|
مدينة الموتى
حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 2894 - 2010 / 1 / 20 - 09:16
المحور:
الادب والفن
عندما يموتُ الفراتُ سأدفنُ معهُ دنَّا ً منَ الخمر ِ و نجمة َ الصبح ِ و ربابةً مقطوعة َ الوترْ عندما يموتُ العالمُ و أبقى هنا وحيدا ً سأقطعُ كفَّيَ من المعصم ِ تماماً ثمَّ أرميها فتطفو من ْ بعدها سأقطعُ كفِّيَ الثانية ثمَّ أرميها فتصافحُ الأولى و يولدُ المكانُ الجديدْ ** هنا يموتُ العدمْ يجري "نهرُ هابورَ" هادراً قواربُ بؤسكَ المجرَّدة تعبر ُالآنَ محملة ً بالثلج ِ و الأنينْ ** هنا يموتُ العدمْ تجلسُ تحتَ ظلال ِ الصفصافة ِ الغائبة سيكونُ بانتظارك َ عصاةٌ هديةً من الدنيا و طبلٌ دونَ عصاة ٍ هديةً مِنَ الآخرةْ ستقرعُ الوجهَ قرعةً واحدةً تأتيكَ شيطانة ُ القفار ِ تقودها الأفاعي ستنتصرُ عليها بعدَ أنْ تلمسَ الصفصافة َ و تفقدَ الذي لا يُسمى ** تنتشلك َ الغيومُ مِنْ قاع ِ جدَّك َ قبلَ الخروج ِ عليكَ التخلَّص ُ منها جميعا ً: الأقراط ُ الأساورُ الخواتمُ و القلائدُ و السبائكُ العملاقة ** انتظرْ حتفكَ في نقطة ٍ الشيطانْ قريباً منْ قطرة ِ الماء ِ عندما يحينُ المطرْ سينبعُ الدخولُ في قلبكَ الضَّامر ِ و تطغى فوقَ ناصية ِ الهلاكْ وحيدا ً تذرعُ الحنينْ ** تحرثُ رملَ الوجود ِ تسقيهِ من عماء ِ الطُّموث ِ تبصرُ عناقيدا ً للفناء ِ تخبَّؤها في تخوم ِ الخلاءْ هياكلُ الأرامل ِ تعَّومُ كالسرابْ قطيعُ البشريَّة ِ يسقط ُ في كوَّة ٍ للجنونْ ** خارجَ أسرار ِ المدينة ِ ينبضُ الموتى قبركَ الدَّارسُ يأكلُ الأكفانَ و يشربُ منقوع َ التُّراب ِ المدمَّى خارجَ أسرار ِ المدينة ِ تنهشُ خواصرَ العتمة ِ تحاصركَ الألوانُ عليكَ التخلَّصَ منها كي تولجَ الأسوارْ ** أيُّها اللطيمُ تضمرُ الزغاريدَ ترتدُّ إليكَ الخناجرُ فتصافحُ مِذيلة َ الظلامْ ** الطابورُ الطويلُ مِنَ المريدينَ يسيرُ إلى الجحيمْ قطعانُ الماشية ِ المنهوبة ِ تنتحرُ الآن َ غيرَ آبهة ٍ بكَ أيُّها الفقيرُ وحيداً دونَ تابعْ يدرككَ الأذانُ مرياعاً حجريَّاً يستسلمُ للرحيل ِ الأخيرْ تشربُ مِنْ نجيع ِ الليلة ِ تعلَّقُ الأحلامَ المالحةَ على أعمدة ِ الحريم ِ الطَّويلة ِ و تسكبُ دهنَ المراثيْ على قمة رأس الحياة ِ تنبعثُ المدينةُ في قاع ِ قلبكَ أسوارُ الزمن ِ المطير ِ مازالتْ تقيَّدُ الحياةَ و جذوعُ النخيل ِ المحروقة ِ صامتةْ "أما آنَ لهذا البئر