|
مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2890 - 2010 / 1 / 16 - 16:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة سمير الرفاعي، وفي بعضٍ من أهم أجزاء صورتها الإعلامية، هي الحكومة التي ستتوفَّر على جَعْل الأردن في عهد اقتصادي جديد، وجيِّد، بمعيار المصالح الاقتصادية العامة للأردنيين.
ولقد استهلَّت عهدها بتنظيم غلاء عام جديد، إذ قرَّرت رفع أسعار المشتقَّات النفطية، وبتنظيم مزيدٍ من الرخص في أسعار سلع ومنتجات إسرائيلية في أسواقنا.
الدولة، وعلى كثرة ما تجبيه من ضرائب، فقيرة في مواردها المالية، وما عاد في مقدورها "إعالة" المواطنين العاديين عبر إنفاقها لجزء من مواردها المالية (أي الضرائب التي تجبيها منهم) في درء الغلاء النفطي العالمي (الذي انتقل من مسارٍ هابط إلى مسارع صاعد) عن أسعار المشتقات النفطية لدينا، فالدعم الحكومي لأسعارها يَنْتَهِك شريعة اقتصادية دولية، ويَفْتَرِس مزيداً من المال العام.
ولكنَّها، أي الدولة، غنية بما يكفي لتخلِّيها عن مورد مالي لها هو الضرائب والرسوم الجمركية التي كان ينبغي لها فرضها على نحو 2500 سلعة إسرائيلية مُصدَّرة إلى أسواقنا، عملاً بالبروتوكول الملحق باتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي، والذي دخل مرحلته السادسة بدءاً من الأوَّل من كانون الثاني 2010!
العمال والموظَّفون، أي غالبية المواطنين العاديين الذين لا يملكون من مَصْدَر للحياة سوى الأجر والراتب، أو المعاش الذي يشق على صاحبه تمييزه من "الممات"، يسألون دولتهم عن السبب الذي يمنعها من استئناف الدعم الحكومي لأسعار المشتقَّات النفطية، والتي في غلائها تكمن البنية التحتية للغلاء العام عندنا، فتجيبهم على البديهة قائلةً إنَّ أسعارها ترتفع عالمياً، فتتسع حُصَّة دعمها من الموازنة العامة، ولا تستطيع الدولة، بالتالي، تحمُّل هذا العبء المالي العظيم والمتعاظِم.
هذا الزعم يَفْسُد مَنْطِقاً بفضل حقائق الواقع، فإنَّ "الفساد"، بصوره كافة، وتمويل الدولة لتضخُّمها البيروقراطي، يلتهمان أو يفترسان الجزء الأعظم من المال العام، أي من الضرائب التي تجبيها الدولة من المواطنين.
وهذا الزعم يزداد منطقه فساداً، ويصبح متعذِّراً، بالتالي، أن يقع على أسماع شعبية تشبه أسماع أصحابه الحكوميين، ما أن يتناهى إلى أسماعنا أنَّ حكومة الرفاعي قرَّرت تقديم "دعم حكومي مالي أردني سلبي" لنحو 2500 سلعة إسرائيلية من خلال قرارها، عبر دائرة الجمارك، إعفاء تلك السلع من الضرائب والرسوم الجمركية، ومن كل ما يشبه ذلك من وسائل ترفع أسعار تلك السلع في أسواقنا، فالمُصدِّر الإسرائيلي يشكو تضاؤل ربحه، حجماً ومعدَّلاً، ويحتاج، بالتالي، إلى سوقٍ كسوقنا تمنحه من المزايا التجارية ما يشدِّد ويقوِّي الطلب على بضاعته!
أقول ذلك وأنا أسمع مُعْتَرِض يقول إنَّنا لا نعطي المُصَدِّر الإسرائيلي إلاَّ بما يوافِق مبدأ "المعاملة بالمثل"، فالمُصَدِّر الأردني إلى السوق الإسرائيلية يتمتَّع بمزايا تجارية مماثلة.
واعتراضاً على هذا الاعتراض الفاسِد نقول إنَّ حجم التجارة بين إسرائيل والأردن قد تضاعف 8 مرَّات في السنوات السبع الأخيرة؛ ولكنَّ هذا التضاعُف قام ويقوم على العجز في الميزان التجاري للأردن مع إسرائيل، فالأردن، سنة 2008، استورد من إسرائيل بضائع قيمتها 205 ملايين دولار، مُصَدِّراً إليها بضائع قيمتها 138 مليون دولار.
وهذا العجز إنَّما هو العجز الظاهر فحسب؛ ذلك لأنَّ أسواقنا ممتلئة ببضائع (أجنبية وعربية) تَدْخُل في تكوينها وإنتاجها عناصر (اقتصادية) إسرائيلية.
والسلع الإسرائيلية المعفاة من الضرائب والرسوم الجمركية (وأشباهها لجهة الأثر) هي في معظمها من النوع الذي تستهلكه الصناعة عندنا، أي يَدْخُل في إنتاج سلع أردنية، وكأنَّ الغاية هي جَعْل اتفاقية "كويز" QIZ تهيمن على الصناعة الأردنية في خارج "المدن المؤهَّلة"!
وحتى لا يُحْسِن المواطنون التفسير والتعليل والفهم يوجَّهون بأبصارهم وبصائرهم إلى ما يشبه "القضاء والقدر"، فهذا الذي نعاينه ونعانيه من تطبيع لاقتصادنا بطباع مصالح وأهداف إسرائيلية إنَّما هو، على ما يُزْعَم، عاقبة حتمية لانضمامنا إلى "منظمة التجارة العالمية"، وللعولمة الاقتصادية!
