|
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث (4 ) - لمن العالم ؟
منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 881 - 2004 / 7 / 1 - 07:52
المحور:
الادب والفن
لِمَن العالَم ؟ ــــــ
19- إنّها بحقّ سيارةٌ ذات سطوة تستطيع وأنت جالسٌ خلف مقودها الهيدروليكي مهما بلغ بك الوهن أن تقوم بأتفه الحركات حتّى تذهب إلى أيِّ مكان وكأنَّ العالم لا أكثر من خريطةٍ طبيعيةٍ في الرّأس تعبر حدود الدّول المجاورة دون الحاجة إلى تلك الإجراءات الشَّكلية التي تعيق اندماج البشر وتعود بها محمَّلةً بكافة أنواع البضائع الممنوع استيرادها حفاظاً على سلامة الاقتصاد الوطني . كما تستطيع أن تخالف إشارات المرور دون أن يجرؤ أفراد الشّرطة المنتشرون عند كلِّ تقاطع ومفترق طرق على مجرد الالتفات والنّظر إلى لوحتها ولو من خلف فلا يكون عليك سوى أن تهزَّ رأسك ردّاً على تحيات الضباط المتزلفين منهم بل يمكنك إذا رغبت دهس إيِّ ولدٍ أو امرأةٍ أو رجلٍ عجوز لا يعلم غير الشَّيطان ما كان يدور في خلده وهو يقطع الشَّارع متلفِّتاً يميناً ويساراً متظاهراً بأنه لا يفعل شيئاً ! ( إلهي ... إن كتبتَ لي الموت بحادث سيّارة فلتكن سيَّارة مارسيدس فارهة ) . 20 – إذا كان لديك سيَّارة مرسيدس ذلك يعني أنَّك واحدٌ من الصّفوة المميزة المخوَّلة لأن تشبع من كلِّ شيء حتّى من النِّساء ولكنهم يبقون عادةً جائعين لكلِّ شيء وخاصّةً للنساء ولقد سمعت أقاصيص كثيرةً ومتنوعة عن نساءٍ أُكِلن بشعورهم وأحذيتهن داخل سيارات كهذه غير أني لم يسعفني الحظ بالمشاركة بوليمة أو فقط برؤية شيءٍ من ذلك ولو من بعيد أو من خلف الزجاج الدُّخاني ولكن كان لدي صديق تولّع يوماً حتى كاد يحترق مع ثيابه من شدة ولعه بفتاة رائعة الجمال مضى على تخرجها من كليّة الهندسة أربع سنوات ولم يتقدم لطلب يدها أحد وكان هذا بعرفه يعني أن اللّه يحتفظ بها كلَّ هذا الزمن خصيصاً له وصدف مرّةً وكنّا معاً أن رأينا فتاته وسيارة مرسيدس بيضاء تعبران أمامنا في ذات الوقت فسألته هازلاً : ( أيٌّ من هاتين الجميلتين أيها العاشق المتيم تختار ؟ ) فإذ بالأحمق يأخذ سؤالي على محمل الجد وكأن له حقاً أن يختار ويجيب بعد تفكيرٍ مجهدٍ وطويل جعل العرق يقطر من جبينه : ( ليس سهلاً ما سوف أقوله وأرجو منك أن تفهمه بالشَّكل الصحيح فأنا أختار السيّارة لأني بواسطتها أستطيع الحصول على حبيبتي وعشرات الحبيبات غيرها أمّا لو اخترت حبيبتي فمن الصعب حتى ولو عملت قوَّاداً كما تتوقَّع لي أن أحصل على سيارة مرسيدس . ) وأذكر أنه بقي لسنين عديدة لم يحصل بها لا على الفتاة ولا على سيارةٍ من أيِّ نوع يتباهى بجوابه الخالد هذا . ـــــــــــ 21 – كفاك هذراً لا ريب أنَّك جننت لقد شربت تسع عشرة زجاجة بيرة وها أنت تفرِّغ في جوفك الهائل الزُّجاجة العشرين ونصف ما قلته يكفي أن يأخذك إلى حيث لو استعانت أمك بالجان لن تشم لك رائحة وحجة سكران هذه لن تنفعك الساعة الآن