ِ أنْ يترجَّلْ " ** أيُّها العطش الذينَ توغَّلوا كالذينَ و اللذينَ شأنهمْ أنا ينصبونَ أوتارَ خيامهمْ في فلوات ِ المقابرْ يا بنَ آدمَ لن تشبعكَ الغنائمُ النبيذُ اللولبيُّ يرتعُ في خبائك ِ ** أيُّها الرطبُ ليسَ فيكَ مِنَ الأرض ِ شيءٌ فالسراويلُ العظيمة ُ آخر ُمرثيَّة ٍ في بيتِ جدَّكَ ابنكَ الترابُ تختنقُ فيه ِ الرحم و الدموعُ الثوكلُ ترفدُ النهرَ العظيم نوافذُ حلمكَ المشرعةِ تشرفُ على قارعة ِ الهباءْ أغاني الرعاة ِ السمينةِ يأكلها القرشُ الهزيلُ يا بنَ آدمْ تصطدمُ جثتك َبالخرائبِ الدنيَّويةِ قريباً منْ الجزيرة ِ الملعونةِ سيعُلنُ الزفافُ, و تتزوجُ امرأةً منْ حَسَكْ ** يا بنَ آدمَ ألق ِ السلامَ على نفسكَ عندما ينقشعُ المدارُ و تلبسُ الثوبَ الجديد ِ سيكونُ الماردُ المنهارُ ليلهُ يأكلُ النهارْ و شمسهُ تنهلُ الحياة َ قبابكَ الجّملةُ و أعمدتكَ اللحميةُ تهلكُ الآنَ إلى الجحيم ِ إلى الجحيمْ ** يحاولُ شيخُ القبيلةِ أنْ يولج َ الأسرارْ تبَّتْ يداكَ ستلبسكَ الفضيحةُ إلى الأبدْ حيثُ ينتظركَ الأتباعُ يزنَّرونَ حضورك َالأبهى إلى الجحيم ِ إلى الجحيمْ ** متاهةُ الصمت ِ تَنْبَثُّ في داخلك َ تراودُ الألواحَ و تكشفُ عريها السرمديْ ** يا بنَ آدمْ تكلَّمْ أينَ دفنتَ اسمكَ ؟ لاهثاً يسيلُ اللّعابُ الثخينُ تسكنُ حبَّاتُ الصديد ِ في رأسكَ أيُّها الأبلهُ أينَ دفنتَ اسمكَ تتغلغلُ روحكَ في التراب ِ تحلُّ اللعنةُ في الزهور ِ و الحجرْ تطيرُ على جناحيكَ تحملُ المقبرة ْ ثمَّ تهبطُ في نقطة ِ الشيطان ْ ** يا بنَ آدمْ يُبادُ نسلكَ تتفتَّحُ الأبوابُ في صدركَ أيقونة ً للهروبِ المدلَّى, تسكنُ- يا بن آدم َ - أدغالَ الجنون ِ تأكلُ وجهَكَ الأفكارُ هذا مصيركَ يموتُ الهواءُ و عندما تنطقُ الأولى يشهقُ الأبناءُ إلى الجحيم ِ إلى الجحيمْ ** صراخُ الوديان ِ العاريةِ يقرِّبُ الجبالَ الأسطوريةَ من لحدكَ حجَّاجُ الأمطار ِ يباركُ الحريقْ. تموتُ الدَّماءُ في كهفكَ العجوز ِ تجثمُ فوقَكَ "اللاتُ" تتقاتلُ الأشعةُ حدَّ الهلاك تستحمُّ بالوحي بتلكَ البشارة ِ وحدها الدَّابةُ تنامُ إلى جوار قبركَ في المساء تلعقُ جدرانهُ الطويلةَ الثقفيونَ ينامونَ ملء زوجاتهمْ