إنَّ "التطبيع" للعلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، وعلى النحو المعمول به الآن، لا يمكن فهمه إلاَّ على أنَّه تأسيس لبنية تحتية اقتصادية لنفوذ سياسي ـ إستراتيجي إسرائيلي في مجتمعنا.
وإنِّي لأفهم سياسة الإفقار الاقتصادي لذوي الأجور والرواتب من مواطنينا على أنَّها سياسة ضد المقاوَمة الشعبية لتطبيع العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، فتنظيم الغلاء العام، انطلاقاً من تنظيم الغلاء في أسعار المشتقات النفطية، هو تدمير مستمر، متزايد، ومنظَّم، للقوَّة الشرائية للأجر والراتب عندنا؛ وهذا التدمير يمكن إذا ما اقترن مستقبلاً بإعفاء بضائع استهلاكية ومواد غذائية إسرائيلية من الضرائب والرسوم الجمركية أن يشدِّد الطلب الشعبي على تلك البضائع والمواد في أسواقنا، فتَضْعُف وتنهار المقاوَمة الشعبية لهذا التطبيع.
والسير في هذا المسار يمكن أن يتسارع مع استفحال البطالة، وتضاؤل الأجور والرواتب نِسْبَةً إلى قيمها العالمية، وتعاظُم الميل التجاري لدينا إلى إفراغ أسواقنا من منتجاتنا (الزراعية والغذائية على وجه الخصوص) من أجل بيعها في الأسواق الأجنبية، فالسياسة الاقتصادية العامة المعمول بها تنمِّي الميل إلى اقتصاد زراعي وغذائي يُنْتِج ليس من أجل السوق لدينا، وإنَّما من أجل أسواق أجنبية، يأتي البيع فيها لمُصَدِّرينا بالقطع النادر، وبربح أكبر، في حجمه ومعدِّله.
إنَّكَ يكفي أنْ تُسيِّر الاقتصاد في اتِّجاه التوسُّع في إنتاج البطالة، والغلاء العام، وفي اتِّجاه إفقار المواطنين بثنائية "عالمية الأسعار وقومية الأجور والرواتب"، وإفراغ أسواقنا من منتجاتنا الزراعية والغذائية، وتوطين رؤوس أموالنا وفوائضنا المالية في الأسواق المالية العالمية، حتى يصبح تطبيع العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل مَدْخَلاً لها إلى ملء هذا الفراغ في اقتصادنا، فالمقاومة الشعبية لهذا التطبيع يمكن أن تصبح أثراً بعد عين إذا ما اجتمع عليها "الإفقار" و"إغراق أسواقنا بسلع إسرائيلية رخيصة (أي معفاة من الضرائب والرسوم الجمركية)".
مركز إسرائيلي للدراسات والأبحاث (N.F.C) كشف في تقرير له أنَّ تونس سوقٌ عربية كبيرة للسلع الإسرائيلية، وأنَّ دول مجلس التعاون الخليجي هي سوق واعدة للسلع الإسرائيلية، وأنَّ دولاً عربية وإسلامية لم توقِّع مع إسرائيل اتفاقيات تجارية قد زادت حجم مبادلاتها التجارية مع الدولة العبرية.
والمهزلة التي تنطوي عليها هذه المأساة هي أنَّ الدول العربية "المُطبِّعة" و"غير المُطبِّعة بعد" لم تتَّفِق حتى الآن على تطبيع العلاقة الاقتصادية بينها، فأسوار الحماية الجمركية تنهار بيننا وبين إسرائيل، وبما يعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد الإسرائيلي؛ ولكنَّها تبقى وتقوى وتعلو بيننا!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
-
الأجهزة الأمنية العربية!
-
ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
-
الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
-
-سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
-
احذروا فضائيات التكفير!
-
شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
-
قيادات في تيه سياسي!
-
-جدارٌ فولاذي- لفَلِّ -الأنفاق-!
-
أزمة الإصلاح السياسي والديمقراطي في الأردن
-
الحقُّ في السؤال!
-
معالي الوزير!
-
ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!
-
بين مفاوضات مُفْلِسَة ومقاوَمة عاجزة!
-
أعداء -السببية- يَنْعُون -السبب-!
-
هذا التمادي في شتم العرب!
-
الطريق الملتوية إلى -الدولة ذات الحدود المؤقَّتة-!
-
رياضة بروح سياسية.. وسياسة بروح رياضية!
-
طاب الموت يا طابة!
-
-نعم- للقرار الدولي.. و-لا- لإعلان الدولة!
المزيد.....
-
-حماس- تصدر بيانا بشأن فلسطينيين تتوقع الإفراج عنهم مقابل 3
...
-
عمدة مدينة اسطنبول أمام القضاء وسط هتافات المؤيدين ودعوات لا
...
-
أكبر تجمع للمسلمين بعد الحج .. مهرجان ديني على ضفاف نهر تور
...
-
مشغلو المسيرات الروس ينقذون جنديا روسيا معتقدين أنه أوكراني
...
-
لماذا يخشى ترمب تخلي -بريكس- عن الدولار؟
-
ترامب: سأفرض رسوما جمركية على السلع الأوروبية لأن بروكسل تعا
...
-
إسقاط 7 مسيرات أوكرانية فوق مقاطعة بريانسك الروسية
-
فرق الطوارئ الأمريكية تنتشل جثث 41 ضحية في حادث تصادم الطائر
...
-
زاخاروفا: روسيا قدمت بديلا للكتل السياسية العدوانية على السا
...
-
المغرب واليمن.. توقيع 7 اتفاقيات لتعزيز التعاون
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|