بلغت الثالثة وقد احتفلت كفاية اذهب وتبول آخر مرّة ثم اخلع ملابسك ونمْ فأنت ما عدت تفرق بين رجلك ويدك ولا بين رأسك ومؤخرتك لكني أقول لك أنت لست بحجم هذا الكلام والحمد للّه أني لم اسمعه فقمْ ونامْ أنت لا ترى منظرك قمْ اخلع ملابسك ونمْ . ـــــــــــ 22- ( لن أنام وبصراحة ألمانية أقول لكَ : نمت أربعين سنة وهذا يكفي لا أظنُّ أحداً في العالم يستطيع أن يدعي أني لم أشبع نوماً ! نمت أربعين سنة مغمضاً عينيَّ على لا شيء لا ليس على لا شيء يا ليته كان لا شيء ولكن كان هناك ذلك الحلم ذلك الحلم الجميل الذي يبدأ بطقس أزرق طازج وأنا أتنزه في ممرات حديقة يانعة ازدحمت على جوانبها ورود غريبة الأنواع والألوان وتسير بجانبي فتاةٌ سمراءٌ نحيلة يبدو أنها حبيبتي لأني ببنصر يدي اليسرى أتعشَّق والسعادة تغمرني بنصر يدها اليمنى وهي تمسك ببقية أصابع ذات اليد زهرةً بيضاء صغيرة ! ثم فجأةً يبدأ المشهد الأخير من حلمي وكأن أحداً ما قد أبدل آخرَ بكرةٍ من شريط الفيلم فأرى نفسي أقعي مثل كلبٍ مريض في زنزانة ضيقة ذات سقفٍ لا يعلو أكثر من أربعة أشبار أقيسه فاتحاً يدي على آخرها في العتمة وفتحةٍ يزيد اتساعها عن حجم رأسي قليلاً عليَّ أن أمرِّر بها كامل جسدي كلما اضطررت للخروج والدخول إليها تفوح منها تلك الرائحة القاتلة لو أن الروائح قادرةٌ على القتل لقطعة المعلاق النيئة التي شممتها ما أن فتحت باب غرفة في قبو إحدى البنايات كنت أنوي الإقامة فيها عندما كنت طالباً جامعيّاً وقد تركها المستأجر السابق منذ لا أحد يدري متى تنتن وتتفسخ على الطاولة! وإذا لم ينته حلمي بهذا المشهد كأن يحدث مثلاً أن تتساقط الأمطار وليس في السماء أثرٌ لسحابة فأسرع أنا وسمرائي إلى بيتٍ لا ندري كيف انبثق بالقرب منّا لم نكن نراه سابقاً يشع بياضاً في ظلال الأشجار وما أن أفتح بابه بأحد مفاتيح سلسلتي! حتى أجد أننا صعدنا فوق سرير دائري واسعٍ ووثير وبدأت أنزع عن صدرها النّافر بأصابعي المرتجفة غلال قميصها ثم أنحني لأمرغ وجهي بين ثدييها عندها أعلم أن شيئاً بهذه السهولة شيئاً بهذه الروعة لا يمكن أن يحدث معي في الحقيقة لا يمكن أن يحدث معي إلا في الأحلام! وبينما سمرائي ما زالت عاريةً بين يدي راكعةً على ركبتيها مسدلةً أجفانها كأنها تصلي تصلي كي أفعل معها ما تتوقع مني اسمع صوتي يقول : ( هذا حلم لا ريب أني أحلم ) . 23- فأستيقظ وكأن أحداً يهزُّني بقدمه وأستدير مباشرة إلى حيث رافقني طوال حياتي المذياع تلو المذياع منذ أيام التَّلفونكن الألماني الكبير الذي أحضره أبي متباهياً بأنّه لم يدخل سوريا إلا اثنان منه إلى عصر معجزة الترانزستور الياباني الذي كنت أحمله معي أينما ذهبت وأنام دون أن أطفئه كلَّ ليلة وصولاً إلى زمننا هذا زمن الراديوات الفاقعة الألوان الرخيصة صنع سنغافورة أو الصين التي لا تلتقط أكثر من محطتين أو ثلاث مع كثيرٍ من الضجيج والصفير آملاً كل يوم أن أسمع خبراً كبيراً أم صغيراً هاماً أم تافهاً