أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل حاجي نائف - المعرفة , والوجود















المزيد.....

المعرفة , والوجود


نبيل حاجي نائف

الحوار المتمدن-العدد: 2885 - 2010 / 1 / 11 - 13:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نسأل هذا السؤال : هل مدينة باريس موجودة ؟
سيرد الكثيرون طبعاً مدينة باريس موجودة , وهذا مؤكد ومثبت بشكل تام , فهناك آلاف وملايين الدلائل والإثباتات . وسوف يقول بعضهم أنهم زاروها , وهي موجودة حتماً , وليس هناك مجال للنقاش في ذلك.
نعم إنها موجودة بالنسبة لهم . فهم يؤمنون بذلك ومتأكدون منه .
والقارئ سيعتبر أن الجواب الصحيح والموضوعي والذي لا لبس فيه :
هو أن باريس موجودة دون أي شك , وأن الذي يقول أنها غير موجودة لم يتأثر بوجودها أو لم يعلم بوجودها , ولكنها فعلاً موجودة.
أي أن الجواب على هذا السؤال راجع لمعرفة ومعلومات من يُسأَل , فإذا كان المسؤول من سكان باريس فجوابه سوف يكون مؤكد باريس موجودة . فهو يشعر ويحس بها بحواسه , وهو مؤمن بصحة معرفته بصورة مطلقة ولا يمكن إقناعه بغير ذلك.
ولكن إذا كان الشخص المسؤول من سكان الأمازون أو من سكان القطب الشمالي أو من سكان الصحارى المنعزلين فجوابه , سوف يكون لا إنها غير موجودة , أو لا أعرف.
ولكن القارئ يرى أن باريس موجودة وليس هناك أي شك , وهؤلاء الذين سألتموهم وقالوا لا , لا يعرفون ذلك . ولكن هي موجودة فعلاً .
يمكن الرد عليه :
إنها موجودة بالنسبة لك ولكنها ليست موجودة بالنسبة لهؤلاء الذين لم يسمعوا أو يروا أي شيء عن باريس .
لذلك جوابكم صحيح بالنسبة لك و لما تملك من معارف ومعلومات . وكذلك جوابهم صحيح بالنسبة لهم . ولكي نصل إلى تحديد وتعيين أكثر يمكننا أن نقول :
أن باريس يمكن أن توجد بالنسبة لإنسان أو جماعة معينة - أي لمرجع معين- .
ويمكن أن لا توجد بالنسبة لأفراد أو جماعات أخرى – مرجع معين أخر -
أي لا يمكن أن توجد بالنسبة لكل الناس , أو بالنسبة لكل المراجع.

الآن- إذا حاولنا إقناع إنسان لا توجد باريس بالنسبة له , بوجودها بواسطة الكلام فقط ( أي ننقل له المعارف ) , ربما نصل إلى إقناع ضعيف له .
أما إذا أخذنا أحد الذين يثق بهم هذا الإنسان إلى باريس , وشاهدها ولمس وأدرك وجودها وآمن بوجودها , وجعلناه يروي ما وجد لذلك الإنسان . فإننا على الأغلب سوف نجد جواب هذا الإنسان : أن باريس موجودة , مع أنه لم يذهب إليها . لأن مرجعه الموثوق أكد له وجودها ( ونقل له هذه المعرفة ), وسوف يكون أكثر إيماناً بوجودها من ذي قبل.
أي يمكن أن تصبح مدينة باريس موجودة بالنسبة للذين لا يعرفون أو لا يعلمون بوجودها إذا نحن استطعنا نقل هذه المعرفة لهم , حتى وإن لم يدركوها واقعياً .
فغالبية معارفنا نكتسبها بهذه الطريقة , ينقلها لنا غيرنا , ولا نكتشفها أو نبنيها بأنفسنا ( أو نرثها من المجتمع الموجودين فيه ) .
إذاً المعرفة يمكن خلقها أو إيجادها في العقول وبطرق متنوعة كثيرة , وهذه الطرق تعتمد على التواصل اللغوي الفكري مع الآخرين فقط , ودون الاستعانة بالأحاسيس والتأثيرات الواقعية لهذه المعارف - دون تجربة واقعية- .
الآن- إذا استخدمنا إمكانيات واقع افتراضي متطور جداً يعتمد على الصوت والصورة والرائحة و أغلب الحواس , و جعلنا الذي ولا يعلم بوجود باريس يتأثر بحواسه بواسطة الواقع الافتراضي وكأنه يزورها . أي تأثير الحواس فقط, دون وجود واقع مقابل لها .
إننا سوف نحقق لديه معرفة وإيماناً قوياً بوجود باريس أو بأي أشياء غير الموجودة في الواقع .
ولكن إذا جعلنا مولوداً يتأثر بالواقع الافتراضي المتطور الذي خضع له ذلك الرجل . فهل سيعرف أن باريس موجودة ؟
أن هذا المولود لن يعرف شيئاً سوى أصوات وألوان وروائح..... ليس لها أي معنى بالنسبة له , لأنه لم يكتسب بعد المعاني والمفاهيم وأسس التواصل البشرية التي سوف تنقل إليه لاحقاً .
وهذا معناه أن الحواس لوحدها , غير كافية لنشوء المعرفة البشرية.
لنتابع . .
لنسأل مئة أو ألفاً من سكان باريس الحاليين عن ( ماهية وجود باريس ) ؟
أننا سوف نجد أجوبة مختلفة بعدد الذين سئلوا . فكل منهم تكون تأثيرات باريس عليه مختلفة عن الآخر,
صحيح سوف تتشابه الأجوبة في بعض الأمور ولكن تبقى مختلفة بشكل كبير . وهذا يعني أن غالبية المعارف ليست متطابقة بين الناس .
فكم هي المعلومات التي يمكن أن تذكر عن باريس ؟
إنها هائلة جداً ولا يمكن تحديدها .
وكذلك هي متغيرة دوماً خلال زمن قصير أو طويل . ومدينة باريس لم تكن موجودة دوما فهي نشأت في زمن معين . وهي في كل لحظة تتغير , فباريس اليوم غير باريس قبل مئة عام أو قبل يوم .
أي معرفة حقيقة الوجود بشكل كامل مستحيلة .

