كل هذا سيتطلب وقتاً، وجهداً، ومالاً، وصدقاً، وشفافية، لكي يتم كما تمَّ للثورة الفرنسية، ولكن بعد وقت طويل.
آلاف الصفحات سوف تُكتب مستقبلاً عن كل هذا، كما سبق وكُتبت آلاف الصفحات عن الثورة الفرنسية. وما زالت أسرارها وتداعياتها تُكتشف، وتُكتب حتى الآن.
الائتلاف والاختلاف بين الثورتين
دعونا نقترب قليلاً من الثورة الفرنسية، ونرى وجوه الإئتلاف ووجوه الاختلاف بينها وبين "الثورة" العراقية.
صحيح أن المقارنة بين الثورة الفرنسية و"الثورة" العراقية 2003، كانت مختلفة من حيث أدوات التنفيذ، ولكنها كانت مؤتلفة ومتفقة – إلى حد كبير - من حيث الأسباب، والمسببات، والنتائج، نظراً لاختلاف الزمان والمكان والظروف السياسية والعوامل التاريخية والجغرافية والاجتماعية والثقافية.
فما هي أوجه الائتلاف والاختلاف بين الثورة الفرنسية و "الثورة" العراقية؟
نبدأ بأوجه الائتلاف:
1- اتفقت الثورتان على إزاحة الحكم السابق بما له من تاريخ أسود في الظلم والفساد والطغيان، وقهر الحرية والأحرار.
2- حاول كل من الملك لويس السادس عشر وصدام حسين الهرب من وجه العدالة، لكن تمّ القبض عليهما، وإعدامهما.
3- كان لإعدام الملك لويس السادس عشر وصدام حسين صدى كبير وأليم في الأوساط الأوروبية والعربية الحاكمة. وخاصة الأوساط الملكية الأوروبية المحافظة كبريطانيا. كما كان لإعدام صدام في الأوساط السياسية العربية المحافظة والقومية أثره البالغ. وبعد شنق صدام بسنوات، كان هناك من لا يزال يقيم المهرجانات الشعبية، تخليداً لذكرى هذا الطاغية.
4- اتفقت الثورتان على مبادئ التسامح والمساواة بين المواطنين، بغض النظر عن دينهم وطائفتهم ولونهم. كما اتفقت الثورتان على صيانة الحرية وتثبيت أركان الديمقراطية والعدالة. ورغم هذا فلا الثورة الفرنسية حققت هذه الأهداف أو جزءاً منها في سنوات الثورة الأولى. ولا الثورة العراقية حققت حتى الآن مثل هذه الأهداف.
5- أصبح الحاكم في فرنسا بعد الثورة حاكماً لكل الفرنسيين وليس حاكماً لفرنسا فقط. فلم يعد الرئيس في فرنسا أو القائد حاكماً لفئة معينة (كان المجتمع الفرنسي إبان الثورة يقسم إلى ثلاث فئات متمايزة: طبقة رجال الدين "الأكليروس"، وطبقة النبلاء، وطبقة بقية أفراد الشعب) كما أصبح رئيس الوزراء العراقي رئيساً لكل العراقيين وليس للشيعة منهم أو السُنَّة أو الأكراد، أو أية طائفة دينية أو عرقية (كان المجتمع العراقي قبل 2003 يقسم إلى أربع فئات: طبقة الحاكم وأهله والمسئولين من حوله وقادة حزب البعث وكبار الضباط، وطبقة رجال الدين (معظمهم من السُنَّة العرب)، وطبقة صغار الموظفين، وطبقة رجال القبائل والفلاحين). ورغم أن رئيس وزراء العراق نوري المالكي شيعي، وأن رئيس الجمهورية جلال طالباني كردي، إلا أنهما يمثلان كل العراق، بكل تكويناته الدينية والعرقية.