يسر الخاطر ويبلل القلب وأنت تعلم أية أخبار كانت تصل إلينا كنا يائسين نلاحق بلا يأس نشرات الأخبار وتقارير المراسلين من موجةٍ إلى موجة ومن محطةٍ إلى محطة فلا نسمع سوى أسوأ الأخبار وحين كنا بمجرد المصادفة نفاجأ بخبرٍ جميل سرعان ما كان يلحق به وكأنه يختبئ خلف ظهره خبرٌ أو خبران أو ثلاثة أشبه بضربات ملاكم زنجي من الوزن الثقيل على الحنك وإذا حدث ولم يحصل هذا أقصد إذا حدث ولم تنهل علينا تلك الضربات القاضية على الفكَّ والصّدغ والرّأس فإنه لن يمضي وقتٌ طويل حتى يتبين أنه حصوةٌ مسلوقةٌ أخرى أطعمونا إيّاها من الخلف كتحميلةٍ يوميةٍ يريدون منها الحفاظ على قدراتنا الاستثنائية على النوم المديد . 24- إذن اسمح لي أن أركزَّ أفكاري وأعيد بتعديلٍ بسيط ما قلته لتويّ بدون تفكير : لقد قضينا حياتنا ونحن نلصق آذاننا على الجهة الَّتي تخرج منها الأصوات في تلك الصناديق الصغيرة المحمولة باليد أو الكبيرة المرفوعة على الرفوف وقد علق بها خرزةٌ زرقاء لتحميها من العين الحاسدة والّتي ما أن ندير أحد مفاتيحها أو نكبس زرّاً من أزرارها حتى يندلق منها العالم بكلِّ ما فيه صاخباً هادراً فلا نسمع من الأخبار سوى ما يجعل أرواحنا تندلق بدورها من مؤخراتنا! حتّى غدونا نحمد اللّه على فضله هذا ونعمته لأنّه لو لم يكن هناك أخبارٌ من هذا الصنف الممتاز لما كان عندنا أخبارٌ على الإطلاق ولما شنَّف آذاننا سوى الأزيز و الفرقعات ولكنّا دفعنا ثمن هذه العلب الثرثارة والعديمة النفع ما لا يقلُّ عن ثلاثة أرباع حياتنا مقابل لا شيء! ولكن كيف لا شيء! كيف مقابل لا شيء!؟ فلو لم تكن هناك الحقائق السّوداء لكانت الأكاذيب البيضاء أو المدهونة بالأبيض باقيةً باقية جاعلةً من آذاننا مصبّاً رئيسياً لمجارير أفواههم. ـــــــــــــــــــ انتهى الجزء (4 ) ويتبعه الجزء ( 5 )
#منذر_مصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطول وأَسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 3 ) لِمن العالَم
...
-
أَطول وأَسوأ قصيدة في الشِّعر العربي الحديث: ( 2 ) - لِمَن ا
...
-
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث: ( 1 )
-
شيء ضاع مني
-
عُذراً محمود دَرويش: ليس بِمُكنسة بل بِمِكنَسَة
-
القَصيدة المحرَّمَة - 4 من 4 )
-
القَصيدة المُحرَّمة - 3 من 4
-
القصيدة المُحرَّمة - 2 من 4
-
القصيدةُ المُحَرَّمَة : ( 1 من 4 ) ـ
-
السِّيرك
-
السِّيرة الضَّاحِكة للموت
-
سوريا ليست مستعدةً بعد لأحمد عائشة
-
ردٌّ على ردٍّ عمومى على رسالة خصوصية 3 من 2
-
ردّ عمومي على رسالة شخصية 2 من 2
-
ردّ عمومي على رسالة شخصية 1 من 2
-
طراطيش حول الشراكة الأوروبية السورية
-
أنا وهمنجويه ودانتي والمِقص
-
قَصيدةٌ واحِدَةٌ كَتَبها محَمَّد سَيدِة عنِّي مُقابل10قَصائد
...
-
مَاذا جِئتَ تَأخُذ ؟
-
مكانة الشعر العربي الحديث والنموذج والانقراض
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|