ربما يقول البعض الذين يؤمنون بالوجود الموضوعي : إن باريس مهما فعلنا هي موجودة ويمكن إثبات وجودها لأي كان .
هناك رد على ذلك .
هل باريس وحتى الكرة الأرضية هي موجودة " الآن " بالنسبة لكائن في كوكب آخر يبعد عنا عشرة آلاف سنة ضوئية ؟
إنها لا يمكن أن توجد بالنسبة له إلا بعد عشرة آلاف سنة . وإذا كان يبعد عدنا ملايين أو عدت مليارات من السنين الضوئية فيلزم هذه المدة لكي تصل التأثيرات إليه وسوف تكون هذه التأثيرات شبه معدومة . وإذا أرد المجيء لكي يتأثر بها عن قرب فسوف يأتي ولن يجدها لمرور ملايين السنين . فهناك بعد زمني يجعل تعميم وجود باريس على كل الوجود مستحيل .
وكذلك الكائنات التي وجدت قبل تشكل باريس وانتهت , لا يمكن أن توجد باريس بالنسبة لها.

وربما يقول البعض آخر : أننا أخذنا مثال مدينة باريس وهي بنية معقدة . لذلك سوف نأخذ مثال آخر, أي بنية لكائن حي ونحاول تحديد معرفتنا عنها . إننا سوف نجد أنها أيضاً معقدة , و لا متناهية , ومتحركة .
ولكي نوضح أكثر لنأخذ ذرة أحد العناصر الكيميائية الأساسية ولتكن ذرة النحاس . إن ذرات النحاس كلها متشابهة في الخصائص , ولكنها ليست متماثلة تماماً , إن كل ذرة نحاس مختلفة عن الأخرى من عدة نواحي .
ولكي نصف ذرة النحاس بشكل دقيق نحتاج إلى مئات الصفحات لذكر طبيعة وحركة وطاقة مدارت وطبقات إلكتروناتها , وطرق تغيّر مسارات ومدارات الإلكترونات فيها , ولكي نصف خصائص البروتونات والنيترونات الموجودة في النواة والعلاقات الموجودة بينها ضمن النواة . فهي في أوضاع وطبقات متعددة فالوضع حتى في الذرة الواحدة معقد ومتحرك ويستحيل علينا تحديده بدقة تامة . والذي يعقد الوضع أكثر هو التأثيرات المتبادلة بين طبقات مدارات الإلكترونات والنواة . والتأثيرات المتبادلة مع الوسط الموجودة فيه الذرة . فهناك تأثيرات مجالات القوى المختلفة إن كان من خارج الذرة أو من داخلها .
فحتى الذرة هي أعقد بكثير مما نتصور وهي في صيرورة مستمرة . والمشكلة الكبرى هي أننا عندما ندرس الذرة يجب أن نتأثر بها ونؤثر بها أيضاً
وهذا يمكن أن يغير من خصائصها وبالتالي يجعل إمكانية معرفتها بشكل مطلق مستحيل .

