|
مفهوم المجتمع المدني .. ترسيخ فكرة المواطنة ( 3 )
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 2882 - 2010 / 1 / 8 - 13:44
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
اتخذ مفهوم المجتمع المدني دلالات مختلفة ، وفقا للشروط التاريخية والتبدلات الاجتماعية ( ضمن المنظومة السياسية - الإجتماعية السائدة ) التي شهدتها البيئة الغربية ، في سياق ما يمكن أن يطلق عليه عملية " التمرحل " والتي تعني تكرار ظهور المفهوم عبر مراحل مختلفة بأشكال وصور عدة متباينة ، لذا شهدنا ومنذ العقدين الأخيرين للقرن المنصرم عودة قوية لهذا المفهوم ) المجتمع المدني ) من قبل منظرين ومفكرين يمينيين أو ينتمون إلى المحافظين الجدد في أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ، وكذالك من قبل مثقفين ليبراليين في أوربا الشرقية ، كما أخذت تبرز وتظهر تيارات سياسية ونخب ثقافية ( وبعضها ذات أيدلوجيات وتوجهات يسارية أو شمولية حتى وقت قريب ) وقوى ونخب ومجاميع جديدة تبشر وتسعى إلى بلورة هذا المفهوم في مجتمعات البلدان النامية ومن بينها البلدان العربية . غير أن علينا أن نميز هنا بين واقعين وحالتين تختلفان جذريا هما ، واقع وظروف البلدان المتقدمة ، التي تمتلك بالفعل مجتمعات مدنية راسخة تشكلت على امتداد ثلاثة قرون ) منذ القرن السابع عشر ) من قيام ما يعرف بالدولة / الأمة ( الدولة الحديثة ) نتيجة الثورات البرجوازية ( البريطانية / الفرنسية ) وحرب الاستقلال ( الأمريكية ) ، التي أنهت كافة أشكال التراتبية القديمة ، وتمظهرات الولاءات التقليدية الخاصة ( الحكم المطلق ، الاقطاع ، الكنيسة ) ، و أضعفت إلى حد كبير الانتماءات الأهلية ( العائلة ، الطوائف الحرفية ) وحصرتها بالدولة القومية المركزية الواحدة ، المتموقعة فوق الامة ، والمعبرة عن وحدتها ومصالحها المشتركة . وفي سياق سيرورتها ( الدولة ) ظهر وترسخ مفهوم جديد تمثل في فكرة المواطنة ( بخلاف التابع والرعية في العهود القديمة ) المتساوية في الحقوق والواجبات ، و الالتزام بالشفافية والانفتاح والتعددية التي تكفلها السياسة المدنية ( العقد الاجتماعي ) التي تتضمن المشاركة الشعبية الواسعة في صنع القرار ، و مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال حق الترشيح والانتخاب ( البرلمان ) ، وحق المساءلة والمحاسبة , المستند إلى أسس قانونية / حقوقية ( الدستور ) ملزمة ، تعين بموجبها فصل و توازن واستقلالية السلطات ( التنفيذية ، التشريعية ، القضائية ) منعا لاحتكار السلطة ، وتغول أجهزة الدولة . في موازاة تلك الدولة الحديثة أخذت تتشكل منظمات ومؤسسات مدنية مستقلة ، ترفد الدولة ، وتراقب وتصوب ممارساتها، و تشارك في تحقيق الكثير من المهام والوظائف الاجتماعية التي عجزت أو تخلت الدولة عن القيام بها . إذا اختلفت دلالة المفهوم من مجرد التمييز بين المجتمع الطبيعي ( القديم ) والمدني ( الحديث ) ، والتحديد بين العام ( السياسي ) والخاص ( الثقافي ) ليصبح مفهوما له دلالة جديدة يعبر عن قطيعة وتجاوز لمعناه القديم ، يتمثل في بروز فاعل اجتماعي محدد في البلدان المتقدمة ، هي منظمات وهيئات ومؤسسات مدنية مستقلة عن المجتمع السياسي ( الدولة ) تمتلك من القوة والنفوذ والموارد ما يمكن أن يتجاوز إمكانيات العديد من الدول ، ونشير هنا على سبيل المثال الى إن ما رصدته مؤسسة بيل جيتس ( مالك شركة ميكروسوفت ) لدعم المشاريع الاجتماعية ، والأبحاث العلمية ، والدراسات الخاصة بالأمراض المستوطنة والخطيرة ( الايدز ) يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات ، وهي تفوق ميزانيات العديد من الدول النامية مجتمعة . ومن هنا نلحظ أن الدول الديمقراطية لجأت إلى استخدام مفهوم المجتمع المدني للتغطية على استقالتها من وظيفتها الاجتماعية / الاقتصادية وفقا لمنطق الليبرالية الجديدة ، وقوانين السوق الغابية ، ومصالح الشركات متعددة الجنسية ، الذي أصبح مجالها الحيوي يشمل العالم بأسره . وهو ما يتجلى في العولمة واليات هيمنتها ( الوطنية والدولية ( غير ان الدولة الديمقراطية هنا اذ تنسحب من ميادين معينة ( لصالح المجتمع المدني ( كانت من اختصاصها حتى أمد قريب ، فإنها تؤكد