ينبتُ الخرابُ القديمُ تنبعُ الشياطينُ مِنْ بئره ِ اليتيم ِ عليكمْ أنْ تردموا البئرَ أيُّها الأموات " إنانا تبارككمْ " أقطعوا أثداءَ عذراواتكمْ و أعضاءَ فتيانكمْ و ارموها كومةً بعدَ كومةٍِ حتى نردمَ البئرَ فالمكيدةُ منقوشةٌ في أعالي الجبل تتدلَّى " كيجالُ " إلى هناءِ السهولِ يتعفَّنُ الشكُّ في قلبها عجوزُ الجبالِ السحيقة ِ تسرقُ الماشيةْ تبيعكمْ في حوانيتِ الترابِ تحشركمْ في مضيق ِ الاغتراب ِ الطويلْ ** الضياءُ المتجمَّدُ على مقربةٍ مِنْ هنا يجادلُ الكابوسَ و السديمُ الكئيبُ يقاتلُ العطشْ و شُرْبَةٌ منَ الماء ِ تفصلُ جثَّتكَ العاريةَ عَنِ الذَّهبْ كلُّ منْ وَلجوا أُمْطِروا بخناجر ِ السماءْ عدا صاحبُ العصفورْ سالَ ضميرهُ على ظلَّه ِ ** أمراسٌ تكبَّلكمْ ترتمونَ في خندق ِ البرزخ ِ لم تموتوا بعدْ بقعةُ النور ِ تناديكمْ و الجوفُ الذي يسكنكمْ يتظاهرُ الآن عليكمْ بها.. اقتلوا أحياء َ مدينتكم ْ كلّهنَّ خائناتْ قلبُ المدينة ِ ينبضُ شرايينها الخشبيةُ تتعفَّنُ فجرها قماط ٌ الدنانير و مساؤها يبلَّلُ الترابَ بالشعائرْ يأكلُ الوسواسَ منَ يصعدُ الجبلْ؟ لنْ يسكنَ الكهفَ, إلي َّ بالخيامْ انصبوها أخمصَ القدمينْ ** عصفورُ الظُلمة ِ يذوبُ في أشعَّة ِ الشمس صاحبهُ يجلسُ على الحضيض ِ ينثرُ الدربَ بالأملِ المعدنيّ ** ترابٌ ناعمٌ و فسحةُ أمل ٍ صغيرة ٍ هو الغدْ يسبحُ الشاعرُ في بركةِ الكلماتِ الميّتة ِ و عندما يقاربُ الذُّروةَ تسألهُ "كيجالُ" ما هو الغد؟ ترابٌ ناعمٌ و فسحةُ أمل ٍ صغيرةْ ** لمْ يرحمونيْ كيفَ أذكرهمْ كانتْ روحيَ الهائمةُ تحتمي في جوفكَ أيّها الحطبْ كانت ْ مدينتي مفتوحة ً لهمْ لدوابهمْ و زواحفهمْ وزوجاتهم ْ و ما تُنبت النفسُ الآنَ تغيَّرَ الزمانُ ستمرُّ المخلوقاتُ عبر بوابتي إلا الأناسي لا أعرفُ لماذا يتزوجونَ, و يكوَّمونَ الحطبْ يوقدونَ نارهمْ دموعاً بلا أرجلْ منذُ خمسينَ دهراً و أنا أتساقطُ في رغائب ِ الهاوية تفوحُ رائحةُ الأنوثة ِ اليابسةِ إليهمْ تأكلني الرياحُ و تشعلني الشموسُ المهاجرة. ** دوائرُ اللاجدوى تحوَّم ُ في الفراغ ِ المعدنيّ عندما تبسمينَ تسقطُ مغشيَّا ً على أمرها و تطيرُ شفتايَ إلى مدينةِ الموتى و عمَا قريبٍ ستنتهيْ كلُّ الشفاه ِ التي خزَّنتها منذُ الأزلْ ** عاشقٌ يروي أساطيرَ الصباحْ أنفهُ المجدوعُ نائمْ يعبدُ الضفائرَ تنبتُ في صدره ِ دماملُ الريح ِ لا تلمنيْ أعطنيْ قلبكْ ** فحلُ شعراءِ المديح ِ يبيضُ تتكوَّرُ داخلهُ قصيدةً يعلِّقها على الشاهدةْ و يسكنُ بيتَ الرثاء ِ الجريرْ أرقُّ شعراء ِ الغزلِ يحضنُ البيضةَ العملاقةَ تتقاتلُ النساءُ تتشقَّقُ البيضةُ و يخرجُ الكائنُ المتفوَّقُ "زارا" كائِنُكَ المعتَّقُ يسكنُ في خباء ِ العقائد ِ و ينزع ُ فتيل َالأملْ ** المذهَّبُونَ و الخزائنُ الزنازينُ و الملوكُ كلُّهمْ ذهبوا شيخُ المدينة ِ الأبتر يجرجرُ المذبوحَ و أعمدتَهُ الأربعةَ و أطفالَهُ السبعَةَ يقايضهمْ بالذهبْ القبيلةُ تهاجرُ طوعَ نفسها لم يبقَ إلا أنا أجلسُ في هيكلي "طولهُ ستونَ ذراعاً و عرضهُ عشرونُ ذراعاً و سمكهُ ثلاثونَ ذراعاً " ** لا أحدٌ يواسيني سوىْ قبركِ أنبشهُ في الليلة ِ المقمرةْ و ألحسُ الترابَ اللحمَ عنْ وجهكِ أغسَّلكِ بماءِ النهار ِ قبلَ الغروب ِ عندما تعودُ أخبارهمْ سنكونُ أرومتانِ لكائنانِ خرافيانِ يعبثانِ بالزمنْ **
تنبتُ الحدائقُ إلا هنا في بلادي نتعثَّرُ بجماجم ِ الطَّيبينْ
تهبطينَ ,و لا تهبطينْ ستنتظرينَ طويلا ً خلفَ أبواب ِ القصيدة ِ ثمَّ تدخلينَ في العبورِ الأولِ: يسقطُ النهر في العبورِ الثاني: يلتصقُ القبرُ بالسماءِ الوحيدة في العبورِ الثالث:تُمطرُ الروحُ بالموتى في العبورِ الرابع:يجفُّ الشعراءُ المُبشَّرينَ بالجداول في العبورِ الخامس:يأكلُ الليلُ النهارْ في العبورِ السادسِ:تقتتلُ السماءُ في العبورِ السابع ِ: تنهدمُ الأعمدةُ, و يسودُ العماءُ الجللْ
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقل بين الميتافيزيقيا..و طرائق التشكّل
-
في البحث عن خرافة جوهر الانسان
-
حول مصطلح نزع القداسة
-
بيوت الله, أم بيوت في خدمة المستبد؟! طاجكستان نموذجا
-
بوتريه الكهف
-
الالحاد كإيديلوجيا شمولية ؟! ماجد جمال الدين نموذجا
-
الشاعر غسان حنا في : -روحان لجسد واحد-
-
العلمانوية .. و البحث عن محتوى لمقال فارغ؟!
-
حول صلاحيات الايمان
-
هل الالحاد إحدى طرائق تشكّل الايمان؟!
-
ماجد العويد في الليلة الثانية بعد الألف
-
شعرية العاطفة.... بين الشعبي و الثقافي
-
قراءة للخطاب الاسلامي المعاصر في كتاب جديد - أضاحي منطق الجو
...
-
هل الكاتب العربي متهم حتى يثبت العكس؟ وجهتي نظر
-
قراءة في نيرمانا, و محاولات اصطياد الشاعر شريف الشافعي لكائن
...
-
مقالة في الشكل الالهي؟
-
قراءة في -لمحات حول المرشدية-- ج2/2
-
قراءة في -لمحات حول المرشدية-- ج1/2
-
الاسلام بأل التعريف/ و كيف نحكم بازدواجية المعايير
-
اسلام بلا مذاهب قصيدة شعرية و أحلام هاربين
المزيد.....
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|