ومثال على لا تناهي الأحداث واستحالة تعيينها بشكل مطلق ما قاله إيان ستوارت في كتابه من" يلعب النرد":
إن ميلي غرام واحد من الغاز يحتوي مئة تريليون جسم تقريياً ونحتاج إلى قطعة من الورق يساوي المساحة التي يحويها مدار القمر حول الأرض لكتابة معادلات الحركة ذرات هذا الغاز.
وقال أيضاً:
إن حساب حركة كرتين متصادمتين ممكن بالدقة التي نريد, أما حساب حركة تصادم ثلاث كرات فهي مستعصية على الحل الكامل.

وفي النهاية لنسأل " أي إنسان " يؤكد أن وجود الموجودات هو وجود موضوعي بغض النظر عن وجود من يتأثر بها . لنسأله عن بعض الموجودات أو بعض خصائصها التي لم يتأثر بها , وبالتالي لم يعلم بوجودها .
إنه سوف يكون جوابه : لا أعلم ربما كانت موجودة
أي يكون رده مثل رد الرجل الذي سألناه عن باريس التي لا يعلم بوجودها , ولكنه سيبرر, أن عدم معرفته بها لا يمنع من وجودها وجوداً فعلياً .
ولكن كم هي الموجودات التي لم يتأثر بها؟
إنها غير محدودة ولا يمكن تعيينها, وعلى الأغلب لا متناهية , و لا معينة . ولا متناهي ولامعين هو: لا معرٌف , ولا يمكن التعامل معه فكرياً , وكل أحكامنا عليه سوف تكون غير معينة وليس لها أي معنى .
أي أن الوجود الموضوعي غير معين بشكل كامل أو لا يمكننا تعيينه ومعرفته بشكل تام .
وإن هذا يظهر لنا أن وجود شيء ما هو دوماً بالنسبة لشيء أخر, ولا يمكن وجوده لوحده- أي بالنسبة لنفسه فقط -.

وأن معرفة هذا الوجود هي دوماً تنبؤ أو حكم بوجود شيء , أو وضع, أو فعل , حدث في الماضي , أو سوف يحدث في المستقبل , وهي تعتمد علىالسببية . وهذا يستدعي أيضاً وجود حوادث متشابهة يتكرر حدوثها ويجري بناء التعميم بناءٌ على هذا التشابه الذي هو أساس المعرفة .فإذا لم توجد حوادث متشابهة فلن نستطيع بناء معرفة , والمعرفة مرتبطة بالتأثر ولا يمكن حدوث معرفة دون تأثر.

وفي النهاية يمكن أن نقول أن خصائص معرفة الوجود هي :
أولاً : هي تنبؤ- والاستقراء, والاستنتاج, والاستنباط, والاستدلال, والتركيب, والتحليل, والتفسير, والسببية - يتضمنون التنبؤ . والحكم هو تنبؤ معتمد . و لها درجة صحة أو درجة دقة ولا توجد معارف مطلقة الصحة.
ثانياً : معرفة الوجود نسبية وهي تابعة للعارف ( إن كان فرد أو جماعة) ومرتبطة به , لذلك لا توجد معارف مطلقة العمومية
ثالثاً : معرفة الوجود تابعة لخصائص وقدرات الحواس البشرية - أشكال وطبيعة التأثر بالوجود - , و خصائصها,
وقدرات وخصائص العقل البشري . لذلك المعرفة البشرية مختصرة ولا تشمل إلا جزءاً ضئيلاً من وقائع الواقع اللا متناهية.
رابعاٌ : ترتبط المعرفة بزمان ومكان وقدرات وخصائص الإنسان العارف , الذي هو مرجع هذه المعارف . لذلك تختلف المعارف باختلاف الأشخاص واختلاف الأزمان .
خامساٌ: المعارف يجب أن تكون عامة , و توحيدها لا بد منه عند تعامل الناس بها.
سادساٌ : هي نتيجة التواصل الفكري بين البشر .





#نبيل_حاجي_نائف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبع والشخصية
- السوبرمان قادم
- الموروث البيولوجي و الموروث الاجتماعي
- التفكير بالتفكير
- كيف يتحكم بنا الدماغ
- التناقض الفكري والتناقض السببي
- اللغة المحكية واللغة المقروءة
- ما تفكر فيه
- كيف تطور العقل البشري
- السعادة فن تذوق الحياة
- الرهاب الاجتماعي
- التفكير التسلسلي والتفكير المتوازي
- السببية , والحرية , والهوية , عند هيوم
- التعامل مع النجاح والفشل
- الإشاعة والإعلام
- 2 - تأثيرات الأزمة الاقتصاديةعلى الدول العربية
- هيوم أعظم المفكرين
- الأزمة الاقتصادية أسبابها و تأثيراتها
- أسس الإرادة (2)
- أسس الإرادة (1)


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل حاجي نائف - المعرفة , والوجود