حضورها في ميادين وجوانب رئيسية أخرى . وينبغي القول هنا إن الحديث عن إلغاء الحدود والحواجز أمام انتقال الرساميل والسلع والتقنية والأفكار والبشر ( مع وجود قيود صارمة على صعيد العمالة المهاجرة من بلدان الجنوب ) على امتداد العالم والتي تبشر بها العولمة ، يعني ضمن معادلات القوة والسيطرة السائدة طريقا ذا اتجاه واحد ، ينطلق وينبع من الدول المتقدمة الغنية صوب البلدان المتخلفة الفقيرة . وبما يؤبد تخلفها وتبعيتها وارتهانها . . أما في البلدان النامية ومن بينها البلدان العربية ، فإن بروز و تنامي استخدام هذا المفهوم ، والدعوة إلى بناء وترسيخ قيام مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة ، يأتي في سياق فشل النخب العربية ( التقدمية والمحافظة معا ) الحاكمة في بناء الدولة / الأمة ، وترسيخ رابطة وهوية وطنية جديدة على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ، والتي تجب وتمثل قطيعة مع ما قبلها من انتماءات وولاءات ) قبلية وعشائرية ومناطقية ومذهبية ) فرعية تقليدية ، يضاف إليها فشل أنماط التنمية والتخطيط الإداري ( البيروقراطي ) للاقتصاد الوطني ، و التي حددتها تقارير التنمية العربية في ثلاثة نواقص أساسية هي : نقص الحرية ، نقص تمكين المرأة ، نقص المعرفة. مؤسسات المجتمع المدني تطرح هنا كمطلب لسد الفراغ ، وردم الهوة بين الدولة الإستبدادية / الريعية وأجهزتها البيروقراطية / الأمنية المتغولة ، التي تعيش فشلها الذريع وأزمتها الشاملة على جميع المستويات والاصعدة من جهة ، وبين المجتمعات العربية المتراجعة إلى مكوناتها التقليدية الفرعية ، و الذي يحمل معه مخاطر التفكك ، وانفجار وتصاعد أعمال العنف والإرهاب من قبل الجماعات المتطرفة والتكفيرية والموجهة ضد الجميع ، أو "المأكلة الكبرى " في حرب الجميع ضد الجميع وفقا لهوبز ، و على النحو الذي نشاهد تجلياته في معظم المجتمعات العربية من جهة أخرى . السؤال هنا : هل هناك دلائل من قبل النظام العربي الرسمي على الاستجابة ، والعمل على ازالة المعوقات السياسية والإدارية والاجتماعية أمام تشكل وانبثاق مؤسسات المجتمع العربي المدني ، كآخر جدار في مواجهة الانهيار الشامل أم أنها ستكون صيحة في برية ؟
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكونات وعناصر المجتمع المدني (2 )
-
بمناسبة العيد الثامن لانطلاقة الحوار المتمدن
-
المسار التاريخي لظهور وتبلور مفهوم المجتمع المدني ( 1 )
-
الحداثة والأزمة الحضارية 2 - 2
-
الحداثة وانسداد الأفق التاريخي ( 1 )
-
القمة الخليجية في ظل التحديات والاستحقاقات المشتركة
-
الاحتفاء بالشخصية الوطنية البارزة ميرزا الخنيزي
-
إيران: بين ولاية الفقيه والدولة المدنية
-
الديمقراطية على الطريقة الإيرانية
-
كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.. ميثلوجيا الحزن والثورة
-
كارثة سيول جدة.. هل تكون محركا لاجتثاث الفساد ؟
-
تقرير منظمة الشفافية العالمية عن الفساد
-
مبادئ حقوق الإنسان.. بين النظرية والتطبيق
-
التجديد الديني والإصلاح الوطني.. ضرورة الراهن ( 13 )
-
التجديد والإصلاح الديني.. ضرورة الراهن ( 12 )
-
دور الأنظمة العربية والغرب في إعادة بعث -الأصولوية الإسلاموي
...
-
التكفير والعنف منهجان متلازمان ( 10 )
-
- الأصولوية الإسلاموية -.. بين التقية والعنف ( 9 )
-
نشوء -الأصولوية الإسلاموية- ( 8 )
-
من الأصولية إلى الأصولوية الإسلاموية ( 7 )
المزيد.....
-
ترامب يعلق على تحطم طائرة صغيرة في فيلادلفيا
-
سوريا.. فيديو ودلالة هدية أحمد الشرع إلى أمير قطر ورد فعل ال
...
-
السعودية.. فيديو ما فعله وافد يمني ومواطن بالشارع العام يشعل
...
-
تونس تُطلق مبادرة لدعم دخول شركاتها إلى أسواق موريتانيا والس
...
-
مسؤولون أوكرانيون لـCNN: قوات كورية الشمالية انسحبت من الخطو
...
-
عاجل| نيويورك تايمز: إدارة ترامب تخطط لمراجعة دقيقة لعملاء ف
...
-
ماسك يبدأ تنفيذ تكليف ترامب.. وهذا ما فعله بموظفي الحكومة
-
ترامب يعاقب عناصر -إف بي آي- المشاركين في التحقيقات بشأنه
-
من بينهم مصريون.. محكمة تحدد مصير -المحتجزين في ألبانيا-
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|