6- كان في فرنسا والعراق نزعتان. الأولى "الإيزوتيميا" (الرغبة في انتزاع اعتراف الآخرين بالذات والمساواة معهم) والنزعة الثانية "الميغالوتيميا" (رغبة تأكيد الذات) وكلا هاتين النزعتين ظهرتا في العراق خاصة وبشكل واضح نتيجة التعسف والظلم والإقصاء الذي أصاب أكبر مكونات المجتمع العراقي، في عصر حكم البعث، وهما الشيعة والأكراد. ولكن يظل مبدأ المساواة في كل بلاد العالم ناقصاً غير كامل. حيث يستحيل تطبيق المساواة كاملة، كما يشرح فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ"؛ أي نهاية نظريات التاريخ الرأسمالية والاشتراكية، بتحقق الديمقراطية الليبرالية.
7- اتفقت الثورتان على حل أجهزة الدولة الديكتاتورية السابقة والاستعاضة عنها بأجهزة جديدة. وقد سبب هذا الإجراء في كل من فرنسا والعراق إرباكاً كبيراً، وفوضى عارمة، سيما أن الأجهزة في فرنسا والعراق كانت قائمة منذ مدة طويلة واعتاد عليها الجمهور، الذي كان في كلا البلدين رافضاً للتغيير ولو إلا الأفضل والأحسن. فالجديد دائماً غامض ومرفوض ومخيف في كل الأزمان والأمكنة. وكون أن الثورتين لم تحققا بناء الأجهزة الجديدة بالسرعة المطلوبة فذلك شأن آخر، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعوامل داخلية وخارجية، وعلى رأسها في الحالة العراقية – مثلاً – موقع العراق الجغرافي من جيران كسوريا وإيران، يرفضان رفضاً قاطعاً ما تم فجر التاسع من نيسان 2003. كذلك الحال كان بالنسبة لفرنسا. فعارضت بريطانيا جارة فرنسا هذه الثورة معارضة شديدة.
8- أيقظت الثورتان في الشعبين الفرنسي والعراقي عمل غدة "التيموس" Thymus (الغدة الصعترية. وهي خلايا تائهة همجية في الإنسان، تحمله على العنف، وحمل السلاح، والقتل). فشهدنا ذلك العنف غير المسبوق في فرنسا، والدماء الغزيرة التي أُهدرت جراء تصرفات وسلوكيات الغوغاء. وشهدنا كذلك العنف والإرهاب غير المسبوق في العراق من حيث عدد ضحاياه أو سبل تنفيذه. ولكن فرنسا عادت إلى رشدها واستقرت الثورة في مستقر العقل. أما العراق فأخذ شيئاً فشيئاً يستقر الآن، ولا بد له من مستقر عقلي، بعد فترة زمنية طالت أو قصُرت.
أما أوجه اختلاف الثورتين فسوف نذكرها في مقال قادم. فإلى لقاء إن شاء الله.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الثورة الفرنسية و -الثورة- العراقية
-
لماذا تتعثر الديمقراطية في العالم العربي؟
-
هل سيكون 2010 عام خروج فلسطين من الأنفاق؟
-
أيها الفقهاء: كما اختلفتم اتفقوا حقناً لدمائنا؟
-
لو سلكت أوروبا مسلك السُنَّة والشيعة لما توحَّدت!
-
الإنجاز الأعظم للمسلمين: توحيد السُنَّة والشيعة
-
الغول نصر حامد أبو زيد!
-
كُلفة الديمقراطية العراقية -الباهظة-
-
من هم المعارضون لقيام الدولة الفلسطينية؟
-
الولادة المُتعسِّرة للدولة الفلسطينية
-
من ليبراليات الخاصة إلى الليبراليات الشعبية
-
كيف يتم انفراج الانسداد التاريخي ونجاح التنوير العربي؟
-
لماذا الانسداد التاريخي وفشل التنوير في العالم العربي؟
-
هل انكسرت جرَّة السمن والعسل التركية- الإسرائيلية؟
-
ابتلاع ما تبقى من فُتات فلسطين ونحن غافلون
-
رجم محمود عباس بالحجر الذهبي
-
بعد اختيار بلادهم لاستضافة المونديال والألعاب الأولمبية: الب
...
-
أوباما في الأمم المتحدة: 2009 تاريخ جديد للإنسانية
-
بوش ما زال في البيت الأبيض!
-
اجتهادات -العقلية العربية- في كارثة 11 سبتمبر
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|